معهد INNS الاسرائيلي – سباق الموانيء في بحر العرب ، منافسة دولية واقليمية على السيطرة في المسارات التجارية

بقلم يوئيل جوجانسكي وغيل هوروفتس، معهد INNS – جامعة تل ابيب 6/8/2019
بين جيبوتي وغودار – التواصل الصيني
في العام 2017 دشنت الصين في جيبوتي القاعدة العسكرية الاولى في تاريخها خلف البحار بما في ذلك مصاف لرسو السفن يجتاز هذه الايام في الغالب توسيعا يسمح برسو سفن كبرى. تقوم القاعدة الصينية قرب مدخل مضائق باب المندب وامام القواعد العسكرية الامريكية، الفرنسية واليابانية في الطرف الثاني من الخليج (حقيقة اثارت غضب هذه الدول على حكومة جيبوتي). وهكذا حققت الصين موطيء قدم عسكري في احدى رقاب الزجاجة للتجارة العالمية.
بالتوازي، تستثمر الصين منذ 2013 مبالغ مالية كبيرة في تنمية ميناء مياه عميقة في غودار في الباكستان. فقد استأجرت الصين من الباكستان الميناء الذي يقع على مسافة مئات الكيلومترات من مدخل الخليج الفارسي ومقابل توسيعه تلقت المسؤولية التشغيلية فيه حتى العام 2059. يتضمن مشروع غودار تطوير غلاف من الطرق السريعة وطرق المواصلات، محطة توليد طاقة، مطار ومنطقة اقتصادية باستثمار صيني. رسميا، يفترض بميناء غودار أن يخدم الصين كنقطة ربط بـ “رواق” تجاري بري لها مع الباكستان، ولكن الاعتقاد السائد هو ان الصين تخصص الميناء لتوسيع تواجدها العسكري، بشكل يؤثر على مفترق الطاقة المأزوم في العالم. وعلم مؤخرا ان الصين تفكر حتى باقامة قاعدة بحرية اخرى في جيفاني في الباكستان، على مقربة اكبر من مضائق هرمز.
كجزء من خطواتها لكسب تواجد اقليمي وعسكري، ونفوذ سياسي بواسطة الاستثمار في الموانيء خارج حدودها، استثمرت الصين في السنوات الاخيرة مالا كثيرا ايضا في مشروع لاقامة ميناء بحري عميق في دوكم، سلطنة عمان، قرب مسار “الدرجات التسعة”، من المسارات التجارية العميقة في العالم. فقد اشترى تجمع تجاري لشركات صينية، باسناد حكومي، ارضا في المنطقة الاقتصادية الخاصة في المشروع لصالح اقامة مدينة صناعية صينية – عمانية (مصافي ومصنع نتنول، مشاريع صناعية، منشأة لانتاج الطاقة الشمسية، منطقة سياحية ونطاقات سكنية).
بين دوكم وشبهار – الاسفين الامريكي؛ التواصل الهندي
في شهر اذار 2019 وقعت الولايات المتحدة مع سلطنة عمان على توسيع الاتفاق الامني بين الدولتين. وينطبق الاتفاق الموسع من الان على الميناء الجديد في دوكم وعلى الميناء الجنوبي في سلالة. بالتوازي وقعت ايضا الهند وبريطانيا في السنة الاخيرة على اتفاقات امنية مع سلطنة عمان تتضمن رسو واستخدام آليات عسكرية ومدنية في منشآت ميناء دوكم.
سيمنح الوصول الامريكي الى ميناء المياه العميقة في دوكم للاسطول الخامس الامريكي مرونة عملياتي ورسو اكثر امانا في استعداد السفن الامريكية حيال ايران. والاهم من ذلك – دق المرسى الامريكي، البريطاني والهندي في ميناء دوكم يأتي مع “أمر منع” يحظر دخول السفن العسكرية الصينية الى الميناء، فيقطع بذلك التواصل الاستراتيجي للتواجد العسكري الصيني في الموانيء بين الباكستان وجيبوتي.
ان المنافسة الدولية على استخدام ميناء دوكم يلوح كحدث صد ناجع من ناحية الغرب والهند في مواجهة محاولة التغلغل الصينية الى المجال البحري في المحط الهندي. يبدو ان سلطنة عمان رغم مصالحها الاقتصادية ثقيلة الوزن مع بيجين وبالتوازي مع التعاونات الاخرى التي تقيمها مع الصين، كانت مطالبة بضغط امريكي شديد أن تمنع عن الصين تواجدا عسكريا في المجال.
اما الهند، بالتوازي مع دخولها الى ميناء دوكم، فتعمل في السنوات الاخيرة ايضا على تطوير ميناء للمياه العميقة الاول لايران في شبهار، بجوار قريب نسبيا مع مضائق هرمز. ويتضمن الاستثمار الهندي في البنى التحتية شبهار مساعدة في اقامة منطقة صناعية، تمويل شق طريق سريع ونصب سكة حديدية على طول 500 كيلو متر حتى زهدان على حدود افغانستان. ومقابل الاستثمار في التنمية ستحصل شركة حكومية هندية على امتياز تفعيل المصاف في شبهار لمدة عشر سنوات.
شبهار هو الميناء الاول الذي تفعله الهند خارج حدودها. واهمية الميناء للهند تكمن في كونه نقطة دخول الى “الرواق الشمالي – الجنوبي”، محور حركة استراتيجي سيسمح للهند بالارتباط عبر البر بروسيا، افغانستان ووسط آسيا بشكل عام، سيقصر بالنسبة لها مسارات نقل البضاعة ويسمح لها بان تحقق بشكل اكثر راحة تنقيبات حيوية.
عن أهمية الميناء للهند وللولايات المتحدة – في سياقات المنافسة مع الصين ايضا- يمكن أن نتعرف من اخراج ميناء شبهار من العقوبات التي فرضت في 2018 على ايران. وسيسمح توثيق العلاقات بين الهند وايران للقيادة في الهند ان تتحدى نفوذ الصين والباكستان في المنطقة. من ناحية الولايات المتحدة، فان تصعيد النفوذ الهندي في افغانستان بواسطة “الرواق” هو هدف حيوي في الطريق الى تخفيف تواجدها هناك.
من الصومال حتى السودان – المعركة على مسار البحر الاحمر
في منطقة القرن الافريقي وعلى طول شواطيء البحر الاحمر ايضا تتعاظم في السنوات الاخيرة المنافسية الدولية والاقليمية على تثبيت الوجود في النقاط الاستراتيجية التي تسمح للدول بضمان حرية الملاحة لها وبث القوة بعيدا عن حدودها.
بنت تركيا في السنوات الاخيرة في الصومال (مقديشو) قاعدة دائمة كبرى لها خارج اراضيها. بالتوازي، في العام 2018 وقعت تركيا وقطر على اتفاقات مع الخرطوم تسمح لهما بتواجد عسكري في جزيرة سوكين في المياه الاقليمية للسودان، ولكن في اعقاب الانقلاب العسكري وتعاظم النفوذ السعودي والاماراتي في السودان مشكوك ان تنفذ هذه الاتفاقيات.
تقيم السعودية هذه الايام هي الاخرى قاعدة اولى لها خارج حدودها، في جيبوتي قرب مضائق باب المندب، وبالتوازي للتواجد العسكري القائم هناك للولايات المتحدة، اليابان، فرنسا والصين. وتقيم اتحاد الامارات، التي استأجرت قاعدة في جيبوتي في الماضي تواجدا عسكريا في أرتيريا، في السومليلاند وتحوز ايضا مسارات هبوط ومصافات رسو صغيرة في جزيرة فرين التي تعود لليمن وفي آركيبلغ سوكوترا (كجزء من المساعي لمنع التهديد الايراني والحوثي على حرية الملاحة وتهريب وسائل القتال الى اليمن).
ان المنافسة بين السعودية، اتحاد الامارات ومصر وبين قطر وتركيا والتي انتقلت من مدة الى البحر الاحمر، تهدد باشعال التوترات القائمة وخلق توترات جديدة مع دول شرق افريقيا المضيفة، وبينها وبين نفسها. في هذا السياق سيكون مشوقا ايضا أن نرى كيف ستتطور المنافسة على الموانيء والنفوذ في منطقة مضائق باب المندب في ضوء نية اتحاد الامارات تقليص تواجدها العسكري في اليمن وفي ضوء نية تركيا تصعيد تواجدها في جيبوتي والصومال.
وختاما، في الجانب الدولي، فان تطوير الموانيء في المنطقة يندرج ضمن الخطط الجغرافية الاقتصادية المنافسة للصين من جهة وللهند من الجهة الاخرى لتطوير مسارات تجارية جديدة للاسواق في غرب اسيا وافريقيا. فالقوتان العظميان الصاعدتان معنيتان بالسيطرة على مساراتا التجارة الاولى وترى في الموانيء امكانية كامنة كي تكون “بوابة” للدخول والخروج الى مناطق السيطرة.
في الجانب الاستراتيجي، يوجد الامريكيون في عملية صد للصين. والاتفاقات الامنية التي وقعتها سلطة عمان مع الولايات المتحدة، بريطانيا والهند، والتي تتضمن اذون رسو وتواجد عسكري في الميناء، تعكس تحوله الى ساحة منافسة بين القوى العظمى وتمنع حاليا الصين من خلق تواصل للموانيء مع تواجد عسكري بين الباكستان – سلطنة عمان – جيبوتي.
في الجانب الاقليمي، تطور دول الخليج موانئها، مع التشديد على بناء مناطق صناعية، منشآت تصفية وبتروكيميائيات، مخازن، منشآت تصدير ومناطق تجارة حرة وذلك كجزء من الخطط للتنوع الاقتصادي وتقليص التعلق بالطاقة، او على الاقل بمسارات التصدير القائمة. من ناحية اسرائيل، فان المنافسة على البحر الاحمر تسمح بتثبيت تواجد اللاعبين المختلفين على طول مسارات الوصول الجنوبية الى خليج ايلات وقناة السويس – وهذه تخلق مجالا جديدا من التحديات، ولكن الى جانبها ربما ايضا فرصا لتدخل اسرائيل (دون الاعلان عن ذلك) في بعض من المشاريع.



