ترجمات أجنبية

معهد واشنطن – بقلم جاي سولومون – معالجة مسألة التسلح الإيراني تحصّن الاتفاق النووي

معهد واشنطن –  بقلم  جاي سولومون *- 15/3/2021

مقالات وشهادة

أظهرت عينات التربة التي أخذتها مؤخراً “الوكالة الدولية للطاقة الذرية” من ثلاثة مواقع إيرانية يُشتبه بإجراء أبحاث أسلحة نووية غير معلنة فيها، وجود آثار يورانيوم من صنع الإنسان، في دلالة على أن تلك المواقع شهدت أبحاثاً غير مشروعة عن الأسلحة الذرية. إن السماح لطهران بتغطية أنشطتها ومواقعها النووية سيشكل سابقة مروعة لدول أخرى – السعودية وتركيا ومصر – إلى متابعة برنامج أسلحة سري خاص بها.

مرةً أخرى تجد إيران وهيئة الرقابة النووية في الأمم المتحدة نفسيهما على مسار تصادمي، بما أن “الوكالة الدولية للطاقة الذرية” تطلب الأجوبة من طهران بشأن ثلاثة مواقع إيرانية يُشتبه بإجراء أبحاث أسلحة نووية غير معلنة فيها خلال العقود الماضية. فقد أظهرت عينات التربة التي أخذتها مؤخراً الوكالة من المواقع المذكورة آثار يورانيوم من صنع الإنسان، في دلالة على أن تلك المواقع شهدت أبحاثاً غير مشروعة عن الأسلحة الذرية.

وتشكل هذه المواجهة تحدياً وفرصة على حد سواء للرئيس الأمريكي جو بايدن خلال سعيه إلى إحياء الاتفاق النووي المعروف بـ”خطة العمل الشاملة المشتركة” – والذي تفاوضت عليه إدارة أوباما مع إيران في عام 2015 – وتقويته وتوسيعه. ويُذكر أن دونالد ترامب كان قد سحب الولايات المتحدة من الاتفاق من جانب واحد منذ نحو ثلاث سنوات وأطلق سياسة “الضغط الأقصى” التي استخدمت العقوبات الاقتصادية والضربات العسكرية لمحاولة عزل طهران.

وعلى مدى العامين الماضيين، رفضت إيران من جهتها رفضاً قاطعاً التعاون بشكل كامل مع “الوكالة الدولية للطاقة الذرية” لمعالجة مسألة التسلح. وتقول الوكالة إن طهران هدمت ومحت المباني وأزالت المعدات في محاولة لتطهير المواقع المشبوهة، كما صرّح مدير عام الوكالة رافائيل غروسي في الثامن آذار/مارس في فيينا أنه “بعد مرور 18 شهراً، لم تقدم إيران بعد التفسير اللازم والكامل والموثوق تقنياً لوجود هذه الجسيمات”.

ومن شأن موقف إيران ورفضها تقديم بيان كامل بموادها ومعداتها النووية أن يتصاعدا ليسبّبا أزمة كاملة لمجلس الأمن. فقد بلّغت طهران “الوكالة الدولية للطاقة الذرية” الشهر الماضي بأنها ستضيّق بشكل أكبر على قدرة مفتشي الوكالة على زيارة المواقع والمنشآت المشبوهة، في حين درست القوى الأوروبية – ألمانيا وفرنسا والمملكة المتحدة – رسمياً قرار إدانة إيران لعدم امتثالها خلال اجتماع “مجلس محافظي” الوكالة هذا الشهر.  

لكن على إدارة بايدن أن لا تذعن لتهديدات طهران ولا للضغط على غروسي للتستر على الخداع الإيراني، الأمر الذي يحدد بشكل جوهري ما إذا كان يمكن الوثوق بالنظام في حال امتلاكه قدرات نووية متقدمة. عوضاً عن ذلك، يجب على واشنطن مضاعفة جهودها والمطالبة بالأجوبة من أجل بناء أساس أقوى لاتفاق نووي جديد في نطاق “خطة العمل الشاملة المشتركة” ويمكن إقناع منطقة الشرق الأوسط المشككة بها.

وتأتي في صلب الاتفاق النووي صيغةٌ تسعى إلى إبقاء طهران بعيدة عنإنتاج قنبلة ذرية واحدة لمدة عام. ولكن بما أن وضع القدرات الإيرانية لإنتاج الأسلحة غير معروف، وفي ضوء تزايد أسئلة “الوكالة الدولية للطاقة الذرية” عن المواد والمعدات النووية غير المعلنة، أصبح من شبه المستحيل على الولايات المتحدة التأكيد بدقة على مدة العام الواحد هذه “لتجاوز العتبة النووية”.

وفي الوقت نفسه، يحذّر أعداء إيران في المنطقة، ولا سيما السعودية وتركيا، من أنهم سيسعون إلى مضاهاة أي قدرات نووية تمتلكها إيران. والواقع أن عجز “الوكالة الدولية للطاقة الذرية” عن الحسم بأن برنامج إيران النووي مخصص لأغراض سلمية سيدفع هذه الدول إلى محاولة الحصول على تقنيات نووية حساسة.

كان من المفترض معالجة مسألة التسلّح الإيراني السابقة في عام 2015 وذلك في إطار استكمال مفاوضات “خطة العمل الشاملة المشتركة”. فقد فوّضت الولايات المتحدة وغيرها من القوى العالمية “الوكالة الدولية للطاقة الذرية” بوضع تقرير نهائي عن الأبعاد العسكرية لبرنامج طهران النووي، بينما دُعيت إيران إلى إتاحة وصول الوكالة إلى الوثائق والعلماء والمواقع العسكرية التي يُعتقد أنها مرتبطة بأعمال التسلح السرية.

وخلصت الوكالة في تقريرها إلى أنها لم تجد أي دليل موثوق على وجود برنامج إيراني ناشط للأسلحة النووية بعد عام 2009. لكن موظفي الوكالة أقروا بأن المسؤولين الإيرانيين أعاقوا عملهم إلى حدٍّ كبير، في حين منعت إيران الوكالة من إجراء مقابلات مع كبار العلماء النوويين وزعمت أن وثائق الإدانة مزورة. والواقع أن الوكالة عثرت على آثار يورانيوم من صنع الإنسان في عينات من التربة أُخذت من قاعدة بارشين العسكرية، لكن إيران قالت إن المواد جاءت من أسلحة تقليدية، وهذا جواب قالت الوكالة مرة أخرى إنه غير موثوق.

مع ذلك، مضى العمل بـ “خطة العمل الشاملة المشتركة” قدماً في عام 2015. وزعمت إدارة أوباما أنها كانت على علم بكل ما يتعلق بأعمال إيران السرية في مجال الأسلحة وأنها لم تتوقع من طهران الاعتراف بخطاياها الماضية. لكن القصور في تحقيق “الوكالة الدولية للطاقة الذرية” اتضح عام 2018 بعد الغارة الإسرائيلية على مستودع للحكومة الإيرانية قرب طهران. فقد أخرجت العملية إلى الضوء 300 طن من المستندات السرية التي أظهرت أن برنامج الأسلحة الإيراني كان أكبر حجماً وأكثر تقدماً مما ظنّته وكالتا الاستخبارات الأمريكية والإسرائيلية قبل ست سنوات.

وتوثّق الملفات والأقراص المدمجة الموجودة في الأرشيف النووي برنامجاً إيرانياً سريعاً ومكثفاً أُطلق عليه إسم “خطة أماد” ويعود لمطلع العقد الأول من القرن الحالي، ويهدف إلى صنع خمس قنابل ذرية ووضع بعضها على صواريخ بعيدة المدى. غير أن الضغوط الخارجية على طهران، بما فيها الغزو الأمريكي للعراق المجاور عام 2003، دفعت إيران إلى وضع هذه الخطة العدوانية جانباً. لكن يُعتقد أن بعض الأبحاث النووية قد استمرت، وقد وجدت “الوكالة الدولية للطاقة الذرية” آثار يورانيوم في بعض المواقع المشار إليها في الوثائق التي تم الاستحواذ عليها. وأشار الأرشيف أيضاً إلى أن إيران أنتجت مكونات تستخدم في التحضير لتفجيرات نووية.

من الممكن أن يشعر الدبلوماسيون التابعون للرئيس بايدن – وكثيرون منهم خدموا في إدارة أوباما – بالميل إلى التستر مجدداً على مسألة التسلح خلال سعيهم إلى إبرام اتفاق نووي جديد مع إيران. وقد يعيدون استخدام الحجة القائلة إن الحاجة إلى منع صنع قنبلة إيرانية في المستقبل يفوق الحاجة إلى معالجة برنامج التسلح الذي بلغ ذروته قبل عشرين عاماً.

لكن هذه الاستراتيجية لم تعد صالحة. إذ أن مهمة “الوكالة الدولية للطاقة الذرية” تقضي في جوهرها بإحصاء كافة المواد والمعدات النووية التي تملكها الدول الأعضاء. والسماح لإيران بإخفاء مواقعها النووية وتمويهها قد يشكل سابقة فظيعة للدول الأخرى التي قد تُغرّ بإنشاء برنامج سري للأسلحة النووية. وسبق خلال السنوات الأخيرة أن أعربت عدة دول مجاورة لإيران، بما فيها السعودية وتركيا ومصر، عن رغبتها في تطوير القدرة على تخصيب اليورانيوم – وهذه تقنية تملك بطبيعتها تطبيقات عسكرية.

أضف إلى ذلك أن عدم الأخذ بعين الاعتبار حقيقة تاريخ التسلح الإيراني سيعيق جهود تحسين “خطة العمل الشاملة المشتركة”. فالاتفاق الأول سمح لإيران بامتلاك برنامج تخصيب على نطاق صناعي ومخزوناً من المواد النووية في نهاية المطاف. وإذا لم يُعرف الوضع الحقيقي لقدرات إيران وموقع كل وقودها النووي ومعداتها النووية، فسوف يفترض الكثيرون في الشرق الأوسط أن طهران قاب قوسين أو أدنى من امتلاك قنبلة ذرية. وسوف يتصرفون على هذا الأساس.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى