أقلام وأراءدراسات وتقارير خاصة بالمركز

السفير ملحم مسعود يكتب – كورونا …. إطلبوا العلم ولو في الصين

ملحم مسعود – 27.3.2020

زرت الصبن أكثر من مرة , والمرة الأولى كانت الأهم بالنسبة لي , كنت طالبا في الجامعة وكان عمري حينذاك 22 سنة , وكانت تجربة غنية لي بكل المقاييس , وكانت اول فرصة سنحت لي للسفر إلى الخارج… وركوب الطائرة . كان ذلك عام 1964 ضمن وفد للهيئة التنفيذية لطلبة فلسطين , برئاسة أخي وزميلي رئيس الإتحاد العام تيسير قبعة رحمه الله وعضوية زكريا ابو سنينة والعبد الفقير إلى الله  كاتب هذه السطور , والتي كان مقرها في القاهرة تشرف وتدير العملالوطني الفلسطيني من خلال تجمعات الطلبة الفلسطينيين في مدن عربية واجنبية … وكاتت بمثابة المؤسسة الفلسطينية ( الوطنية  ) وبصبغتها النقابية , حينذاك الوحيدة التي تنشط وتعمل وتتحدث وتدافع عن القضية الفلسطينية على المنابر الدولية .

(للتذكير كان الطالب الفلسطيني بكلية الهندسة ياسر عرفات من مؤسسي هذا الحراك الوطني الطلابي و كان رئيسا لرابطة الطلبة الفلسطينيين في القاهرة في مطلع الخمسنيات … رحمه الله )

وكان قد سبقنا في زيارة الصين ذلك العام وفدا لحركة فتح كان يضم ابو عمار وابو جهاد , كذلك زارها احمد الشقيري … اول رئيس لمنظمة التحرير الفلسطينية , والصحفي والكاتب الفلسطيني المعروف ناصر الدين النشاشيبي والذي كتب بعد عودته كتابه ” عربي في الصين ” نُشر في ذلك العام وقراته قبل الذهاب إلى الصين بايام …

كانت للصين وما زالت لها سياسات ورؤية مبكرة وإتخاذ المبادرات في الإتصال والتواصل مع حركات التحرر في العالم , وخصوصا في الستينيات وموجات الإستقلال في منطقتنا وأفريقيا تتوالى وكان الزعيم الصيني رئيس الوزراء مهندس هذه السياسات الذي لمع نجمه في مؤتمر باندونج ( إندونسيا 1955 ) بحضور وفود  29 دولة أفريقية وآسيوية وأهم الزعامات التي شاركت كانت نهرو وتيتو وجمال عبدالناصر وشوان لاي  وغيرهم. لتبدا إطلالة الصين على العالمتتوسع وتتنامى رغم أجواء التوتر المتنامي حينذاك قبل حرب فيتنام , واوضاع الصين الداخلية والثورة الثقافية لاحقا ...وتداعياتها … حتى رحبل ماو تسونج , وجاء هاو تسي يانج صاحب مقولة ” ليس مهما ان يكون القط أسود أو أبيض طالما انه يصطاد الفئران “ ليتولى الزعامة وبدا الإنفتاحات نحو العالم وكانت لي فرصة للتحدث معه عام 1977 إن لم تخني الذاكرة خلال إستقباله وفدا فلسطينيا في زيارة رسمية للصين

هذه هي الصين التي اعرفها , وليست الصين التي (تآمرت ) على العالم وصنعت بدعة ..كورونا … لتنشر البلاء على العالم … او ما سمعناه من رئيس الولايات المتحدة , والذي اصبح يواجه اكثر واصعب الأوضاع في بلاده بسبب اللامبالاة … و إنتشار المرض والتقليل من أخطاره وتوزيع الإتهامات .

والعالم اليوم لا يعرف متى وكيف ستقضي الدول على هذه الجائحة، ولا كم من الأرواح ستحصد، أو من الدمار المادي ستخلّف وراءها، لكنها ستبقى، من دون ريب، نُدبة على جبين البشرية جمعاء.

هذه هي الصين التي اعرفها … ويعرفها اصدقاء وقراء كنت اتحدث معهم , وهذا بعض ما سمعت منهم بعضا مما ينشر على وسائل التواصل الإجتماعي , بعد أن ظهر وباء كورونا وما ينشر ويكتب عن الصين في مواجهة الأزمات .

قامت حكومة الصين بخطوات ادهشت العالم مرة أخرى من خلال سلوكها و ونجاحها  في ضبط مليار ونصف مليار مواطن بكل يسر من خلال الحكم الرشيد والإيمان بالعلم :

– الشعب الصيني شعب صامت وهادئ ويواجه المشاكل بالحلول والأبحاث العلمية وليس بالصراخ والمقالات والبرامج الفضائية التي تملأ الدنيا صخبا وجنونا دون فائدة  .

– تم حظر التجوال في العديد من المقاطعات و المدن ( أقل هذه المدن عددا تصل نحو 12 مليون نسمة ) . وعلى الفور التزم الصينيون بالاوامر وأغلقت المطارات وتوقفت السيارات والتزم الصينيون في بيوتهم وبناياتهم واغلقوا النوافذ وقد أعدوا طعاما يكفي لاسبوعين  .

– لم نسمع عن معارضة صينية تستغل الوباء وتخرج للصراخ والنعيق وتحرّض السكان على خرق حظر التجوال  .

– في غضون أيام قلائل أقام الصينيون أكبر مستشفى على بعد 9 كم من أول تجمع سكني وتم تجهيز المشفى بالمعدات والمختبرات والأطباء وطواقم التمريض ..

– بدأ العلماء الصينيون فورا على ايجاد علاج ولم ينتظروا منظمة الصحة العالمية … إياها … أن ترسل لهم العلاج .

– الحكومة الصينية كانت صادقة في كل كلمة ، ولم تتعامل مع الأمر على أنه سرا عسكريا ، وبشهادة جميع المنظمات الدولية أن الصينيين شعب صادق ولا يخلط بين الكوارث والمواقف الإنسانية والساسية .

–  المدن والتجمعات السكانية تنقسم الى أحياء ، وكل حي من هذه الاحياء يتكون من عدة ملايين من السكان وله مسؤول مباشر  ، ويستطيع السكان الاتصال بمكتب الحي 24 ساعة في اليوم والحصول على أية خدمة يحتاجونها من دون واسطة ومن دون أن يضطر المواطن الصيني أن يقول أنا فلان أو قريب فلان أو أنه من هذا الحزب أو ذاك ، وفي حال وجود أي تقصير يتم تقديم مسؤول الحي للمحاكمة وقد تصل العقوبة الى الاعدام .

– من لا يجد طعاما في منزله خلال حظر التجوال يتصل بمكتب الحي فتقوم شركة التوصيل الحكومية بإرسال الطعام المناسب، للعائلة ما يكفي لمدة أسبوعين ويقوم عمال التوصيل بقرع الجرس وترك الطعام أمام الباب والمغادرة ،وتأخذ الاسرة طعامها مجانا دون أن تضطر للشرح او التفسير أو أن يقسم رب المزل مئات الأيمان الغليظة أنه لا يملك الطعام ..

“فالأساس هو السلوك الصادق ومن يثبت العبث والسلوك العشوائي في مثل هذه الحالات ينل عقابا لا يمكن أن يتخيله” .

– أصحاب المركبات والمسافرين لا يحاولون إختراق حظر التجول والبحث عن طرق التفافية . ولا تجد في الشوارع غير المتطوّعين ” . الذين تطوّعوا بأرواحهم لنجدة المجتمع ، أطباء تطوّعوا وممرضات وباحثين وباحثات يطلبون الإذن من لجنة الحي للخروج وإنقاذ وطنهم وشعبهم .


“لا يوجد من يشكك بالرواية الرسمية في مثل هذه الحالات ، وينصت أهل الصين بكل ثقة للتوجيهات الطبية ، ولن تجد صيني يهرب الى قناة فضائية مجاورة ويسرد رواية مختلفة . بل عمل الاعلام الصيني كخلية نحل من أجل انقاذ الصين والبشرية من هذا الوباء” .

– سلوك الصين كدولة وحكومة وشعب ولجنة حي ومواطن ينسجم مع غاية واحدة وراقية، وهي ( وقف الوباء وإنقاذ الارواح ) وحين حاولت دول مغرورة تعتقد نفسها أفضل من الصين طلب إجلاء رعاياها فورا ومغادرة الصين . لم تنظر الصين في طلب هذه الدول على انه تشويه سمعة، او مضاعفة البلاء، بل استجابت فورا .

– الصين خسرت مئات الأرواح ومئات مليارات الدولارات في هذه الكارثة ، ولم نسمع رئيس الصين أو المخابرات الصينية او الجيش والأمن يتحدثون عن مؤامرة أو عن تقارير سرية لإستهداف الصين، مع ان الاحتمال وارد .

بل شاهدنا كيف بادر الصينيون الى البحث عن علاج . .
-واخيرا فقد عاد للدراسة اكثر من 200 مليون طالب صيني ليستكملوا دراستهم ليس في مدارسهم وانما من خلال هواتفهم وحواسيبهم اللوحيه  وهم في بيوتهم من خلال تلقي الدروس الذي ترسله المدارس من خلال  النت ، ليثبتوا للعالم ان التعليم والعلم  شيء مهم لا يمكن الاستغناء عنه مهما كانت الظروف …

هذا هو ما  يسمى علم وفن إدارة الأزمات …

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى