#ترجمات عبرية

مركز بيغن – السادات – بقلم د. دورون مصا – حارس الاسوار : انتصار تكتيكي، هزيمة استراتيجية

مركز بيغن – السادات – بقلم  د. دورون مصا – 30/5/2021

أنهت اسرائيل الحرب في غزة مع انجازات تكتيكية مبهرة ولكن في دونية استراتيجية كبيرة تذكر بالانجازات الكمية الامريكية في حرب فيتنام في ضوء الهزيمة الامريكية الاستراتيجية في تلك الحرب “.

بعد عشرة أيام من القتال انتهت الحرب الرابعة بين حماس وبين اسرائيل منذ سيطرت المنظمة الارهابية الاسلامية على قطاع غزة في 2007. ومثل سابقاتها انتهت الحرب دون حسم واضح، ولكن الانطباع هو أن المناوشة الحالية كانت مختلفة تماما عن جولات القتال السابقة من ناحية  اللغة وطرق التفكير المختلفة لحماس واسرائيل والتي عكست قوة في الفكر والمفاهيم.

بينما تميز التفكير الاسرائيلي على مدى القتال بمنطق تكتيكي –  كمي، كان تفكير حماس استراتيجي –كيفي. وقد انعكس الامر جيدا في المداولات الاسرائيلية الداخلية التي تركزت على الانجازات الكمية للقتال كعدد الاهداف التي هوجمت وعدد مخربي حماس الذين قتلوا، كمية الصواريخ التي اطلقت او دمرت، عدد الانفاق التي دمرت، مدى الابراج التي دمرها سلاح الجو وما شابه. من زاوية النظر هذه، فان طبيعة القتال ايضا، اي المعركة غير المباشرة من الجو اعطت مفهوما ورسخت اكثر فأكثر التفكير الاسرائيلي الذي علق آماله على محاولة الحصول على اكبر قدر ممكن من الانجازات بمعنى ضرب “الاهداف”. وفي هذا الجانب فان الجيش الاسرائيلي قام بالفعل بعمل لا بأس به، والمعركة اديرت بشكل جيد في ظل التنسيق بين الجيش والمخابرات فيما أن القيادة السياسية المتنازعة سياسيا فيما بينها نجحت في الابقاء على انسجام وتعاون مباركين. تلقت حماس بلا شك ضربة عرضية قاسية في الجانب العسكري ولكن هنا بالضبط يدفن الكلب خلف المنطق التكتيكي – الكمي الذي ليس فقط أفشل اسرائيل في قدرة انتاج نتيجة عسكرية مطلقة غير قابلة للتأويل بل ان حماس أدارت المعركة بمنطق مختلف تماما يركز على غايات استراتيجية شاملة.

من زاوية النظر هذه نجحت حماس فوق ما كان متوقعا. فهي لم تبادر فقط الى المعركة من خلال اطلاق الصواريخ على القدس في يوم عيدها، وهكذا فاجأت اسرائيل (مثلما اعترف بعض من كبار رجالات جهاز الامن) بل نجحت في أن تخلق آثار وتداعيات للحرب خلف حدود القطاع. فالثغرات التي نشأت في علاقات اليهود – العرب في اسرائيل والاضطرابات في المدن المختلطة الى جانب تسخين جبهة الضفة كانت لها نتائج فرعية للحرب في القطاع وعمليا نجحت حماس في توحيد الساحة الفلسطينية كلها (في غزة، في الضفة وفي داخل اسرائيل) في عرض موحد من الارهاب والعنف وهكذا فككت بعد سنوات من النجاح غير قليلة المنطق الاساس في السياسة الاسرائيلية القائم على دق اسفين بين اجزاء الساحة الفلسطينية لغرض اضعافها.

فضلا عن ذلك، ادارت حماس المعركة من منظور وسياق اقليمي ودولي شامل. فوضع القدس كمركز رمزي للمعركة، بخلاف جولات قتالية سابقة طرحت مسألة “الحصار” على غزة في مركز القتال واهدافه، سمح لها بالوقوف على رأس معسكر الارهاب و “المقاومة” الاقليمي، بما في ذلك على حساب حزب الله الذي اضطر لان يبتلع في اثناء الاسبوع الاخير نار محافل فلسطينية “مارقة” من اراضي لبنان نحو اسرائيل، الخطوة التي من شأنها أن تتطور كنمط عمل دائم تجاه اسرائيل.

حددت حماس في المعركة الاخيرة جدول الاعمال في الشرق الاوسط فيما ان المعركة في غزة لم تشكل مجرد “جولة قتالية” محلية اخرى بينها وبين اسرائيل بل تعبير او حجر زاوية، عن معركة كبرى بلا قياس ذات بعد استراتيجي يجري في الشرق الاوسط بين مدرستين في كليتين تمثلان معسكرين اقليميين:

المدرسة الاقتصادية – البراغماتية لـ “رجال العقول”، والتي وقفت اسرائيل كسلاح طليعتها الى جانب الدول الغنية والكارهة للمخاطرة في المنطقة. هذه مدرسة وضعت في مركزها سياسة تركز على العمل على جدول اعمال اقتصادي ووقفت من خلف اتفاقات ابراهيم مثلما ايضا من خلف ظاهرة منصور عباس، وعمليا عرفت “صفقة القرن” لادارة ترامب.

مدرسة “رجال القلوب” لـ “معسكر المقاومة” التي تضع في مركزها سياسة الهوية القديمة التي تقوم على اساس الدفع الى الامام برؤى مثالية ومطلقة تفضل المستقبل على الحياة في الحاضر. في العقد الاخير اكتسبت المدرسة البراغماتية تفوقا واضحا في المنطقة تحت رعاية الادارة الامريكية، ويخيل ان المعركة في غزة كانت تحديا لها أتيح بسبب ثلاثة عوامل: تغيير الادارة في الولايات المتحدة وانصراف الرئيس بايدن وادارته التقدميةعن سياسة سلفه؛ ضعف الساحة السياسية في اسرائيل ولا سيما ضعف نتنياهو الذي اعتبر كمحور استراتيجي مركزي ورادع؛ وتقدير محافل المقاومة لضعف الغرب (بما في ذلك اسرائيل) على خلفية مصاعب الاداء الداخلي لها على مدى أزمة الكورونا.

وبينما  تميز العقد الاخير باستقرار أمني نسبي في المنطقة، ضعف محافل “المقاومة”، وافول مركزية المسألة الفلسطينية، جاءت المعركة في القطاع كي تقلب هذا الواقع وجرت وراءها كل رجال سياسة الهوية: اولئك في القطاع، اولئك في اوساط عرب اسرائيل واولئك في اوساط الفلسطينيين في الضفة. المعركة في القطاع جعلت من مناوشة تكتيكية اخرى بين الطرفين صداما استراتيجيا بين مدرستين، نهجين، فكرين ومعسكرين مختلفين. من هذه الناحية كانت لاسرائيل فرصة استثنائية لتحويل غزة وحماس الى نوع من الدرس الاقليمي والدولي لاعادة نقطة التوازن السابقة للمنظومة ولاعادة تثبيت جدول الاعمال البراغماتي – الاقتصادي.

لهذا الغرض كان مطلوبا منها تغيير استراتيجيتها تجاه غزة وتعريف غايات عملياتية  مختلفة  تأتي  للمعركة المنتهية بكسر تام لقواعد القوة العسكرية لحماس. لقد احتاج الامر بالطبع هجر الممارسة المعروفة للمعركة الجوية في صالح معركة متداخلة بين الجو وبين المناورة البرية.  ولكن يخيل أن  فارق اللغات بين النهج التكتيكي – الكمي  لاسرائيل وذاك  الاستراتيجي – الكيفي لحماس  عكس  الصعوبة الاسرائيلية في فهم  الطبيعة والمعنى الخاص للمعركة الحالية في القطاع بالنسبة لسابقاتها والوقوف   على العلاقة الواسعة التي تجري في داخلها.

عقب ذلك  واصلت  اسرائيل  تفعيل  ذات المنطق  العملياتي العسكري  الذي  فعّلته في الجولات السابقة  ورأت في القتال جولة اخرى من جولات القتال العضال  التي تخوضها ضد منظمة الارهاب  الغزية. في هذه  الظروف انهت الحملة مع انجاز تكتيكي  مبهر ولكن مع دونية استراتيجية كبيرة  تذكر بالانجاز الكمي  الامريكي  في ضوء الهزيمة  الامريكية الاستراتيجية في حرب  فيتنام. (1959 – 1975).  لهذا  توجد معانٍ واضحة بالنسبة للسياسة الشرق اوسطية تقريبا في  كل مستوى يمكن تصوره.

يد “رجال القلوب” هي في هذه  اللحظة  العليا. فقد وقفت حماس كلاعب  استراتيجي ذي  مغزى يتجاوز الساحة الفلسطينية بنجاحها في ضعضعة وشق الفكرة الاقتصادية البراغماتية لـ “صفقة  القرن”، دق اسفين بين اليهود والعرب في اسرائيل،  اعطاء  محافل الارهاب الاقليمية اسباب وجيهة لمواصلة تحدي اسرائيل. هذه ليست انباء  طيبة “لرجال العقول” وللاعبين  الشبعين ومحبي  الحياة في الشرق الاوسط، وكل  تعديل  في المسار المتشكل يستوجب أولا وقبل كل شيء استيعابا معرفيا للمعنى الحقيقي للحرب الاخيرة، فما بالك نتائجها الحقيقية. ومن الافضل ان يكون هذا مبكرا قدر الامكان.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى