معهد INSS – بقلم يوآل جوجنسكي والداد شبيط وسيما شاين – ضرب منشآت النفط في السعودية ، هو صعود درجة في جرأة ايران

قسم الملحق الاستراتيجي – نظرة عليا – بقلم يوآل جوجنسكي والداد شبيط وسيما شاين – 19/9/2019
الهجوم في 14 ايلول على منشآت النفط في السعودية، التي تعتبر احداها، “بكايك”، من اكبر المنشآت من نوعها في العالم، هو الضربة الاخطر لمنشآت النفط في الخليج منذ حرب الخليج الاولى، من ناحية حجم الضرر والاهمية الاقتصادية لها. الحديث يدور عن تقليص مؤقت يقدر بـ 5.7 مليون برميل يوميا، أي حوالي 50 في المئة من قدرة الانتاج في السعودية (مجمل الانتاج بلغ في شهر آب 9.85 مليون برميل نفط يوميا. التي تعادل حوالي 5 في المئة من الانتاج العالمي). حتى الآن السعوديون يحافظون على تعتيم بخصوص التفاصيل الكاملة للحدث ويحاولون القول إن الامور على حالها، من خلال تأكيدهم بأنه ليس هناك اضرار في الارواح وأن بوسعهم العودة الى وتيرة الانتاج العادية بسرعة. في هذه المرحلة هم يمتنعون عن توجيه اصبع الاتهام لايران، خلافا لردودهم بعد الهجوم الذي نسبوه لايران في ايار وتموز على ناقلات النفط في الخليج ومنشآت النفط في المملكة. حتى اذا نجح السعوديون في العودة الى انتاج جزئي، وحتى كامل، بسرعة، فقد تم تجسيد الاضرار بسلسلة استخراج النفط في دول الخليج.
وزير الخارجية الامريكي، مايك بومبيو، سارع في القاء التهمة على ايران في حين أن الرئيس دونالد ترامب كان اكثر حذرا في اقواله وغرد بأن الولايات المتحدة تعرف من يقف خلف الهجوم، لكنه امتنع عن ذكر اسم ايران، وأنها “مستعدة وجاهزة للرد”. وهذا مشروط بالتحقق من المعطيات. وحسب اقواله، “الادارة تنتظر رد السعوديين بخصوص من يقف خلف الهجوم، وكيف يريدون الاستمرار”. تقارير في وسائل الاعلام الامريكية، تستند الى مصادر امريكية رسمية قالت إن الهجوم نفذ مباشرة من اراضي ايران، وتضمن اطلاق 12 صاروخ كروز واكثر من 20 طائرة بدون طيار، التي نجحت في أن تضرب بدقة الاهداف التي حددت. تحليل الصور الجوية التي نشرتها الادارة الامريكية يظهر بأنه اطلق صواريخ كروز اكثر:تقريبا 19 اصابة في حوالي 17 مبنى في بكايك ومبنيين في كرايس.
حتى اذا كان ما يزال هناك اسئلة بخصوص الخصائص التكتيكية للهجوم، وبالاساس نوع الوسائل القتالية ومن أين اطلقت، فانه يبدو أن تجسيده يشكل صعود درجة مهم في المعركة التي تدور بين ايران وحلفائها في المنطقة وبين دول الخليج العربية وعلى رأسها السعودية. التهديد الايراني بضرب تزويد النفط العالمي كرد على العقوبات المفروضة عليها وفي هذا التوقيت الحساس الذي يحاول فيه الرئيس الفرنسي الحصول على موافقة امريكية على تعويض جزئي لايران، يحظى بأهمية ويدلل على تصميم ايران على تجسيد قوتها على احداث الضرر حتى بثمن المخاطرة بتدهور الامور. ولكن يمكن الافتراض بأن النظام في ايران يقدر أن السعوديين والادارة الامريكية لن يسارعوا في جر المنطقة الى حرب عسكرية واسعة.
تداعيات محتملة للاحداث
في هذه المرحلة ما زال من غير الواضح حجم الضرر بعيد المدى الذي وقع في منشآت النفط السعودية. والتقدير الحالي هو أن جزء من قدرة الانتاج ستعود في الايام القريبة، ولكن القدرة الكاملة على الانتاج ستكون بعد بضعة اسابيع على الاقل. ومن اجل مواجهة ارتفاع الاسعار، اعلن السعوديين بأنهم سيحررون النفط من مخازنهم، والرئيس ترامب أعلن بأن الولايات المتحدة تعمل على تقليل الاضرار بسوق النفط العالمية وستفحص من اجل ذلك ضخ نفط من مخزونها الاستراتيجي عند الحاجة. ولكن اذا كان تعطيل بكايك سيكون طويلا، ربما أنه في المدى الابعد ستجد السوق صعوبة في تحمل ذلك وسيحدث ارتفاع اكبر للاسعار.
الايرانيون يحاولون بواسطة حلفائهم الحوثيين، الذين تحملوا المسؤولية عن الهجوم، يعرضون ذلك كجزء من الحرب المتواصلة في اليمن والتي خلالها ضرب الحوثيون مرات كثيرة اراضي السعودية وكذلك ضربوا صناعة النفط في المملكة. ولكن الاحداث الاخيرة تبتعد كثيرا عن حدود الحرب في اليمن، وبشكل خاص اذا تبين بدون أدنى شك أن الهجوم نفذ من الاراضي الايرانية. في هذه الظروف يجب أن نأخذ في الحسبان أنه حتى اذا كان الايرانيون غير معنيين بالوصول الى تدهور واسع مع الولايات المتحدة، فانهم مستعدون للمخاطرة الى أبعد مما فعلوا حتى الآن. من بين امور اخرى، من خلال تقدير بأنه سواء الرئيس الامريكي أو السعوديين ودول الخليج غير معنيين، كما قلنا، بتصعيد واسع. وأن الاوروبيين اثبتوا في السابق فعليا في جولة الضربات السابقة لناقلات النفط في الخليج الى أي درجة هم يخافون من تصعيد عسكري. الاستعداد الايراني لأن يأخذوا على عاتقهم هذه المرة مخاطرة اكبر، يعكس في المقام الاول الثمن الذي ايران مستعدة لدفعه من اجل محاولة انقاذ نفسها من العقوبات الامريكية، وبالاساس من الضرب الثقيل الواقع على قدراتها لتصدير النفط، ولو بكميات محدودة. ولكن يوجد في خطواتها ايضا ما من شأنه أن يشكل اعطاء اشارات غير مباشرة لاسرائيل التي تتفاخر بهجماتها في سوريا والعراق، بخصوص قدرات ايران العسكرية في الرد، ليس بالتحديد من اراضيها، بل بواسطة وسائل قتالية متطورة.
الردود من جانب السعودية وامريكا ستستمد من اندماج عدد من المصالح المتناقضة في جزء منها: الدولتان يوجد لهما من جهة مصلحة في معاقبة وردع ايران، ولكن من جهة اخرى هما غير معنيتان بالمخاطرة بجر المنطقة الى حرب واسعة، خاصة بعد أن جسدت بصورة واضحة الاصابات السعودية:
•السعوديون غارقون منذ عدة سنوات في معركة معقدة في اليمن، التي تحولت مؤخرا الى معركة اصعب على ضوء تصعيد هجمات الحوثيين على اهداف في السعودية، نجاحهم في اليمن والانسحاب العسكري لاتحاد الامارات من اليمن. هذا الى جانب الضرر الذي اصاب صورة العربية السعودية سواء كـ “نمر من ورق” أو كعامل من عوامل الكارثة الانسانية في اليمن. من ناحية سياسية ودبلوماسية الرد السعودي حتى الآن كان محسوبا وضئيلا، بنسبة معكوسة لمستوى الضرر. حسب وكالات الانباء في السعودية فان ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، اكد في محادثات هاتفية مع الرئيس الامريكي وولي العهد في اتحادات الامارات محمد بن زايد بأن المملكة مستعدة وجاهزة للرد على الهجوم الارهابي ومواجهة تداعياته، ولكن بدون اتهام ايران مثلما في السابق. فعليا، هناك كوابح مختلفة على المملكة، بالاساس مثل تلك المرتبطة بالتدني العسكري لها عن ايران ونية الاضرار بمنشآتها الاستراتيجية. من ناحية اقتصادية يمكن أن يكون لضرب المنشآت الاكثر اهمية لارامكو تداعيات سلبية على قدرات المملكة على أن تصدر للجمهور جزء من اسهم الشركة من اجل تمويل اصلاحات ضرورية، ومن ناحية سياسية سيتم مرة اخرى اختبار زعامة محمد بن سلمان، الذي الحرب في اليمن مسجلة على اسمه، كما أنه لم يراكم انجازات في مجال السياسة الخارجية.
•في السعودية كانوا يقدرون بأن تظهر الادارة الامريكية تصميم وأن تعمل ايضا عسكريا ضد ايران. مع ذلك، فان تردد السعودية حتى الآن بتوجيه اصبع الاتهام لايران، يمكن أن يدلل على أن المخاوف من تدهور اعلى وربما ايضا أنه توجد شكوك بخصوص نوايا الرئيس ترامب فيما يتعلق بدرجة استعداده لأن ينفذ عملية عسكرية ضد ايران، وبالاساس التعهد بعد ذلك بالدفاع عن العربية السعودية. ويجب علينا التأكيد على أنه حتى لو كان هناك استعداد فعلي من ناحية عسكرية وعملياتية فان امكانيات السعودية محدودة، بالتأكيد اذا اخذوا بالحسبان رد مباشر ضد ممتلكات ايرانية. يبدو أنه وباحتمالية اعلى سيختارون القيام بـ “نفس الخطوات” في اليمن ومحاولة زيادة وتيرة هجماتهم على اهداف للحوثيين. بهذا المعنى فان تحمل المسؤولية من قبل الحوثيين عن الهجوم مريح للسعوديين لأن ذلك يريحهم في خفض ارتفاع اللهب والرد فقط “ازاء ايران”. وبموازاة ذلك، السعوديون يؤكدون، من خلال اظهار ضعفهم، كون الهجوم يشكل ضربة شديدة لأمن الطاقة العالمية الذي يقتضي بناء على ذلك عمل دولي مصمم للدفاع عن منشآتهم النفطية.
•من ناحية الولايات المتحدة، الرئيس ترامب يوجد في فخ، حيث أنه من ناحيته هدف استئناف المفاوضات مع ايران على اتفاق جديد وامكانية اللقاء بينه وبين الرئيس الايراني، بموازاة الامتناع عن الانجرار الى خطوات عسكرية كانت وما زالت المصالح الرائدة. في المقابل، هجوم على اهداف النفط يشكل اضرار بالمصالح الجوهرية للولايات المتحدة عندما ان اعلان الرئيس الامريكي بأنه أمر بدراسة فتح مخزونات النفط الاستراتيجية. علاوة على ذلك الادارة تفهم الصعود درجة للعملية الاخيرة، وكذلك حقيقة أن المقاربة المترددة للرئيس ترامب حتى الآن لرد عسكري على الخطوات الايرانية حث النظام في طهران على رفع نسبة المخاطرة.
معان رئيسية
•مهاجمة دقيقة للاهداف في السعودية هي تظاهرة ايرانية لقدراتها العملية، والاكثر من ذلك هي تجسد تصميمها على اثبات انها تنوي تنفيذ تهديداتها بالحاق اضرار كبيرة بسوق النفط طالما استمر الضغط عليها. هذه العملية تجد تطبيقها عندما تنفذ في موازاة الجهود المتواصلة من جانب الرئيس ميكرون، وكما يبدو بالتنسيق مع الرئيس ترامب من اجل الدفع قدما بحل يخفف من العقوبات وبدء المفاوضات.
•ضعف سعودي على خلفية الحرب المستمرة في اليمن وتردد ترامب في الرد عسكريا على الخطوات الايرانية، يشمل اسقاط الطائرة بدون طيار الامريكية، قللت من قوة الردع الامريكية وكما يبدو حثت الايرانيين على زيادة المعركة في الخليج.
•ايران اثبتت تفوقها غير المتوازن في الخليج وهشاشة خصمها الاقليمي الرئيسي بصورة من شأنها أن تزعزع اكثر الجبهة العربية امامها وتؤدي الى اضرار آخر في مستوى ثقة دول الخليج العربية بالدعامة الامنية الامريكية.
•حتى لو لم يؤد رد امريكي في الوقت الحالي على الهجوم في السعودية الى اندلاع شامل بالضرورة، بالتأكيد سيكون فيه ما من شأنه أن يعيق جهود التوصل الى تهدئة ويسرع خطوات ايرانية اخرى ضد اهداف في الخليج، وفي السياق النووي – تآكل آخر لالتزامها بالاتفاق.
•من ناحية اسرائيل، رغم الاختلاف في طبيعة الساحات، هناك في خطوات ايران رسالة غير مباشرة وواضحة بخصوص قدراتها العسكرية المتطورة. تلك القدرات التي يمكنها استخدامها ايضا ليس من اراضيها، ازاء استمرار الهجمات الاسرائيلية في سوريا والعراق، وكذلك اشارة الى حالة حدوث تدهور عسكري بين اسرائيل وحزب الله في لبنان.



