ترجمات أجنبية

معهد INSS ، مايكل ميلشتاين يكتب – الانتخابات الفلسطينية المقترحة :لماذا بهذا التوقيت بالذات ؟مدي أمكانية تحقيق ذلك ؟

كتب : مايكل ميلشتاين – معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي INSS
ترجمة : هالة أبو سليم 
الفكرة التي ظهرت مؤخراً حول ضرورة اجراء انتخابات في مناطق السلطة الوطنية لفلسطينية مؤخراً من الواضح انها اكثر خطورة من أي وقت مضى .
طرح الرئيس الفلسطيني محمود عباس الفكرة بناء على  انتخابات للمجلس التشريعي و يتبعها لاحقاً انتخابات رئاسية  ورغم أن حماس طالما طالبت بإجراء الانتخابات  في وقت واحد فإن تغييرا في موقف حماس واضح بعد إعلانها استعدادها للمضي قدما في الانتخابات، في حين تلويح إلى أنها قد توافق على خطة أبو مازن. ولكن رغم الموقف الإيجابي الذي تتخذه السلطة الفلسطينية وحماس حاليا إزاء الانتخابات، يبدو أنه لا تزال هناك العديد من  العوائق الأخرى التي يجب التغلب عليها .
وحتى الآن، يبدو أن الانتخابات الكاملة وفقاً لنموذج عام 2006 غير مرجحة إلى حد كبير، وخاصة فيما يتصل   بالانتخابات التي تجرى في نفس الوقت في الضفة الغربية، والقدس الشرقية، وقطاع غزة  .
ومن ناحية أخرى، كانت السياسة الفلسطينية في العقدين الماضيين تقدم سوابق لديناميكية بلغت ذروتها في تطورات أدت إلى تحييد رغبات ومصالح المجموعات الرئيسية .
ومن منظور إسرائيل، ما دامت الانتخابات تجرى في الضفة الغربية فقط وبدون مشاركة من حماس (ومن دون أي فرصة لتطويرها إلى انتخابات كاملة)، فلا حاجة إلى منعها .
وفي كل الأحوال، فإن إسرائيل لن تحس بأي حال من الأحوال بالمقامرة على النظام السياسي الفلسطيني في سياق انتخابات كاملة، حتى ولو كانت هذه المقامرات تقوم على تقييمات مدروسة أو استطلاعات للرأي العام تشير إلى أن فتح لها  سلطة على حركة  حماس.
ولا تزال دروس عام 2006 وثيقة الصلة بالموضوع، وتُظهِر أن مغامرة المضاربة السياسية من المرجح أن تتطور بسرعة إلى تغيير استراتيجي سلبي بالنسبة لإسرائيل . 
وتخلفت المناقشات في النظام السياسي الفلسطيني حول موضوع الانتخابات لفترة طويلة بسبب المعارضة القوية من حماس التي طالبت بإجراء الانتخابات في وقت واحد.
وقد أثار هذا التطور الأمل بين الفلسطينيين في أن تكون الفكرة قابلة للتطبيق، على عكس المحادثات العديدة بين السلطة الفلسطينية وحماس حول الموضوع على مدى السنوات الأربع عشرة الماضية منذ الانتخابات الأخيرة. وانتهت كل هذه المحادثات إلى الفشل.
ما هي الدوافع وراء  دعوة الرئيس الفلسطيني لإجراء الانتخابات  في هذا التوقيت بالذات ؟
1-الرغبة في إضفاء  صبغة الشرعية للبيت الفلسطيني الداخلي :
أصبح الجمهور مبعدا بشكل متزايد عن السلطة الفلسطينية منذ عدة سنوات، منتقدا الفساد الحكومي والشلل  الذي أصاب النظام السياسي في ظل إدارة أبو مازن المركزية . ولقد تم بث هذا الإحباط في احتجاجات عامة، مثل الاحتجاج على قانون التأمين الاجتماعي، الذي شهد نزول حشود من الناس إلى الشوارع. ومن أجل تجديد الشرعية الداخلية لحكمه، فقد عمل أبو مازن على الترويج لظهور الديمقراطية المزعومة في الأعوام الأخيرة والتي لم تشكل تحدياً ملموساً له . وشملت هذه الانتخابات المحلية التي أجريت فقط في الضفة الغربية دون مشاركة من حماس، وعقد اللجنة المركزية لحركة فتح واختيار قيادة المنظمة، التي تتألف فقط من مؤيديه.
2-إعاقة أي تغلغل للمجتمع والمؤسسات الفلسطينية بروح الربيع العربي:
يبدو أن الاحتجاجات العامة الحالية في لبنان ومصر والعراق، والتي تركز على الجوانب الاقتصادية والفساد الحكومي، غير مريحة بالنسبة لرام الله، نظراً للتشابه الأساسي بين الوضع في تلك الدول وبين الوضع في السلطة الفلسطينية. وقد يتم تصميم اقتراح الانتخابات كإجراء وقائي ــ وهو استعراض للاستعداد الواضح لاتخاذ تدابير تصحيحية داخلية قبل أن تتطور الاحتجاجات الشعبية الواسعة النطاق الرامية إلى الإطاحة بالنظام القائم في الضفة الغربية .
3-الضغوط الخارجية :
انتقد الاتحاد الأوروبي لفترة طويلة عدم اجراء الانتخابات في مناطق السلطة الفلسطينية وحقيقة أن قيادتها لم تجدد شرعية حكمها (على النقيض من الفترات السابقة، لا توجد ضغوط أميركية على أبو مازن، بسبب الصدع بين إدارة ترامب ورام الله). وبالإضافة إلى ذلك، بذلت قطر مؤخرا جهودا لإقناع السلطة الفلسطينية وحماس، رافقها اقتراح بأن تقوم حماس بإجراء الانتخابات على شكل النموذج التونسي، أي من خلال أفراد ينتمون إلى الحركة، لكنهم ليسوا أعضاء بارزين فيها.
4-الاعداد لخليفة محمود عباس :
أبو مازن على علم بالتيارات الداخلية المتنامية في النظام السياسي الفلسطيني تحسبا لنهاية فترة ولايته، ويريد أن يعزز أسس المستقبل . ومن بين المؤسسات الرائدة في هذا المجال برلمان منتخب يعمل، ويعين رئيسه بموجب القانون الفلسطيني ليحل محل الرئيس، إذا ما ترك الرئيس منصبه، لفترة من الوقت حتى إجراء الانتخابات. منذ عام 2006، كان رئيس البرلمان عضواً في حماس، وربما كان أبو مازن يسعى إلى عقد برلمان جديد، بينما كان يضمن أن زعيمه يأتي من صفوف فتح (وخاصة إذا لم تشارك حماس في الانتخابات، والانتخابات تجرى فقط في الضفة الغربية).
5-إعاقة تقدم ” صفقة القرن ” :
وقد يكون القصد من الانتخابات المقترحة تأجيل إعلان الرئيس ترامب عن “صفقة القرن”، على أمل أن تتلاشى الفكرة تدريجيا، إلى أن تختفي تمام .
من الممكن أن يكون التغيير في موقف حماس من الانتخابات، على الأقل على المستوى الإعلاني (من خلال شعارها “نحن جاهزون”) نتيجة للخوف من أن تنتشر الانتفاضة الإقليمية الشعبية أيضا إلى قطاع غزة. وهو مسرح أكثر تفجراً من الضفة الغربية (تنظر حماس إلى التفشي الشعبي ضدها باعتباره تهديداً على الأقل يعادل التحديات الخارجية التي تواجهها، وعلى رأسها إسرائيل .)
وبعد تردد في قيادة حماس بشأن السماح بالانتخابات، يبدو أن وجهة النظر التي صاغها يحيى سنوار هي أنه يجب أن تجرى في قطاع غزة، حتى لو كانت للبرلمان فقط وبدون موعد مستهدف للانتخابات الرئاسية.
وإذا ما تحقق تقدم حقيقي نحو عقد الانتخابات، فقد تنشأ الظروف اللازمة لتشكيل حكومة وحدة تتولى الإدارة المدنية لقطاع غزة، وبالتالي إعفاء حماس ظاهرياً من مثل هذه الإدارة دون مطالبة المنظمة بتسليم قوتها العسكرية (من المرجح أن تسعى حماس وراء الكواليس إلى السيطرة على كافة مجالات النشاط والتأثير عليها، بما في ذلك القطاع المدني).
ورغم الموقف الإيجابي الذي تتخذه السلطة وحماس حاليا إزاء الانتخابات، يبدو أنه لا تزال هناك حواجز أخرى كثيرة يتعين التغلب عليها  :
الأول : يدور حول موعد إجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسة. ومن المرجح أن تؤدي المرونة التي تتمتع بها حماس في التعامل مع هذه المسألة إلى تحقيق تقدم كبير. وبمجرد التغلب على هذه العقبة، ستظل العلاقات السلبية السابقة والشكوك بين فتح وحماس – التي تنعكس في الاتهامات المتبادلة بعدم الاخلاص وانعدام الجدية – تشكل تهديدا لاجراء الانتخابات.
ويزعم بعض عناصر فتح أن حماس تشكل العقبة الرئيسية أمام الانتخابات، وأن إسرائيل تشكل العقبة الثانية. وهم يزعمون أنه على الرغم من إبداء حماس استعدادها للمشاركة في الانتخابات، إلا أنه ما زال من الضروري حل القضايا الفنية، مثل الحزب الذي سيشرف على الانتخابات في قطاع غزة. أما بالنسبة لإسرائيل فقد عادت إلى الظهور من جديد السؤال الحاسم حول ما إذا كانت ستسمح لسكان القدس الشرقية بالتصويت في الانتخابات، كما حدث في انتخابات 1996 و2006. وقد أوضح كبار قادة السلطة الفلسطينية وحماس بالفعل أن المعارضة الإسرائيلية ستمنع الانتخابات، ويبدو أن بعضهم يرغب في استخدام هذه الحجة لتجنب هذه القضية.
وفي الوقت الحاضر، تبرز أربعة سيناريوهات رئيسية في سياق الانتخابات :
1 . الفشل الكامل للجهد نتيجة لعدم الاتفاق بين السلطة الفلسطينية وحماس، مع اتهام كل منهما للآخر بنسف المبادرة. وحتى الآن، فإن هذا السيناريو مرجح إلى حد كبير.
2-إصرارأبو مازن على إجراء الانتخابات في الضفة الغربية ،نتيجة فشل المباحثات مع حركة حماس ،بالرغم من معارضة الكثير من الفلسطينيون للفكرة و حجتهم في ذلك  أن هذا سُيعزز الانقسام .
3-الاتفاق بين السلطة الوطنية و حركة حماس بإجراء انتخابات في الضفة الغربية و غزة وفقاً للنموذج التونسي عبر ممثلين غير مباشرين للحركة الاسلامية  أو عبر قوائم مشتركة . 
4-انتخابات شاملة كما حدث في العام 2006 :
 ويبدو حتى الآن أن السيناريو الأخير غير مرجح إلى حد كبير، ومن المؤكد أنه يتعلق بالانتخابات التي تجرى في وقت واحد في الضفة الغربية والقدس الشرقية وقطاع غزة. ومن ناحية أخرى، كانت السياسة الفلسطينية في العقدين الماضيين تقدم سوابق لديناميكية بلغت ذروتها في تطورات أدت إلى تحييد رغبات ومصالح المجموعات الرئيسية.
ويتضمن ذلك انتخابات 2006 التي عارضها أبو مازن لكنها اضطرت إلى إجرائها بسبب الضغط الأميركي عليه، وعملية ا السور  الواقي، وهو صراع لم تكن حماس ولا إسرائيل تريد، لكنه وقع عندما تصاعد العنف خارج نطاق سيطرتهما. وقد تكون فكرة الانتخابات نتيجة لمثل هذه الديناميكية، خاصة في ضوء الضغوط الداخلية والخارجية التي تمارس للمضي قدما فيها.
الرؤية الإسرائيلية للانتخابات الفلسطينية : 
من منظور إسرائيل، ما دامت الانتخابات تجرى في الضفة الغربية فقط وبدون مشاركة من حماس (ومن دون أي فرصة لتطويرها إلى انتخابات كاملة)، فلا حاجة إلى منعها . ولكن يتعين على إسرائيل أن تتدخل إذا ما بدأ الاتفاق بين السلطة الفلسطينية وحماس على إجراء انتخابات عامة وفقاً للنموذج التونسي، وطبقاً لنموذج انتخابات عام 2006 بكل تأكيد . ولن توفر لأبو مازن شرعية حقيقية كبيرة، في حين أنها من ناحية أخرى لن تنطوي على خطر ملموس بالنسبة لإسرائيل، خاصة ليس من حيث تعزيز حماس في الضفة الغربية واندماجها في المؤسسة الحكومية، وبالتأكيد ليس في تمكينه من السيطرة على أجزاء منه  .
فأولا، من المرجح أن تنشأ الضغوط الخارجية على إسرائيل، وخاصة من أوروبا، للسماح بإجراء الانتخابات في القدس الشرقية. ثانياً، بل والأكثر إشكالية، فإن مثل هذا السيناريو من شأنه أن يفرض خطر تقدم حماس نحو الضفة الغربية، وهو ما قد يشكل نقطة انطلاق للاستيلاء على مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية، وخاصة إذا حققت الحركة إنجازات كبيرة في الانتخابات.
ثانياً، بل والأكثر إشكالية، فإن مثل هذا السيناريو من شأنه أن يفرض خطر تقدم حماس نحو الضفة الغربية، وهو ما قد يشكل نقطة انطلاق للاستيلاء على مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية، وخاصة إذا حققت الحركة إنجازات كبيرة في الانتخابات  .
وفي ضوء هذه الإمكانية، يتعين على إسرائيل أن تزن فكرة منع الانتخابات من خلال المعارضة المطلقة للتصويت في القدس الشرقية؛ واعتقال قادة حماس ومرشحيها، ومنع قيام المنظمة بحملات انتخابية أو قائمة تمثلها في الضفة الغربية؛ وتعطيل الجهود التنظيمية لاجراء الانتخابات (على سبيل المثال منع اللجنة الانتخابية من المرور من الضفة الغربية إلى قطاع غزة))
الخاتمة : 
ومن المرجح أن تتعرض هذه التدابير لانتقادات دولية، ولكن تكاليف تعزيز نفوذ حماس في السياسة الفلسطينية من المرجح أن تكون أعظم كثيراً بالنسبة لإسرائيل. وعلى أية حال، يبدو أنه من الأفضل لإسرائيل ألا تعبر عن موقف رسمي من الأمر الآن، وأن تسمح للسياسة الفلسطينية بأن تأخذ مجراها. في الوقت الحالي، ومن حسن الحظ أن إسرائيل لن تراهن على النظام السياسي الفلسطيني في سياق الانتخابات الكاملة، حتى ولو كانت هذه المقامرات تقوم على تقييمات مدروسة أو استطلاعات للرأي العام تشير إلى أن فتح لها قيادة على حماس. ولا تزال دروس عام 2006 وثيقة الصلة بالموضوع، وتُظهِر أن مغامرة المضاربة السياسية من المرجح أن تتطور بسرعة إلى تغيير استراتيجي سلبي بالنسبة لإسرائيل.
الرابط الأصلي للمقال :
Proposed Elections in the Palestinian Authority: Why Now, and How Feasible Are They?

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى