أقلام وأراء

منير أديب: القاعدة بين الأفول والبحث عن جثة الظواهري

منير أديب 03-09-2022

أيهما يحتاج للبحث عنه، جثة أيمن الظواهري، التي أعلنت حركة “طالبان” بلسان متحدثها ذبيح الله مجاهد أنها لم تعثر عليها، أم تنظيم “القاعدة” الذي قاده الظواهري قبل عقد كامل ومن قبله أسامة بن لادن، الذي أعلن عن قيام تنظيمه في ثمانينات القرن الماضي؟
تأكيد حركة “طالبان” أنها لم تعثر على جثة الرجل الأول المطلوب للولايات المتحدة جاء أيضاً بلسان سفير أفغانستان لدى الأمم المتحدة والمقيم في قطر سهيل شاهين، في رده على أسئلة الصحافيين، معقباً، أن الحركة سوف تتعامل بشفافية شديدة بعد انتهاء التحقيقات التي فتحت في هذا الشأن قبل أكثر من شهر!
الطرح بأفول تنظيم “قاعدة الجهاد” على خلفية مقتل زعيمه الذي تبحث الحكومة الأفغانية عن جثته، يمكن فهمه في سياق أن التنظيم، لم يُعلن حتى كتابة هذه السطور عن الزعيم الجديد، كما لم ينعَ زعيمه المقتول، وهو ما يُعطي تصوراً بأن تنسيقاً ما تم بين التنظيم والحركة.
هذا التنسيق تحدثنا عنه في وقت سابق، عندما سيطرت الحركة على مقاليد السلطة في أفغانستان، وقبل أن تسيطر عليها أيضاً؛ فالتاريح القريب يحكي أن الغزو الأميركي لأفغانستان في العام 2001 كان بناء على رفض “طالبان” تسليم أسامة بن لادن للولايات المتحدة التي وجهت له اتهاماً بتفجير برجي التجارة العالميين، حتى قال وقتها وزير خارجية أفغانستان إن أسامة بن لادن ضيف أفغانستان، ولن تسلّم أفغانستان ضيفها، فضلاً عن طلب الحركة ما يثبت تورط التنظيم في تفجيرات أيلول (سبتمبر) عام 2001.
منذ عام 2001 الذي صاحب غزو واشنطن أفغانستان ووصول الحركة من جديد الى السلطة في آب (أغسطس) من العام 2021 وهي توفر ملاذاً أمناً للحركة؛ هذه الحركة رفضت، رغم المفاوضات التي استمرت معها أكثر من عام كامل، أن تسلم أيمن الظواهري للولايات المتحدة، علماً أن مكسبها كان أكبر وهو تسلم السلطة في البلاد بعد عشرين عاماً من إزاحتها عنها بالغزو الأميركي.
لا يمكن الحديث عن التنسيق والتعاون بين التنظيم والحركة، كأحد شواهد الاستدلال على جثة الظواهري من دون التطرق إلى مكان مقتل زعيمه، وهو المنزل الموجود في حي السفارات، والمملوك لوزير داخلية “طالبان” سراج الدين حقاني، وهنا يمكن فهم صمت الحركة عن الإدلاء بتصريحات عقب كلمة الرئيس الأميركي جو بايدن بعد مقتل الظواهري في 31 آب (أغسطس) من العام الحالي، وسبب الصمت، أنها كانت تبحث عن مخرج مما تورطت فيه، بحسب اتفاقية الدوحة عام 2020 والتي نصت على ألا توفر “طالبان” ملاذاً لقيادات “القاعدة”.
صرح متحدثون من حركة “طالبان” بعد مرور شهر على مقتل زعيم تنظيم “القاعدة” بأنهم لم يعثروا على جثة الظواهري ولا على أشلاء تدل عليه، وبطبيعة الحال لم تتعرض حركة “طالبان” لبيان الرئيس الأميركي المتعلق بأن استهداف زعيم “القاعدة” جاء بصاروخ موجه أثناء وجوده في شرفة بنايته، وأن واشنطن تعمدت ألا يُصاب أحد من أسرة الظواهري بمكروه أثناء استهدافه.
لم تتعرض حركة “طالبان” للحديث عن أسرة الظواهري التي تواجدت في المنزل المستهدف، ولكنها صرحت بعد الحدث مباشرة بأن العملية العسكرية لواشنطن تُعد اختراقاً لاتفاقية الدوحة المشار إليها سابقاً، أي أنها تركت جريمة توفير ملاذ آمن لزعيم “القاعدة” وتحدثت عن اختراق واشنطن للأجواء الأفغانية من دون تنسيق معها!
خشية حركة “طالبان” من الاعتراف بمقتل أيمن الظواهري في منزل يملكه سراج الدين حقاني على بعد مئتي متر من مقر الحكومة الأفغانية، ربما لا يُساهم في الاعتراف الدولي بالحكومة الأفغانية التي شكلتها “طالبان” بشكل منفرد، وما يستتبعه من عدم الافراج عن أرصدة الحركة المجمدة، وهو ما يضعها في موقف حرج، وهنا فضلت الحركة الكذب على ألا تضع نفسها هذا الموضع.
حديث “طالبان” لم يكن عن مقتل الظواهري من عدمه، ولكنها علّقت على أنها لم تجد جثة زعيم التنظيم، وهو ما يدفعنا لفهم أبعاد العلاقة بين الحركة والتنظيم بصورة أكبر؛ سابقاً وافق التنظيم على طلب الحركة عدم تنفيذ أي عمليات ضد واشنطن من أفغانستان، حتى لا يضع الحركة في حرج، وهو ما استجاب له التنظيم، وها هي اليوم تطلب الحركة من التنظيم عدم الإعلان عن نعي زعيمها ولا الإعلان عن تعيين خلف له، حتى لا يضعها في الموقف الحرج نفسه، وهو ما استجاب له التنظيم على الأقل حتى الآن.
لغة التفاهم التي تجمع التنظيم والحركة محركها الأساسي، سراج الدين حقاني، الذي أصر رغم وجود معارضة داخلية على الاستمرار في دعم “القاعدة” ونقل زعيمه من جبال تورا بورا إلى داخل العاصمة الأفغانية وداخل الحي الدبلوماسي، كمكافأة على نضاله وجهاده، بحسب اعتقاد وزير داخلية الحركة.
هناك معارضة لتوجه سراج الدين حقاني، ولكن في النهاية وافقت الحركة على الاستمرار في التوجه القديم في دعم “القاعدة”، والأدل على ذلك إعادة رسم خريطة العمل لتنظيم “القاعدة”، من تأجيل نعي الظواهري واختيار خليفته، لحين ترتيب الملفات المتعلقة باتهام الحركة من واشنطن بإيواء رجل “القاعدة” الأول.
وهذا يدل على قوة العلاقة بين الحركة والتنظيم، ولعل واشنطن تعرف ذلك ولكنها غضت الطرف عنه، وهذا إن دل فإنما يدل على أن موقف واشنطن من الانسحاب من أفغانستان لم يكن موفقاً وأن الالتزام الذي كتبته “طالبان” على نفسها في الدوحة لا قيمة له وأنها لم تلتزم به ولن تلتزم، كما توقعنا سابقاً، وأن الحل الوحيد هو مواجهة الحركة وتفكيكها من دون ترك السلطة لها.
أختفت جثة الظواهري كما اختفى صاحبها عن عيون الأميركيين أكثر من ثلاثة عقود، ولكن لا يعني اختفاء الرجل الأول في التنظيم ولا اختفاء جثته أفول تنظيم “القاعدة” الذي لا يزال يجد دعماً من حركة “طالبان” بعدما وصلت إلى السلطة في أفغانستان قبل عام من الآن.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى