ترجمات عبرية

معهد INSS: مرشد عام لعمل محكمة الجنايات الدولية: كيف يجب أن تتصرف إسرائيل؟

معهد INSS الاسرائيلي 2022-08-16، بقلم: بنينا شربيت باروخ وأوري باري

تأسست محكمة الجنايات الدولية (ICC) في إطار ميثاق روما، وهو ميثاق دولي عقد في 17 تموز 1998 ودخل حيز التنفيذ في 1 تموز 2002.

المحكمة هي مؤسسة دائمة تتخذ من لاهاي مقراً لها، وتتشكل من مكتب ادعاء عام وهيئات قضائية (وكذا من محافل تعنى بتمثيل الضحايا من جهة وتقديم خدمات دفاع قانوني للمشبوهين والمتهمين من جهة أخرى).

المدعي/ة للمحكمة والقضاة تعينهم جمعية الدول الأعضاء في المحكمة لفترة 9 سنوات. صحيح أنه حتى تموز 2022، موعد كتابة هذه المذكرة، تضم المحكمة 123 دولة عضواً، بما في ذلك معظم الدول الغربية، لكن إسرائيل ليست عضوا في المحكمة، مثل معظم دول المنطقة باستثناء الأردن و”فلسطين” (كما تعرف في المحكمة).

الولايات المتحدة، روسيا، الصين والهند أعضاء في المحكمة. وقعت إسرائيل، مثل الولايات المتحدة، بداية على ميثاق روما في نهاية العام 2000، وهكذا عبرت عن موافقتها على المبادئ الدائمة في الميثاق. لكن في العام 2002 أعلنت إسرائيل، مثلما أعلنت الولايات المتحدة أيضاً، أنها لن تصادق على الميثاق؛ العمل المطلوب لغرض الانضمام إلى ميثاق روما والمحكمة.

للمحكمة صلاحيات لمقاضاة أشخاص مشبوهين بارتكاب جرائم يفصّلها ميثاق روما: جرائم حرب، جرائم ضد الإنسانية، إبادة شعب واعتداءات. وتنطبق صلاحياتها على جرائم ارتكبت في أرض دولة عضو في المحكمة (وكذا ضد مواطنين من دولة ليست عضوا في المحكمة) أو من مواطن في دولة عضو في المحكمة (حتى لو ارتكبت الجريمة في أرض دولة ليست عضوا).

الدول التي ليست أعضاء في المحكمة يمكنها أن تعطي موافقتها اللحظية لأن تبحث المحكمة في جرائم ارتكبت في أراضيها أو من قبل مواطنيها. إضافة إلى ذلك يمكن لمجلس الأمن في الأمم المتحدة أن يتوجه لتحقيق المحكمة في حالات لا صلة لها بدولة عضو.

استخدمت هذه الصلاحية حتى اليوم مرتين: في إقليم دارفور في السودان وفي ليبيا. توجد ثلاث طرق لفتح إجراء قضائي في المحكمة: توجه من دولة عضو، أو توجه من مجلس الأمن، أو قرار بمبادرة مكتب الادعاء في ضوء تقارير تصل إليه، من أي مصدر كان، بشأن شبهات بتنفيذ جرائم هي ضمن صلاحيات المحكمة.

تبدأ كل الإجراءات بفحص أولي في نهايته يتخذ القرار بفتح التحقيق.

في مرحلة الفحص الأولي تقوم إجراءات الاستيضاح أساسا استنادا إلى مصادر علنية. بالمقابل، في مرحلة التحقيق يستخدم مكتب الادعاء صلاحيات التحقيق المستقلة.

في هذه المرحلة يتم اختيار الملفات الخاصة التي سيركز التحقيق عليها.

المعيار المركزي لاختيارها هو خطورة الأفعال ومدى مسؤولية المشبوه، في ظل مراعاة الاضطرارات العملية وقيود المقدرات والوقت.

في مرحلة التحقيق يمكن للادعاء أن يطلب من هيئات ما قبل المحاكمة أن تصدر ضد مشبوه معين أمر استدعاء أو أمر اعتقال، إذ كان ثمة أساس معقول للاعتقاد بأن الشخص ارتكب جرائم تقع ضمن صلاحيات المحكمة.

كقاعدة، لا تنشر أوامر الاعتقال علناً، بل تنقل عبر القنوات السرية لمحافل الإنفاذ الدولية.

والمعنى هو أن المشبوه قد يعرف أنه صدر بحقه أمر اعتقال. كل الدول الأعضاء في المحكمة ملزمة بالتعاون مع التحقيق، بما في ذلك احترام أوامر الاعتقال بالنسبة للمشبوهين الذين يوجدون في أراضيها وتسليم المشبوهين إلى المحكمة.

لا تدير المحكمة محاكمة ضد شخص دون حضوره، وعليه فإن الإجراء مجمد حتى مثول المشبوه أمام المحكمة، استمراراً لاعتقاله أو في أعقاب مثوله طوعا.

أثناء المحاكمة على هيئات المحكمة أن تقتنع، بما لا يرتقي إليه شك معقول، بذنب المتهم كي تدينه. ومن يُدَنْ يمكن أن يحكم عليه حتى 30 سنة سجن، وفي ظروف متطرفة أيضا السجن المؤبد. كما يمكن اتخاذ قرار بتعويض الضحايا.

المحكمة معدة لتكون ذات صلاحيات ثانوية واستكمالية لصلاحيات القضاء الوطني في الدول.

هذا المبدأ المسمى مبدأ الاستكمال معناه أنه فقط إذا لم تحقق الدولة ذات الصلة بالحالة ذاتها، بسبب عدم الرغبة أو عدم القدرة، فالطريق مفتوح أمام المحكمة للتحقيق في الحالة وتقديم المتهم للمحاكمة أمامها.

مبدأ آخر يقيد مدى صلاحيات المحكمة هو مبدأ الخطورة، وبموجبه لا تعنى المحكمة إلا بالحالات الأخطر التي تشكل مصدر قلق للأسرة الدولية.

في العشرين سنة من عملها فتحت المحكمة تحقيقات في 17 وضعا. 10 منها أدت إلى فتح ملفات ضد 51 مشبوها ومنها محاكمات وصلت إلى نهايتها في قضايا 14 مشبوها. 10 مشبوهين أدينوا منهم 5 فقط أدينوا بارتكاب جرائم جوهرية – جرائم ضد الإنسانية أو جرائم حرب (متهمون من الكونغو، أوغندا ومالي)، أما الخمسة الآخرون فأدينوا بمخالفات تشويش إجراءات المحكمة. وبرأت المحكمة ساحة الأربعة الآخرين.

أدت الإنجازات الهزيلة للمحكمة إلى انتقاد شديد لأدائها. فقد زعم أنها تعاني من نقص في المهنية ونقص في الفاعلية. فلأجل التصدي للمشاكل في المجال المهني عينت جمعية الدول الأعضاء في العام 2019 لجنة خبراء مهنية. والتقرير، الذي أعدته، نشر في أيلول 2020 وفيه توصيات مفصلة. في أعقابه بدأت عملية تطبيق سلسلة من الإصلاحات في المحكمة. في حزيران 2021 عُين مدعٍ عام جديد في المحكمة، كريم خان البريطاني.

يبدو أن هذا مدعٍ عام مهني وناجع أكثر من سلفيه، ونجح في وقت قصير في تحقيق تعاون في الساحة الدولية وتعزيز الدعم للمحكمة.

في بداية الطريق عنيت تحقيقات المحكمة أساسا بأحداث وقعت في قارة إفريقيا، ضمن أمور أخرى في أعقاب رفع الحالات من قبل دول إفريقية. ومع ذلك، في السنوات الأخيرة وجدت المحكمة نفسها مشاركة أيضا في تحقيق شبهات بجرائم ارتكبها مواطنون من الولايات المتحدة وروسيا رغم أن الدولتين ليستا عضوين في المحكمة.

ووجدت الولايات المتحدة نفسها تحت تحقيق تناول أعمال قواتها في أفغانستان، كون أفغانستان عضوا في المحكمة. أدى هذا التحقيق إلى توتر شديد في العلاقات بين الولايات المتحدة والمحكمة. ولم تحل أزمة العلاقات إلا بعد تجميد التحقيق مع القوات الأميركية في أفغانستان من قبل المدعي الجديد للمحكمة في أيلول 2021، بعد وقت قصير من سيطرة “طالبان” على الحكم في الدولة. وعلل المدعي ذلك بأنه قرر، في ضوء الوضع، تركيز التحقيق على جرائم “طالبان” و”داعش” في خورستان.

يوجد اليوم تحقيقان بشأن روسيا. الأول – التحقيق في أعمال قواتها في جورجيا، والتي هي عضو في المحكمة، في إطار المواجهة التي وقعت بين الدولتين في العام 2008. بدأ هذا التحقيق في كانون الثاني 2016. الثاني – تحقيق في أعمال قواتها في أوكرانيا، بقوة الصلاحية التي منحتها هذه الدولة للمحكمة في العام 2014 بالنسبة للجرائم التي ارتكبت في أراضيها في إطار المواجهة مع روسيا والتي وقعت في ذاك الوقت.

رغم أن الفحص الأولي تناول مصدر النزاع بين الدولتين من العام 2014 كون الموافقة التي أعطتها أوكرانيا لم تقيد بفترة محددة، فإن التحقيق الذي فتح مؤخراً فقط، في آذار 2022، وسع ليضم شبهات بجرائم تقع في أثناء المواجهة الحالية، في أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا في شباط 2022. ويحظى هذا التحقيق بتأييد واسع من دول عديدة.

كما أسلفنا، إسرائيل ليست عضوا في المحكمة. ورغم ذلك يوجد تحقيق في ادعاءات بارتكابها جرائم في مناطق “يهودا” و”السامرة”، وشرق القدس، وقطاع غزة، ابتداءً من 13 حزيران 2014، وذلك استمراراً لقول المدعية العامة السابقة، فاتو بنسودا، وقضاة الأغلبية في هيئة ما قبل المحاكمة بأن “فلسطين” دولة عضو في المحكمة، وإنها مخولة بأن تتوجه إليها للتحقيق في جرائم ارتكبت في أراضيها.

وتناول الطلب الفلسطيني عموم الجرائم التي ارتكبت من 13 حزيران 2014، دون موعد نهاية محدد.

ويتناول التحقيق شبهات بارتكاب جرائم من كل الأطراف المشاركة، بما في ذلك ادعاءات بارتكاب جرائم حرب عقب المواجهات في قطاع غزة ابتداء من حملة “الجرف الصامد” في العام 2014، وكذا في إطار خطوات أمنية في “يهودا” و”السامرة” وشرق القدس. إضافة إلى ذلك، يتناول التحقيق سياسة الاستيطان بسبب حقيقة أن النقل، مباشرة أو بشكل غير مباشر، لأجزاء من سكان أرض القوة الاحتلالية إلى داخل الأرض المحتلة يعرف بأنه جريمة حرب في ميثاق روما.

كانت الصياغة الواسعة لهذه الجريمة أحد الأسباب المركزية لعدم انضمام إسرائيل إلى المحكمة.

لا يزال مبكراً التقدير كيف سيتطور التحقيق في قضية إسرائيل. لإسرائيل ادعاءات جيدة بشأن عدم صلاحية المحكمة للانشغال بالحالة موضع البحث. أولاً، بسبب حقيقة أن “فلسطين” لا تستوفي المطالب التي يطرحها القانون الدولي لتعريفها كدولة؛ ثانياً، بسبب غياب أساس قانوني للقول إن أرض “الدولة” هذه تقع على عموم أراضي “يهودا” و”السامرة”، وشرق القدس، وقطاع غزة، في ضوء غياب السيطرة الفلسطينية في معظم هذه الأراضي؛ وثالثاً، بسبب حقيقة أن الصلاحيات القضائية للسلطة الفلسطينية محدودة حسب الاتفاقات مع إسرائيل بمخالفات الفلسطينيين في المناطق أ و ب وفي قطاع غزة، وعليه فهذا لن يكون بوسعه منح المحكمة صلاحيات قضائية ليست لها. ومع ذلك، ردت هذه الادعاءات المدعية العامة السابقة وقضاة الأغلبية في هيئات ما قبل المحاكمة.

من الصعب الافتراض أن المدعي العام الجديد سيقلب بشكل صريح القرار بأن للمحكمة صلاحيات قضائية بالنسبة للحالة. ومع ذلك بوسعه أن يعطي أولوية متدنية للتحقيق، ويبدو أن هذا هو الميل الحالي لديه. بالمقابل، فإن المدعي العام منصت لنبضات القلب الجماهيرية في الساحة الدولية.

وعليه فإنه إذا ما وجدت دولة إسرائيل نفسها في مركز نقد دولي – مثلا في أعقاب حملة عسكرية تؤدي إلى إصابات عديدة في الطرف الآخر، أو في أعقاب تقارير تنشر ضدها تتهمها بارتكاب جرائم خطيرة، أو في أعقاب عمل موضع خلاف كضم أجزاء من الأرض – فمن شأن المدعي العام أن يغير نهجه، ويعطي أولوية أعلى للتحقيق في قضية إسرائيل.

إن فتح إجراءات ضد محافل إسرائيلية، فضلا عن التأثير المباشر على تلك المحافل، والتي من شأنها أن تجد نفسها تحت أوامر اعتقال وإجراءات جنائية، تنطوي هذه الإجراءات على مس محتمل بسلوك إسرائيل في الساحة الدولية بقدر ما تقيد حركة المحافل الإسرائيلية، بما في ذلك أصحاب المناصب العليا. إضافة إلى ذلك، فإن تحقيقا كهذا سيمس بمكانة إسرائيل في الساحة الدولية، ويشكل إدارة إضافية في معركة نزع الشرعية عن إسرائيل.

بالمقابل، حتى لو نال التحقيق زخما ليس واضحا على الإطلاق إذا كان سيؤدي إلى إصدار أوامر اعتقال أو إجراءات أخرى ضد مشبوهين محددين، بسبب صعوبة إثبات العناصر الوقائعية والقضائية للجرائم المنسوبة للمحافل الإسرائيلية. بالنسبة للادعاءات المتعلقة بأعمال قوات الجيش الإسرائيلي سيكون لإسرائيل حجة الاستكمال بقدر ما يكون ممكنا الإشارة إلى تحقيقات واستجوابات صادقة وجدية تجرى في إسرائيل.

حجة الاستكمال ليست موجودة بالنسبة للادعاءات المتعلقة بالمستوطنات أو بإجراءات أمنية معينة لا تتعاطى إسرائيل معها بأنها تتعارض والقانون، ولهذا فإنه لا تدار فيها تحقيقات.

ومع ذلك بالنسبة لهذه توجد حجج قانونية أخرى يمكن طرحها. إضافة إلى ذلك فإن موضوع المستوطنات ينخرط في جوانب سياسية اتفق على أن تكون موضوعا للمفاوضات بين طرفي النزاع، وعليه فيوجد أساس للادعاء بأن المحكمة الجنائية ليست المحفل المناسب للاهتمام بها، ومن الجدير بأن تعطى أولوية لحالات مناسبة أكثر. وتتعزز هذه الحجة كلما كانت توجد مفاوضات حقيقية بين طرفي النزاع.

رغم ما قيل ينبغي التعاطي مع وجود التحقيق باهتمام شديد واتخاذ استراتيجية مرتبة لا تقبل صلاحيات المحكمة على إسرائيل في ظل الحفاظ على قنوات حوار غير رسمية لأجل إطلاعها على الحجج الإسرائيلية بأفضل شكل ممكن. والأمور صحيحة بخاصة في ضوء الميل المتعلق بتعزيز مكانة المحكمة وتحسن مستوى فاعليتها.

على هذه الخلفية من المهم التعرف إلى المحكمة وفهم صلاحياتها، وكيف يدار الإجراء في إطارها، وفي أي حالات عنيت حتى اليوم، وما الذي يوجد على جدول الأعمال المتعلق بإسرائيل.

 

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى