أقلام وأراءشؤون مكافحة الاٍرهاب

‘الخلافة’ الرقمية و’إرهاب’ السوشيال ميديا!

منير أديب

منير أديب ١٤-٥-٢٠٢٢م

نجحت أجهزة الأمن والاستخبارات المصرية في مواجهة كل التنظيمات الدينية المتطرفة في سياق المواجهة الأمنية والعسكرية، فباتت هذه التنظيمات أضعف مما كانت عليه في السابق على الأرض، ولكن لم يمنع ذلك أن هذه التنظيمات ما زالت ذات حضور كبير في الفضاء الإلكتروني، فرغم سقوط “داعش” مكانياً إلا أنه أُعلن ما يمكن تسميته بالخلافة الرقمية، مع وجود متناهٍ للتنظيم الأكثر تطرفاً ولكن على شبكة المعلومات الدولية “الإنترنت”.

وجود هذه التنظيمات على شبكة المعلومات الدولية “الإنترنت” حماها من الإنقراض في ظل مواجهة أمنية واستخبارية قوية، أضطرت معه إلى الاختفاء أو ربما التراجع التكتيكي ومن ثم الظهور بشكل يبدو غير مرئي واقعياً ولكنه أكثر تأثيراً من الوجود الواقعي، فأغلب عمليات التجنيد تشير إلى نشاط ملحوظ وقوي لهذه التنظيمات من دون تعقب بقدر ما تمثلة هذه التنظيمات من خطر. 

لم يقتصر وجود هذه التنظيمات على شبكة المعلومات الدولية على “داعش”، فكل تنظيمات العنف والتطرف طوّرت من آلياتها وبدأت تتواجد على هذه الشبكة بغزارة شديدة عوضاً عن خسائرها التي منيت بها على الأرض مخافة رصدها، وهو ما يستوجب الانتباه والمواجهة، وهنا لا بد من أن تأخذ هذه المواجهة بُعداً فكرياً يرتبط بتفكيك الأفكار المؤسسة لهذه التنظيمات والتي تنتشر على مواقع التواصل الاجتماعي كما تنتشر النار في الهشيم، فكثيراً ما اخترقت حواجز وكثيراً ما تركت أثراً في ما كنّا نظن أنه بعيد منها.

بات تأثير هذه التنظيمات أكثر مما كان عليه عندما كانت تسيطر على الأرض، فهي الآن أصبحت أكثر جذباً وتجنيداً رغم آلاف الأميال التي تفصلها عن ضحاياها، فأغلب التقارير تشير إلى أن 90 في المئة من عمليات التجنيد تتم على مواقع التواصل الاجتماعي وأن أغلب المواد التي تنشر على الشبكة الآن تصب في اتجاه التجنيد نفسه، وهو يستلزم مواجهة خطاب هذه التنظيمات في الفضاء الإلكتروني.

المواجهة على شبكة الإنترنت تختلف كثيراً عن المواجهة الأمنية أو المكانية، فالأولى تحتاج إلى تفكيك خطاب أكثر منه مواجهة لقادة هذه التنظيمات، كما في المواجهة الأمنية التي تستهدف أماكن تمركز هذه التنظيمات، وهنا يمكن إطلاق لفظة المواجهة الفكرية والفقهية على كل ما يشمل مواجهة هذه التنظيمات على شبكة المعلومات الدولية “الإنترنت”. 

ما زالت التنظيمات المتطرفة نشطه على مواقع التواصل الاجتماعي خصوصاً “فايسبوك وتويتر”، وتشير بعض التقارير إلى أن “داعش” يمتلك قرابة ميلوني حساب على تويتر فضلاً عن الصفحات الخاصة والمواقع التابعة لها، وأن معدل التغريد على هذه الصفحات يصل إلى واحدة كل خمس دقائق على كل حساب، وبالتالي قد يصل التغريد في اليوم الواحد إلى ما بين خمسين إلى خمسة وسبعين ألف تغريدة للحساب الواحد فما بالك ببقية الحسابات وبقية مواقع التواصل الاجتماعي الأخرى التي تنشط عليها هذه التنظيمات.

هذا فقط في ما يتعلق بتنظيم “داعش” بخلاف بقية التنظيمات المتطرفة الأخرى والتي تنشط هي الأخرى في هذا الفضاء، فـ”الإخوان المسلمون” لديهم قرابة ميلون حساب يغردون من خلالها على الشبكة، “إخوان” وتابعون ومتأثرون وعدد غير قليل يسير في فلكهم، هذه الحسابات لا تُعبر عن أعداد هذه التنظيمات وإنما عن حجم تأثيرها وإدراكها لأهمية شبكة المعلومات وأهمية أن تحتكرها لمصلحتها.

هذه الحسابات مملوءة بالشعارات والمعلومات المنحازة وغير الصحيحة، ولكن خطورة هذه الحسابات هي في ما ينشر عليها من مواد تتعلق بمفاهيم الجهاد والحاكمية مثالاً، وهذا المحتوى يُساعد كثيراً هذه التنظيمات في نشر أفكارها، فضلاً عن أن عمليات التجنيد تتم على قدم وساق عبر هذا الفضاء المتسع، وهو ما يتطلق قراءة جديدة له وتعاملاً مختلفاً يُحاصر فيه هذه التنظيمات داخل هذا الفضاء!

قد يكون لأجهزة الأمن دور في تعقب التنظيمات المتطرفة على “الإنترنت”، لكن مواجهة هذه التنظيمات تتحدد في دور المؤسسات الدينية والمجامع الفقهية في العالم العربي والإسلامي، فهي القادرة وحدها على تفكيك خطاب هذه التنظيمات والوقوف أمام نشاطها الفكري والفقهي والرد عليه، ومن هنا يجب اختراق عالم الشبكة العنكبوتية وتدريب الأئمة والواعظات على امتلاك أدوات هذا الفضاء، فضلًا عن امتلاك سياسة الرد وأولوياته وهي خبرة يمكن اكتسابها وتدريب الأئمة عليها.

لا بد من إعداد حصر كامل بخطاب هذه التنظيمات بكل تنوعاته، ووضع أولوية مواجهة بعد تفكيك هذا الخطاب، وهنا يجب تدريب الأئمة والواعظات على إمكان تفكيك خطاب كل تنظيم على حدة، وقبل هذا وذاك أن يكون هؤلاء الأئمة على درجة من الوعي تسمح لهم بفهم هذه التنظيمات، فهؤلاء الأئمة لن يكونوا قادرين على الرد على هذه التنظيمات إلا إذا كانوا على دراية بهذه التنظيمات من الداخل، وهنا يتداخل العمل البحثي والفقهي معاً وهو ما يجب أن يمتلك أدواته هؤلاء الأئمة.

التنظيمات المتطرفة متوغله بصورة كبيرة على شبكة المعلومات الدولية الإنترنت، وهو ما يتطلب تدريباً لمواجهة هذه التنظيمات في عالمها الافتراضي بعد أن غابت الرقابة الدولية عن هذه الشبكات وغيرها، فباتت كلاً مباحاً لهذه التنظيمات تنشر من خلالها المواد المكتوبة والمصورة والمتحركة من دون أن يتم اعتراضها أو الرد عليها، وهنا تبدو أهمية المواجهة في ساحة الفضاء المفتوح.

لا بد من ثقل قدرات الأئمة والواعظات المناط بهم مواجهة أفكار هذه التنظيمات، وأن يكون ذلك بالتعاون والتنسيق والتآخي مع المؤسسات البحثية الأخرى العاملة في الاتجاه نفسه ومع الباحثين الذين يشتغلون في هذا المجال، الذين يملكون رؤية مهمة تتعلق بفهم هذه التنظيمات وعلى دراية بخطابها، فالفهم المشترك لهذه الأفكار المعقدة ووضع رؤي وتصورات تتعلق بمواجهتها أجدى للنفع والتأثير، وهو ما نفتقده، فلا توجد لدينا مشاريع مواجهة مشتركة بل كلها اجتهادات، وكل يعمل بمفرده من دون تنسيق أو ترتيب، وبالتالي يبقى الأثر وتُصبح النتيجة غير مرضية.

لا بد من تحريك مشاعر النّاس لمواجهة هذه التنظيمات، لا بد من تكوين جبهات في الفضاء المتسع على الشبكة العنكبوتية، هذه الجبهات تكون بمثابة صمام أمان أمام اختراق هذه التنظيمات لنسيج المجتمع ولقطاعات الشباب الغض، المواجهة لا بد من أن تكون بدايتها من وسط النّاس، فأفكار النّاس ملهمة، فهم الذين يتعرضون للداء وهم الأقدر على إبطاله لو أتيحت لهم الفرصة وتم ترتيب صفوفهم وإثقال مواهبهم.

مشاريع تدريب الأئمة والواعظات لا بد من ألا تقتصر على مؤسسة دينية من دون أخرى، وإنما على كل المؤسسات الدينية في عالمنا العربي أن تعمل وفق قواعد عامة يتم الاتفاق عليها والتنسيق بخصوصها، تعمل فيها المؤسسات الدينية في الداخل والخارج، بخاصة أن أفكار المتطرفين تنتشر عبر الفضاء الإلكتروني ولا تفرق بين أهداف داخل الوطن وأخرى خارجه، وبالتالي لا بد من أن تسلك المواجهة المسلك نفسه في مواجهة ومجابهة هذه التنظيمات، ولا بد من أن يكون هذا التنسيق بين كل المؤسسات الدينية والمجامع الفقهية في المنطقة العربية، وأن يطال الدعم المراكز الإسلامية في الغرب، بخاصة أن هناك ضحايا كُثراً لهذه التنظيمات من بين مسلمي هذه البلدان.

أخيراً وليس آخراً، لا بد من مواجهة على شبكة “الإنترنت” لا تقل بحال عما بُذل من جهود في مواجهة هذه التنظيمات على الأرض، فوجودها على الشبكة أخطر بكثير، ولا مبالغة في وصف هذه المواجهة بالأهم والأخطر في الوقت نفسه، فمن دونها سوف يستمر خطر هذه التنظيمات حتى تعيد خلافتها من جديد، وما ينطبق على “داعش” ينطبق على “الإخوان المسلمين”.

 

مركز الناطور للدراسات والأبحاث  Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى