أقلام وأراء

منيب رشيد المصري يكتب – انقسام تَبِعهُ انقسامات

بقلم  منيب رشيد المصري – 28/1/2019

اختتمت القمة العربية التنموية – الاقتصادية الاجتماعية في بيروت أعمالها، وبعيدا عن نقاش نتائجها وما جاء في بيانها الختامي، إلا أن الحقيقة الثابتة هي أن لبنان وقطر كانتا الدولتين الرابحتين في هذه القمة التي عقدت في ظل غياب معظم قادة الدول العربية، مما يعكس حالة من عدم التوافق لا بل الانقسامات والتجاذبات في المنطقة العربية، التي انهكتها الصراعات والحروب وكان للعراق وسوريا واليمن النصيب الأكبر منها.

كشفت هذه القمة غياب “قضية العرب الأولى”، ومدينة القدس على وجه الخصوص، عن مداولات ونقاشات وكلمات المشاركين باستثناء كلمة رئيس الوزراء د.رامي الحمدالله، وهذا أيضا يعكس حجم التراجع الرسمي العربي في علاقته مع القضية الفلسطينية وتبدل الأولويات.

بين قمة بيروت 2002 وقمة بيروت 2019، تراجعت الأوضاع العربية بشكل دراماتيكي، اختفى قادة، واشتعلت حروب، وتشكلت محاور، وتعمق التغلغل الصهيوني في الدول العربية، وأصبحت مبادرة السلام العربية،- التي اطلقها ولي العهد السعودي آنذاك، عبد الله بن عبد العزيز، وأقرتها قمة بيروت عام 2002، وتحولت في العام 2003 إلى مبادرة عربية إسلامية لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي-، مجرد حبر على ورق، ولم تَعد الدول شكلا ومضمونا كما كانت.

لا نريد رِثاء مبادرة السلام العربية، رغم أنها مجحفة بالنسبة لنا كفلسطينيين،- حينها قبلها الراحل الشهيد ياسر عرفات-، إلا أن ذكرها جاء للتدليل على حجم التغيرات والتراجع الكبير على القضية الفلسطينية سواء على أجندة العرب أو على أجندة دول العالم بشكل عام، حيث نرى هرولة التطبيع سرا وعلانية مع دولة الاحتلال، رغم امعانها في القتل والتدمير والمصادرة والتبجح في مخالفتها لكل الشرائع والاعراف والقوانين الدولية.

قد يقول البعض بأن الحال الفلسطيني هو أحد أهم العوامل في تراجع موقع القضية الفلسطينية من على أجندات العرب والآخرين، ولكن وفي ذات الوقت الحال الفلسطيني هو جزء لا يتجزأ من أحوال العرب والعالم فهو يؤثر ويتأثر به، وما كان الانقسام الفلسطيني في حزيران من العام 2007، إلا جزء من حالة الانقسامات والمحاور التي بدأت تظهر في العالم العربي والمنطقة بشكل عام.

نعم، استمرار الانقسام الفلسطيني الفلسطيني هو نتيجة خلافات فلسطينية فلسطينية ولكن هي مرتبطة بشكل أو بآخر بحالة التجاذبات الاقليمية والدولية، رغم أن هذا الامر لا يبرر استمراره بل يؤكد في إحدى قراءاته بأن القائمين على المشروع الوطني الفلسطيني لم يعودوا قادرين على ابقاء القضية الفلسطينية بعيدة عن الخلافات العربية العربية، والعربية الاقليمية، مما يستدعي التفكير مليا بمدى قدرة النظام السياسي الفلسطيني على اختلاف مكوناته بالاستمرار في ذات السياسات في إدارة الشأن الفلسطيني الداخلي بعضه ببعض من ناحية، وفي إدارة التحالفات العربية والاقليمية والدولية من ناحية أخرى.

إن حالة الانهيار الداخلي الفلسطيني بكافة قطاعاته، وعدم قدرة القوى والاحزاب، القيام بالدور المطلوب منها في استنهاض الحالة الفلسطينية وضبط ايقاع الجماهير وتلمس احتياجاتهم والسماع لأولوياتهم كمقدمة لإعادة الثقة بالقائمين على المشروع الوطني الآخذ بالتراجع بطريقة دراماتيكية، ينذر بفوضى عارمة في الساحة الفلسطينية قد تقود الجميع إلى الهاوية لعشرات السنين القادمة على أقل تقدير، والمستفيد الوحيد هو الاحتلال واعداء الشعب الفلسطيني.

إن وقف الانهيار في الوضع الفلسطيني يتطلب منا جميعا الايمان قولا وفعلا بأن منظمة التحرير الفلسطينية هي الإطار الجامع لكل الفلسطينيين، ولا بد من إعادة الاعتبار لدورها من خلال إعادة الحياة لمؤسساتها ودمقرطتها عبر الانتخابات وإشراك جميع مكوناتها في اتخاذ القرارات ووضع السياسات والبرامج، والابتعاد عن الاستئثار بالقرار والإدارة، لأن التفرد قادنا إلى العدم واوصلنا إلى ما نحن فيه الآن من وضع أقل ما يمكن وصفه بأنه سيء.

لا زلنا في مرحلة تحرر وطني، وقد اثبتت الاحداث والوضع الفعلي على الأرض ذلك، رغم تمسكنا بشكليات “الدولة” وهالة المناصب والمسميات، إلا أن ذلك لا يتعدى كونه “كذبة” لا نريد أن نصدق حقيقتها. وهذا الكلام ليس لجلد الذات بل لوضع الأمور في نصابها الصحيح، فمنذ تأسيس السلطة الفلسطينية تضاعف عدد المستوطنين في الأرض المحتلة عام 1967 ووصل إلى قرابة ال(900) الف مستوطن فرضوا حقائق على الأرض قد يصبح بعدها من المستحيل إقامة دولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران للعام 1967، بعاصمتها القدس الشرقية، عدا عن السؤال حول إمكانية تطبيق القرار 194، في ظل ما يحاك ضد قضية اللاجئين من أطراف دولية واقليمية وعربية ضمن ما يسمى بصفقة القرن، التي لا يمكن لنا أن نواجهها في ظل الوضع السيء الذي نعيشه.

نحن الآن بحاجة إلى الاتفاق على أسس العمل الجمعي المشترك وذلك يكون بإعادة تعريف المشروع الوطني الفلسطيني دون التفريط بالثوابت أو البديهيات التي تتمثل في تحقيق الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، نحن بحاجة إلى حوار وطني شامل دون اشتراطات أو افتراضات، حوار مفتوح بين الكل الفلسطيني دون التمسك بالشكليات والمناصب والالقاب، نحن بحاجة إلى تغليب المصالح العامة على المصالح الفردية والفئوية، نحن بحاجة إلى إعادة روح التكافل بين الفلسطينيين أفرادا وجماعات، إعادة ثقافة المقاومة لآنها الطريق الوحيد لانتزاع الحقوق، نحن بحاجة إلى الاتفاق على أي نوع من المقاومة نريد وفي أي مرحلة وتحت أي ظرف، وما هي أدواتها.

إن وقف التدهور في الوضع الفلسطيني بحاجة ليس فقط إلى ترتيب أوضاعنا الداخلية بل أيضا إصلاح أوضاع العرب والوقوف في وجه المشروع الصهيوني الرامي إلى السيطرة على المنطقة الممتدة من النيل إلى الفرات، لقد كشفت القمة في بيروت هشاشة النظام العربي أمام المشروع الصهيوني، وفي ذات الآن وللمفارقة أعطت أملا بأن هناك قادة ودول لديهم النية والتوجه لمجابهة المشروع الصهيوني في المنطقة العربية، كما أعطت هذه القمة إشارة إلى ضرورة إعادة الحياة إلى مؤسسات الجامعة العربية التي أصبح لزاما عليها الآن وبعد قمة بيروت أن تدعو إلى اجتماع على مستوى قادة الدول للوقوف في وجه ما يحاك ضد المنطقة العربية بشكل عام وضد القضية الفلسطينية على وجه الخصوص، فلدى العرب الكثير مما يستطيعون فعله إذا ما نحوا خلافاتهم وعقدوا العزم على إعادة استنهاض مفردات القوة الكامنة لديهم اقتصاديا وبشريا، وتوجيه رسالة إلى الولايات المتحدة بأن صفقة القرن التي نفهمها تعني تطبيق قرارات الشرعية الدولية الخاصة بالصراع العربي الإسرائيلي، وأنه لا تنازل عن الحقوق والمبادئ.

1

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى