ترجمات عبرية

معهد (INSS) – ما أحدثته المادة الاستخبارية في ميزان الحرب الأوكرانية

معهد دراسات الامن القومي الاسرائيلي  (INSS) – بقلم: أوفيك ريمر

المعلومات استهدفت في المقام الأول مساعدة متخذي القرارات. مهمتها تزويدهم بمعلومات نوعية تمكنهم من بلورة سياسة أمام تغيرات الواقع وتوجيه الجهات التنفيذية إلى كيفية الاستعداد لمواجهتها بهدف الحفاظ على تفوق سياسي واقتصادي وعسكري. مع ذلك، أصبحت المعلومات بحد ذاتها في السنوات الأخيرة أداة لتطبيق السياسات والتأثير على الواقع، بفضل التغيرات الدراماتيكية في مجال المعلومات والاتصالات وزيادة أهميتها وتأثير الشبكات الاجتماعية والرأي العام العالمي على السياسة وعلى الحرب بشكل خاص.
أزمة أوكرانيا تعكس إحدى الذروات في هذا التوجه. في الأشهر التي سبقت الغزو الروسي ومنذ بدايته، بدا أن الاستخدام العلني للمعلومات وسيلة رئيسية في إدارة الأزمة من قبل الغرب ومن قبل الحكومة نفسها في أوكرانيا. جهات أمريكية رفيعة، كما تم اقتباسها في “نيويورك تايمز” اعتبرت حملة كشف المعلومات من قبل الإدارة الأمريكية الأكثر وحشية منذ أزمة الصواريخ في كوبا في 1962.
كانت بداية الحملة في تشرين الثاني 2021، بتحذيرات أوكرانيا إزاء حشد الجيش الروسي لقواته خارج الحدود الشرقية لأوكرانيا. بدأ الأمريكيون والأوكرانيون بالتدريج في تحديث ترتيب القوات الروسية التي احتشدت حول أوكرانيا، والتي كانت في حينه أقل من 100 ألف جندي. المخابرات العسكرية الأوكرانية كانت هي أول من كشف الخارطة التي تحددت فيها الاتجاهات المحتملة للهجوم ضد أوكرانيا. في بداية أيلول، ظهرت خارطة مشابهة في “واشنطن بوست”، إلى جانب تقدير لجهاز المخابرات الأوكراني، جاء فيه أن الرئيس فلاديمير بوتين يخطط لحشد 175 ألف جندي وغزو أوكرانيا في بداية 2022. في كانون الثاني، قالت المتحدثة بلسان البيت الأبيض بأن هناك مؤشرات على أن روسيا تخطط لعملية تشبه الهجوم ضد مواطنين أوكرانيين يتحدثون الروسية في شرق أوكرانيا كذريعة لشن الحرب. في نهاية الشهر نفسه، أطلعت وزارة الخارجية البريطانية الجمهور على معلومات تقول بأن المخابرات الروسية تستعد لتشكيل حكومة دمى في كييف بعد إخضاع أوكرانيا.
في بداية شباط، كان الروس قد حشدوا 140 ألف جندي في الجبهة. في 13 شباط، أي قبل عشرة أيام من دخول الجيش الروسي إلى أراضي أوكرانيا، وقدر مصدر أمريكي رفيع (فضل عدم ذكر اسمه) بأن بوتين سيعطي الأمر الأربعاء، 16 شباط. عند انقضاء هذا اليوم دون تحقق تنبؤ المخابرات، أعلن الروس، الذين نفوا أي ادعاء استخباري للغرب واعتبروه هستيرياً مناهضة لروسيا، عن سحب القوات من الجبهة الأوكرانية. ولكن المخابرات الأمريكية والبريطانية دحضت ادعاءات روسيا وقالت إن حشد القوات الروسية مستمر، وأنه وصل إلى 150 ألف جندي. في 23 شباط، قبل يوم من الغزو، نشر أن الولايات المتحدة نقلت للرئيس فلودومير زيلينسكي تحذيراً من غزو دولته خلال 48 ساعة.
عندما بدأ الهجوم الروسي في فجر 24 شباط، سارعت وسائل الإعلام الغربية إلى الإعلان عن نجاح استخباري كبير. ولكن باستثناء التنبؤ الذي تحقق، ماذا كان دور المخابرات في الأزمة، وماذا كان إسهامها الحقيقي في الاستخدام العلني للمعلومات؟ ربما لن نعرف ذلك في أي وقت. ولكن هناك بعض الأفكار التي يمكن الإشارة إليها بحذر في هذا السياق.
على المستوى السياسي. ساهمت التقديرات الاستخبارية الثابتة في ترسيخ رواية متماسكة رسمت بوتين على أنه معتد. وظهرت في المعلومات صورة واضحة لزعيم مصمم على السيطرة على أوكرانيا بالقوة، في حين أن جميع النشاطات الدبلوماسية والإعلامية والعسكرية التي مصدرها الكرملين استهدفت ذر الرماد في عيون العالم وفي عيون الأوكرانيين. رسمت الرواية خطاً واضحاً بين الخير والشر، بين العدل والظلم، وبذلك مكنت الغرب من بلورة جبهة موحدة وواسعة ضد روسيا في فترة قصيرة، وجدت تعبيرها في تعزيز الجهاز الأمني الأوروبي، مع التأكيد على حلف الناتو، وفرض عقوبات مؤلمة على روسيا، التي اقتضت تنازلات كبيرة من قبل اقتصاد الغرب أيضاً. هذا، كما يبدو، إنجاز كبير للغرب في الأزمة الحالية، وهو إنجاز فاجأ المجتمع الدولي بشكل كبير، وفي المقام الأول الروس أنفسهم.
على المستوى الاستراتيجي. الكشوفات الاستخبارية بخصوص نوايا وخطط روسيا فشلت في خلق ردع الغزو ومنعه. ولكن في الوقت نفسه، يجب الاعتراف بأن ذلك لم يكن هو هدف الغرب. بالعكس، الاستخدام العلني للمعلومات هو خيار ملزم، يدل على عدم استعداد الغرب للتعهد بردع روسيا، بما في ذلك الاستعداد لاستخدام القوة العسكرية والمخاطرة باندلاع حرب. حيث كان الغرب مصمماً على الدفاع عن أوكرانيا حتى عسكرياً، فإنه كان سيتصرف بحذر أكبر بالنسبة للمعلومات، وكان سيمتنع عن المخاطرة بمصادر حيوية له من أجل الحفاظ على التفوق إذا احتاج الأمر استخدام هذه القوة ضد روسيا.
إضافة إلى ذلك، كان هناك من قالوا بأن الانشغال العلني بنوايا بوتين دفعه إلى الزاوية ولم يترك له خياراً سوى تجسيد نوايا عدائية نسبت إليه. هذا الادعاء إشكالي؛ فمن جهة، إذا افترضنا أن بوتين أدار دبلوماسية قسرية، أي أنه عمل من أجل خلق تهديد عسكري موثوق لتحقيق إنجازات سياسية وأمنية، فثمة تقديرات للمخابرات أعطت موثوقية كبيرة للتهديد، ونشرها أعطى الصدى العالمي الذي كان يمكن لبوتين أن يستغله لو أظهر الاستعداد للمصالحة وعدم التصعيد. من جهة أخرى، لو كان بوتين من البداية مصمماً على غزو أوكرانيا، كما ادعت المخابرات الغربية، فإن الاهتمام بالصورة وبالشرعية الدولية لاعتبارات عسكرية تكتيكية لم يكن في صلب اهتماماته. لذلك، لم يكن بإمكان الكشف وحده أن يوقفه، حتى لو سرّع ذلك البدء في المعركة.
على المستوى التكتيكي. الكشوفات الاستخبارية ساعدت في تقويض الأمن الروسي وتعطيل جهودها العسكرية والفكرية، وفي الوقت نفسه، وفرت الوقت لأوكرانيا. ومعرفة أن المراتب العليا في الحكومة والجيش مشبعة فكرياً ليست أمراً مريحاً، بالأحرى عشية البدء في عملية عسكرية. من المفروض أن تكون الكشوفات أدت إلى حرف الأنظار إلى التحقيق في الاختراقات الاستخبارية وإغلاقها، بصورة ربما أضرت وتواصل الإضرار بالتواصل بين الرتب والهيئات في روسيا وتقويض فعاليتها العملياتية في الحرب. قد تكون التقارير التي تتحدث عن اعتقال مسؤولين كبار في المخابرات الروسية المؤشر على ذلك. بالتحديد، فضح العمليات السرية لخلق ذريعة لبدء الحرب واستبدال النظام في كييف، ولكن سحب البساط من تحتها أدى إلى إلغائها أو إلى أحداث تغييرات فيها. وبمجرد أن قرر بوتين غزو أوكرانيا، فقد كان جهده الرئيسي في مجال الوعي هو “تخدير” الأوكرانيين بالخداع والتضليل من أجل تقليص حدة المقاومة العسكرية. لكن الكشوفات الغربية صعبت هذا الأمر.
كل ذلك يجب أن يضاف إليه الكشف اليومي خلال الحرب والتقديرات والمعلومات من قبل الأجهزة الاستخبارية الأمريكية والبريطانية. هذه التقارير تسهم في مواجهة المعلومات الكاذبة، المتعمدة وغير المتعمدة، سواء من جانب روسيا أو أوكرانيا، وتعكس صورة وضع متزنة للقتال وتداعياته بصورة تمكن من اتخاذ قرارات متزنة ومحسوبة. فعلى سبيل المثال، عندما نشرت جهات في أوكرانيا عن خطوات روسية تشكل خطراً على المنشآت النووية في تشرنوبل وزبروجيا، فإن جهات غربية ودولية سارعت إلى تصحيح هذه التقارير بصورة خففت حتى الآن الانطباع الأولي، لكن إلى جانب عرض صورة وضع موضوعية للقتال، هناك في هذه التقارير أيضاً تماه مع الطرف الأوكراني ومصلحة في المس بصورة القوة الروسية ومعنويات الجيش. هكذا، الصورة التي تتبين من التقارير، والتي هي في نظر مراقبين غربيين كثيرين غير مرضية للجيش الروسي المتفوق، قد تؤثر بشكل سيئ على احتمالية وقف الحرب. هكذا سيكون مطلوباً إنجاز عسكري واضح، وتطويق واحتلال لكييف أو فصل أوكرانيا عن منفذ بحري من أجل التأكد من أن صورة القوة وقدرة روسيا على الردع لم تتضرر.
إلى جانب ذلك، من المهم الذكر بأن الكشف العلني عن معلومات، مرتبط بمخاطرة كبيرة ستلحق بمصادر المعلومات وطرق الحصول عليها. أحياناً ترتكز المصادر على التكنولوجيا، وإن نشر المعلومات التي تم الحصول عليها بواسطتها قد يؤدي إلى كشوفات وإخفائها، وبعد ذلك تقليص الفجوة التكنولوجية بين من يكشف المعلومات ومن يطلع عليها. يدور الحديث أحياناً عن مصادر إنسانية لها قدرة على الوصول إلى دوائر مقلصة لاتخاذ القرارات، التي قد يؤدي الكشف عن تفاصيل المعلومات المؤكدة حول تقاريرهم إلى كشفهم، والمس بأمنهم الشخصي. وسمعة الكشف عن المعلومات والمخاطرة بالمصادر ربما تؤدي إلى صعوبة في استثمار الموارد البشرية في المستقبل.

مركز الناطور للدراسات والأبحاث  Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى