المفاوضاتترجمات عبرية

معهد دراسات الأمن القومي – خطة استراتيجية للساحة الإسرائيلية – الفلسطينية

معهد  دراسات الأمن القوميبقلم عاموس يدلين وأودي ديكل وكيم لافي – 8/10/2018

على ضوء العراقيل التي تقف اليوم في وجه إسرائيل في تطبيقها للاتفاق الكامل مع الفلسطينيين بما يتناسب والمعايير الضرورية لها، بلورنا خطة تتضمن الخطوات التي تتلاءم مع المصالح الإسرائيلية، بحيث تسمح بالاختيار بين الخيارات في المستقبل (حتى في غياب شريك فلسطيني للحل النهائي) لكي يتم التقدم صوب وضع الانفصال السياسي والجغرافي والديمغرافي عن الفلسطينيين، وإيجاد استقرار استراتيجي طوال الوقت، ومن هناك تستطيع إسرائيل أن تسرّع – وحسب ما تراه، وبشكل تدريجي وحذر – في الطريق إلى الخيارات السياسية الأخرى.

الخطة المقترحة ستُدار بالتطلع إلى التوصل في أساسه إلى توافقات داخلية في الجمهور الإسرائيلي، وإلى تفاهمات مع المجتمع الدولي، ومع الدول العربية البراغماتية، ومع الفلسطينيين أنفسهم، وستعكس إصرار إسرائيل على أن تصمم بنفسها مستقبلها، ولا تقترح الخطة حلًا سياسيًا نهائيًا؛ وإنما طريقة لخلق واقع استراتيجي جيد لإسرائيل، يسمح لها الاستحواذ على مخزون من الخيارات.

المبادئ المركزية للخطة السياسية – الأمنية

ميزة الخطة المقترحة المركزية هي المبدأ المرن الذي ينتج الكثير من الليونة؛ فهو يسمح لإسرائيل بالاختيار وطوال الوقت بين طرق عمل بديلة تتوافق والظروف المتغيرة في محيطها الاستراتيجي وإليكم مبادئه:

1. تقوية مكونات الأمن من خلال تقليل الاحتكاك مع السكان الفلسطينيين، والحفاظ على حرية العمل التنفيذي في جميع مناطق الضفة الغربية من خط نهر الأردن غربًا، والتعاون مع الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية؛ فكلما تعاونوا أكثر قلل الجيش من تحركاته التنفيذية في المناطق الفلسطينية.

2. إرساء مصالح إسرائيل الأمنية والجغرافية في الضفة الغربية قبيل الاتفاقيات المستقبلية، وكذلك تحسين وضع إسرائيل الاستراتيجي في غياب تقدم سياسي عبر إيضاح نواياها لدفع الانفصال السياسي والجغرافي عن الفلسطينيين وخلق ظروف واقع الدولتين.

3. تعزيز شرعية إسرائيل ومكانتها الدولية والإقليمية من خلال التعاون الإقليمي – الأمني، والسياسي والاقتصادي – البنيوي.

4. تعزيز بنية الحكم والاقتصاد الفلسطيني، ومن أجل تحقيق ذلك القيام بأعمال تدريجية (بمساعدات دولية) لتحسين أداء السلطة الفلسطينية وتوسيع صلاحياتها. من بين الكثير من الأمور، تخصيص مناطق للتطور الاقتصادي والبنيوي، وبناء قاعدة للدولة الفلسطينية التي يمكنها ان تكون عاملة في المستقبل ومستقلة.

5. اعتماد سياسة بناء تفصيلية في الضفة الغربية. يستمر البناء في التجمعات السكانية التي هناك توافق فيما يخص تأهيلهم في المجالات الإسرائيلية، ولقاء ذلك يجمّد البناء في المستوطنات المعزولة الموجودة في عمق المناطق، ويلغى الدعم الحكومي لتوسيعها والاستيطان فيها. ملف إخلاء المستوطنات يطرح في سياق اتفاق الحل النهائي مع الفلسطينيين.

خطوات الخطة

تصرح إسرائيل عن التزامها المبدئي بحل الدولتين وتكون مستعدة في أي وقت للدخول في مفاوضات مباشرة حول اتفاق شامل. بالتوازي، تبدأ إسرائيل بتطبيق مبادئ الخطة على الأرض من أجل دفع الانفصال عن السلطة الفلسطينية وإنهاء سيطرتها عن أغلبية السكان الفلسطينيين في الضفة الغربية، ومن أجل تحقيق الدعم الدولي للخطة – بما في ذلك الدعم العربي – لن تستطيع إسرائيل الاكتفاء بإبداء الاستعداد لخوض المفاوضات؛ وإنما سيكون مطلوبًا منها تقديم تعريفات للاتفاق. في حال وصلت المفاوضات إلى طريق مسدود أو فشلت يمكن لإسرائيل الاستمرار في دفع الخطة وتصميم واقع سياسي وأمني ومدني مستقر على مدار الوقت.

تعمل إسرائيل على إتمام الجدار الأمني، والذي يحدد أيضًا مسار الانفصال ومصالح إسرائيل الجغرافية في المستقبل، وتصرح بأنها تجمّد البناء في المستوطنات المعزولة في عمق الأراضي الفلسطينية شرقي الجدار. إضافة إلى ذلك، تقرر إسرائيل أن 20% من مناطق الضفة الغربية هي أيضًا منطقة مصلحة أمنية (معظمها في غور الأردن، بما في ذلك مواقع ومحاور استراتيجية) تبقى تحت السيطرة الإسرائيلية إلى ان ينجز اتفاق بشأن الترتيبات الأمنية المرضية لإسرائيل ويُقام كيان فلسطيني مسؤول وفاعل.

إسرائيل لها مصلحة بوجود سلطة فلسطينية فاعلة ومستقرة ومتعاونة في التقدم في قناة سياسية باتجاه حل الدولتين؛ لذلك تتخذ إسرائيل الخطوات التالية لتعزيز قوة السلطة الفلسطينية:

1. تسلم إسرائيل السلطة الفلسطينية صلاحيات أمنية في المنطقة (ب) تشبه تلك التي تمتلكها اليوم في المنطقة (أ)، بحيث تتخلق مساحة فلسطينية واحدة (أ + ب) تكون بنية للدولة الفلسطينية المستقبلية، بل وربما تتحول لتصبح دولة فلسطينية بحدود مؤقتة، وهذه المنطقة تمتد على ما يقارب 40% من أراضي الضفة الغربية، ويقطنها حوالي 98% من السكان الفلسطينيين.

2. تخصص إسرائيل ما مقداره 25% من مناطق الضفة الغربية من المنطقة (ج) لتطوير بنى ومشاريع اقتصادية لتشجيع الاقتصاد الفلسطيني وتحويل المناطق المأهولة بالفلسطينيين المستثناة من المنطقة (ب) إلى السيطرة الفلسطينية. ونؤكد على بذل مجهود متتالٍ مع المجتمع الدولي لإقامة مصانع وطاقة خضراء ومشاريع سياحية وتقنية وبناء مساكن وما شابه. في المرحلة الأولى، لن تحول إسرائيل الصلاحيات الأمنية والتخطيطية إلى الفلسطينيين في مناطق التطوير هذه، لكنها ستكون “على الجارور”، وستحول بالتدريج إلى السلطة الفلسطينية.

3. في المناطق الفلسطينية، يكون هناك تواصل جغرافي، ويُقام نظام مواصلات يمتد من شمال الضفة الغربية حتى جنوبها، وبالتالي يقل الاحتكاك اليومي بالجيش الإسرائيلي وبين المستوطنين اليهود والسكان الفلسطينيين، وتُزال العراقيل من أمام التطور الاقتصادي الفلسطيني.

4. تطلق خطة اقتصادية هدفها على المدى القريب تحسين مستوى معيشة الفلسطينيين، والغرض منها على المدى البعيد تشجيع الاستقلال الاقتصادي الفلسطيني، الذي سيسمح بالانفصال الاقتصادي عن إسرائيل؛ ومن أجل دفع هذا الهدف نوصي بإقامة نظام دولي خاص.

هذه الخطوات ستمكن من تأسيس بنية تحتية لكيان فلسطيني مستقل على قسم كبير من الضفة الغربية (حوالي 65% من المنطقة)، في نفس المرحلة تواصل إسرائيل السيطرة على بقية (أ) و (ب)، حوالي 10% من المنطقة ستعتبر تجمعات سكانية حيوية لإسرائيل في أي اتفاق مستقبلي مع الفلسطينيين.

تسعى إسرائيل إلى اعتراف دولي بخطواتها، وتطلب تغييرات دولية الأهم من بينها هو التعهد بدعم الخطة حتى في حال فشل مسار المفاوضات الثنائية. إضافة إلى ذلك، على إسرائيل أن تطلب تجديد التعهدات الأمريكية كما صيغت في رسالة بوش إلى شارون (2004) وإقامة نظام دولي استثنائي لتطوير الاقتصاد الفلسطيني وضمان فاعليته ومنع الفساد وتعهد السلطة الفلسطينية بمنع الإرهاب والعنف والاعتراف بالترتيبات الأمنية المطلوبة إسرائيليًا.

حل مشكلة غزة ليس جزءًا من الخطة السياسية، وليس شرطًا لتقدمه. على أي حال هناك أهمية لتركيز المجهود الدولي على تحسين الوضع الإنساني في القطاع وترميم بناه التحتية مقابل إقامة نظام دولي يعمل على إيقاف تعزز قوة حماس العسكرية وبقية التنظيمات “الإرهابية”، يجب التقدم في هذا الملف بالتوازي مع تطبيق الخطة في الضفة الغربية وبالانفصال عنه أيضًا.

الواقع المرافق على الأرض سيخلق لإسرائيل بنية تحتية سياسية دبلوماسية ودولية أكثر أريحية صوب التقدم المستقبلي في مسارات أخرى تناسب اعتباراتها الأمنية والسياسية: إيجاد ترتيبات انتقالية مع الفلسطينيين تخضع لقاعدة أن كل ما يتفق عليه يتم تطبيقه، وتهميش نظرية “كل شيء أو لا شيء”، وإقامة دولة فلسطينية على حدود مؤقتة، وتغيير خصائص الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني من كفاح للتحرر القومي إلى صراع بين دولتين، وإجراء مفاوضات مباشرة لإنجاز اتفاق حل الدولتين السياسي، وفي حال غياب تعاون فلسطيني تام؛ دفع خطوات الانفصال الأحادية بما يتناسب والمصالح الإسرائيلية.

البحث المعمق في تنوع الاحتمالات التي تقف أمام إسرائيل قادنا إلى الاستنتاج بأن الخطة المقترحة هي الممكن اليوم، فهي تحافظ على مصالح إسرائيل (الأمنية والاستيطانية) وتمكّن من تسخير الدعم الدولي والإقليمي، ولا تتضمن إخلاء مستوطنات في المستقبل القريب، وتوفّر مساحة من المرونة السياسية لإسرائيل. على الأقل، فإن الخطة المقترحة تحسّن بشكل كبير الواقع الحالي، وتكبح التوجهات الخطيرة على إسرائيل الموصوفة خطئًا بالوضع القائم، والتي هي في الحقيقة المنحدر الذي يقودنا إلى مخاطر قومية كبيرة، وسيما إلى واقع الدولة الواحدة دون القدرة على الانفصال عن الفلسطينيين.

6

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى