أقلام وأراء

منير أديب: الإخوان وتمجيد الإرهاب

منير أديب 20-5-2023: الإخوان وتمجيد الإرهاب

الحكم الصادر في تونس مؤخراً على رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي بعد وصفه قوات الأمن بالطواغيت، لم يكن نهائياً، كما أنه يأتي ضمن 5 قضايا أخرى يُحاكم فيها أمام القضاء، منها على سبيل المثال، تحريضه على الحرب الأهلية وتسفير المتشددين إلى مناطق الصراع، فالحكم يرسم العلاقة الملتبسة بين النهضة و”الإخوان” من جانب والعنف من جانب آخر.

من الأسئلة التي طرحها البعض عقب صدور الحكم بحبس الغنوشي مدة عام فضلاً عن تغريمه مالياً، هل استخدام كلمة الطواغيت التي أتى ذكرها في أكثر من موضع في القرآن الكريم كفيلة بوصف زعيم “الإخوان” بالمذنب؟ وهل حقاً كان يقصد ما يترتب على الكلمة من أحكام فقهية وشرعية قد تذهب إلى قتل رجال الأمن؟ وهل مجّد “الغنوشي” الإرهاب باستخدامه لهذا المصطلح؟

السؤال الأكثر إلحاحاً، لماذا تلجأ جماعة “الإخوان” إلى تمجيد الإرهاب والإرهابيين من دون ممارسة العنف؟ أو على الأقل تأصيل الممارسة في الزمان والمكان اللذين تحددهما؟ فالجماعة تختفي في بعض مساحات الممارسة مقابل الظهور بصورة أكبر في التأصيل والتمجيد.

إذا خُيرّت جماعة “الإخوان” بين الممارسة والتحريض على العنف، اختارت الأخيرة، وكأنها ترى الحاجة الأساسية في تأصيل المفاهيم وليست في الممارسة التي يقوم بها عدد كبير من التنظيمات الإسلاموية المتطرفة، ومن هنا نُحاول الإجابة عن ما طرحناه من أسئلة.

وصف الغنوشي رجال الأمن بالطواغيت يعود إلى شباط (فبراير) من العام 2022، فالرجل بعدها هدد بالحرب الأهلية عندما قال في اجتماع مع أحد قياديي جبهة الخلاص الوطني: “استبعاد اليسار والإسلام السياسي سوف يؤدي إلى حرب أهلية داخل البلاد”، فتصريحات الغنوشي ليست سقطة ولم تقطع من سياقها، بل كانت تحريضاً مغلفاً على العنف.

بعد وصفة رجال الأمن بالطواغيت قبل عام، عاد ليهدد بالحرب الأهلية؛ وهذه عادة الإخوان التي تُجيد إيصال الرسائل في الوقت المناسب، والتي نجحت في استخدام كل التنظيمات الدينية من أجل الدفع بمشروعها أو حتى الدفاع عنه. حدث ذلك في تونس كما حدث من قبل في القاهرة؛ فهذه التنظيمات خرجت من رحم التنظيم الأم وتدافع عنه!

وهذه نقطة محورية في فهم علاقة “الإخوان” الملتبسه بالعنف، كما أن هذه العلاقة تدل على دهاء التنظيم منذ نشأته على يد مؤسسه الأول، حسن البنا، الذي قرر أن يُمارس العنف بعد 10 سنوات من النشأة، فرغم قيامه في العام 1928 إلا أنه لم يُعلن عن نشأة النظام الخاص أو الجناح العسكري للجماعة إلا في المؤتمر الخامس عام 1939.

الرجل لم يقرر أن يكشف عن وجهه الحقيقي ووجه تنظيمه إلا بعد 10 سنوات من النشأة، عندما أطمأن لقوة الجماعة العددية وحجم تواجدها بالشارع في ذلك الوقت، وهنا أضمر توجهه الحقيقي طيلة سنوات عشر حتى خرج معلناً بداية توجه الجماعة للعمل السياسي وللعنف بعد عقد من النشأة، وهنا حدث التحول من جماعة دعوية كان مرحباً بها إلى تنظيم له ذراع عسكرية تحت مسمى النظام الخاص، فضلاً عن مزاحمتها للعمل السياسي.

قرر حسن البنا خوض غمار السياسة وإنشاء النظام الخاص أو ذراع الجماعة العسكرية في العام 1939، وكان أتباعه يُربون على مفاهيم العنف ويُمهد لها، فكتب رسالة التعاليم في العام 1938 أي قبل عقد مؤتمر الجماعة الخامس يعام، وهذه الرسالة وجهها لأولئك الذين قرروا استخدام العنف، فقال: “رسالتي إلى “الإخوان” المجاهدين من “الإخوان المسلمين”، واستطرد فيها حيث جاء في جزء من فقرتها: “سوف نستخدم القوة حين لا يُجدي غيرها!”.

هذه الرسالة كُتبت لأعضاء الجناح العسكري في الجماعة ولكن قام مرشد “الإخوان” الخامس، مصطفى مشهور، وقد كان قيادياً في الذراع العسكرية للجماعة قبل حله، بتعميم الرسالة وتدريسها لكل أفراد “الإخوان” في محاضن التربية عندما أصبح مرشداً عاماً لـ”الإخوان”، وبالتالي تمت عسكرة التنظيم.

صحيح تم حل الجناح العسكري للجماعة ولكن بقيت الأفكار التي تدفع إلى العنف راسخة في عقول وقلوب شباب الجماعة وكل من انضموا للتنظيم، وبالتالي يمكن استدعاؤهم في أي وقت، وهو ما حدث في مصر، عندما تم تدشين ميليشيات مسلحة للجماعة بعد العام 2013، مثل حركتي، “سواعد مصر… حسم” و”لواء الثورة” وغيرهما.

وهنا تبدو خطورة “الإخوان” واستخدامهم لسياسة التحريض، حيث ترى أن دورها الأهم ليس في الممارسة ولكن في التحريض على العنف، وهذه أهمية النظرة البعيدة لتصريحات راشد الغنوشي وتوصيفه للضباط بالطواغيت أو حتى التهديد بالحرب الأهلية.

ما قاله راشد الغنوشي ليس مجرد وصف أو كلمة أُخرجت عن سياقها؛ فتحريضه تسبّب من قبل بقتل محمد البرهمي وشكري بلعيد؛ فالرجل كاتب ومفكر قبل أن يكون سياسياً، وهو يعرف قيمة الكلمة ودلالتها، كما أنه يعرف متى يستخدمها والهدف المرجو من وراء هذا الاستخدام.

صحيح أن الغنوشي لم يدعُ صراحة إلى استخدام العنف ولكنه هيّأ لهذا الاستخدام وعزز ثقافة الكراهية وحرّض على الخصوم، وكانت طريقته أشبه بطريقة المؤسس الأول حسن البنا، فلم يكن صدامياً في عرض هذه الأفكار، ولعل دهاءه دفعه لاستخدام بعض التيارات السياسية الأخرى والتي رشّح بعض أعضائها على قوائمه الانتخابية حتى يرسل رسالة تطمين للمجتمع، كان هدفها استمالته حتى التمكين.

استراتيجية “الإخوان” قائمة على تمجيد الإرهاب أكثر من ممارسته؛ فقد تلحظ أن عبد الله عزام، أحد قياديي “الإخوان المسلمين” في أفغانستان، هو أحد مؤسسي تنظيم القاعدة، وكان النواة الصلبة للتنظيم وهمزة الوصل بين الجماعة في مصر وبين القيادات التي كونت القاعدة في ما بعد في أفغانستان.

أيمن الظواهري، زعيم تنظيم “القاعدة”، سافر إلى أفغانستان بترشيح من “الإخوان المسلمين” عندما كان يعمل في أحد فروع الجمعية الطبية الإسلامية بحي السيدة زينب بالقاهرة والتي أنشأها نائب المرشد أحمد الملط، وهو ما اعترف به في كتابه، “فرسان تحت راية النبي”، حتى بات الرجل الأول في تنظيم “القاعدة”.

وخليفة “داعش” أبو بكر البغدادي، كان من “الإخوان المسلمين”، وفق ما أدلى به يوسف القرضاوي قبل وفاته في تسجيل صوتي ما زال موجوداً على شبكة المعلومات الدولية “الإنترنت”، كل هذا يدل على أن “الإخوان” حاضرون مع كل جماعات العنف والتطرف، بل هم من ساعدوا في نشأتها، وهو شكل من أشكال تمجيد الإرهاب.

ختاماً، قد تجد “الإخوان” يُمجدون الإرهاب أكثر من ممارستهم له، يُحرضون غيرهم على العنف ثم يُصدرون بيانات يتبرأون فيها منه، فمن داخل هذه المدرسة خرجت كل جماعات العنف والتطرف ومن داخلها يتم تمجيد الإرهاب والإرهابيين أيضاً، وهذا أخطر صورة.

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى