ترجمات أجنبية

معهد واشنطن – سايمون هندرسون – انتكاسة لكرة القدم السعودية

معهد واشنطن –  سايمون هندرسون *- 31/7/2020

في 30 تموز/يوليو، أعلن “اتحاد الشركات” الذي يهيمن عليه “صندوق الاستثمار العام” السعودي عن سحب عرضه لشراء نادي “نيوكاسل يونايتد” لكرة القدم مقابل 390 مليون دولار. وعندما تم الكشف عن اهتمام “الاتحاد” بعملية البيع للمرة الأولى في أواخر العام الماضي، كان ذلك بمثابة فرصة استثمارية لصندوق الثروة السيادية السعودي ووسيلة لتشجيع الرياضة في المملكة على حد سواء – وهي سمة رئيسية لخطة ولي العهد محمد بن سلمان المعروفة بـ «الرؤية 2030» لإبعاد الاقتصاد عن الاعتماد على النفط. لكن حتى قبل بدء انتشار وباء فيروس كورونا وإثارته تساؤلات حول الجدوى التجارية الطويلة الأمد للرياضات التي تعتمد على حضور جماهيري كبير، قوبلت عملية البيع المقترحة بمعارضة واسعة.

وعلى الصعيد السياسي، شنّت خديجة جنكيز، خطيبة الصحفي السعودي الراحل جمال خاشقجي، حملة كبيرة ضد الصفقة لأن ولي العهد، الرجل الذي يحمّله الكثيرون مسؤولية مقتل خاشقجي في القنصلية السعودية في اسطنبول عام 2018، يرأس “صندوق الاستثمار العام”. (وفي المقابل، بدت القاعدة المحلية لمشجعي نادي “نيوكاسل” متحمسة لفكرة الحصول على مالك جديد يرغب في الاستثمار بلاعبين من الدرجة الأولى).

أما على الصعيد التجاري، فقد كانت أندية أخرى في “الدوري الإنكليزي الممتاز” قلقة لأنها شعرت بأن الرياض مدينة لها بالتعويض عن الإيرادات المهدورة والناتجة عن أنشطة قناة البث الفضائية “بي آوت كيو”. فقد عُرفت هذه الشركة المشبوهة التي تتخذ من السعودية مقراً لها بقرصنة بث شبكة “بي إن سبورتس” القطرية التي وقّعت معها رابطة “الدوري الإنكليزي الممتاز” اتفاقية ترخيص لبث المباريات في الشرق الأوسط.

ومع ذلك، ربما كانت العقبة الرئيسية الشائكة هي عملية “اختبار المالكين والمدراء”، التي تمنح الدوري كلمة الفصل في عملية شراء أي نادٍ. ويقوم أساس هذا الاختبار على ضرورة قيام جميع المالكين والمدراء والمسؤولين عن فرق الدوري بتلبية معايير أعلى من تلك التي ينص عليها القانون لحماية سمعة اللعبة وصورتها. وبالتالي، على الرغم من توقّع وسائل الإعلام السعودية منذ أسابيع بأن تكون الاتفاقية قريبة من نهايتها، فقد أصبح من الواضح بشكل متزايد أن مجموعة الملكية بقيادة “صندوق الاستثمار العام” قد لا تجتاز هذا الاختبار.

وفي بيانه الصادر في 30 تموز/يوليو، أوضح “اتحاد الشركات” قراره بالانسحاب على النحو التالي: “للأسف، إن العملية المطوّلة في ظل الظروف الراهنة إلى جانب عدم اليقين العالمي جعلت الاستثمار المحتمل لم يعد مجدياً تجارياً”. وقد رافقت “العملية المطوّلة” سلسلة غريبة من التطورات القانونية. فقبل يومين، استأنفت الرياض رسمياً الحكم السابق الذي صدر عن “منظمة التجارة العالمية” والقاضي بأن السعودية قد سهلت قرصنة بث مباريات “الدوري الإنكليزي الممتاز”. وما يثير الارتباك هو أن التعليقات الأولى لوسائل الإعلام السعودية في حزيران/يونيو على حكم “منظمة التجارة العالمية” اعتبرت أن القرار يصبّ في مصلحة المملكة. وفي الوقت نفسه تقريباً، قدّمت الحكومة السعودية مرشحاً لعملية الاختيار الجارية لاستبدال مدير عام “منظمة التجارة العالمية” الذي سيتنحى قريباً. وفي الآونة الأخيرة، حظرت السعودية بث قنوات “بي إن سبورتس” في بداية تموز/يوليو، مما يجعل من غير القانوني لأي شخص في المملكة مشاهدة أفضل مباريات كرة القدم الإنجليزية.

وعلى الرغم من كل هذا الجدل، أفادت بعض التقارير أن الحكومة البريطانية وافقت على عملية البيع، لا سيّما أن المُلكية الأجنبية لأندية كرة القدم الإنكليزية راسخة للغاية. فمالك نادي “مانشستر سيتي” هو الشيخ منصور بن زايد، شقيق ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد. كما أن نادي “أرسنال” الذي يملكه [رجل أعمال] أمريكي يلعب في “استاد الإمارات”، وهو ملعب في لندن بيعت حقوق تسميته إلى “شركة الطيران الإماراتية” الرسمية مقابل مبلغ كبير. ومع ذلك، تعثّرت عملية بيع “نيوكاسل”، الأمر الذي يذكّر المستثمرين الأجانب المحتملين بمدى تأثير خطر تشوّه السمعة على الصفقات التجارية مع السعودية – والظروف الاقتصادية الجديدة التي تُحدّد عصر “كوفيد-19”.

وعلى صعيد المنطقة، من المرجّح أن تثير القصة الكثير من الشائعات، خاصة وأن كرة القدم لا تزال الرياضة المهيمنة في الشرق الأوسط. وبالإضافة إلى “مانشستر سيتي” المملوكة للإمارات، تمتلك قطر نادياً فرنسياً بارزاً هو “باريس سان جيرمان”. وكان سيُنظر إلى “نيوكاسل يونايتد” على أنه نادي ولي العهد محمد بن سلمان (الذي أظهر سابقاً اهتماماً بشراء نادي “مانشستر يونايتد”، ولكن تم رفضه هناك أيضاً).

وبصرف النظر عن الفضيحة، فإن انسحاب “صندوق الاستثمار العام” من عملية الشراء هو قرار حكيم من الناحية المالية، على الأقل مقارنة باستثماراته الأخيرة في الصناعات الأخرى التي اهتزت بسبب جائحة كورونا (على سبيل المثال، السفن السياحية، شركات النفط الأجنبية). ومع ذلك، قد تكون البصائر القصيرة الأمد أكثر قسوةً في وسائل الإعلام الرياضية، التي تميل إلى النظر إلى هذه النتائج من خلال عدسة “الفائزين والخاسرين”.

*سايمون هندرسون هو زميل “بيكر” ومدير “برنامج برنستاين لشؤون الخليج وسياسة الطاقة” في معهد واشنطن.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى