ترجمات أجنبية

معهد واشنطن – يويل غوزانسكي و كوبي مايكل – اتفاقيات إبراهيم الناشئة : تحديات التغيير الإيجابي

معهد واشنطن –  يويل غوزانسكي و كوبي مايكل  *- 25/9/2020

باشرت إسرائيل والإمارات لتوهما عملية من شأنها، إذا ما افترضنا نضوجها بشكل ناجح، أن تؤتي قريبًا ثمار التطبيع الكامل بين البلدين. وكانت التغطية الإعلامية لهذه العملية متفائلة عمومًا، مشيرةً أحيانًا إلى مخاطر محتملة تتعلق بالضمّ ومبيعات الأسلحة. غير أن ما غاب عن هذا الخطاب العلني والإعلامي هو مجموعة من التحديات الكبيرة الأخرى التي قد يطرحها هذا الاتفاق أمام إسرائيل والإمارات والمنطقة ككل.

فمنذ الإعلان الثلاثي (من جانب الولايات المتحدة والإمارات وإسرائيل) عن الصفقة في 13 آب/أغسطس، ركّزت السردية الإعلامية العامة بشأن عملية التطبيع لغاية الآن على أرباح الصفقة وفوائدها. وحاليًا، فإن العوائق الوحيدة أمام التطبيق التي ترددها وسائل الإعلام هي التزام إسرائيل بتجميد ضمّ أراضي الضفة الغربية وإمكانية أن تحصل الإمارات على طائرات مقاتلة متطورة من نوع “أف-35”.

أما الخطاب بشأن الاتفاق البحريني-الإسرائيلي فهو مختلف. فبالنسبة للبحرين – وهي دولة صغيرة ذات أغلبية شيعية محصورة بين قطر والسعودية – من المرجح أن يكون الدعم الأمريكي المتواصل إزاء موضوع إيران والتواجد العسكري الأمريكي القائم في الجزيرة الصغيرة وحولها قد لعبا دورًا أكبر في إبرام هذه الدولة الخليجية الصغيرة الاتفاق.

وبالفعل، لا يجب التقليل من شأن حجم هذا الإنجاز – فقد اكتسب المستفيدون من الصفقة الآن نقاط قوة في وجه ثلاثة تيارات راديكالية غالبًا ما تطرح تهديدًا في المنطقة وهي: إيران ووكلاؤها، والإسلام السياسي المدعوم من تركيا وقطر، والمنظمات الجهادية السلفية. وعلى ضوء هذه التهديدات، المتأتية بشكل رئيسي من إيران وتركيا، تتشارك الإمارات وإسرائيل رؤية شاملة للديناميكيات الإقليمية، وترى الدولتان خطرًا محتملًا في ابتعاد الولايات المتحدة المتزايد عن المنطقة. يُذكر أن التعاون الأمني والاستخباراتي الإماراتي-الإسرائيلي كان مستدامًا أساسًا بدرجات متفاوتة في فترة مطوّلة من الزمن، لكن الاتفاق الجديد مهم لناحية إضفائه طابعًا مؤسسيًا على هذا التعاون الأمني في وقت يساهم فيه أيضًا بتوسيع الأبعاد الاقتصادية والثقافية للعلاقات.    

غير أن نظرة واضحة ومتوازنة للصفقة يجب أن تتناول أيضًا التحديات الكبيرة والشاملة التي ستهدد نجاح الاتفاق. فثمة بعض النواحي في العلاقة الإماراتية-الإسرائيلية التي كان من الأفضل إبقاؤها سرية بسبب ردّ الفعل الساخط المحتمل من الدولتين المنافستين في المنطقة إيران وتركيا. كما أن إسرائيل والإمارات لا تتفقان حقًا على العديد من القضايا الإقليمية الرئيسية: إن إسرائيل مستعدة على الأرجح لاستخدام سلاحها في وجه إيران في الخليج بينما قد تميل الإمارات بدورها إلى القيام بالمثل في البحر المتوسط. وعمومًا، في وقت تدعم فيه الصفقة التعاون الأمني بين الإمارات وإسرائيل لجهة التعامل مع تهديدات الجهاد السلفي وإيران وتركيا، إلا أنها تعزز في الوقت نفسه حدة هذه التهديدات.      

والجدير بالذكر أن البحرين سبق وتعرضت لمحاولة اعتداء إرهابي على يد مجموعة مدعومة من إيران ردًا على قرارها الأخير بتطبيع العلاقات مع إسرائيل. وعلى نحو مماثل، من المنطقي الافتراض أن المنظمات الإرهابية الجهادية السلفية قد تحاول ضرب الأمن والاستقرار في دولة الإمارات التي لا تزال تنعم بالهدوء حتى الآن انتقامًا لما تعتبره خيانة للشعب الفلسطيني. علاوةً على ذلك، انتقدت تركيا الاتفاق الجديد مع إسرائيل بأشدّ العبارات وأكثرها صراحةً؛ ولا يمكن أن نستبعد احتمال دعم تركيا وقطر السياسي وحتى تقديمهما دعمًا مباشرًا لمحاولات جماعة “الإخوان المسلمين” الرامية إلى زعزعة أمن الإمارات واستقرارها السياسي.  

ومن المرجح أن يزداد احتمال تبلور خطوة مماثلة بعدما ثبّت الاتفاق الجديد الآن موقع الإمارات في المعسكر المعادي لتركيا. ويتزامن هذا القرار مع ارتفاع حدّة التوترات في شرق البحر المتوسط بين تركيا وخصومها، بما فيها مصر واليونان وقبرص – وإسرائيل التي تعتبر نفسها جزءًا من هذا التجمّع، رغم أنه يتعين عليها التحوّط في هذا الاتجاه. وقد تؤدي هذه التوترات، الناتجة عن نزاعات على مستقبل مشاريع الغاز الطبيعي الضخمة وخطوط الأنابيب الخاصة بها وكذلك طرق الشحن إلى أوروبا، إلى جانب تدخل تركيا العسكري والاقتصادي في ليبيا، إلى تصعيد خطر قد يصل إلى حدّ تنفيذ مناوشات مسلحة مع مصر أو حتى إلى حصول مواجهة عسكرية بين تركيا واليونان. ومن خلال روابطها بإسرائيل، أصبحت الإمارات أكثر انخراطًا في هذا الاحتمال المتزايد لاندلاع نزاع.  

وعلى نحو مماثل، ومن خلال دعمها العلني للإمارات، تأخذ إسرائيل طرفًا في النزاع بين الإمارات وقطر. فهذه الأخيرة هي قناة تواصل أكثر فعالية مع حركة “حماس” وهي ترسل باستمرار مساعدات مالية ضرورية إلى غزة، وهما أمران يساهمان في تجنب احتدام واسع النطاق بين إسرائيل و”حماس”. ولا يمكن للإمارات حاليًا أن تحلّ محل قطر في هذا المجال لأنها لا تملك نفوذًا كبيرًا سواء في غزة أو الضفة الغربية، لذا ستبقى إسرائيل بحاجة إلى وساطة ومساعدة قطر. لكن في ظل هذه الظروف المستجدة، قد تختار قطر خلق صعوبات لإسرائيل، مستفيدةً من الأزمة المطولة في غزة بهدف تعزيز موقعها ونفوذها في المنطقة على حساب الإمارات.    

وما يفاقم المسألة، هو أن نفوذ الإمارات في فلسطين متزعزع أساسًا لأنها تعتبر “حماس” عدوًا من جهة ولأنها قطعت روابطها بـ”السلطة الفلسطينية” قبل بعض سنوات من جهة أخرى. فقيادة “السلطة الفلسطينية” – ولا سيما محمود عباس والمقربين منه ومؤيديه الآخرين – لم تؤيد قط جهود القائد الفعلي للإمارات محمد بن زايد الرامية إلى تهيئة محمد دحلان، خصم عباس الطامح إلى السلطة. حتى أن قادة “السلطة الفلسطينية” اعتبروا أن دحلان أثّر نوعًا ما على قرار بن زايد بالمضي قدمًا بالتطبيع.  

كما أن الصفقة تبعد بشكل متزايد الإمارات عن كل من “حماس” و”السلطة الفلسطينية”، ما يفسح المزيد من المجال أمام بسط النفوذ التركي والقطري. يُذكر أن أيًا من هاتين الخطوتين قد تشجع جهود الجماعات الإسلامية لزعزعة الاستقرار في غزة كوسيلة للتشديد على دورها الأساسي باعتبارها عامل وسيط يجب أخذ آرائه ومصالحه في الحسبان. وعليه، قد تدفع الضغوط المتزايدة التي مارستها الولايات المتحدة مؤخرًا على قطر بها إلى تطبيع العلاقات مع الدول العربية الأربع – الإمارات والسعودية والبحرين ومصر – ما يسهّل بالتالي على الدوحة فتح علاقاتها مع إسرائيل.  

غير أن مسألة الولايات المتحدة قد تصبح بدورها مبعث قلق خلال الأشهر المقبلة. فالإماراتيون يأملون أن تحسّن الصفقة، التي تعتبر خطوة تاريخية كبيرة، صورتهم ونفوذهم أمام الكونغرس الأمريكي وتكسبهم نقاطًا في أعين إدارة ترامب في ما يتعلق بخلافهم مع قطر. فصورة الإمارات في واشنطن اهتزت خلال السنوات القليلة الماضية، ولا سيما بسبب تدخل الإمارات العسكري في الحربين الأهليتين في اليمن وليبيا والدمار الناتج عنهما في البلدين. كما أن شراكة الإمارات مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، التي لا تزال موضع جدل، أضرّت بسمعتها. فقد أثبتت الإمارات أنها من خلال هذه الصفقة تأمل في تعزيز تعاونها مع الولايات المتحدة والحصول على منظومات أسلحة متطورة.

لكن ثمة بعض المخاوف في الإمارات، وفي العديد من دول الخليج العربي الأخرى، حيال احتمال وصول بايدن إلى الرئاسة. فهذه الدول ترى أن بايدن قد يكون متساهلًا مع إيران وقاسيًا تجاه دول الخليج في ما يتعلق بقضايا حقوق الإنسان. كما قد يربط بايدن هذه المسائل ببيع الأسلحة الأمريكية – وهي أسلحة كان ترامب مستعدًا لبيعها على ما يبدو، مانحًا الإمارات محفزًا كبيرًا لإبرام الصفقة في المقام الأول.

وخلال الفترة المقبلة، قد تكون هذه الصفقة أيضًا بمثابة عائق بدل أن تكون محفزًا للدول العربية من أجل تطبيع علاقاتها مع إسرائيل، حتى رغم إعلان البحرين الأخير. ويقينًا، تلغي عملية السلام الإماراتية-الإسرائيلية التحالف التلقائي القديم بين القيادة الفلسطينية والدول العربية، الذي يشكل المبدأ التنظيمي لمبادرة السلام العربية” من خلال إقامة روابط مع إسرائيل من دون إبرام اتفاق سلام فلسطيني-إسرائيلي. وهذا التطور هو نعمة للمصالح الإسرائيلية، لكن إسرائيل تواجه الآن قيودًا على قراراتها المستقبلية بشأن الأراضي الفلسطينية.
وقد أكدت إسرائيل لتوها، ولو جزئيًا، دعمها لمبدأ “الأرض مقابل السلام” من خلال شطب بند الضم من أجندتها للوقت الراهن. علاوةً على ذلك، اكتسبت الإمارات الآن نفوذًا كبيرًا على إسرائيل التي ستضطر بالتالي إلى النظر في متطلبات الإمارات في كل مرة تسعى فيها إلى اتخاذ خطوات مختلفة على صعيد القضية الفلسطينية أو أي
قضايا إقليمية أخرى قد تتعارض مع المصالح الإماراتية. على سبيل المثال، لكل من القدس وأبوظبي مواقف مختلفة إزاء النظام السوري – حيث أن أبوظبي وطدت علاقاتها مع الأسد خلال السنوات القليلة الماضية، في حين أن إسرائيل لا تزال تعتبر أفعال النظام، ولا سيما السماح لإيران باستخدام أراضيه لضربها سببًا لشن حرب.

وفي ظل تبلور هذه التوترات، من المرجح أن تثني أي جدالات أخرى بين إسرائيل والإمارات، ولا سيما تلك المتعلقة بالقضايا الفلسطينية، الدول العربية الأخرى عن التطبيع. عوضًا عن ذلك، قد تفضل هذه الدول البقاء على الحياد وتواصل المراقبة من مسافة آمنة. ولكل دولة حساباتها الخاصة، وجمهورها المحلي المنتقد ربما؛ وسيتردد البعض في إقامة روابط مفتوحة مع إسرائيل – وبخاصة إذا تبين أن هذا النوع من الاتفاقات حتى لن يؤثر في سياسة إسرائيل.

وعمومًا، تُعتبر هذه الصفقة الحديثة مهمة بالفعل ولا يجب التقليل من قيمتها. لكن لا بدّ من الإشارة إلى جوانبها المليئة بالتحديات واستعراض كافة تداعياتها المحتملة والكشف عن أي صعوبات وتحديات مخفية فيها – وذلك بشكل خاص من أجل تقييم كيفية إدارة مثل هذه التحديات المحتملة، طالما أن الوقت لا يزال يسمح بذلك.

* الدكتور يويل غوزانسكي هو زميل أبحاث أقدم في معهد دراسات الأمن القومي (INSS) ، جامعة تل أبيب. كان الدكتور جوزانسكي أيضا زميل زائر في جامعة ستانفورد ، وزميل معهد إسرائيل، وباحث في برنامج فولبرايت ،  و د. كوبي مايكل هو باحث أولي في معهد دراسات الأمن الوطني، وهو محرر في مجلة “ستراتيجيكأسيسمنت”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى