ترجمات عبرية

معهد INSS – بقلم  رون تيرا – المناورة .. من أجل ماذا ..؟

معهد INSS – بقلم  رون تيرا 10/1/2022

” توجد سياقات خاصة يكون فيها صحيحا تنفيذ هجوم بري واسع. ولكن يجب الامتناع عن الرغبة في المناورة مهما يكن، وعلى القرار أن يفحص في ضوء السياق. يجب الامتناع عن الميل للمناورة كجزء من الفكرة  التأسيسية أو على سبيل التحسين لقرارات مغلوطة اتخذت في 2006 اثناء حرب لبنان الثانية. فمنذئذ تغيرت الظروف جدا، والحل الصحيح لحرب لبنان الثانية ليس بالضرورة الحل الصحيح للمواجهة التالية، غير معروفة السياقة “.

في مقال “من يهرب من المناورة، لن ينتصر”، يدعي عوفر شيلح بان المناورة (أي الهجوم البري، باللغة العسكرية) حيوية وذلك من اجل الحاق الهزيمة بقوات العدو، زيادة الدمار المرتقب للعدو، وكي لا تكون مسألة “من انتصر” موضع شك. يدعي شيلح بان استخدام النار بدون مناورة يطيل مدة المواجهة وهكذا يزيد الضرر لاسرائيل، وان الانجاز الدفاعي ليس كافيا في اي معركة. هدف هذا المقال هو فحص ادعاءات شيلح وفي بعض الحالات طرح ادعاءات  مضادة. 

الخطة العسكرية الاحتياطية يمكنها أن توفر اساسا فكريا ونقطة انطلاق لبناء القوة ولكنها لن تستخدم حرفيا إذ عند وضعها تكون لا تزال عديمة الاتصال. وعندما نأتي لاستخدام القوة العسكرية، فان المرحلة الاولى – والحيوية للغاية – هي تحليل السياق الاستراتيجي الخاص الذي يفترض بالقوة ان تستخدم فيه. ينبغي التحليل والتعريف، في هذا السياق الخاص، لاي شكل تكون فيه الحياة بعد المواجهة مختلفة عن تلك التي قبلها، ورسم صورة تعرض، من النهاية الى البداية، كيف سينتج استخدام القوة الحياة المرغوب فيها بعد المواجهة. الانجاز المطلوب يجب أن يصاغ بتعابير المنتجات الاستراتيجية، بمعنى: المنفعة للمستوى صاحب القرار، وفي عالم تعابيره، وليس في تعابير الحقائق العسكرية (مثل المهام والحاق الضرر بالخصم). اضافة الى ذلك يجب أن يعرض تناسب معقول بين الانجازات الاستراتيجية المرتقبة وبين الاثمان المرتقبة في وصف استخدام القوة (اضطرار تعفى منه الخطة الاحتياطية، عمليا على الاقل). لا نعرف باي سياق خاص سيكون الجيش الاسرائيلي مطالبه فيه بان يقاتل حزب الله، وعليه فمن الصعب البحث بضرورة المناورة. في سياق معين ستكون ضرورية وفي سياق آخر لا، أو ان ثمنها سيفوق علاوة الانجاز الذي سينبع منها. ولا يزال يمكن التقدير لمنظومتين من المقاييس ذات الصلة بالمواجهة: 

1.التغييرات المتحققة في الساحة، والكفيلة بان تقلل بسياقات معينة من المنفعة التي في المناورة؛

2.طيف العلاقات المحتملة التي تكون فيها المناورة اقل ضرورة، وتثور الحاجة لاستراتيجية وخطة اخرى. 

يشار الى أن البحث يعنى بمسألة ضرورة الهجوم البري من أجل تحقيق اهداف المواجهة ولا يعنى بمسألة الدفاع الذي على قيادة المنطقة الشمالية ان توفره ضد تهديد اجتياحات حزب الله حتى لو كان الدفاع (الاستراتيجي) ينطوي على اعمال هجومية (تكتيكية) تتجاوز الحدود. 

التغير: من “صورة النصر” للمنافسة على الدخول الى المواجهة

الاستراتيجية التي اختارتها اسرائيل للتنفيذ في المعركة ما بين الحروب ادت الى تشويش وتأخير مخططات بناء القوة لدى حزب الله، وليس الى كبحها. في نهاية المطاف يحوز حزب الله اليوم قدرات نارية نوعية، تفوق تلك التي لدى معظم اعضاء الناتو، وفي كل يوم يمر تتعاظم قدرات التنظيم هذه. من سلاح صاروخي دقيق، عبر سلاح “غير اعتيادي” دقيق (صواريخ جوالية، طائرات مُسيرة هجومية، صواريخ شاطيء بحر)، وحتى صواريخ أرض – جو. والصراع ضد تسلح حزب الله بسلاح دقيق لم ينتهِ بعد، ولكن لنفترض لاغراض التحليل، ان في هذه المرحلة المتأخرة لن تغير اسرائيل استراتيجيتها ولن تعرض على التنظيم معضلة تجبره على ان يعيد النظر في مسألة السلاح الدقيق. لهذه الفرضية عدة معانٍ. اولا، القدرات الجديدة لدى حزب الله من شأنها أن تسمح له بان يهاجم بدقة في عمق اسرائيل اهداف حيوية، مدنية وعسكرية. ثانيا، هذه القدرات تستخدم من عمق لبنان وربما من ساحات اخرى (مثل عمق سوريا وغرب العراق)، أي من عمق ارض الخصم الى عمق ارض اسرائيل. وثالثا، هذه القدرات كفيلة بان تكون مستخدمة بسرعة نسبية وهي تحتاج الى اعدادات وتغييرات طفيفة في الانتشار فقط. 

لهذا الواقع الجديد منتجا استراتيجيا وعملياتيا. استراتيجية، ثمن المواجهة يرتفع درجة كاملة، ولاول مرة تحتمل ضربة ناجعة لمنظومات حيوية في اسرائيل، ترميمها طويل وباهظ الثمن. وعليه، فان عبء ايجاد صورة مواجهة في اطارها يوجد توافق معقول، في منظور القيادة السياسية، بين الانجاز المتوقع وثمنه المتوقع يصبح اكثر تعقيدا. وعملياتيا، اساس التهديد على اسرائيل يتشكل من منظومات نوعية مقامة في عمق ارض الخصم، وليس من الجبهة. 

تركزت حرب لبنان الثانية في مرحلتها النهائية: فقد بحث الجيش الاسرائيلي عن “صورة نصر” في سلسلة خطوات ذروتها في حملة “تغيير الاتجاه 11” (وصدى لصورة التفكير هذه يوجد ايضا في تحليل عوفر شيلح، الذي يطلب ان تكون مسألة “من انتصر” غير موضع شك)، بينما حزب الله سعى لان ينتصر من خلال عدم الهزيمة. ركز الطرفان على محاولة اظهار التفوق في الايام الاخيرة من الحرب. 

غير أن سياقات تعاظم القوى في الطرفين، وبالاساس الارتفاع في فاعلية النار لديهما، كفيلة بان تركز المواجهة التالية بالذات على مرحلة البدء. يمكن للطرفين أن يوجها ضربات جوهرية الواحد للاخر منذ الساعات الاولى من المواجهة، وكل طرف كفيل بان يتطلع الى تشويش عملية الدخول الى القتال من الطرف الاخر. المنافسة على الدخول في المواجهة كفيلة بان تخلق احدى المعاضل الاساسية للمواجهة المستقبلية: من جهة، الارتفاع في ثمن المواجهة سيجعل من الصعب اتخاذ القرار بفتح المواجهة وبالتأكيد على اتخاذ القرار بفتح حرب كاملة. من جهة اخرى فان احتمال تطور منافسة على  شكل وشروط الدخول في مواجهة، وكذا الخوف من ان ينشأ لدى حزب الله منطق “استخدمه والا فقدته”، من شأنهما أن يخلقا دينامية تصعيد. الدينامية الاستراتيجية تسعى الى لجم الدخول الى حرب كاملة، بينما الدينامية العملياتية تسعى لان تسرعه.

في الواقع المتغير الموصوف، يعاني الجيش البري من ازمة صلة آخذة في الاحتدام. فمن اجل تنفيذ هجوم بري كامل، مطالب بالزمن لغرض التجنيد وجمع القوات النظامية والاحتياط، وعندها مطالب بوحدة الزمن الدنيا الكامنة في تنفيذ واستكمال المناورة.  وحدة الزمن هذه لا تقاس بساعات او بايام معدودة بل بايام كثيرة وربما اسابيع. بخلاف ادعاءات شيلح، يحتمل أن تكون المناورة بالذات هي التي تخلق اطار ازمنة دنيا للقتال تجعل تقصيره صعبا. 

القوة البرية تقف في خط الحدود، ومن هناك تكون مطالبة بان تناور طوليا عبر الجبهة بينما المنظومات النوعية للخصم كفيلة بان تستخدم من عمق عشرات او مئات الكيلومترات. وبالفعل، في حالة أن يستخدم حزب الله ايضا جبهات اخرى، فان العمق كفيل بان يتضمن ايضتا مثلا عمق سوريا. ومن اجل ان يكون ذا صلة، فان على الجيش البري أن يطور قدرة على التأثير بشكل هام على الزمن (مرحلة الدخول في المواجهة) وعلى المجال (العمق) الحرجين للقتال، مضاف الى ذلك منفعة هامشية تتناسب وعلاوة الانجاز الذي يعرضه.

من يطلب اخراج شيء من خصمه

لعل السؤال الاول للاستيضاح عندما نأتي لفحص السياق الاستراتيجي الخاص، هو اي طرف يسعى لان يخلق واقعا استراتيجيا جديدا، اكثر راحة له، بعد المواجهة. غير مرة، يكون الطرف الساعي لان يخرج شيئا من خصمه يوجد في وضع اساس استراتيجي من الهجوم بينما الطرف الاخر يمكنه أن يسمح لنفسه بان يوجد في وضع اساس استراتيجي من الدفاع (في اطاره بالتأكيد تحتمل عمليات هجومية). بالتعميم، الذي بالتأكيد لا  يغطي كل طيف الامكانيات، فان كلفة وضع الاساس الاستراتيجي “الدفاع” ادنى، لان هدفه محدود اكثر: الحفاظ على الواقع الاستراتيجي القائم، وليس تغييره. هذا التمييز نسي في الجيش الاسرائيلي لدرجة اهمال الوضع الاساس الاستراتيجي “الدفاع”. في سياق استراتيجي خاص لسعي اسرائيل لخلق واقع استراتيجي في لبنان، يحتمل أن يكون مجال لهجوم بري غايته المساهمة في تحقيق ذاك الوقع الاستراتيجي المحدد المنشود في السياق المعين. وذلك شريطة ان  يثبت المخطط بان الانجاز المتوقع من المناورة سيغطي على ثمنه المتوقع. 

ومع ذلك، في قسم واضح من المواجهات التي شاركت فيها اسرائيل في العقود الثلاثة الاخيرة، اسرائيل لم تسعى لان تخرج شيئا من خصمها بل ببساطة ان تنهي بسرعة المواجهة التي علقت فيها في غير صالحها.  بعض من هذه المواجهات على الاقل نبع من عملية تصعيد خرجت عن السيطرة او من سوء التقدير. في مثل هذه الاوضاع يمكن بالتأكيد أن يكون معقولا اكثر لاسرائيل ان تختار الوضع الاساس الاستراتيجي “الدفاع”، واستخدام قوتها بشكل يؤدي الى انهاء سريع ورخيص للمواجهة. من يدعي أن في المواجهة التي في سياقها سوء تقدير او تدهور خرج عن السيطرة، فسيكون من الصواب وضع اهداف بعيدة المدى – مثل “الحسم” – والخروج الى هجوم بري يستوجب التزاما بالحد الادنى بعدد اسابيع قتال في اثنائها تكون الجبهة الداخلية مكشوفة لهجمات الصواريخ، سيضطر لان يثبت ادعاؤه ه هذا بالاوسمة والنياشين.

السياقات الاخرى كفيلة بان تنطوي مثلا على صورة جبهات متعددة معقدة لا يكون فيها لبنان الساحة الوحيدة بل ولا حتى الساحة الرئيسة، مثلا حين تكون ايران هي الساحة الاساس ولبنان يمثل محاولة من المحور لان يحرف اسرائيل ويشغلها بساحة ثانوية. في مثل هذه السياقات ينبغي الاستيضاح جيدا ان يكون صحيحا فقدان درجات من الحرية والالتزام بالمناورة في ساحة لبنان فما بالك ان مثل هذه المناورة لا تستوجب فقط تخصيص قوات برية بل وايضا مقدرات جمع معلومات ومساعدة جوية واضحة. 

ولكن ايضا في الاوضاع التي تسعى فيها اسرائيل لان تخرج شيئا من حزب الله وان تخلق واقعا استراتيجيا جديدا يحتمل أن يكون تغيير الشروط سيسمح بعمل ذلك دون حافة الحرب. فثمن الحرب الكاملة هائل، للطرفين، والقرار بالخروج للحرب اصعب، وعليه يحتمل أن تكون درجات الحرية دون حافة الحرب تتسع بالذات. يحتمل ان تكون المواجهة حول مسألة السلاح الدقيق مثلا ستتضمن تبادل ضربات موضعية، ولكن دون التصعيد الى حرب كاملة. وحتى في المواجهة المحدودة، فان الزمن، الثمن والمقدرات اللازمة لتنفيذ هجوم بري كفيلة الا تتناسب والانجاز المحدود المطلوب في مثل هذه المواجهة.

في  أوضاع تحاول اسرائيل فيها ان تغير الواقع في لبنان أو في المعركة تجاه المحور الذي  تقوده ايران، ينبغي للمواجهة أن تستمر الى ان تنشأ الظروف لتغيير الواقع – حتى لو كان هذا ينطوي على اطار زمني طويل في اثنائه يمكن استكمال الهجوم  البري.  في اوضاع لا تسعى فيها اسرائيل لان تخرج شيئا من حزب الله، فان عليها ان تسعى لانهاء فوري للمواجهة، وان كانت من أجل تقليص الضرر لاسرائيل. هذه الفترة الزمنية كفيلة بان تكون اقصر من أن تضم مناورة. ومع ذلك، يمكن للمناورة أن تشكل رافعة لفرض انهاء للمواجهة حين تكون نضجت لاجل ذلك الظروف من ناحية اسرائيل، وعليه فيحتمل أن تكون ضرورة لان يعد لها فورا في بداية المواجهة. 

الخلاصة: مركزية الـ “من اجل”

توجد سياقات خاصة يكون فيها صحيحا تنفيذ هجوم بري واسع. ولكن يجب الامتناع عن الرغبة في المناورة مهما يكن، وعلى القرار أن يفحص في ضوء السياق. يجب الامتناع عن الميل للمناورة كجزء من الفكرة  التأسيسية أو على سبيل التحسين لقرارات مغلوطة اتخذت في 2006 اثناء حرب لبنان الثانية. فمنذئذ تغيرت الظروف جدا، والحل الصحيح لحرب لبنان الثانية ليس بالضرورة الحل الصحيح للمواجهة التالية، غير معروفة السياقة.

القسم الاهم في كل امر عسكري هو الجملة  التالية بعد عبارة “من اجل”، وهو مضمون المنطق في الامر. القرار بالمناورة يجب أن يتخذ من اجل تحقيق انجاز هام، يساهم في تحقيق اهداف الحرب في السياق الاستراتيجي المعين الذي نشبت فيه. على الـ “من اجل” ان توضح لماذا سيكون الواقع افضل في اعقاب المناورة، في عالم مفاهيم مستوى صاحب القرار – وليس في عالم المفاهيم التكتيكية او العملياتية. فزيادة الدمار للخصم مثلا، بحد ذاته، هو مقياس مادي – تكتيكي، وليس بالضرورة يحسن الحياة ما بعد المواجهة وفي عالم مفاهيم صاحب القرار. الخطة للمواجهة المحدودة او للدفاع ليست خطة للهجوم الكامل الذي قلص في الزمن الحقيقي. هذه خطة اخرى، وعلى صندوق ادوات الجيش الاسرائيلي ان يتضمن ايضا خطط كهذه. 

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى