أقلام وأراء

منير أديب يكتب – الصراع الأميركي – الصيني وإنتاج الإرهاب في أفغانستان

منير أديب *- 24/7/2021

تعود أفغانستان إلى الواجهة من جديد بعد خمسة عقود مرت على الحرب، وقد كانت محور الصراع الأميركي – السوفياتي في نهاية السبعينات من القرن الماضي الذي انتهى بتفكك الأخير بينما بقيت أدوات الولايات المتحدة في هذه الحرب حاضرة في صراع العمالقة. وكانت أفغانستان بمثابة النقطة الفاصلة في هذا الصراع الذي دارت رحاه في العام 1979، ودعمت فيه الاستخبارات المركزية الاميركية ما سمي بالمقاتلين العرب أو المجاهدين العرب وقتئذ، والذين شكلوا في ما بعد ما عرف بتنظيم “قاعدة الجهاد” والتي شكلت نواة تنظيم ما يُسمى بـ “الدولة الإسلامية في العراق وسوريا” (داعش).

أفغانستان تحولت بؤرة للصراع واستقطاب الجهاديين من كل دول العالم في صراع الولايات المتحدة الأميركية مع الاتحاد السوفياتي، ثم تحولت أفغانستان بعد انسحاب السوفيات موطناً لتنظيمات العنف والتطرف العابرة الحدود والقارات، ومنها إنطلقت عمليات التدريب لكل الجهاديين الذين مارسوا الإرهاب في أغلب دول العالم، هذا التحول لم يكن عفوياً وإنما كان مخططاً له وهو ما باتت أفغانستان معبراً عنه الآن.

الولايات المتحدة ساعدت في إعادة ترتيب بيئة العنف وانتاجها في أفغانستان حتى أصبحت هذه الدولة الآسيوية المصدّر الأول والرئيسي للإرهاب في العالم، كان هدف أميركا من وراء ذلك التأثير في الدب الروسي ومحاولة إخضاعة، وعندما زاد خطر هذه التنظيمات عن الحد وقام تنظيم “القاعدة” بضرب برجي التجارة العالمية في العام 2001، رأت اميركا أن تقوم بتنفيذ عملية عسكرية داخل أفغانستان، استمرت قرابة عقدين من الزمان كأطول حرب تخوضها واشنطن خارج حدودها، من دون أن تصل إلى النتائج التي سبق وأعلنت عنها في بداية الحرب (القضاء على “القاعدة” و”طالبان”)!

فكما دخلت أميركا أفغانستان خرجت منها من دون أن تحقق شيئاً، فما زال تنظيم “قاعدة الجهاد” موجوداً ويطل برأسه على العالم من خلال زعيمه أيمن الظواهري، وأصبحت حركة “طالبان” أقوى مما كانت عليه قبل الغزو الأميركي، لا ينقصها سوى إعادة احتلال المدن والقفز على السلطة وهو ما تحققة بصورة كبيرة وما يُشكك في هدف الولايات المتحدة من الغزو ودورها في أفغانستان على مدار عشرين عاماً.

أكثر ما يلفت النظر ليس وجود “طالبان” كحركة، فالحركة لها متحدث باسمها وقادة يُعبرون عنها وأسلحة يمتلكونها، بخلاف ما حصلوا عليه من القوات الأميركية قبل انسحابهما، مشهد يذكرنا بتنظيم “داعش” الذي نشأ في حضن الأميركيين عندما قرروا احتلال العراق في العام 2003، هكذا نجحت “طالبان” في ترتيب صفوفها في ظل الاحتلال أو لعل الاحتلال هو ما فعل ذلك وأشرف عليه.

انسحاب الولايات المتحده من أفغانستان هو جزء من حرب المواجهة بين اميركا من جانب والصين من جانب آخر، فكما قضت على الاتحاد السوفياتي من خلال توظيف هؤلاء المتطرفين، تحاول أن تفعل الشيء  نفسه مع المارد الصيني بالأداة نفسها  والصورة نفسها، وهو ما سوف تتطاير شظاياه على العالم بأكمله، كما حدث في التوظيف الأول للأفغان وهو ما انعكس على أمن العالم في ما بعد.

الجرائم التي ارتكبتها الصين بحق مسلمي الإيغور في إقليم شينغيانغ والبالغ عددهم قرابة 11 مليون نسمة، ربما يدفع إلى زيادة وتيرة العنف في هذه المنطقة، فأغلب تقارير الأمم المتحدة تشير إلى احتجاز السلطات الصينية قرابة مليون نسمة فيما أطلقت عليه تسمية مراكز مكافحة التطرف بدعوى إعادة تثقيفهم، وهو ما سوف ينعكس على سلوك هؤلاء المسلمين أو مجموعات منهم، أو يجعلهم يتأثرون بالخطاب المقاوم أو المجاهد للحركات المتطرفة في أفغانستان.

والمرجح أن هذه المجموعات وقعت تحت التعذيب الصيني، كما أشارت تقارير الأمم المتحدة “الموثقة” والتي قالت إنهم يتعرضون لما أسمته بحرب إبادة، وهو ما سوف يؤدي إلى رد فعل من التنظيمات المتطرفة الموجودة على الحدود الملاصقة في أفغانستان، لا سيما “القاعدة” و”طالبان”. وهو ما سوف يزيد من وتيرة العنف في قارة آسيا عموماً وفي الصين على وجه الخصوص.

الإجراءات الصينية التي أجبرت نساء مسلمي الإيغور على تناول حبوب منع الحمل، وفق تقارير الأمم المتحدة، وإخضاعهن لعمليات تعقيم قسرية لحرمانهن من الإنجاب نهائياً سوف تولد العنف بصورة كبيرة وسريعة، وهو ما ترصده الولايات المتحدة الأميركية وقد يكون دافعها الأساسي من وراء الانسحاب من أفغانستان، اذ تتوقع أن يتأثر مسلمو الإيغور بالخطاب الجهادي في أفغانستان في ظل سلوك السلطات الصينية.

انسحبت الولايات المتحدة من أفغانستان بينما تركت تلالاً من البارود البشري، تحركه كيفما تشاء وبالطريقة التي تريدها بهدف إحداث قلاقل وإضطرابات، فهي تريد أن تغرق المنطقة في صراعات مسلحة، وتستخدم في ذلك المتطرفين من “القاعدة” و”طالبان” و”داعش”، وقد تساعد السلطات الصينية الولايات المتحدة في تحقيق هدفها من خلال سلوكها ضد مسلمي الإيغور.

مشاكل الولايات المتحدة مع الصين متفاقمة، وصعود الأخيرة ربما دفع أميركا الى محاولة إعادة توظيف جماعات العنف والتطرف الموجوده في أفغانستان، والتي قامت بحمايتها طيلة عقدين من الزمان، فـ”طالبان” أقوى مما كانت عليه ومعها الأسلحة التي استطاعت من خلالها السيطرة على قرابة 85 في المئة من الأراضي في غضون أسابيع قليلة، بينما تنظيم “القاعدة” ما زال موجوداً وما زال زعيمه يبعث برسائله إلى المقاتلين في كل مكان، من دون أن تصل إلى القوة العسكرية الأولى في العالم، فوجود الولايات المتحدة الأميركية في أفغانستان كان بهدف حماية التنظيمات المتطرفة تمهيداً لإعادة الاستخدام والاستثمار.

لا توجد رؤية لدى الصين ولا روسيا في التعامل مع التنظيمات المتطرفة الموجودة في أفغانستان والتي تمتعت بحماية أميركية على مدار عقدين من الزمن، غير محاولة احتواء هذه التنظيمات أو دخول الصين في صراع عسكري وأمني معها، وهو ما سوف يكلفها الكثير، وهو ما تريده واشنطن التي تشعر بالخطر جراء ما وصل إليه الاقتصاد الصيني وما سوف ينتج منه من قوة عسكرية يتآكل النفوذ الأميركي أمامها.

شعرت الولايات المتحدة بالخطر من مبادرة الصين الأخيرة، الحزام والطريق، والتي أطلقتها في العالم 2013 بهدف إحياء طريق التجارة الذي يربط العملاق الصيني بقارتي أوروبا وأفريقيا وباقي قارة آسيا، هذا الطريق سوف يفتح الطريق أمام الصين حتى تُصبح القوة الاقتصادية الأولى في العالم وما يتبع ذلك، فمن يملك الإقتصاد يملك النفوذ السياسي والعسكري، بخاصة أنها حققت انتصارات في هذه الجوانب.

وضعت أميركا أفغانستان والتي تعد ثلة البارود المتنقل أمام طريق الحرير ومن قبل أمام الحلم الصيني حتى لا تتحول الصين إلى مصنع إنتاج العالم كما تحلم بتصدير تجارتها إلى كل دول العالم، بسبب مصنع إنتاج الإرهاب والذي قامت بتدشينه في أفغانستان، وهو ما يمثل قنبله موقوته للصين وللعالم معاً.

الصراع الأميركي الصيني يذكرنا بصراع أميركا مع الاتحاد السوفياتي قبل نصف قرن وقد كانت ساحته في أفغانستان، والتي لم تبعد من دائرة الصراع بين القطبين الأميركي والصيني، بنوع التوظيف نفسه لأفغانستان والجهاديين الذين تدعمهم واشنطن، وهو ما يعطينا صورة عن الرأسمالية الأميركية التي توظف الشر مهما كان لتحقيق مصالحها حتى ولو كان ذلك على جثث فقراء العالم وضعفائه، ولو كان من خلال مناصرة الجهاديين وإرهابيي العالم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى