#ترجمات عبريةشؤون اقليمية

الهجوم التركي في شمال شرق سوريا ، المتوقع، المفاجيء والمجهول

معهد INSS ، بقلم  غاليا ليندنشتراوس والداد شافيت 24/10/2019

ان هجوم الجيش التركي في شمال شرق سوريا، حملة “نبع السلام” التي بدأت في 9 تشرين الاول، هو الهجوم الثالث الذي تنفذه تركيا في شمال سوريا، ويشكل الخطوة الاكثر طموحا لها حتى اليوم في سوريا بل والهجوم الذي أثار الانتقاد الدولي الاكبر. فالخطوات التي أدت الى الهجوم ونتائجه هامة اقليميا ودوليا وتخرج عن المعركة المحددة.

ان القرار التركي للدخول الى شمال شرق سوريا كان متوقعا في ضوء التهديدات المتواترة من جانب أنقرة لعمل ذلك، والتي بلغت ذروتها في خطاب القاه الرئيس التركي رجب طيب اردوغان، امام الجمعية العمومية للامم المتحدة في شهر أيلول. عرض اردوغان في حينه خريطة تضمنت ترسيم ما تسميه تركيا “منطقة آمنة” تتطلع لاقامتها في شمال شرق سوريا. فمنذ الهزيمة الاقليمية لتنظيم داعش، وجدت ادارة ترامب صعوبة في ان تبرر مواصلة دعمها للحزب الديمقراطي الموحد، الذي يتماثل مع التنظيم السري الكردي الذي يعمل في تركيا، حزب العمال الكردي. وكان الحزب الديمقراطي حليفا للولايات المتحدة في القتال ضد الدولة الاسلامية داعش ومسؤولا عن هزيمة القوات الاسلامية في القتال البري. وفي المباحثات بين الولايات المتحدة وتركيا، والتي جرت في محاولة للوصول الى توافق حول “المنطقة الامنية”، بدت فجوة هامة في تصميم الطرفين وكذا في الاهمية التي يولياها للموضوع. صحيح أنه في مداولات سابقة حاولت الادارة الامريكية أن تضمن حدا ادنى من المس بحلفائها، ولكن الرئيس ترامب الذي فاجأ مرة اخرى حتى مؤيديه الاقربين، أمر بعد مكالمة هاتفية مع اردوغان بانسحاب القوات وهكذا مهد التربة لبدء الحملة التركية. 

بالنسبة لتركيا، هذا موضوع مركزي ذو اهمية سواء في الجانب الامني أم في الجانب الداخلي. من ناحية امنية رأت تركيا كتهديد نشوء الكانتونات الكردية ذات الحكم الذاتي في شمال شرق سوريا وعملت على منع نشوء تواصل اقليمي بينها. وبواسطة الحملة الحالية تسعى تركيا لاعادة الدولاب الى الوراء، بمعنى السيطرة الكردية الذاتية على هذه المناطق. من ناحية داخلية، يتضح في تركيا ضجيج متصاعد ضد تواجد نحو 3.6 مليون لاجيء من سوريا في الدولة. ولمواجهة هذه المشكلة تخطط أنقرة لاعادة اللاجئين الى ارض تسيطر عليها هي في المستقبل في سوريا. وبزعم محافل تركية رسمية، وان كانت الاعداد لا تبدو مصداقة، فان نحو 350 الف لاجيء عادوا منذ الان “طوعا” الى المناطق التي احتلتها تركيا في حملاتها السابقة في الاراضي السورية. 

تطور آخر كان يمكن حصوله مسبقا، كان خيار الحزب الديمقراطي التوصل الى اتفاق مع نظام بشار الاسد في ضوء تنفيذ التهديدات التركية. في هذا السياق يذكر أنه في التسعينيات من القرن الماضي كان تعاون وثيق بين التنظيم السري الكردي، حزب العمال الكردستاني، وبين نظام الاسد الاب، وادى هذا التعاون بتركيا وسوريا الى حافة الحرب الى أن استسلم الطرف السوري للضغوط التركية. في ضوء الوضع غير المستقر القائم اليوم في شمال شرق سوريا، ينبغي التحفظ والقول انه لا  تزال هناك شكوك حول قدرة الطرفين على التمسك بهذا الاتفاق على مدى الزمن. 

وبالنسبة للجوانب الاكثر مفاجأة في الحملة – قرار الديمقراطي الاتفاق مع دمشق جاء بعد أربعة ايام فقط من بدء الهجوم التركي. وقدر كثيرون قبل الهجوم بان القوات الكردية ستصمد لزمن اطول امام الاتراك قبل وصولهم الى هذا القرار. ولكن في اطار الاتصالات السابقة بين الامريكيين والاتراك، والتي كان هدفها منع عملية تركية من طرف واحد في شمال شرق سوريا، طلب الاتراك أن يفكك الاكراد التحصينات التي بنوها على طول الحدود مع تركيا. تفكيك التحصينات، والذي بدأ به الاكراد، ساهم في دونيتهم امام الجيش التركي في الهجوم الحالي. 

ان الهجمات التركية على التجمعات الكردية ليست ظاهرة جديدة، ولكن الهجوم التركي الحالي نال انتقادا دوليا واسعا نسبيا. وقد وجد هذا تعبيره بفرض حظر سلاح من جانب دول اوروبية وعلى رأسها المانيا، فرنسا وايطاليا. ويشار الى انه حسب زعم تركيا، فان نحو 70 في المئة من احتياجات الجيش التركي يتم ذاتيا منذ الان. ومع ذلك، لا تزال تركيا بحاجة الى منظومات متطورة وقطع غيار بشكل يمنح حظر سلاح كهذا تأثيرا معينا. 

ان قرار الرئيس ترامب اصدار الامر مرة اخرى بانسحاب القوات الامريكية من سوريا، حتى وان كان من ناحية تكتيكية فاجأ الجهات الاقليمية والدولية، كان في خلفية المداولات التي جرت مع أنقرة وطرحت ايضا في محادثات سابقة بينه وبين اردوغان. والدينامية التي نشأت في العلاقات الامريكية التركية منذ القرار الامريكي بالانسحاب وبدء الحملة التركية، بما في ذلك نشر رسالة ترامب الى اردوغان في 9 ايلول – التهديد بفرض عقوبات “ثقيلة” على تركيا – الى جانب اعادة انتشار القوات الامريكية في سوريا وفي العراق وزيارة نائب الرئيس الامريكي مايك بينيس الى أنقرة، وفي اعقاب ذلك الاعلان في 17 تشرين الاول عن التوصل الى اتفاق لوقف النار لـ 120 ساعة، هي نتيجة مباشرة لحاجة الادارة للتصدي للنقد الحاد الموجه للولايات المتحدة، بما في ذلك من جانب مشرعين جمهوريين كبار. وأكد هذا النقد المعاني الاخلاقية والعملية لهجر الحلفاء الذين قاتلوا الى جانب الولايات المتحدة، على قدرتها على تجنيد حلفاء في المستقبل وعلى مكانة الولايات المتحدة في الشرق الاوسط وقدرتها على الردع في وجه تهديدات متصاعدة ولا سيما من جانب ايران. 

مخاوف اخرى ناشئة تركز على امكانية التفكيك المتوقع لقوات سوريا الديمقراطية، والتي سادت فيها القوات الكردية، مما سيزيد احتمال اعادة نهوض تنظيم داعش ككيان يسيطر على اراض اقليمية. مسألة اخرى بقيت حاليا بلا جواب هي حل الرئيس ترامب يعتزم الامر ايضا بانهاء تواجد القوات الامريكية المتواجدة في جنوب سوريا، في منطقة معبر طنف، التي لها مساهمة هامة في الجهود لتصعيب الامور على ايران وحلفائها من حيث العبور من اراضي العراق الى اراضي سوريا.

بالنسبة للاتفاق بين الاكراد ونظام الاسد، يثور السؤال ما الذي سيتبقى للاكراد من الحكم الذاتي الذي نجحوا في خلقه لانفسهم بعد اندلاع الحرب الاهلية في الدولة. وسؤال مرتبط: حتى لو حقق الاكراد تنازلات من النظام، فهل سيتحترم الاتفاقات على مدى الزمن، وهل يمكنه بالفعل أن يفرض حكمه في هذه المناطق. سؤال حاسم آخر هو الى أي حد ستضغط موسكو على الاسد للسماح بالتواجد التركي القائم منذ الان وذاك الجديد ايضا، على مدى زمن طويل، و/ أو ستدفع النظام السوري لان يسمح بعودة اللاجئين الى المناطق التي اعاد سيطرته عليها. 

من ناحية تركية، حتى الان حققت الحملة اهدافا عسكرية وسياسية هامة. فضلا  عن ذلك، في نظر أنقرة، مثلما ايضا من ناحية لاعبين اقليميين ودوليين آخرين فان القرار الامريكي بالانسحاب، مثل تصريحات الرئيس ترامب ايضا، تشدد على اهتمامه بوضع حد للتدخل العسكري الامريكي في النزاعات الاقليمية. يعزز هذا المفهوم الفهم بانه يجب الاستعداد سياسيا وعسكريا لواقع استراتيجي مختلف، سواء في سوريا ام في المجال الاقليمي، مع التشديد على مجالات  المناورة، لاتخاذ خطوات اكثر جرأة للدفاع عن المصالح، او كبديل، العمل على خطوات استراتيجية اخرى، تقدم جوابا للتهديدات. من المتوقع لهذا أن تكون معان ايضا بالنسبة لاسرائيل ولمنطقة شرق البحر المتوسط، حيث شددت تركيا جدا نشاطها هناك وتتخذ سياسة في التأكيد الذاتي.

ان مظاهر العطف في اسرائيل تجاه الاكراد على خلفية الهجوم التركي الحالي جاءت سواء من اليمين أم من اليسار. وبينما الانتقاد على تركيا ولا سيما على اردوغان، بات موقفا متواترا في اسرائيل، يتضح ايضا تماثل اساسي اكثر مع الشعب الكردي. رئيس وزراء اسرائيل، بنيامين نتنياهو، شجب الهجوم التركي واطلق وعدا اسرائيليا بتقديم المساعدة الانسانية للاكراد، رغم أن قدرة اسرائيل على الوصول الى تلك المنطقة محدودة. من ناحية أنقرة، وبالتأكيد من ناحية الجمهور التركي، يعد هذا تعبيرا عن التأييد للتنظيم السري الكردي، والذي يماثل المس بالامن القومي.

في السطر الاخير، ان قرار ترامب سحب القوات الامريكية من شمال شرق سوريا ضعضع جدا الاستقرار في هذا الجزء من الدولة. وهجر الشراكة الكردية في اطار قوات سوريا الديمقراطية، والتي كانت القوة الحاسمة البرية ضد داعش، هو اشارة تحذير لشركاء آخرين للولايات المتحدة. وذلك رغم أنه من ناحية تاريخية فان الاكراد خائبو الامل كثيرا من خيانات اللاعبين الدوليين والاقليميين ومن أن الدعم الخارجي لهم كان في الغالب في نهاية المطاف مؤقتا. 

ان انصراف القوات الامريكية، وبالشكل الذي تم فيه، يمنح انتصارا سهلا اكثر من المتوقع لخصوم الولايات المتحدة، ولا سيما لايران. وهو من المتوقع أن يسهل بقدر كبير على ايران تفعيل المحور البري الشيعي على العراق الى سوريا والى لبنان، ويترك اسرائيل وحدها عمليا في المعركة ضد تثبيت التواجد الايراني في المنطقة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى