ترجمات أجنبية

معهد واشنطن – إلينا ديلوجر – وفاة الأمير صباح الأحمد الصباح قد تعيق دور الوساطة الكويتي غير المستقر

معهد واشنطن –  إلينا ديلوجر *- 5/10/2020

في الوقت الذي تشهد فيه دول «مجلس التعاون الخليجي» انقسامات مريرة أكثر من أي وقت مضى، فإن خروج الأمير صباح الأحمد الصباح عن المشهد يُبعد إحدى أكبر القوى المعتدلة في شؤون الشرق الأوسط [عن لعب دور الوسيط بين هذه الدول]. فقد كان القائد الراحل ركناً ثابتاً في الحياة العامة منذ بدء عهده الذي استمر 40 عاماً كوزير خارجية الكويت في عام 1963، قبل أن يتبوأ منصب رئيس الوزراء في عام 2003، ويصبح أميراً في عام 2006. ومثله مثل الشيخ زايد من الإمارات والسلطان قابوس من عُمان، سيذكره تاريخ المنطقة كإحدى الشخصيات الفريدة التي رعت بلادها وقادتها إلى العصر الحديث. ولعب دوراً مهماً في تأسيس «مجلس التعاون الخليجي» عام 1981 واستخدم نسخته من الدبلوماسية المكوكية من أجل الحفاظ على التوافق على نطاق واسع بين الدول الأعضاء الست في «المجلس». ومع ذلك، ففي الآونة الأخيرة، تضاءلت لمسته السحرية مع تولي الجيل التالي من قادة الخليج زمام السلطة، كما أن أي معركة محتملة على الخلافة لتحديد هوية ولي العهد المقبل قد تؤدي إلى الإضرار بفرص الكويت في مواصلة لعب دورها كوسيط إقليمي.

دولة ضعيفة

لم يكن تركيز الشيح صباح على الدبلوماسية لعقود طويلة انعكاساً لمهاراته الشخصية فحسب، بل كان أيضاً انعكاساً لاستراتيجية وقائية نتجت عن الضعف الجغرافي للكويت. ففي عشرينيات القرن الماضي، خسرت البلاد نحو ثلثي أراضيها لصالح عائلة آل سعود تحت إملاء بريطاني. بالإضافة إلى ذلك، فرض السعوديون حصاراً اقتصادياً عليها وهددوا بضمها بالكامل. وبعد حصول الكويت على استقلالها الرسمي عام 1961، ادعى العراق أنها جزء من أراضيه بعد ستة أيام فقط من ذلك التاريخ. وخلال العقود التالية، ساد مفهوم أن الكويت هي “المحافظة التاسعة عشرة” من العراق، مما أدام القلق بين مواطنيها. وفي سبعينيات القرن الماضي، حدثت عمليات توغل ومناوشات متكررة على الحدود بينما كان الشيخ صباح وزيراً للخارجية، مما شكل رؤيته للعراق كتهديد مستمرً. وتحققت هذه المخاوف عندما غزا صدام حسين البلاد عام 1990، بعد ثلاث سنوات فقط من “حرب الناقلات” التصادمية التي تعرضت خلالها سفن ترفع العلم الكويتي لهجمات إيرانية.

وبالنظر إلى تاريخ الكويت الهش، ركّز الشيخ صباح على بناء شراكات قد توفر الحماية لها، بما في ذلك مع الولايات المتحدة ودول «مجلس التعاون الخليجي». كما سعى إلى تخفيف التوترات من خلال توفير مساعدات خارجية والتوسط لحل النزاعات لتهدئة دول الجوار المتقلبة. وبفضل جهوده في الوساطة اشتهر بلقب “عميد الدبلوماسية العربية”. وتحت توجيهاته، يُنسب للكويت الفضل في تخفيف التوترات أو حل النزاع بين السعودية ومصر في شمال اليمن (1968)، وبين بنغلاديش وباكستان (1974)، وبين أبوظبي ودبي (1979)، والسعودية وليبيا (1982)، وسلطنة عُمان وجنوب اليمن (1984)، وتركيا وبلغاريا (1989)، من بين نزاعات أخرى.

نهاية عصر؟

لكن على مدى السنوات القليلة الماضية، بدا أن موهبته بالدبلوماسية المكوكية تفقد فعاليتها وسط ديناميكيات إقليمية جديدة وجيل أصغر سناً من القادة الخليجيين. ففي كانون الأول/ديسمبر 2017، استضافت الكويت أول قمة لـ «مجلس التعاون الخليجي» منذ اندلاع الصدع الإقليمي المستمر مع قطر، لكن ذلك الحدث فشل بعد جلسته الصباحية الأولى. ثم في أيلول/سبتمبر 2018، التقى ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بالأمير صباح الأحمد الصباح في الكويت، لكن بن سلمان قطع زيارته على ما يبدو في وقت مبكر. وبعد ذلك تعثر مشروع الشيخ صباح لرأب الصدع رغم الدعم الأمريكي المستمر لجهوده. وفي نهاية المطاف، لم ينجح الأمير في إقناع وليَيْ العهد اللذين يزدادان نفوذاً في الرياض وأبوظبي بالتصالح مع الدوحة، كما أن علاقته الوثيقة بأمير قطر وفقاً لبعض التقارير، لم تكن كافية لحل الخلاف.

وتشير هذه الانتكاسات إلى ابتعاد أكبر عن الأسلوب القديم لدول الخليج في فض النزاعات، حيث كان يتم حل الخلافات وراء الأبواب المغلقة، ويتمّ إرسال وسطاء يوثق بهم لتمهيد الطريق إلى المصالحة، ويتم توفير مجال واسع لحفظ ماء الوجه، وغالباً ما تكون الكلمة الأخيرة [للقادة] من كبار السن. ومع ذلك، استمر هذا النموذج بالتمتع ببعض الفاعلية في عام 2014، عندما أفادت بعض التقارير أن توجيهات رجل دولة آخر كبير في السن، وهو العاهل السعودي الملك عبد الله، ساهمت في تهدئة تصعيد سابق في الصدع المتنامي بين دول «مجلس التعاون الخليجي». ومع ذلك، فبحلول عام 2017، توقف الاعتماد على هذا الأسلوب. واتخذ الشقاق منحى أكثر حدةً، كما أن طبيعته العلنية للغاية – التي ظهرت من خلال السماح للمواطنين ضمنياً بانتقاد دول المنطقة وقادتها على وسائل التواصل الاجتماعي إلى درجة غير مسبوقة – منعت أي طرف من حفظ ماء الوجه دون إذعان الطرف الآخر.

وبالتالي، يمثل رحيل الأمير صباح نهاية حقبة من العلاقات بين دول «مجلس التعاون الخليجي»، مما يمهد الطريق لإعادة تحديد دور الكويت في أوساط الدول المجاورة، وربما إعادة تقويم دبلوماسية الخليج الأوسع نطاقاً. وقد تتسبب خسارة وسيط وقور – كان بإمكانه على الأقل التخفيف من حدة الأزمات حتى مع تضاؤل ​​قدرته على حلها – في جعل المنطقة حتى أكثر تقلباً. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا، إذا لم يتمكن الشيخ صباح من إقناع القادة الخليجيين بالجلوس إلى طاولة الحوار، فكيف سيحظى الأمير الجديد أو خلفه بهذا الاحترام؟

علاوةً على ذلك، ليست هناك دولة خليجية أخرى في وضع يمكنها من تولي هذا الدور إذا ما عجزت الكويت عن القيام به. فالبحرين وقطر والسعودية والإمارات جميعها جزء من هذا الصدع الذي توسع ليصبح معارك بالوكالة انطلاقاً من ليبيا وصولاً إلى القرن الأفريقي. أما عُمان فهي الدولة الوحيدة المتبقية من أعضاء «مجلس التعاون الخليجي» التي تلعب دوراً مختلفاً بعض الشيء كميسّر وليس كوسيط، وقد أدت سياستها الحيادية بشأن القضايا الساخنة (على سبيل المثال، الخلاف مع قطر، والحرب اليمنية، وإيران) إلى استياء أبوظبي والرياض.

التركيز على الاستقرار

كانت عملية الخلافة الأولية في الكويت سلسة حيث تمّ تنصيب ولي العهد نواف الأحمد الصباح (ثلاثة وثمانين عاماً) أميراً للبلاد. لكن من المرجح أن يتم تحديد وضع البلاد على المدى الطويل من خلال هوية ولي العهد المقبل. فقبل وفاة الأمير صباح بفترة طويلة، كان احتمال تسمية وريث شرعي للشيخ نواف قد أثار منافسة على المنصب بين المرشحين المحتملين الأوفر حظاً. ومن المرجح أن تستمر هذه المنافسة على المدى القريب، خاصة لأن ديناميكيات الخلافة في الكويت معقدة بسبب المشاركة الدستورية التي يفرضها “مجلس الأمة” في اختيار ولي العهد. ومن شأن أزمة خلافة مطوّلة أن تضر بصورة أكثر بفرص البلاد في إحياء دورها كوسيط.

وربما ما يثير القلق بشكل أكبر هو أنه إذا وجدت قطر أو السعودية أو الإمارات حليفاً لها في الأمير نواف أو ولي العهد المقبل، فبإمكانها إمالة دفة الصدع الخليجي نحو معسكر واحد دون حلّ أي من المشاكل التي تسببت باندلاع الخلاف في المقام الأول. فمساعي التودد قد تكون قائمة أساساً في وقت تقرر فيه كل دولة خليجية الوفد الذي سيزور الكويت لتقديم التعازي. كما أعرب دبلوماسيون إقليميون عن قلقهم من أن القيادة الأصغر سناً والأكثر حزماً في الدول المذكورة أعلاه قد تختار التدخل في سياسة الخلافة الكويتية من خلال “مجلس الأمة”، مما يشكل سابقة خطيرة.

وفي ضوء هذه المخاطر، يتعين على الولايات المتحدة أن تعرب عن دعمها منهجياً وعلناً لاستقرار الكويت. وفي إشارة إيجابية أولية، أرسلت إدارة ترامب وفداً برئاسة وزير الدفاع الأمريكي مارك إسبر لتقديم التعازي بوفاة الشيخ صباح. وتعتبر هذه الخطوة إيجابية بعد الهفوة الدبلوماسية المتمثلة بإرسال وفد على مستوى منخفض إلى عُمان في كانون الثاني/يناير في أعقاب وفاة السلطان قابوس الذي بدوره كان صديقاً مخلصاً للولايات المتحدة لفترة دامت خمسين عاماً. وصححت الإدارة الأمريكية هذا الخطأ بإرسالها وزير الخارجية مايك بومبيو ليكون الزائر الدولي الأول إلى عُمان بعد انتهاء فترة الحداد التي استمرت أربعين يوماً، ويشير إرسال الوفد برئاسة إسبر إلى الكويت إلى أن الإدارة الأمريكية ربما تعلّمت درسها. وبالفعل، لا ينبغي التقليل من أهمية التزام الكويت كشريك للولايات المتحدة ومن أهميتها بالنسبة للمصالح الأمريكية في المنطقة. ومع بدء عملية اختيار ولي عهد جديد التي قد تكون محفوفة بالمخاطر، سيكون من الأفضل لواشنطن التعبير عن مدى تقديرها للاعتدال الذي لطالما أضفاه أمير الكويت على هذه المنطقة المليئة بالنزاعات.

*إلينا ديلوجر هي “زميلة روبن فاميلي” في معهد واشنطن.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى