ترجمات أجنبية

معهد واشنطن –  فرزين نديمي – الحرس الثوري الإيراني يوضّح قضيته حول التصعيد ضد الولايات المتحدة وبريطانيا والسعودية

معهد واشنطن –  فرزين نديمي 26/11/2019

 هذا الأسبوع، صعّد رجال الدين والمسؤولون العسكريون الإيرانيون خطابهم ضد “الأعداء” الأجانب، متهمين إياهم بشنّ “حرب عالمية في الشوارع” ضد طهران وسط احتجاجات عامة على سياسة البنزين تلتها حملة قمع من جانب النظام. ففي 25 تشرين الثاني/نوفمبر، هدّد قائد “الحرس الثوري الإيراني” اللواء حسين سلامي الولايات المتحدة وبريطانيا والسعودية بعقوبات جدّيّة إذا تخطت هذه الدول الخطوط الحمراء الإيرانية. كما حذّر من إمكانية نفاد صبر “الحرس الثوري الإيراني”، ومن أن أي استفزاز خارجي سيولّد ردة فعل قويّة في وقتٍ ومكانٍ يختارهما بنفسه. وقبل ثلاثة أيام، أوصى قائد المقر المركزي لـ”خاتم الأنبياء”، اللواء غلام علي رشيد، واشنطن بتفادي أي أعمال في منطقة الخليج الفارسي أو مضيق هرمز قد تعرّض القوّات العسكرية الأمريكية لـ”خطرٍ كبير”، معلناً أن الكلام وحده – بما فيه الرسائل الخفيّة – “لن يكون كافياً لردع الحرب” حين تندلع الأعمال العدائية في المرة المقبلة.

مناورات عسكرية

كانت تهديدات اللواء رشيد جديرة بالملاحظة بشكلٍ خاص لأنها أتت حين كان يراقب تدريبات الدفاع الجوي في محافظة سمنان. ومع أن تدريب “حريم الولاية” هو تدريب سنوي يجري في أعماق وسط إيران، يبدو أن نسخة هذا العام صُممت لمحاكاة منطقة العمليات المشتركة في الخليج الفارسي ومضيق هرمز وخليج عمان. فأفادت التقارير أن نماذج نشر العتاد حاكت الترتيبات القائمة في هذه المسارح، مع التشديد على زيادة حدة القدرات الهجومية والدفاعية الخاصة بـ”الحرس الثوري الإيراني” على المضيق (ربما بدافع الاعتقاد أن كلّ مَن يسيطر على الجو يسيطر في النهاية على ساحة المعركة).

في غضون ذلك، أبحرت المجموعة الهجومية التابعة لحاملة الطائرات “يو أس أس أبراهام لينكون” عبر المضيق للتوقف على أحد المرافئ في البحرين في 19 تشرين الثاني/نوفمبر. وكانت هذه الرحلة هي الرحلة الأولى التي تقوم بها الحاملة في الخليج منذ أيار/مايو؛ فسابقاً، اختارت أن تبقى في شمال بحر العرب، ضمن نطاق عمليات على مسافة آمنة إنما فعّالة من إيران. وتم تمديد انتشار السفينة إلى حين انتهاء تصليحات بديلتها، “يو أس أس هاري أس ترومان”، وجهوزية إبحارها. فدفع قُرب القوات البحرية الأمريكية اللواء سلامي إلى تهديد “العدو” وحاملات طائراته بغارات صاروخية دقيقة التوجيه “تسحق العظام”. ودعا لاحقاً عبور هرمز محاولةً فاشلةً من أجل إظهار الدعم لاحتجاجات البنزين.

قد يكون مسؤولو “الحرس الثوري الإيراني” قلقين بالقدر نفسه من “عملية الحارس”، وهي مبادرة أمنية بحرية جديدة متعددة الأطراف في الخليج. فبدأت هذه العملية التي تم تأسيسها تحت رعاية “التحالف الدولي لأمن وحماية الملاحة البحرية” في 7 تشرين الثاني/نوفمبر. وتقودها الولايات المتحدة وهي تشمل حاليّاً ألبانيا وأستراليا والبحرين وبريطانيا والسعودية والإمارات العربية المتحدة.

أبدت عدة بلدان أوروبية أخرى، بما فيها الدنمارك وإيطاليا وإسبانيا، رغبتها في الانضمام إلى مبادرة بحرية منفصلة بقيادة فرنسا، مع أن هولندا وحدها أعلنت أنها ستوقّع عليها رسميّاً. وافتُتح مركز العمليات الخاص بالبعثة في 24 تشرين الثاني/نوفمبر، مع تمركُز قوات الرصد خارج “معسكر السلام” في أبوظبي. ولم تظهر حتى الآن أي تقارير عن احتكاك كبير مع الوحدات البحرية الإيرانية، بما فيه مع قوات “الحرس الثوري الإيراني” الذي يزعم السيطرة على مضيق هرمز. وقد يبدو هذا الهدوء النسبي مفاجئاً نظراً إلى أن “مبادرة هرمز للسلام” (المعروفة أيضاً بـ”تحالف الأمل”) التي أطلقتها إيران مؤخّراً لم تنجح في إقناع أي بلدان إقليمية في وجوب النظر في ترتيبات أمنية خاصة بالخليج مع طهران في ظل الظروف الراهنة. إلا أن الهدوء قد لا يدوم طويلاً إذا استمر المتشددون في مواجهة الضغط الكبير في الداخل.

حشد الشباب المحبطين

في حين يحاول النظام بناء ثقته وقدراته من أجل التصدي للخصوم الخارجيين وتعزيز طموحاته الإقليمية، فهو يواجه في الوقت نفسه المزيد من التحديات الناشئة عن شعبه الخاص. فمع دخول العقد الخامس، تتصارع “الجمهورية الإسلامية” مع مفارقة شائعة هي: كيفية تمرير مسؤولية الالتزامات الثورية إلى الجيل القادم. ففي وقت ثورة 1979، لم يكن أكثر من نصف سكّان إيران الحاليين قد وُلد بَعد. ويعرف خامنئي أنه عليه الاعتماد على هذا الجيل لما يدعوه مشروع “خطوته الثانية”، لكن برزت أسئلة جدّيّة حول وفائهم – لا سيما أن الإيرانيين الشباب الذين ينتمون إلى الطبقة العاملة يؤدّون الآن دوراً رائداً في الاحتجاجات.

في هذا السياق، كان من المفاجئ سماع أحد الناطقين باسم “الحرس الثوري الإيراني” وهو يتحدث بنبرة يائسة على نحوٍ غير مألوف عن الجيل القادم في مقابلةٍ أُجريت في 25 تشرين الثاني/نوفمبر. فقد انتقد العميد رمضان شريف بقساوة على تلفزيون الدولة الشباب الإيرانيين الساخطين الذين أنشدوا شعارات موالية للنظام الملكي واستخدموا لغةً عنيفةً مناهضةً للنظام في المظاهرات الأخيرة، داعين إياه “خائناً”.

سيتّسع شرخ هذا الانحراف الذي تشهده الأجيال مع مرور الوقت، ما قد يدفع المؤسسة المتشددة المحبطة إلى افتعال أزمة يمكن التحكم بها ليس إلا من أجل شحن حماسة الشباب الدينية والقومية. فمن وجهة نظرها، قد يشكّل ذلك أفضل طريقة لتغيير الوضع الراهن الإيديولوجي الذي سهّل الاحتجاجات الحاليّة. وقد استخدم النظام هذا التكتيك في الماضي، لا سيما في خلال الحرب بين إيران والعراق، وربّما يعيد المرشد الأعلى علي خامنئي استخدامه اليوم. ففي خطابٍ أدلاه في 3 تشرين الثاني/نوفمبر أمام جمهورٍ من الطلّاب، أكّد مجدداً على إطار العمل الصارم الذي يتبعه السياسيون الإيرانيون في التعاطي مع واشنطن والذي يتمثل في “عدم التفاوض”. ومع أن فحوى ملاحظاته المناهِضة للولايات المتحدة تماشى مع خطاب النظام النموذجي الصادر في مناسبة ذكرى أزمة الرهائن عام 1979، تثير التهديدات العسكرية والمواقف المتزامنة الصادرة عن “الحرس الثوري الإيراني” خطر تحوُّل أقوال طهران إلى أفعال.

الخاتمة

كما ظهر في الهجوم الصاروخي ضد شمال إسرائيل الذي نُسب إلى إيران في 20 تشرين الثاني/نوفمبر، يبدو أن النظام يشدد عزمه على الرد على تلك البلدان التي يعتقد أنها تهدد طموحاته الإقليمية وتَمَسّكه بالسلطة. وأعطى الهجوم الناجح جدّاً الذي لم يلقَ أي رد في شهر أيلول/سبتمر على منشآت “أرامكو السعودية” جرعةً مشابهةً من الثقة إلى “الحرس الثوري الإيراني” والقيادة المحافِظة. وبناءً عليه، يمكن أن يتوقع المرء شروع طهران بمغامرتها الإقليمية الكبيرة التالية قريباً. ونظراً إلى التحديات الجدية التي يواجهها النظام في الداخل، قد لا يُقلقه كثيراً تفادي المواجهة المباشرة مع الولايات المتحدة أو إسرائيل هذه المرّة.

تشمل الأعمال الإيرانية المحتملة على المدى القريب ما يلي:

مواجهة السفن البحرية الأمريكية التي تعبر الخليج الفارسي.

تنفيذ عمليات سرّيّة لإعاقة حركة الملاحة البحريّة الدولية على عدة مسارح، ربما حتى على مسافة بعيدة تصل إلى مضيق ملقا.

تكرار تكتيكات الصواريخ/الطائرات بدون طيّار الواسعة النطاق المستخدَمة في هجوم “أرامكو”، لكن هذه المرة لاستهداف نوع آخر من المنشآت الحيوية (مثل محطة لتحلية المياه).

إطلاق عملية إرهابية أو سيبرانية عالية المستوى، مثلاً ضد قطاع الخطوط الجوّية أو أحد التجمعات السكّانية.

بدلاً من أن تكون طهران أمةً للأحداث، يبدو أنها تريد اختيار الوقت والمكان لأي استجابة مشابهة، لذا لا يمكن ألّا يبقى المجتمع الدولي متيقظاً حتى عندما يبدو مسرح الخليج هادئاً. واحتمال التصعيد مرتفع الآن بشكلٍ خاص لا سيّما أن عمليات الأمن البحري الغربية تُدفَع قدماً وخطة “الأمل” الإيرانية  تتداعى.

مع المضي قدماً، لا بد من أن تستمر الولايات المتحدة في إظهار الدعم إلى حلفائها الخليجيين من خلال الحفاظ على قوات عسكرية قوية في المنطقة وجعلها تتنقل في الأرجاء من أجل التشديد على حضورها. وإذا صدر أمرٌ بإعادة مجموعة حاملة لينكون إلى الوطن، يجب إرسال مجموعة حاملة بديلة مع تشابُك عملية الانتشار، من أجل عدم ترك مجال لسوء التفسير.

لن تتبدد مشاكل إيران المحلّيّة في أي وقت قريب، كما يتّضح في العنف الذي يزداد سوءاً ضد المحتجين والمنشقّين، والانقطاع الكامل لشبكة الإنترنت، ووفرة المؤشرات الاقتصادية السلبية التي لن تُحلّ مسألتها من خلال مجرّد تقنين البنزين. ورغم أن طهران حاولت تحميل القوى الخارجية مسؤولية هذه المشاكل، سيستمر الشعب في إلقاء اللوم على النظام. لذلك، يمكن توقُّع قيام “الحرس الثوري الإيراني” والفصائل المتشددة الأخرى بإصدار تهديدات أشدّ غيظاً بَعد وتبنّي تكتيكات أكثر عنفاً في الأسابيع القادمة، سواء في الداخل أو الخارج.

*فرزين نديمي هو زميل مشارك في معهد واشنطن، ومتخصص في شؤون الأمن والدفاع في إيران ومنطقة الخليج.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى