ترجمات عبرية

معهد دراسات الأمن القومي (INSS): لماذا قررت أذربيجان فتح سفارة لها في إسرائيل؟

معهد دراسات الأمن القومي (INSS) 4-12-2022K بقلم: غاليا ليندنشترواس: لماذا قررت أذربيجان فتح سفارة لها في إسرائيل؟

في 26 تشرين الثاني الماضي، أقرّ رئيس جمهورية أذربيجان، إلهام علييف، القرار الذي اتخذه البرلمان في 18 تشرين الثاني بشأن فتح سفارة في إسرائيل. وهذا القرار يصحح الحالة السابقة، وهي أنه على الرغم من العلاقات الوثيقة بين إسرائيل وأذربيجان ووجود سفارة إسرائيلية هناك منذ سنة 1993، فإن باكو لم تفتتح سفارة لها في إسرائيل. وتجدر الإشارة إلى أنه بالإضافة إلى قرار فتح سفارة في إسرائيل، قررت باكو، في المقابل، فتح ممثلية لها في رام الله.

يمكننا تعداد 3 أسباب لقرار باكو:

الأول، هو انتصار أذربيجان في الحرب الثانية في ناغورنو- قره باغ ضد أرمينيا في سنة 2020. خلال هذه الحرب، وبحسب الاتفاقات التي أدت إلى إنهائها، حررت أذربيجان 7 محافظات محاذية لإقليم ناغورنو- قره باغ كانت واقعة تحت سيطرة أرمينيا منذ حرب ناغورنو- قره باغ الأولى، وسيطرت على أجزاء من الإقليم. وإذا كانت أذربيجان في الماضي تتخوف من أن يثير فتح سفارة لها في إسرائيل انتقادات وسط العرب والمسلمين ويؤدي إلى التصويت ضدها في المحافل الدولية، فإنها حققت في حرب ناغورنو- قره باغ الثانية انتصاراً ساحقاً، وأصبحت أقل حاجة إلى التأييد في الساحة الدولية. ونشير في هذا السياق إلى أن أرمينيا نفسها فتحت سفارة في إسرائيل سنة 2020.

هناك دافع آخر مهم هو توقيع “اتفاقات إبراهيم” وتطبيع العلاقات بين تركيا وإسرائيل في آب الماضي. هذه التطورات أدت إلى قيام علاقات دبلوماسية كاملة بين دول إسلامية وإسرائيل، ويوجد اليوم عشرات الدول الإسلامية التي تقيم علاقات دبلوماسية كاملة مع إسرائيل، جزء منها ليس في العلن. وفيما يتعلق بدول الخليج، تربط أذربيجان علاقات وثيقة مع الإمارات.

في الخلفية، ولدى البحث عن سبب آخر لقرار فتح سفارة في إسرائيل، نجد تصاعُد التوترات بين أذربيجان وإيران. خلال العقود الثلاثة الأخيرة، وبسبب وجود عدد كبير من السكان الأذريين في إيران (يشكلون نحو 15% – 20% من مجموع السكان، بحسب تقديرات مختلفة)، بالإضافة إلى تخوُّف إيران من تطلعات انفصالية وسط الأقلية الأذرية، فإن طهران دعمت أرمينيا في نزاعها مع أذربيجان، على الرغم من أنها أعلنت رسمياً وقوفها على الحياد. علاوة على ذلك، أيدت إيران، سراً، تنظيم “كتائب حسينيّون” المعارض للنظام في باكو، على الرغم من حرصها على إقامة علاقات وثيقة مع النظام. من ناحية أُخرى، تنظر طهران بسلبية إلى تعاوُن باكو مع القدس وواشنطن، وقد عبّرت عن ذلك علناً وبصورة واضحة.

في نظر إيران تقدم العلاقات الوثيقة بين إسرائيل وأذربيجان إلى إسرائيل فرصة لتعميق وجودها وتأثيرها في مجالَيْ الأمن والاستخبارات، واستخدام الأراضي الأذربيجانية في عمليات إسرائيلية ضد أهداف في إيران. وفي الواقع، نتائج حرب ناغورنو- قره باغ الثانية زادت في حدة التوترات بين إيران وأذربيجان، لأنها أدت إلى إطالة الحدود المشتركة بينهما. أيضاً لدى باكو مخاوف إزاء السياسة الإيرانية، خصوصاً بعد فتح قنصلية إيرانية في تشرين الأول في مدينة كابان الواقعة في أقصى جنوب أرمينيا. يُعتبر مكان القنصلية إشكالياً، لأنها موجودة في منطقة تتطلع أذربيجان إلى التوصل إلى اتفاق مع أرمينيا يقضي بعبور ممر مواصلات هو “ممر زانغازور” الذي يربط المناطق الغربية في أذربيجان بناختشيفان [جمهورية تتمتع بحكم ذاتي] ولا تشكل جزءاً من أذربيجان. بالإضافة إلى ذلك، التدريب العسكري الذي أجرته إيران مؤخراً على حدودها مع أذربيجان، اعتُبر رسالة تحذير إلى باكو. يُضاف إلى ذلك التدريب الذي أجرته إيران على الحدود بين البلدين في السنة الماضية، وكان الأول من نوعه منذ استقلال أذربيجان. في تشرين الثاني الماضي أُلقيَ القبض على شبكة تجسُّس إيرانية في أذربيجان. يأتي هذا إلى جانب حوادث إيرانية تآمرية، مثل محاولة الهجوم على جهات إسرائيلية أو يهودية في الدولة. لكن على الرغم من كل هذه النشاطات التآمرية، فإن طهران لم تنجح في الحؤول دون التعاون الأمني بين إسرائيل وأذربيجان وفتح سفارة في إسرائيل.

طوال أعوام، كان من بين المكونات البارزة في منظومة العلاقات بين إسرائيل وأذربيجان تصدير النفط من أذربيجان (الذي يشكل نحو 40% من استيراد إسرائيل للنفط)، وتصدير الصناعات الأمنية من إسرائيل إلى أذربيجان، بالإضافة إلى التعاون الاستخباراتي بين الدولتين. مؤخراً، وفي أعقاب الحرب في أوكرانيا، زاد تصدير الحبوب من أذربيجان إلى إسرائيل، ومشاركة شركات إسرائيلية في منشأة تحلية مياه بحر قزوين. علاوة على ذلك، وقبل انتشار جائحة “كورونا”، كان نحو 50 ألف سائح إسرائيلي يزورون أذربيجان سنوياً، وتأمل باكو بتطوير التعاون السياحي. ويُشار إلى أن خطوةً سبقت فتح سفارة في إسرائيل، عندما فتحت باكو مكتباً تجارياً في سنة 2021 هناك، رغبةً منها في توسيع التعاون والنشاط الاقتصادي بين الدولتين. في سنة 2020، بلغ حجم التجارة المدنية بين البلدين (من دون النفط) 200 مليون دولار تقريباً. وتتباهى باكو بوجود أكبر جالية يهودية في دولة مسلمة على أراضيها (تتأرجح التقديرات بين 13 ألفاً و15 ألفاً) على الرغم من أنها تبقى صغيرة نسبياً، مقارنةً بالجاليات اليهودية في دول خارج العالم الإسلامي. وتتباهى باكو بالتسامح الديني الذي يسودها منذ أعوام. وتُعتبر الجالية الأذرية التي تعيش في إسرائيل، والتي يتراوح عددها بين 50 ألفاً و70 ألفاً، جسراً مهماً بين البلدين.

للعلاقات مع أذربيجان أهمية أيضاً في إطار العلاقة الإسرائيلية – التركية. فطوال أعوام، شجعت الولايات المتحدة الدول الثلاث على التعاون فيما بينها، لا سيما في تصدير النفط من أذربيجان إلى إسرائيل، عبر تركيا. وحقيقة أن أنقرة والقدس تُعتبران حليفتين مركزيتين لباكو، ونجاح أذربيجان في حرب ناغورنو- قره باغ الثانية بفضل مساعدتهما، كان من بين العوامل التي ساهمت في عودة الحرارة إلى العلاقات بين تركيا وإسرائيل. لقد حاول إلهام علييف التوسط بين القدس وأنقرة لتطبيع العلاقات بينهما، بعد الأزمة التي نشبت في سنة 2018. وتجدر الإشارة إلى أنه على الرغم من التوترات في العقد الأخير بين القدس وأنقرة، فإن باكو لم تعمد إلى تبريد علاقاتها مع إسرائيل، لا بل على العكس، تعمقت العلاقات بينهما. لكن مع ذلك، يوجد في مثلث العلاقات الأذرية – التركية – الإسرائيلية احتمال للمنافسة: فالصناعة الأمنية الإسرائيلية تتنافس مع الصناعات التركية، وهذه المنافسة ستشتد كلما تقدمت تركيا في تطوير صناعاتها الأمنية.

ويمكن التشديد على أن تأييد العلاقات بين إسرائيل وأذربيجان يحظى بدعم كل الأحزاب الإسرائيلية. بنيامين نتنياهو المكلف تأليف الحكومة، زار أذربيجان مرتين عندما كان رئيساً للحكومة، في سنة 1997، وفي سنة 2016؛ وخلال الزيارة الثانية قال الرئيس علييف: إن بلده اشترى منظومات عسكرية من إسرائيل بمقدار خمسة مليارات دولار. وفي تلك الزيارة قال نتنياهو: إنه يرى تغييرات في أجزاء كبيرة من العالم الإسلامي، خصوصاً في الدول العربية: “إذا أردتم أن تروا كيف سيكون المستقبل، يجب أن تأتوا إلى أذربيجان، كي تروا التعاون المشترك بينها وبين إسرائيل.” هذا الكلام يدل على أن قرار فتح سفارة أذرية في إسرائيل هو أيضاً كجزء من تداعيات اتفاقات أبراهام.

تُعتبر أذربيجان شريكة مهمة لإسرائيل في العقود الأخيرة، سواء من ناحية كونها مورّدةً للطاقة موثوقاً بها، أو من الناحية الأمنية. وفتح سفارة لها هو خطوة مباركة تعكس إمكانية تطوير العلاقات إلى مجالات أُخرى. مع ذلك، فكون أذربيجان دولة ذات أغلبية مسلمة، هناك حساسية حيال الموضوع الفلسطيني، لذا لم يكن مستغرباً أن تترافق الخطوة حيال القدس مع خطوة حيال رام الله. من هنا، وعلى الرغم من أن العلاقات بين القدس وباكو قوية بحد ذاتها، وعلى الرغم من الطابع العلماني للدولة في أذربيجان، فإنه يجب ألا ننظر إلى علاقاتها مع إسرائيل بصورة منفصلة عن العالم الإسلامي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى