ترجمات عبريةشؤون اقليمية

الدافع النووي لتركيا ، بين الناتو والتطلعات الاقليمية

معهد INSS – بقلم  اميلي لنداو وشمعون شتاين  – 11/11/2019

احتج الرئيس التركي رجب طيب اردوغان في الاشهر الاخيرة على أنه غير مستعد لان يقبل وضعا غير عادل تحوز فيه دول ما صواريخ نووية بينما لا يسمح لاخرى عمل ذلك. في اعلان القاه في بداية ايلول لم يفوت الفرصة لان يذكر بالتحديد، وليس لاول مرة، اسرائيل كمن يهدد على حد قوله المنطقة بالسلاح النووي الذي لديها. فما هو السبب الذي دفع اردوغان لطرح الموضوع النووي بالذات في هذا الوقت، واكثر من ذلك، التهديد لاول مرة بتطوير قدرة نووية مستقلة؟ رغم ذكر اسرائيل المباشر، معقول الافتراض بانها ليست هي الدافع للاعلان الحالي كونها تعتبر كدولة نووية منذ اكثر من 50 سنة. صحيح أن اردوغان سبق أن اشتكى في الماضي من الترسانة النووية لدى اسرائيل، لكنه فعل ذلك في سياق التأييد لنزع النووي، وليس لرغبة تركيا في تطوير قدرة نووية خاصة بها. 

فما الذي تغير إذن؟ يحتمل ان يكون العامل المركزي للتغيير هو الرسالة التي تصل من ادارة ترامب حول النية لتقليص التدخل الامريكي في الشرق الاوسط، والاثار التي ستكون لهذا الانسحاب. اردوغان كفيل بان يرى في مثل هذا التغيير فرصة لتموضع تركيا في دور زعامي، واكتساب سلاح نووي هام لتثبيت مثل هذا الدور ولتعظيم مكانته. عاملان آخران كانا في خلفية الاعلان غير المسبوق هما الاثار التي ستكون لاخراج 50 قنبلة نووية امريكية بقيت في الاراضي التركية تحت رعاية الناتو وبقيادة الولايات المتحدة، وكذا تقدم ايران في البرنامج النووي، مما يؤشر الى تعزز السعي الايراني للهيمنة الاقليمية – مكانة تركيا هي الاخرى تتطلع اليها. اضافة الى ذلك، يحتمل ان يكون اردوغان معني بتثبيت صورة تركيا كمن تكشف علنا التحيز في المعايير والمقاييس الغربية – وهي رسالة تشرح بانها مخصصة للجمهور البيتي. ومع ذلك توجد ايضا مخاطر سياسية واقتصادية في الاعلان عن النوايا النووية، وتوجد مسألة حول الثمن الذي يرتقب لاردوغان اذا ما اتخذ بالفعل خطوات نحو سلاح نووي. فهل سيكون للاسرة الدولية ارادة سياسية لان تواجه كما ينبغي التطلعات النووية التركية، بعد سنوات من محاولة لجم انتشار النووي في العالم بشكل عام، والتقدم النووي لكوريا الشمالية وايران بشكل خاص. 

لا يزال حلف الناتو يوفر مظلة نووية لتركيا، والتي هي حاليا على الاقل مصداقة. ولكن يبدو ان لدى اردوغان شكوكا خاصة به. بل ويحتمل ان بسبب التوتر مع الولايات المتحدة لا تجده بات معنيا بان يكون تابعا لمظلة من شأنها ان تظهر كغير مصداقة. منذ اعلن اردوغان عن برنامج نووي محتمل، يبدو ان خط التفكير هذا نال زخما اضافيا، واجتياح تركيا لسوريا اكد الجدال في الولايات المتحدة بشأن الحاجة لاخراج القنابل النووية من طراز B61التي توجد في تركيا (والتي في كل الاحوال كانت حاجة لاخراجها لغرض الصيانة). ويدعي المؤيدون لاخراج القنابل بان تركيا لم تعد حليفا مصداقا للناتو، وان عدم الاستقرار في ا لمنطقة يجعلها مكانا خطيرا للغاية للاحتفاظ بقنابل نووية امريكية فيه. 

يبدو أن انسحاب الولايات المتحدة من الشرق الاوسط يضيف الحاحا لضرورة تغيير ميزان القوى في المنطقة. تغيير بدا قبل اربع سنوات على الاقل، حين دخلت ايران وروسيا لتملأ الفرار بهدف تحقيق تطلعاتهما في السيطرة الاقليمية ولتصبحا لاعبتين مركزيتين، تكون حاجة لمراعاة ارادتهما. وحسب هذا السيناريو يحتمل أن تكون تركيا تعتقد بان السلاح النووي سيمنحها تفوقا هاما. ولكن مثل هذا النهج يصطدم مباشرة مع عضوية تركيا في  الناتو ويكشف التضارب بين الصورة الدولية لتركيا – التي بصفتها حليفة للناتو ملتزمة بالسلوك المسؤول وبالتعاون – وبين تطلعاتها في الساحة الاقليمية، التي تدفعها لان تتبنى سياسة هجومية. 

فضلا عن مسألة الدافع، ينبغي التوقف والسؤال كم هو التهديد جدي. هل توجد مؤشرات على أن تركيا تنفذ استعدادات ملموسة؟ بعض من المحللين الخبراء في الرقابة على السلاح يعتقدون ان تركيا تعمل بالفعل على برنامج نووي مدني بمساعدة روسيا، ولكن في هذه المرحلة ليس لديها بنية تحتية جدية لسلاح نووي، ولا الاستعدادات لذلك ايضا. ومع ذلك، فان تحليلا نشر مؤخرا في “نيويورك تايمز” يدعي بانه يوجد ما يدعو للقلق. بالفعل، توجد ادلة على أن تركيا تسلت بفكرة تطوير النووي في الستينيات، ولكن هذه كانت سنوات ما قبل ميثاق الـ NPT، ولم تكن أدلة على أنها بالفعل اتخذ خطوات لتحقيق هذه النوايا، حتى تصريحات اردوغان الاخيرة. ومع ذلك، نشر المقال على خلفية اجتياح تركيا لشمال سوريا، ويحتمل أن يكون تأثر بهذا التطور وبالغ قليلا في امكانية التهديد النووي الكامنة.

اذا قرر اردوغان السير في المسار النووي، فستكون لقرار كهذا آثار على علاقاته مع الناتو ومع الاتحاد الاوروبي، على نظام منع انتشار النووي وعلى منطقة الشرق الاوسط. عمليا، سيتعين عليه ليس فقط ان ينسحب من الناتو بل وايضا من ميثاق الـ NPT.وكبديل، يمكنه أن يبقى في اطار الميثاق ويخدع بشأن التزام تركيا  البقاء غير نووية، في ظل جمع اليورانيوم المخصب وتنفيذ اعمال الفصل – ظاهرا لاغراض مدنية – وهكذا يجعل عمليا تركيا دولة حافة نووية. ولكن اردوغان سيصعب عليه عمل ذلك دون تبليغ الوكالة الدولية للطاقة الذرية حول نشاطات التخصيب والفصل المخطط لها، وبعد ان اعلن على الملأ عن نواياه النووية، يمكن الامل في أن تكون الوكالة اكثر تحفزا وهكذا ستفرض عليه المصاعب في ادارة مشروع سري. في ضوء حقيقة ان مصداقية نظام الـ NPT باتت منذ الان قيد الاختبار، فان اعمال مثل هذه، من جانب تركيا ستوقع على نظام منع النشر النووي ضربة اخرى، وفي فترة تفرض فيها كوريا الشمالية وايران عليه منذ الان تحديا جديا. من أجل الحفاظ على مصداقية النظام، فان على الاسرة الدولية ايضا ان تتخذ عملا ما. 

ماذا يمكن أن نتوقع في كل ما يتعلق بردود الفعل الدولية؟ ما هي الوسائل التي تحت تصرف الاسرة الدولية كي تتصدى لمثل هذا التطور؟ توجد عدة ادوات، والسؤال هو هل ستكون للقوى العظمى الدولية الارادة السياسية لاستخدامها، ولا سيما بعد الفشل طويل السنين في كوريا الشمالية والنجاح المحدود في حالة ايران، حتى بعد سنوات من العقوبات ومحاولات خوض المفاوضات. 

تجدر الاشارة الى أن تصريحات اردوغان لم تبعث حتى الان انتقادا دوليا على تركيا او أي تحذير لانقرة. تفسير واحد لذلك يمكن أن يكون ان اردوغان معروف جيدا بتصريحاته الفظة، ولا توجد رغبة في خدمته بواسطة رد فعل لكل قول من جانبه، مهما كان مثيرا للحفيظة. ودون التقليل من جدية تصريح النوايا، يحتمل أن يكون الاعتقاد هو أنه لا يوجد سبب للافتراض بان تركيا انطلقت الى الدرب لتطوير قدرة نووية عسكرية وعليه فلا حاجة لدق اجراء الانذار في هذه اللحظة أو لوضع خطوط حمراء. ومع ذلك، اذا ما برزت أدلة واضحة على تقدم تركي نحو نووي عسكري – فمن الحيوي ان ترسم الاسرة الدولية الخط الاحمر وترفع العصي التي ستستخدمها اذا ما اجتازته تركيا. كي تكون الرسالة ناجعة يجب أن تعرض موقفا مشتركا. 

وبالنسبة للاثار على الشرق الاوسط، فانه اذا ما سعت تركيا بالفعل الى النووي، فان المسألة التي تبقى مفتوحة هي هل سيتسارع ايضا سباق تسلح في اوساط الدول العربية. بقدر معين، فان مثل هذا التطور سيرتبط بمسألة هل تركيا ستدرك ايران – سواء كدولة حافة او كمن طورت قدرة عسكرية عملية. وبسبب الاعتبارات الاقليمية التركية، من غير المعقول ان تتقدم في وضع دولة حافة قبل ايران. في كل الاحوال صحيح حتى الان ايران هي التي تدفع باقي دول المنطقة في الاتجاه النووي.

ان تركيا نووية هي بالتأكيد الوضع المضاد للمصلحة الاسرائيلية، دون صلة بحقيقة أن تركيا هي دولة جارة ولا تعتبر جزءا لا يتجزأ من منطقة الشرق الاوسط – مثلا، هي لا تندرج في المنطقة في اطار المداولات لنزع اسلحة الدمار الشامل من الشرق الاوسط. بالنسبة لدول مثل مصر، والتي في اعقاب نوايا ايران النووية تفكر هي ايضا بالخيار النووي – فان نوايا تركيا ستشكل حافزا اضافية. وهكذا، من شأن المنطقة، التي على أي حال لا تتميز باستقرار زائد، ان تتدهور أكثر فأكثر الى حالة من عدم الاستقرار وعدم اليقين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى