#ترجمات أجنبيةشوؤن دولية

معهد دول الخليج في واشنطن – إدارة النزاعات بدلا من حلها .. استراتيجية الصين للانخراط في الشرق الأوسط

معهد دول الخليج في واشنطن –  نارايانابا جاناردان –  24/12/2020

تسعى الصين لتعزيز علاقة انسجام بين شركائها الاستراتيجيين المتنافسين في الخليج وذلك لحماية مصالحها الاقتصادية حيث يقترح الباحثون الصينيون تكتيكات دبلوماسية في الشرق الأوسط تشمل وساطة من نوع خاص وإدارة النزاعات بدلا من حلها.

ويخدم ذلك هدفين للصين؛ الأول هو تخفيف الانتقادات الموجهة إلى بكين باعتبارها غير مهتمة باستقرار الشرق الأوسط، حيث ستعكس هذه الأفكار صورة عن الصين بأنها تدرس بجدية الخيارات المختلفة لمشاركة سياسية أكبر في الشؤون الإقليمية والعالمية.

وثانيًا، ستروج هذه التحركات للفكرة الصينية القائمة على النهج الدبلوماسي المتوازن الذي يعتمد بشكل أكبر على الوساطة الذكية بدلاً من أي شكل من أشكال التدخل العدواني.

دبلوماسية “شبه الوساطة”

يعد الشرق الأوسط – بما في ذلك دول الخليج الغنية بالنفط – جزءًا رئيسيًا من مبادرة الحزام والطريق التي تعد ضرورية لإمدادات الطاقة إلى الصين ولعلاقاتها التجارية مع بقية العالم، وبالتالي، فإن الاضطرابات تعد مصدر قلق كبير للصين كما أنها مؤشر على تراجع مشاركة الولايات المتحدة ونفوذها، وهو ما يشجع أيضًا على مناقشة الآليات الأمنية البديلة في المنطقة.

وتعتبر أحد الأفكار المطروحة هي دبلوماسية “شبه الوساطة”، وهي تروج للدفاع عن “المصالح التجارية والسياسية والدبلوماسية أكثر من المصالح الأمنية والاستراتيجية الأساسية”. وتتصرف الدولة التي تستثمر في هذا النموذج دون أن تسعى إلى الهيمنة حيث تتبع بدلا من أن تقود وتشارك في صناعة الأجندة بدلاً من وضعها بمفردها وتشجع على وقف تصعيد النزاع بدلاً من الانخراط بحزم في حله.

وقد ينطوي مثل هذا النهج على “تدخل متعدد الأوجه، وانخراط استباقي، وتوسط محدود، ومشاركة غير مباشرة”، مما يقلل من مخاطرة الصين وسط صراعات المنطقة. وفضلا عن ذلك، يتضمن هذا النهج “البحث عن أرضية مشتركة مع الاحتفاظ بالخلافات”، وبالتالي لا يوجد حل للمشاكل بالكامل، مما يعني ضمناً الميل نحو إدارة الصراع بدلاً من حله.

تغيير سياسة عدم التدخل

بالرغم من التصور السائد عن الصين بأنها ابتعدت عن التدخل في صراعات الشرق الأوسط، إلا أنها اتبعت “دبلوماسية الوساطة” من خلال تعيين مبعوثين خاصين أحدهما لعملية السلام في الشرق الأوسط والآخر للحرب في سوريا. وتعتبر مهمة هؤلاء الدبلوماسيين وغيرهم في السودان وأفغانستان على سبيل المثال، هي احتواء النزاعات بدلاً من حلها بالكامل.

وبالرغم أن هذه الجهود لم تغير قواعد اللعبة، إلا أنه يمكن تفسيرها على أنها محاولة من بكين للانحراف ببطء عن سياستها المفضلة المتمثلة في عدم التدخل.

وقد لعبت الصين أيضًا دورًا هادئًا ولكن مهمًا في المحادثات بين الأعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الأمن بالإضافة إلى ألمانيا وإيران، فيما أسفر عن خطة العمل الشاملة المشتركة.

وشكر الرئيس الأمريكي السابق “باراك أوباما” الرئيس الصيني “شي جين بينغ” في عام 2015 لدور بكين في تأمين الاتفاقية النووية، حيث شجعت الصين إيران على المضي في الاتفاقية بعد إعادة انتخاب “أوباما” في عام 2012.

ومن المساهمات الأخرى التي حظيت باهتمام أقل، أن الأساطيل البحرية الصينية رافقت 6600 سفينة بين عامي 2008 و 2018 في خليج عدن والمياه قبالة الصومال، من بينها 51.5% سفن أجنبية.

ويتم الآن توسيع فكرة العمل مع الدول المتنافسة لضمان عدم تصاعد التوترات بشكل يؤثر على مبادرة الحزام والطريق، وخاصة إدارة الصراع مع السعودية والإمارات من جهة وإيران وتركيا من جهة أخرى.

التقارب الإيراني الصيني

بالرغم أن الصين تحافظ على علاقات جيدة مع ضفتي الخليج، إلا أن الخبراء يقولون أنه نظرًا لاستعداد إيران المعلن لتعزيز العلاقات الثنائية، فإن الصين تحتاج إلى التفاعل بشكل أكثر نشاطًا، بغض النظر عن الاعتراضات الأمريكية.

وتكتسب هذه الفكرة زخمًا وسط تقارير عن تقدم مفاوضات بين إيران والصين حول “اتفاقية استراتيجية” مدتها 25 عامًا بقيمة 400 مليار دولار، تشمل قطاعات الطاقة والبنية التحتية والدفاع.

ومع إشارة الإدارة الأمريكية المقبلة، برئاسة الرئيس المنتخب “جو بايدن”، إلى الاهتمام بالعودة إلى الاتفاقية النووية الإيرانية، قد ترى بكين وطهران فرصة لتعزيز شراكتهما الشاملة.

وتتماشى الأفكار المقترحة مع التأييد الروسي عام 2019 لاقتراح إيران بشأن “معاهدة عدم اعتداء” مع دول الخليج، والتي يمكن أن تقلل بشكل كبير من مخاطر خروج النزاعات عن السيطرة، وبالتالي حماية المصالح الاقتصادية للصين.

ويؤيد بعض الباحثين الأمريكيين هذه التوجهات؛ حيث قال “جون ألترمان” من مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في عام 2019: “لا أعتقد أن الصين تريد ملء الفراغ الأمريكي في المنطقة”، وأشار إلى أن تدخل الصين هو نهج تجاري وشبه عسكري يساعد الاقتصادات على النمو دون تهديد النظام السياسي، وهو النهج الذي يحظى بشعبية في الشرق الأوسط.

مقاومة أمريكية

ولكن رغم الدعوات للمشاركة النشطة في الساحة الدبلوماسية، فإن هناك خبراء صينيين يشددون علي ضرورة الحذر أيضا لا سيما بشأن التدخل في المجال الأمني.

ومؤخرا، تصاعدت ضغوط واشنطن على دول الخليج العربية للحد من مشاركتها مع الصين، لا سيما في قطاع التكنولوجيا.

ففي شهر مايو/أيار، قال مساعد وزير الخارجية الأمريكي لشؤون الشرق الأدنى “ديفيد شينكر”، في إشارة إلى دور “هواوي” في مشاريع البنية التحتية لشبكات الجيل الخامس في الإمارات، إنه سيجعل من الصعب على القوات الأمريكية والخليجية التواصل، وأضاف: “على هذه الدول أن تفكر في قيمة شراكتها مع الولايات المتحدة”.

هناك أيضًا وجهة نظر مفادها أن اتفاقيات “أبراهام” هي طريقة واشنطن لكبح الانخراط المتزايدة لبكين وموسكو في المنطقة من خلال الترويج لحليفة الولايات المتحدة، إسرائيل، كشريك اقتصادي وتكنولوجي وأمني بديل في المنطقة، فيما يسمح الولايات المتحدة بمواصلة اسحابها التدريجي من الشرق الأوسط، دون التنازل عن مساحة لمنافسيها الاستراتيجيين.

بشكل عام، تعكس المناقشات في الصين محاولة بكين لإعادة التوازن من “السياسة بين الدول” إلى “السياسة بين الشبكات”، أو الشركاء التجاريين، مع التركيز على “التواصل” بدلاً من “السيطرة”.

قد يساعد هذا النهج الدقيق، الذي يتضمن “الدبلوماسية القصوى” بدلاً من “الضغط الأقصى”، في تهدئة التوترات في منطقة الخليج، فيما يعزز أيضًا إمكانية وجود هيكل أمني غير متمركز حول الولايات المتحدة في المنطقة.

1

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى