شؤون مكافحة الاٍرهاب

مكافحة الإرهاب … القتال ضد تنظيم داعش

اعداد اللواء الركن المتقاعد  الدكتور عماد علوّ مستشار المركز الاوربي لدراسات مكافحة الارهاب والاستخبارات – 26/1/2021

مقدمة 

شكل تصاعد العمليات الارهابية الاخيرة التي شنها تنظيم داعش الارهابي تهديدا” خطيرا” للأمن الوطني العراقي والسلم الاهلي والمجتمعي . و تقدر تقارير استخبارية أمريكية  وتقارير الأمم المتحدة ، أنه يوجد ما يصل إلى حوالي 11,000  عنصر من داعش في العراق ، موزعين على ١١ كتيبة قتالية ، تتألف كل كتيبة  تقريبا” من  350 عنصر وتنقسم الكتيبة الى (6-7) سرايا كل سرية من 50 عنصر وكل سرية تنقسم الى خمسة مفارز بواقع 9الى 10 عناصر .

وتنشط هذه الكتائب وسراياها ومفارزها الارهابية  في المناطق ذات التضاريس الجغرافية الوعرة والبعيدة عن الرصد والمراقبة الامنية مثل البساتين والمناطق الجبلية الوعرة في محافظات ديالى وصلاح الدين وكركوك التي تعتبر من أبرز معاقل التنظيم في العراق؛ حيث تسمح بتوفير مخابئ من الصعب وصول القوات الأمنية إليها.

وقد تميزت أغلب الهجمات التي شنها تنظيم داعش الارهابي بأنها هجمات سريعة خاطفة وكمائن، ولا زال استخدام اسلوب السيارات المفخخة والعبوات الناسفة، متبع من قبل مفارز داعش بالإضافة إلى عمليات الاغتيالات بأسلحة كاتمة”، وأكثر هذه الهجمات استهدفت ضباط وجنود الجيش وقياديين في فصائل الحشد الشعبي، فضلاً عن شيوخ وزعماء قبائل”.

ضرب الرقاب 

اطلق التنظيم على عملياته الاخيرة في اصدار اطلقه مؤخرا” عبر وكالة أعماق التابعة له الاسم الرمزي (ضرب الرقاب) ضمن اطار استراتيجيته التي اشار اليها في وقت سابق عبر صحيفة النبأ الداعشية، في عددها رقم 213، واطلق عليها «الاستنفار المجهد» والتي يعتمد التنظيم  فيها على التلويح بتنفيذ هجمات إرهابية؛ لاستنفار أجهزة الأمن والجيوش وإجهادها في حين لا يقوم داعش بتنفيذ أي هجمات إرهابية عقب تهديده، بل ينتظر حتى تنتهي حالة الاستنفار الأمني، ومن ثم ينفذ الهجمات وهذا التكتيكات تبقي الأجهزة الأمنية في حالة تأهب دائم، وهو ما يضعف من روحها المعنوية، ويؤدي لإجهادها ومن ثم انهيارها.

ولجأ التنظيم لهذا التكتيك لمعرفته بأن القوات المسلحة وأجهزة الأمن لا يمكن أن تبقى في حالة استنفار دائم، وبالتالي فإن التلويح بالهجمات أو تنفيذ أي هجمات ولو كانت صغيرة، يجبر القيادات العسكرية والأمنية على حشد قواتها وقدراتها وهو ما يكلفها أموالًا طائلة فضلا” عن انهاكها .

معاضل العمليات العسكرية واسعة النطاق 

منذ هزيمة داعش في العراق عام  2017 ، وهزيمته لاحقا” في معارك الباغوز و القضاء على أبو بكر البغدادي، أول خليفة للتنظيم الذي قُتل من قبل القوات الخاصة الأمريكية في قرية باريشا، سوريا، في تشرين الأول/أكتوبر 2019، تقوم القوات المسلحة العراقية بعمليات واسعة النطاق لملاحقة ومطاردة ومداهمة فلول تنظيم داعش في المناطق الجغرافية التي ينشط بها وفقا” لتقارير ومعلومات الاستخبارات العراقية وبالتعاون مع التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الامريكية .

وعلى الرغم من النجاحات التي حققتها هذه العمليات في تدمير قدرات تنظيم داعش الارهابي والانفتاح العملياتي التراكمي للتنظيم الذي اقامه من معسكرات التدريب ومخازن واكداس العتاد ونقاط المراقبة والرصد و الانفاق والخنادق و الكهوف والمضافات ، الا أن تلك العمليات واسعة النطاق لم تحقق اهدافها الاستراتيجية بالقضاء على تنظيم داعش الارهابي وفلوله في العراق ، للأسباب التالية :-

  1. سعة المناطق الجغرافية التي حاولت تلك العمليات تغطيتها شتت تركيزها وقلل من نجاعة تغطيتها لكامل مناطق الانفتاح العمليات لتنظيم داعش الارهابي .
  2. حجم القوات من حيث عدد التشكيلات القتالية والوحدات المشاركة في العمليات وعدد الآليات المدرعة والعجلات الثقيلة والخفيفة وحركتها من مناطق انطلاقها الى خطوط الشروع في العملية جعل من الصعب عليها تأمين السرية والمباغتة ، واتاح لعناصر الرصد والاستطلاع الداعشية اعطاء الانذار المبكر لبقية المفارز للانسحاب والتملص من مواجهة القوات المشاركة بالعملية .
  3. أن العمليات العسكرية واسعة النطاق عادة ما تكون مكلفة بشكل لا يتناسب من التأثير المطلوب تحقيقه بالنسبة للهدف المرسوم أو المطلوب الوصول اليه .
  4. العمليات واسعة النطاق غالبا” ما تعاني من صعوبات في القيادة والسيطرة والتنسيق بين المحاور العديدة للعملية التي تتضمن قوات غير متجانسة من ناحية التدريب والقدرات القتالية ومستوى التسليح والانضباط واساليب التواصل والمواصلات اللاسلكية (جيش عراقي ، شرطة اتحادية ، حشد شعبي ، حشد عشائري ، قوات مكافحة الارهاب ، بيشمركة ،..الخ) .
  5. تنوع وتعدد القوات والمحاور وعدم تجانسها يضع عراقيل وصعوبات جمة أما تقديم الاسناد الجوي القريب والبعيد من قبل القوة الجوية العراقية وطيران الجيش وطيران التحالف .
  6. عدم قرب المعسكرات والقواعد العسكرية ومراكز الطبابة والمستشفيات من مناطق العمليات الواسعة يضع صعوبات بالغة أمام تقديم الاسناد اللوجستي والدعم الاداري (الارزاق والعتاد والوقود واخلاء الجرحى).
  7. تعدد الاجهزة الاستخبارية للقوات المشاركة وصعوبة التنسيق السريع المسبق والميداني فيما بينها في ما يخص العمليات القتالية واسعة النطاق مما يقلل من تأثير استخدام تلك التشكيلات ومصادر نيرانها لمعالجة الاهداف المطلوب تدميرها أو
  8. ان اسلوب العمليات العسكرية واسعة النطاق يفرض على القوات المشاركة في العمليات تطبيق القوانين والأوامر، وهو ما يُضيق تحركاتهم ويجعلها متوقعة، وفي المقابل فإن عناصر ومفارز داعش ، لديهم الحرية تقرير متى وأين ستبدأ المواجهة، وهو ما يحول القوات المشاركة في العملية الى أن تقوم فقط برد فعل في حال تعرضها للاشتباك مع مفارز داعش المتنقلة .

استمرار تهديد داعش 

لا يزال  تنظيم داعش الارهابي ، يشكل تهديدًا للأمن والاستقرار في العراق ، حيث يُنفذ عمليات شبه يومية ، ومن المتوقع أن تظل النشاطات الأمنية والعسكرية للمجموعات والمفارز المتنقلة التابعة لـ”داعش” في إطار جغرافي محدود في مناطق مخمور وشمال غرب الحويجة والساحل الأيسر لقضاء الشرقاط و جبل الخانوكة ووادي زغيتون ومناطق شمال صلاح الدين وسلسلة جبال حمرين ومكحول ، وشمال شرق ديالى وجنوب غرب كركوك .

واستنادا” لبيانات التنظيم أعلاه ، فانه من الواضح أن محافظة ديالى هي المنطقة التي تتمتع بها الخلايا النائمة لداعش بحرية الحركة والنشاط أكثر من باقي المحافظات التي تشهد نشاطا” اقل مثل كركوك وبغداد ونينوى والأنبار، حيث تشن خلايا تنظيم داعش حوالي 11-15 هجوماً شهرياً تقريبا” ، مما يدل ايضا” على أن البنية التحتية للقيادة والتحكم التابعة لتنظيم «داعش» تبدو سليمة ، وإن كانت سيطرته في قواطع عملياته بالعراق محـدودة ، لكن خلايا  ومفارز التنظيم لديها المقدرة على اغتنام الفرص وشن عملياتها في المناطق والنقاط الهشة امنيا” وعسكريا”. ومن غير المرجح أن يلجأ التنظيم للسيطرة على أراضٍ أو مدن في العراق ، نظرًا لتراجع قدراته القتالية وإمكانياته المالية، بالإضافة إلى العامل البشري، حيث لم تعد عملياته لتجنيد مقاتلين بالسهولة التي كانت عليها قبل سنوات.

التدابير العلاجية المطلوبة

استنادا” لما سبق يبدو أن الحاجة باتت ملحة لتغيير اساليب المواجهة والتصدي لتنظيم داعش الارهابي في العراق ، ونشير الى أهم تلك الاساليب :

  1. على الجهد الاستخباري أن يوسع من افق ومساحة عمله ليركز ليس فقط على تحركات مفارز داعش في مناطق التأثير والاهتمام بل ايضا” على متابعة الشركات والتجار والمصانع وشركات النقل والمقاولين ومصادر تمويل الارزاق والمواد الغذائية والأعمال الأخرى بالإضافة الى من عاد من أولئك إلى دفع الإتاوات لشبكات داعش تحت التهديد، ومكافحة تمويل الإرهاب وغلق الصيرفات وشركات الحوالات المالية التي يثبت تعاونها مع شبكات داعش.
  2. أعادة النظر بتأمين ومسك الحدود بشكل سريع بالتعاون مع التحالف الدولي ومنع عمليات التهريب والتسلل الى العمق العراقي .
  3. تطوير العلاقة بين الاجهزة الامنية والمجتمعات المحلية في مناطق التأثير والاهتمام من خلال إرجاع العوائل النازحة التي دققت مواقفها الأمنية والقضائية وعدم ترك اَي قرية او مدينة خالية من السكان، وبالتوازي لابد من العمل الجاد على تحقيق تحسينات اجتماعية واقتصادية في مستوى معيشة السكان، عن طريق إعادة بناء الأنظمة الصحية والطبية، والاستثمار في البنى التحتية الأساسية، وتوفير المساعدة في مجال الزراعة.
  4. اعتماد اسلوب الكمائن ويعتبر الكمين بمثابة تكتيك حربي ، بحيث تستفيد القوة الناصبة للكمين من عملية الإختفاء وعنصر المفاجأة في الهجوم على العدو الغافل أو المنهك القوى أو الذي يقف للاستراحة مؤقتاً وذلك لأسر قسم كبير من أفراد العدو والقضاء عليه أو لمنع وصول نجدته. علما” أن الكمائن(المدبرة ، والسريعة ، والمخادعة)، تعتبر من أنجح العمليات التي لها تأثير على معنويات العدو في الحرب التقليدية أو حرب العصابات .​
  5. تكثيف الجهود . فمحاربة تنظيم داعش الارهابي تتطلب تكثيفًا وتركيزًا كبيرًا للجهود والموارد والأفراد. فلا يمكن التأثير بشكل فعال في كل المناطق في وقت واحد. وبدلًا من ذلك فإن حزمة من الإجراءات يتم اتخاذها في مناطق معينة يتم اختيارها.
  6. بناء وتعزيز القدرات القتالية للقوات المسلحة العراقية (بما في ذلك قدراتها الاستخباراتية) لخوض المواجهات مع عصابات داعش الارهابية ، بدون الحاجة إلى مساعدة خارجية. وإعادة هيكلة بعض وحدات القوات المسلحة وتبني استراتيجيات خاصة، حيث أن مكافحة الإرهاب والعصابات الداعشية تتطلب معدات أخف .
  7. من الضروري التذكُّر أن مركز ثقل عصابات داعش الارهابية، تتمثل بالحواضن المجتمعية أو الملاذات الآمنة ، التي يبدو أنها عادت الى احتواء عناصر التنظيم بسبب الاداء السياسي والخدمي للحكومة الاتحادية والحكومات المحلية لذلك، يستوجب تركيزُ جزءٍ كبيرٍ من الجهد على قطع العلاقة بين السكان المدنيين ومقاتلي عصابات داعش الارهابية.. لا يعني ذلك إهمال العمليات العسكرية، الدفاعية والهجومية على حدٍّ سواء، لكن يتوجّب تركيز معظم الجهود على الجبهتين المدنية والسياسية. بالتالي، من الممكن فصل السكان عن عصابات داعش الارهابية، عبر تقديم بدائلَ سياسيةٍ؛ من شأنها أن تولد تحسناً مباشراً في الواقعين الاجتماعي والاقتصادي لذلك المجتمع. ليست هذه المهمة بمهمةٍ سهلةً، لكن الأمثلة المختلفة المُستقاة من التاريخ تثبت أنها ممكنةٌ في نهاية المطاف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى