ترجمات عبرية

معهد INSS – يوحنان تسوريف – اسرائيل والفلسطينيون، نحو عصر ما بعد التسوية؟

نظرة عليا – بقلم  يوحنان تسوريف – 20/12/2021

م.ت.ف كمنظمة ورئيسها ابو مازن يفقدان مكانهما كممثلين حصريين للشعب الفلسطيني. بوسع الاسرة الدولية ان تغير هذا الوضع وتعيد لابو مازن او من سيحل محله الشرعية التي فقدها “.

الأزمة التي تمر بها الحركة الوطنية الفلسطينية في السنوات الاخيرة بلغت حجوما غير مسبوقة. مؤشراتها واضحة جدا في السنة الاخيرة على المستويات الفكرية، القيادة والتنظيمية. ابو مازن، رئيس م.ت.ف ورئيس السلطة الفلسطينية منذ 2005 يعاني من انعدام في شرعيته وصلته بالواقع. واستطلاعات الرأي العام التي اجريت مؤخرا في اوساط الجمهور الفلسطيني تشير الى اغلبية اكثر من 75 في المئة ممن يتطلعون الى استقالته. الانتقاد عليه يتجاوز الخطوط والمعسكرات ويتسلل عميقا الى حركة فتح التي يقف على رأسها. الكثيرون من رفاقه يلقون عليه اساس الذنب في الانقسامات التي وقعت في الحركة، ضعفها الشديد ووهن العلاقة بينها وبين ابناء الجيل الشاب. كما أن مظاهر الفساد الكثيرة في اوساطها تبعث على الغضب الجماهيري الواسع.

المعضلة التي يقف امامها اليوم كل فلسطيني ذي وعي سياسي هي ما هو الطريق الصحيح لتحقيق الاهداف الوطنية، في ضوء فشل مسيرة اوسلو، وهل يمكن الاعتماد على طريق المقاومة المسلحة لحماس والجهاد الاسلامي للوصول الى دولة مستقلة، ام لعله من الصواب انتظار نشوء دولة واحدة بين النهر والبحر، التي يؤمن الكثيرون بانها لا بد ستأتي. فالتجربة تفيد بان الكفاح المسلح جرب في الماضي ولكنه لم يؤدِ الى الهدف المنشود. وحتى حماس، رغم تباهيها بانها حركة مقاومة “تفرض” على اسرائيل ارادتها، لم تنجح في الـ 14 سنة من حكمها في قطاع غزة في التقدم في القضية الفلسطينية، تسببت بدمار جم في قطاع غزة وتعرضت لغضب جماهيري شديد. في السنوات الاخيرة تسعى حماس الى المصالحة مع فتح، انطلاقا من المعرفة بان ليس بوسع فصيل واحد ان يحقق للفلسطينيين استقلالا سياسيا. والتقارب بين المنظمتين سينطوي على حلول وسط، اوضحت حماس بانها مستعدة لها غير أن هذا ليس كافيا لاقناع ابو مازن.

لم تكن كل 16 سنة رئاسة ابو مازن مثابة فشل. في بعضها ادار مفاوضات صادقة ومليئة بالثقة المتبادلة مع رئيس وزراء اسرائيل في حينه اهود اولمرت، بعث أملا شديدا في اوساط شعبه وواصل – رغم رفضه عروض اولمرت التنسيق الامني، وثقه ومنع كل استخدام للعنف. بنى بالتوازي مع رئيس وزارته في حينه سلام فياض، بنية تحتية مؤسساتية واقتصادية لدولة على الطريق  بنت طبقة وسطى تمتعت بامان تشغيلي واقتصادي يساهم حتى اليوم في الاستقرار الامني في الضفة الغربية. بفضل هذه الاعمال نالت السلطة الفلسطينية في العام 2012 اعتراف البنك الدولي باهليتها لان تقيم وتقود دولة مستقلة.

غير أنه منذ صعود حكومات اليمين في اسرائيل في العام 2009 يواجه ابو مازن محاولات التجاهل والدحر الاسرائيلية للقضية الفلسطينية عن جدول الاعمال المحلي والدولي. فعدم استجابة ابو مازن لعروض رئيس الوزراء اولمرت الواسعة فسرت كعدم اهتمام فلسطيني بتسوية سلمية. لم تخفي هذه الحكومات عدم اهتمامها بمسيرة سياسية استخفت بابو مازن والشروط التي طرحتها لاستئناف المفاوضات اثارت عدم ثقة  ورفضها الفلسطينيون.

محاولة وزير الخارجية الامريكي جون كيري لاجراء جولة مفاوضات اخرى في  عامي  2013 – 2014 كانت محكومة مسبقا بالفشل في ضوء ازمة الثقة بين اسرائيل والفلسطينيين، رفض الفلسطينيين الاقتراحات التي وضعها كيري على الطاولة والتوتر بين البيت الابيض ورئيس  الوزراء في حينه بنيامين نتنياهو. تبنت خطة القرن  التي وضعتها ادارة ترامب عمليا مواقف اليمين الاسرائيلي واتجهت لان تفرض على الفلسطينيين مخطط للتسوية مع علم واضح الا يتمكنوا من قبوله. غضبت الادارة على الفلسطينيين بسبب الرفض واتخذت اجراءات عقابية – قلصت معظم المساعدة الامريكية بل دفعت الادارة دولا عربية لان تفعل ذلك. من هذه الضربة التي وجهتها الولايات المتحدة، التي اعتبرت دوما في نظر الفلسطينيين وسيطا نزيها رغم ميلها المعروف في صالح اسرائيل، لا ينجح ابو مازن بالنهوض.

في ضوء العزلة التي علقت فيها السلطة الفلسطينية اضطر ابو مازن لان يتوجه الى خطوات تقارب  لحماس وباقي فصائل المعارضة. ولكن ما ان فهم بانه كفيل بان يخسر في الانتخابات في المجلس التشريعي والتي بادر هو نفسها اليها قرر الغاءها بدعوى ان اسرائيل لا تسمح باجراء الانتخابات في القدس. والغاء الانتخابات التي كان يفترض أن تشكل ذروة عملية التقارب بين الفصائل الفلسطينية فاقمت الشرخ في الساحة الفلسطينية، عمقت الانقسام في صفوف فتح ومست بشدة في مكانته الشخصية. حماس، التي اعتقدت بان الغاء الانتخابات اخذ منها انتصارا مؤكدا، بادرت قبل الاوان الى استفزازات حول المسجد الاقصىى وحي الشيخ جراح في القدس كي تحدث مواجهة مع  اسرائيل. هذه المواجهة – “حارس  الاسوار” منحت حماس تأييدا واسعا والقت بظلال ثقيلة على ابو مازن وفتح. م.ت.ف، المنظمة العليا العامة للفلسطينيين، فقدت عمليا مكانتها كممثل حصري للشعب الفلسطيني. بالمقابل، تتعزز حماس منذئذ في وعي الجمهور كبديل، رغم التحفظات الكثيرة عليها. والدعوة المتكررة من حماس منذ 2017 للمصالحة الوطنية تثير الثقة في اوساط الجمهور وتضع ابو مازن كالحاجز الحصري امام هذا الهدف.

في الواقع الناشيء مشكوك ان تتمكن حركة فتح وحدها من قيادة م.ت.ف. فهي ستكون مطالبة بان تتصدى لمطلب حماس ومنظمات المعارضة الاخرى بان تكون جزءا من القيادة الرسمية للشعب الفلسطيني وللمساومة معها. صحيح حتى الان ابو مازن هو الذي يقف في الثغرة ويشترط كل خطوة كهذه بقبول الالتزامات التي اخذتها م.ت.ف على عاتقها وكذا بوقف الكفاح المسلح  واخضاع السلاح تحت سلطة واحدة. ولكن مشكوك جدا ان يكون بين الشخصيات الذين سيأتون بعده من داخل حركة فتح من سيحظى بالشرعية بان يطرح طلبا من هذا القبيل. يذكر ان في نظر حماس ومنظمات المعارضة الاخرى، يتمتع ابو مازن بمكانة رئيس شرعي انتخب على اساس السياسة التي عرضها في حملة الانتخابات ويتخذها منذئذ. بقوة هذا الانتخاب يمكنه أن يعلن بين الحين والاخر بان التنسيق الامني مقدس والقرارات الدولية هي الاساس لكل مفاوضات سياسية. غير أنه بعد الغاء الانتخابات يتمنى الجميع رحيله وبعده سيطلب الكثيرون اعادة انتظام للقيادة الفلسطينية التي تشدد مطالبها اساسا على الحاجة لتقليص فجوة انعدام التماثل بين الفلسطينيين وبين اسرائيل.

وعليه، ليس واضحا على الاطلاق هل سيكون ممكنا مواصلة الحديث بتعابير التسوية. وهل الدعوات للعودة الى المفاوضات، ولا سيما من جانب مقربي ابو مازن ومن جانب محافل في الساحة الاقليمية، ولا سيما الاردن، ستبقى ذات صلة.  فالتطلع لتقليص عدم التماثل بين اسرائيل والفلسطينيين  سيكون ينطوي على وقفة قوة اكبر تجاه اسرائيل لاجل تغيير شروط بدء المفاوضات. وذلك بسبب الاعتراف المتسع بفشل طريق ابو مازن التصالحي ظاهرا. تعابير عن ذلك يمكن ان تكون توسيع مستوى الاحتكاك ومجالاته بين جنود الجيش وبين الفلسطينيين في الضفة الغربية على اساس النمط الغزي، اي الاحتكاك الجسدي القريب دون سلاح ناري، والتي تخلق نتائجه ضغطا دوليا ثقيلا على اسرائيل.

فهل لا يزال ممكنا حرف الساحة الفلسطينية عن الاتجاه الذي تسير نحوه ام ان هذه مسيرة لا مرد لها؟ سلوك ادارة ترامب جسد أن الضغط الشديد جدا على الفلسطينيين يقرب في نهاية المطاف بين المعسكرات المتخاصمة في هذه الساحة. كما جسد أن العطف الامريكي الكبير على اسرائيل والتضامن من جانب الولايات المتحدة مع مواقفها يضعف الطرف الفلسطيني لدرجة المس باداء دوره في التنسيق الامني وبمكانته كشريك محتمل في المفاوضات السياسية.

يذكر أنه في المنافسة في حماس، تعتمد فتح على تحالف كل الجهات التي عملت على مسيرة اوسلو وتعمل عليه منذئذ لحفظه. بينها الولايات المتحدة ودول اخرى كثيرة في الساحة الدولية، والتي اعترفت السلطة الفلسطينية وبـ م.ت.ف بالمحافل الدولية الهامة والتي تمد يد العون الكثير للفلسطينيين. والى هذه القائمة ينبغي ان تضاف الدول العربية المعتدلة التي ساندت المسيرة السياسية من بدايتها. م.ت.ف بخلاف حماس هي جزء من هذا المعسكر. للمساعدة التي تقدم للسلطة دور هام في ضمان استقرارها واستقرار الوضع الامني في  الضفة الغربية. كما ان لاسرائيل دورا في ذلك. ومجرد الحوار معها، حين يكون بناء وصادقا، يمنح السلطة الفلسطينية ورئيسها الشرعية، دليل على صحة طريقهم حيال الخصوم السياسيين ويزرع الامل  في الجمهور الفلسطيني.

لما كان هكذا، فان الخطوة الواجبة لاجل منع فقدان خيار التسوية هي تجنيد كل المحافل المذكورة أعلاه لاعادة بدء المسيرة من جديد بحيث تطرح افقا سياسيا واضحا، توضح بان المسألة الفلسطينية لم تشطب عن جدول الاعمال وتعرب عن الثقة بكل قيادة وطنية فلسطينية تكون ملتزمة بالاتفاقات الموقعة مع اسرائيل وبالتزامات م.ت.ف في هذا السياق. حتى ذلك الحين خير تفعل اسرائيل اذا لم تعارض استئناف العلاقات بين م.ت.ف والولايات المتحدة بما في ذلك استئناف المساعدة للسلطة الفلسطينية، اعادة فتح سفارة م.ت.ف في واشنطن وفتح القنصلية التي اغلقت في شرقي القدس في مكان تكون اسرائيل موافقة عليه ايضا، على ان يكون فيه ما يوضح من جديد بان مستقبل شرقي القدس سيتقرر في  المفاوضات. على اسرائيل من جهتها ان توضح بان لا مصلحة لها في انهيار السلطة الفلسطينية، وانها تقدر التعاون الجاري معها في المجال الامني وان ل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى