ترجمات عبرية

معهد بيغن السادات– بقلم المقدم احتياط د. مردخاي كيدار – سياسة، أمريكا وثقافة : من خلف التردد السعودي

معهد بيغن  السادات– بقلم  المقدم احتياط د. مردخاي كيدار – 10/12/2020

يبدو أن السعودية تتردد في التقدم في علاقاتها مع اسرائيل لجملة متنوعة من العوامل الداخلية، الخارجية والثقافية. وسبب قوي فقط يمكنه أن يغير طبيعة هذا السلوك، ولا ارى سببا كهذا في هذه اللحظة “.

يعجب الكثيرون من التردد السعودي للانضمام الى قطار السلام والتطبيع مع اسرائيل رغم أن من الواضح ان الرياض هي التي اعطت ضوء اخضر لاتحاد الامارات، للبحرين وللسودان للتقدم في علاقاتها مع اسرائيل حتى الحد الاقصى الممكن. بل ان السعودية فتحت مجالها الجوي امام الطيران الاسرائيلي، والذي هو بحد ذاته خطوة تطبيع. رغم كل هذا، واضح ان لقاء رئيس وزراء اسرائيل وولي العهد محمد بن سلمان في ليل 22 تشرين الثاني لم يعطِ النتائج المرجوة. والدليل: النفي السعودي الرسمي بعقد اللقاء. اما النشر العالمي الذي حظي به اللقاء فيحرج السعوديين. والامر لا يعمل في صالح اسرائيل.

وسيتعاظم السؤال لماذا تتردد السعودية على خلفية تغيير الادارة في الولايات المتحدة بعد اقل من شهرين وجهود دول اخرى – الامارات، البحرين، السودان واسرائيل – لخلق واقع سياسي يتضمن مثابة حلف اقليمي مناهض لايران يقف في وجه ادارة بايدن كحقيقة ناجزة لا يمكن الغاؤها.

لهذا السؤال يوجد عدة اجوبة. اهمها هو تخوف الرياض من ايران ومن رد فعلها على التقرب من اسرائيل.  فالسعوديين يتذكرون جيدا تلك الليلة، في منتصف ايلول 2019 والتي هاجمت فيها ايران (بواسطة مبعوثيها في اليمن وفي العراق) منشآت نفط هامة وعطلتها لفترة طويلة. ويتذكر السعوديون ان احدا – لا الولايات المتحدة ولا اسرائيل – رد على هذا الهجوم ومن هنا استنتجوا بانهم وحدهم في المعركة حيال ايران وموازين القوى ليست في صالحهم.

سبب  آخر هو  التخوف السعودي من ادارة بايدنوهو ينقسم الى سببين فرعيين:

الاول ستحاول الادارة التقرب من طهران من خلال رفع العقوبات والعودة الى الاتفاق النووي، مما سيحيي الاقتصاد الايراني ويسمح لها بصب الوقود على شعلة كفاح الحوثيين في اليمين ضد السعودية.

الثاني هو أن إدارة بايدن ستعود لتنظر الى السعودية عبر الزجاجة المكبرة لحقوق الانسان وستطرح مرة اخرى اسئلة محرجة عن قضية خاشقجي، وعن الاعدامات وحقوق العمال الاجانب في المملكة. وسيكون  الدعم الامريكي للرياض متحفظا ومحدودا، ومشكوك جدا أن يسمح بايدن وادارته لاسرائيل بتسخين علاقاتها مع دولة يتحفظون عليها. بل  ومن المتوقع لادارة بايدن حتى ان تعيد  الى الجبهة المسألة الفلسطينية وستتعاطى بسلبية مع كل تقدم عربي مع اسرائيل لا يراعي هذه المسألة. وبالفعل، توجد تقارير عن موقف الملك سلمان الذي يرى في حل المشكلة الفلسطينية، وفقا لخطة السلام السعودية – العربية (2002) شرطا لكل تقدم للسلام بين اسرائيل والسعودية.

السبب الثالث للتردد السعودي هو الوضع الداخلي في المملكة. فالعالم الغربي واسرائيل تريان في المملكة وفي سلوكها اساسا عبر اقوال وافعال ولي العهد محمد بن سلمان، واساسا عبر الاصلاحات التي يتخذها:  تقليص صلاحيات وميزانيات “شرطة الاخلاق”؛ الاذن للنساء بسياقة السيارة، الحركة في الحيز العام بدون رجل مرافق (محرم) وحتى بلا حجاب. خطة 2030 التي وضعها جاءت للسير بالسعودية نحو مستقبل بلا نفط؛ اقامة “مدينة المستقبل” نيوم.  ولكن هذا الدليل يتجاهل عدة عناصر اخرى تلعب دورا هاما في السعودية واولا وقبلكل  شيء مكانة ابن سلمان الذي يعتبر بالخطـأ كـ “رب البيت” في المملكة. عمليا، منذ عين وليا للعهد في حزيران 2017 يوجد صخب كبير في اوساط العائلة المالكة على مجرد التعيين وعلى سلوكه. عندما عين في المنصب كان ابن سلمان في الـ 32 من عمره – شابا جدا مقارنة باولياء العهد السابقين، اخوة الملك سلمان، الذين معظمهم اكبر منه بكثير. في مجتمع تقليدي كهذا كالسعودية يشكل العمر عاملا اساسيا في الاعتبارات عند تعيين شخص ما في منصب عام هام، وعليه فان تعيين شاب مع تجاوز الكبار في السن يعتبر غير شرعي.

نقيصة اخرى هي أن ابن سلمان كان بلا تجربة في ادارة اجهزة وسياسة حين عين وليا للعهد، مقابل سابقيه الذين كانوا وزراء، سفراء، قادة في الجيش او مدراء شركات كبرى، وبالتالي اكثر ملاءمة بكثير منه في ادارة الدولة والسياسة.

تحدثوا ضده ليل نهار، وهو يعرف من يقول ماذا ضده. في تشرين الثاني 2017، بعد نصف سنة من تعيينه وليا للعهد، اعتقل ابن سلمان العشرات من ابناء اعمامه، امراء من ابناء العائلة المالكة في فندق ريتس كارلتون في الرياض، اهانهم وابتز منهم مليارات الدولارات (اثنان منهم قتلا)، وهم لم ينسوا ولم يغفروا له هذه الاهانة.

كثيرون في العائلة المالكة يتهمون ابن سلمان بالتدخل السعودي العميق في اليمن وبالثمن الدموي الذي تدفعه المملكة على هذا التدخل، بل ان الكثيرين يتهمونه بمهزلة “اختفاء” الصحافي السعودي المنفي جمال خاشقجي في اسطنبول في تشرين الاول 2018 وفي التداعيات الخطيرة للقضية على صورة الرياض وعلاقاتها الخارجية مع الولايات المتحدة وتركيا.

كما أن الاصلاحات التي ادخلها ابن سلمان على مكانة النساء لا تروق للكثيرين في المملكة، مع ان الاغلبية الساحقة من الشبان يؤيدونها. وعليه، فان احتمال ان يكون ابن سلمان مع حلول اليوم ملك السعودية القادم ليس 100 في المئة. كم؟ من الصعب التوقع إذ ان العائلة المالكة لم يسبق لها أن كانت في مثل هذا الوضع. الهيئات الرسمية تتعاطى مع ابن سلمان كولي العهد، اي الملك التالي، ولكن توجد تيارات عميقة في اتجاه آخر.

سبب آخر للتردد السعودي هو ثقافي. ففي التراث البدوي للمملكة توجد قاعدة في الحديث النبوي: “العجلة من الشيطان والتأني من الرحمن”. ففي الصحراء لا يحصل شيء وبالتالي لا يوجد اي شيء عاجل، ومن الافضل الانتظار ما سيحصل من المخاطرة والانطلاق في عمل من شأنه ان يكون خطيرا. هذه ميزة ثقافية متجذرة عميقا في طريقة التفكير والسلوك في المجتمعات التقليدية في الشرق الاوسط، واهل الغرب – من ابناء الثقافة المعاكسة، ثقافة “المذاب”، ممن يريدون كل شيء “الان”، مثل “السلام الان” – لا يفهمون هذه الثقافة وآثارها على سلوك الافراد والجماعات في منطقتنا.

يبدو أن السعودية تتردد في التقدم في علاقاتها مع اسرائيل لجملة متنوعة من العوامل الداخلية، الخارجية والثقافية. وسبب قوي فقط يمكنه أن يغير طبيعة هذا السلوك، ولا ارى سببا كهذا في هذه اللحظة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى