ترجمات أجنبية

معهد واشنطن- إلينا ديلوجر- النفوذ السعودي ليس كافياً لتحقيق السلام في اليمن

معهد واشنطن – إلينا ديلوجر – 29/4/2020

بعد مرور حوالي ستة أشهر على اتفاق الرياض الذي تفاوضت حوله السعودية لدمج “المجلس الانتقالي الجنوبي” والحكومة اليمنية تحت قيادة سياسية وعسكرية موحدة، تلقّى الاتفاق ضربة قويّة. فقد أعلن “المجلس” وبكل جرأة في 25 نيسان/أبريل عن تولّيه “الإدارة المستقلة للجنوب” – في دليلٍ على أن الخلاف بين “المجلس” وبين حكومة عبد ربه منصور هادي لا يزال كما كان عليه في حفل التوقيع على الاتفاق في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي. ويأتي هذا التحوّل المخيب للآمال بعد أن رفضت القوات الحوثية في شمال البلاد الانضمام إلى اتفاقٍ سعودي لوقف إطلاق النار في 9 نيسان/أبريل، وبدلاً من ذلك واصلت زحفها نحو معقل الحكومة الغني بالموارد في محافظة مأرب.

وتشكلّ هذه الضربة المزدوجة نقطة تحولٍ في اختبارٍ دام أشهر وُضعت خلاله السعودية على رأس المفاوضات في اليمن. وفي الخريف الماضي، بدأت المملكة محادثات مباشرة مع الحوثيين وتولّت مسؤولية رأب صدع الخلافات بين حكومة هادي و”المجلس الانتقالي الجنوبي”. وكان الأمل أن تتمتع الرياض بنفوذ كافٍ للتضييق على كافة الأطراف للمشاركة في محادثات سلام بوساطة الأمم المتحدة. لكن الأمور لم تجرِ على النحو المنشود، مما يشير إلى أن المملكة بحاجة إلى الاستفادة من نقاط القوة لدى الأطراف الأخرى من أجل إنهاء الحرب.

السعوديون في دفة القيادة

مع تعثر الأمم المتحدة في اتفاقية ستوكهولم المشؤومة لعام 2018، تولّت السعودية إلى حد كبير قيادة الجهود الدبلوماسية في اليمن منذ الصيف الماضي. وقد تسبب حدثان وقعا في عام 2019 في دفعها إلى الصدارة. أولاً، أدّى تخفيض التواجد العسكري الإماراتي إلى تحويل مسؤولية الحفاظ على السلام بين شركاء التحالف إلى الرياض. وبحلول آب/أغسطس، أي بعد أسابيع فقط من دخول هذا الانسحاب حيز التنفيذ بشكل رسمي، وقع هجومٌ كبير أسفر عن مقتل أحد قادة “المجلس الانتقالي الجنوبي”. وكان لدى “المجلس” شكوك في تورّط فصيل متحالف مع الحكومة في الهجوم، مما أدى إلى إطلاق شرارة الصراع الكامن مع هادي وإجبار الرياض على القيام بدور الوسيط. ثانياً، أدّت الهجمات على منشآت النفط السعودية في بقيق في أيلول/سبتمبر – والتي يُعتقد على نطاق واسع أنها شُنّت من إيران، إلى دفع المملكة إلى إطلاق محادثات مباشرة مع الحوثيين من أجل حماية أراضيها والخروج من الحرب.

لكن المحادثات مع الحوثيين كانت مشحونة [بالمشاكل]. فالجانبان يختلفان حول الاستراتيجية الدبلوماسية، حيث يفضّل الحوثيون اتباع نهج شمولي في المفاوضات، بينما يفضّل السعوديون نهجاً تدريجياً لبناء الثقة. كما أن هناك القليل من الإئتمان بينهما – فقد أوقف الحوثيون مؤقتاً هجماتهم على الأراضي السعودية في أيلول/سبتمبر، وخفض التحالف غاراته الجوية في المقابل، لكن الطرفان لم يتمكنا من التوصل إلى [اتفاق] مشترك وكامل لوقف إطلاق النار داخل اليمن. وفي النهاية، استأنف الحوثيون هجماتهم ضد المملكة، بينما اشتد القتال البري في اليمن. ومنذ كانون الثاني/يناير، انتزعوا أراضٍ استراتيجية من الحكومة ويواصلون الزحف نحو مأرب. وفي الوقت الذي أعلنت فيه السعودية وقف إطلاق النار من جانب واحد في 9 نيسان/أبريل، تغيّرت قواعد اللعبة لدى الثوار/المتمردين – ورفض الحوثيون الانضمام إلى الاتفاق إلى أن يرفع التحالف حصاره على اليمن. وتم تمديد وقف إطلاق النار لمدة شهر آخر، لكن لا يزال لدى الحوثيين حافز ضئيل للانضمام إليه.

وحتى اتفاق الرياض من العام الماضي لم يكن أفضل بكثير. فقد وفر اتفاق تقاسم السلطة مكاسب سياسية ملحوظة لحكومة هادي و”المجلس الانتقالي الجنوبي”، لكن الوثيقة نفسها كانت مليئة بلغة غير دقيقة، وبتسلسلٍ غير واضح، كما أنها أخفقت في تحديد الأمور الأساسية على غرار ما قد يعنيه “دمج القوات” على أرض الواقع. ومنذ ذلك الحين، تبنّى كلا الطرفين مواقف سياسية متشددة، كما أعاقت التدخلات السعودية جهودهما لهزيمة بعضهما البعض عسكرياً. ونتيجة لذلك، لم يتم تنفيذ الاتفاق حتى الآن.

وبالإضافة إلى هذه الفوضى، اجتاحت الفيضانات عدن ومناطق أخرى الأسبوع الماضي، مما يدل على مدى معاناة السكان في الجنوب بسبب الافتقار إلى القيادة. وتتمركز حكومة هادي بعيداً في الرياض، وشهدتحكومتها مواصلة تقلص شرعيتها  بينما تنتظر استبدالها بموجب شروط اتفاق الرياض. أما قادة “المجلس الانتقالي الجنوبي” فعالقون في أبوظبي بسبب قيود السفر الناتجة عن فيروس كورونا. وقد منع كل جانب مسؤولي الجانب الآخر من العودة إلى عدن. [لذلك]، من غير المستغرب أن يحتج المتظاهرون في الاحتجاج الشعبي الأخير ضد المسؤولين الغائبين من كلا الجانبين.

[وعلى أي حال]، أعلن “المجلس الانتقالي الجنوبي” حالياً حالة الطوارئ و”الحكم الذاتي” في الجنوب، سواء لكسر الجمود مع الرياض أو لإظهار تولّيه القيادة وسط الفيضانات. وسارعت حكومة هادي إلى إدانة هذه الخطوة – وكذلك فعل التحالف بقيادة السعودية، والحكومة الإماراتية، و«مجلس التعاون الخليجي»، والولايات المتحدة، و”الاتحاد الأوروبي”، ومحافظي ثلاث محافظات يمنية (حضرموت وشبوة والمهرة). كما حثّ التحالف وآخرون جميع الأطراف على “العمل بسرعة” نحو تنفيذ اتفاق الرياض، على الرغم من عدم توضيح كيفية التغلب على العقبات.

لا يمكن التقدّم دون نفوذ

خلال الخريف الماضي، اعتبر الكثيرون أن دخول السعودية إلى المفاوضات مدعاةً للأمل. ووفقاً لهذه السردية، رغب كل طرف – بمن فيهم الحوثيون – في إقامة علاقة مع الرياض، وكان لدى المملكة سخاء وافر لتقدّمه لهم. ومن المؤكد أن ذلك يعني أن السعوديين سيحققون نجاحاً أكثر من الأمم المتحدة. ومع ذلك، فإن عدم قدرتهم على حل النزاعات بين هادي و”المجلس الانتقالي” أو التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار مع الحوثيين كشف عن افتقارهم إلى النفوذ [المطلوب].

على سبيل المثال، أحد العبارات المتكررة هي أنه بإمكان السعوديين لوي ذراع الرئيس هادي عند الحاجة – وبالفعل فعلوا ذلك عندما دفعوه لتوقيع “اتفاقية ستوكهولم” في كانون الأول/ديسمبر 2018. ولكنه أحجم عن تنفيذ [الاتفاقية] في نهاية المطاف. وتكرر النمط نفسه مع اتفاق الرياض. ويبدو الاستنتاج واضحاً: بإمكان السعوديين الضغط لانتزاع توقيع ولكن ليس لتنفيذه، مما يشير إلى أن نفوذهم على حكومة هادي لن يؤدي إلى النهوض [بعملية] السلام بصورة أكثر دون عناء.

وتلمّح الحكمة التقليدية أيضاً إلى أنّ الإمارات قادرة على لوي ذراع “المجلس الانتقالي الجنوبي”. ولكن حالما اتخذت أبوظبي نهج عدم التدخل [في التعامل] مع اليمن في الخريف الماضي، أصبح السعوديون المحاور الرئيسي لـ “المجلس”. ولا يزال الإماراتيون حليفاً لـ “المجلس الانتقالي الجنوبي”، لكن لا يبدو أنهم منخرطون بشكل كبير في القرارات الجنوبية المتعلقة باتفاق الرياض. وإذا كان لديهم نفوذ، فيختارون عدم استخدامه.

وبالنظر إلى جميع هذه القضايا، فقد مال ميزان النفوذ في المحادثات السعودية – الحوثية لصالح الحوثيين بشكل واضح. وفي الوقت نفسه، لدى السعوديين خياراتٌ محدودة ٍ للخروج من حرب كلّفتهم مئات ملايين [الدولارات] في اليوم وزادت مخاوفهم بشأن النفوذ الإيراني في شبه الجزيرة العربية. ومن المرجح أن يضمن الانسحاب العسكري من جانب واحد وجود قوة من الحوثيين المدعومين من إيران عبر حدودهم لسنوات قادمة، في حين أن رفع الحصار الاقتصادي والفرار بسرعة سيسمح لطهران بإعادة تزويد الثوار/المتمردين بأسلحة متقدمة بسهولةٍ أكبر.

جهد جماعي

أظهرت الأشهر الستة الماضية أن السعوديين يتعرضون لضغوط شديدة لإنهاء الحرب بأنفسهم. وحتى الهبة السخية التي قدموها لـ “البنك المركزي اليمني”، وحكومة هادي، وجهود المساعدة الإنسانية لم تُحدث أي تغيير ملحوظ في أيٍّ من المفاوضات.

وبدلاً من ذلك، قد تضطر الرياض إلى اتّباع مقاربة أكثر تأنّياً للتفاوض بشأن نهاية الحرب، وذلك من خلال الاعتماد على النفوذ المُكتسب من الأمم المتحدة والولايات المتحدة وبريطانيا و”الاتحاد الأوروبي” والإمارات وسلطنة عمان. فكل واحد من هذه الأطراف يملك علاقات أو قدرات يمكن أن تسهّل الجهود السعودية: إذ تتمتع الإمارات بعلاقة وثيقة مع “المجلس الانتقالي الجنوبي”. وتنخرط سلطنة عمان بنشاط [في الجهود المبذولة] في ظل السلطان الجديد هيثم بن طارق آل سعيد ولها تواصل منتظم مع الحوثيين في مسقط. وبإمكان الولايات المتحدة وبريطانيا تقديم الخبرات بشأن تفاصيل خطة ما بعد الحرب، مثل نزع السلاح. أما “الاتحاد الأوروبي” فيمكنه أن يوفر أُطر للتعاون أو ربما التوسط بين السعوديين والحوثيين، جزئياً لقمع شكوى الثوار/المتمردين بشأن عدم إمكانية اضطلاع السعودية بدور المشارك والوسيط في الوقت نفسه. وبإمكان دول الخليج المجاورة تقديم أموال إعادة الإعمار والخبرة في هذا المجال، بينما لدى الأمم المتحدة إحساس عميق باحتياجات كل طرف وخطوطه الحمراء.

وفي بعض الحالات، قد تجد الرياض أنها إذا حثّت شركاءها على استخدام علاقاتهم مع بعض الفصائل اليمنية فمن شأن ذلك أن يساعد [في إيجاد حل للخلافات]. وفي حالات أخرى، قد يكون التدخل أو التمويل الخارجي الأقل تأثيراً هو الأفضل. لكن الواقع يبقى بأن هذه الأطراف منخرطة بالفعل في القضية من جانب واحد، وأن الرياض سبق أن تواصلت مع العديد منها على أساسٍ فردي، لكن محصلة هذا التواصل آخذة في التضاؤل. لذلك، من الأفضل تقديم أي استراتيجية سلام إذا كانت المداولات التي تصوغها قد نتجت بصورة أكثر عن جهد جماعي، حتى في الوقت الذي تسعى فيه الجهات الفاعلة الخارجية إلى تجنّب الظهور بمظهر المتدخل في الشؤون الداخلية لليمن.

لقد ازدادت الحاجة الملحة لمثل هذا التعاون لأن الأحداث تتحرك بشكل أسرع من وتيرة صنع القرار في الرياض. لذلك يجب أن يتحوّل التركيز الآن على جمع الشركاء الدوليين الذين تستطيع علاقاتهم مجتمعةً أن تحفّز الفصائل اليمنية بشكل أفضل للتوصل إلى حل سلمي. ويبقى الشرط الأساسي لتحقيق ذلك الهدف النهائي هو نفسه: المباشرة بمحادثات سلام شاملة يمكن فيها لليمنيين أنفسهم أن يقرروا مستقبلهم ودور المنطقة فيه.

*إلينا ديلوجر، هي زميلة أبحاث في “برنامج برنستاين لشؤون الخليج وسياسة الطاقة” في معهد واشنطن.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى