شؤون مكافحة الاٍرهاب

منير أديب: ماذا بعد مقتل الخليفة الرابع لـ”داعش”؟

منير أديب 6-5-2023: ماذا بعد مقتل الخليفة الرابع لـ”داعش”؟

منير أديب
منير أديب

خلال عام ونيف قُتل أهم ثلاثة زعماء لتنظيم ما يُعرف بـ “داعش”، كان آخرهم الإعلان عن مقتل خليفة التنظيم أبو الحسين الحسيني القرشي، حيث أعلن الرئيس التركي رجب طيب أرودغان في 30 نيسان (إبريل) الماضي نجاح أجهزة الأمن في تحييد الرجل الأول في التنظيم الأكثر تطرفاً، مؤكداً أنه قام بتفجير نفسه من طريق سترة وضعها حول صدره، وبالتالي لم تتمكن قوات الأمن من إلقاء القبض عليه.

ما هي دلالات مقتل الخليفة الرابع لـ”داعش”؟ وماذا يُعني الإعلان عن العملية في برنامج تلفزيوني على قناة محلية؟ ولماذا تُرك الإعلان عن العملية للرئيس التركي، رجب طيب أردوغان الذي يخوض سباقاً انتخابياً قد يكون الأكبر منذ تولية السلطة قبل عشرين عاماً؟

أعربت الولايات المتحدة الأميركية ومنظمة الأمم المتحدة مؤخراً عن قلقهما من تنامي قوة “داعش”، وأنه ما زال يمثل تهديداً لأمن العالم؛ فالحديث عن انتهاء خطره هو خطر في حد ذاته، إذ إن العالم يتحسب لعودة التنظيم في ذكرى سقوطه الرابعة. صحيح أنه تم الإعلان عن القضاء على دولته في 22 آذار (مارس) من العام 2022، لكن هذا لا يعني غياب الخطر.

صحيح أن معدل سقوط قيادات التنظيم بات أسرع في وتيرته من قبل، ولكنه في المقابل ما زال محتفظاً بقدرته على تنفيذ عمليات نوعية على مدار سنوات سقوطه، ويُفهم من هذا أن سقوط الخليفة الرابع في الذكرى الرابعة لسقوط التنظيم لا يحمل سوى تشابه في التواريخ والأرقام، رغم أهمية العملية!

دعونا نتفق أن الرئيس الأميركي جو بايدن زهد في الإعلان عن مقتل الخليفة الرابع لـ”داعش”، كما فعل الرئيس الأميركي السابق إزاء الإعلان عن مقتل الخليفة الأول، أبو بكر البغدادي في 27 تشرين الأول (أكتوبر) من العام 2019، وأيضاً مع سقوط دولة “داعش”، حيث طلبت الإدارة الأميركية من “قوات سوريا الديموقراطية” تأجيل إعلانها عن سقوط دولة “داعش” يوماً واحداً، وبالتالي كان إعلانها في 23 آذار (مارس) من العام 2019، أي بعد إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب، فأرادت أميركا أن تجني وحدها ثمار الانتصار، ويحقق ترامب مكاسب الإعلان من دون غيره أو قبل غيره.

حاول الرئيس التركي أن يُحقق مكسباً من وراء الإعلان عن مقتل خليفة “داعش” الرابع، فجاء ذلك في سياق حديثه على قناة تلفزيونية محلية أثناء استضافته على شاشتها في حوار يتعلق بخوضه للانتخابات التركية المزمع إجراؤها بعد أيام.

وربما حاول الرئيس التركي أن يحقق مكسباً في معركة انتخابية كثيراً ما وجه له خصومه فيها اتهامات تتعلق بدعمه لجماعات الإسلام السياسي، فخرج للإعلان عن مقتل زعيم “داعش” بأريحية ربما تشي بقدرته العسكرية، وأن مثل هذا النوع من الاتهامات التي تطاوله في هذا الخصوص غير صحيحة، وهو ما يُقلل من قيمة العملية ويُعطي مؤشراً إلى أن الأطراف الدولية مشغولة أكثر بتحقيق مكاسب جراء المواجهة لا أن تحقق مكسباً حقيقياً بالمواجهة نفسها.

ربما تم الإعلان عن مقتل أبو الحسين الحسيني الهاشمي القرشي، من دون وجود معلومات عن هذه الشخصية، فمنذ توليه المنصب التنظيمي لا يوجد تعريف لهذه الكنية، منْ يكون؟ وأغلب ما نشر هو عبارة عن تكهنات لا يوجد ما يؤكدها. الأمر نفسه حدث مع تولي أبو إبراهيم الهاشمي القرشي، الخليفة الثاني للتنظيم، والذي قتل في 3 شباط (فبراير) من العام 2022 بينما أعلن التنظيم عن مقتله في 10 آذار (مارس) من العام نفسه، حتى تولى أبو الحسن الهاشمي القرشي الذي قتل في تشرين الثاني (نوفمبر) من العام 2022.

نجحت قوات التحالف الدولي في قتل زعماء التنظيم، ولكن يبقى أن حجم المعلومات المتوافرة عن التنظيم شحيحة، إذ تشير الكثير من التقارير الاستخباراتية إلى أنه ما زال يحتفظ بقرابة عشرة آلاف مقاتل في أماكن متفرقة، كما نجح في تنفيذ عمليات نوعية عدة مطلع العام الجاري في منطقة شمال شرقي وشمال غربي سوريا فقط.

مقتل زعماء “داعش” مرتبط بصورة كبيرة بتمركزهم في مناطق مثل شمال شرقي أو شمال غربي سوريا، وأن اختيار هذه القيادات من نسب “قرشي” وفق تصورات التنظيم التي ترى أن النسب القرشي أحد أسباب تولي الخلافة، وهنا الاختيار يبدو في نطاقه الضيق، كما أن الوجود الجغرافي لهذه القيادات يُعجل باستهدافه، وهذا لا يعني ضعف التنظيم ولا قدرة من يواجهه ولكن ضعف تكتيكات التنظيم الحالية، وهنا نصف التكتيات بالضعف وليس التنظيم.

على المجتمع الدولي أن يُعيد قراءته للتنظيم وأن يُعيد حساباته بخصوص المواجهة؛ صحيح استهداف قياداته قد يُضعفه ولكن في الوقت نفسه لا يقضي عليه؛ فما زالت الرؤية التي تتعلق بمواجهته غائبة في ظل تحديات ربما تجعل البادية السورية على سبيل المثال منطقة حاضنة للتنظيم حالياً، فضلاً عن سيطرة الأتراك على بعض المناطق السورية وكذلك بعض الفصائل الموالية لها، مثل “جبهة النصرة”، فضلاً عن المناطق الأخرى التي تُسيطر عليها القوات الكردية.

ما زال المقاتلون الأجانب التابعون لتنظيم “داعش” يتواجدون بصورة كبيرة في المناطق السورية المقسمة ما بين مناطق يُسيطر عليها النظام السوري وأخرى تُسيطر عليها تركيا وفصائلها المسلحة وثالثة تقع سيطرتها تحت يد القوات الكردية؛ تنوع لا يدل إلى تناغم ولا يشي بمواجهة حقيقية للتنظيم، الذي يستفيد من هذه الحالة، وبين كل هذه القوى تتوزع اتهامات الدعم والموالاة، فضلاً عن عدم وجود تنسيق حقيقي يتعلق بالمواجهة.

الأسباب المحيطة بمقتل الخليفة الرابع لتنظيم “داعش” ربما تجعلنا نتمهل قليلاً بخصوص المكاسب التي قد تتحقق من وراء هذه العملية النوعية؛ فالتنظيمات المتطرفة لا تنتهي بموت قياداتها، فكلما قُتلت قيادة تولت أخرى، وتتعاقب الأجيال في قيادة هذه التنظيمات، فلعل هذه التنظيمات لديها نظام يجعلها قادرة على اختيار هذه القيادات بسهولة ويسر، بخاصة أن نسبة الفاقد في هذه القيادات سريع وكبير.

ما نود قوله باختصار، أن “داعش” سوف يظل على قوته، وربما تنامت هذه القوة خلال الفترة المقبلة لأسباب أشرنا إلى بعضها حتى بعد مقتل الخليفة الرابع، الذي تولى منصبه قبل ستة أشهر فقط، وهنا يمكن القول “إن استشعار الخطر بعد مقتل خليفة “داعش” بات أكبر منه قبل مقتله”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى