معهد بحوث الأمن القومي الاسرائيلي : الى أي درجة الاتحاد الاوروبي اليوم موحد؟ التوتر الظاهر بين دول شرق اوروبا وغرب اوروبا

- بقلم: عيدي كانتور وشارون ملكا، معهد بحوث الأمن القومي الاسرائيلي يوليو/ تموز ٢٠١٨
مقدمة:
في تشرين الثاني 2017 تسرب لوسائل الاعلام الالمانية تحذير نشر من قبل قسم التخطيط في الجيش الالماني، والذي دعا الى الاستعداد لوضع من “فوضى مع تفكك محتمل للاتحاد وانشاء كتلة شرقية”. في سيناريو تحت عنوان “الغرب ضد الشرق” تم استعراض وضع محتمل من تفكك عملية الاندماج الاوروبية، بعد أن تنفصل الدول الشرقية عن الاتحاد وتنشيء “اتحاد شرقي” منفصل. حقيقة أن رؤساء دول شرق اوروبا اعلنوا بأنهم لن يوافقوا على استقبال طالبي لجوء مسلمين، وحتى أنهم لن يغيروا موقفهم حتى بعد جولة تهديدات قضائية من جانب جهات في الاتحاد، أدت الى خوف واضح في اوساط رؤساء قسم التخطيط في الجيش الالماني.
اوروبا تغير وجهها في السنوات الاخيرة. ازاء التطلع لاقامة تجمع اوروبي موحد وثابت، اساسا في العقد الاخير، فان مسائل هامة (ايران، خروج بريطانيا، تغييرات في الشرق الاوسط، ادارة ترامب وما أشبه) التي تتحدى سلامة الاتحاد وقدرة قادته على السير به نحو مستقبل ثابت وآمن. احدى المسائل الهامة الاخرى التي تتحدى الاتحاد هي توتر العلاقات بين دول شرق اوروبا وغربها. بعد عدة ازمات اقتصادية حلت بالاتحاد، ازمة هجرة جماعية، صعود حركة يمين شعبوي وانقسام بين الشرق والغرب فيما يتعلق بالرد على تهديد روسيا، يبدو أن التفاؤل الحذر الذي ساد في اوروبا في الايام التي اعقبت انتهاء عهد ما بعد الشيوعية – الذي اراد اكثر من أي شيء آخر التوحيد بين الشرق والغرب – ولى وانقضى.
علينا تذكر أن الانقسام في الاتحاد الاوروبي اليوم هو مسألة معقدة لا تظهر بين دول شرق وغرب القارة فقط. مواقف اوروبية متشككة وغير مؤسسية يمكن العثور عليها اليوم في كل ارجاء القارة الاوروبية، ايضا في اوساط دول تقع في وسطها وغربها. في النمسا مثلا انشيء في اعقاب الانتخابات في تشرين الاول 2017 تحالف وحد “حزب الشعب” برئاسة سبستيان كورتس (أو.في.بي) مع “حزب الحرية” برئاسة هاينس – كرستيان شتراخا (أف.بي.أو) الذي نقش على رايته النضال ضد سيطرة الاسلام في النمسا. توجهات مشابهة يمكن رؤيتها مؤخرا ايضا في ايطاليا، المانيا، هولندا، فرنسا وبريطانيا. يضاف الى هذا الانقسام ايضا مسألة الانفصال في اوساط الاقسام المختلفة في دول الاتحاد (اسبانيا مثلا)، وكذلك تحديات اتخاذ موقف واحد تجاه روسيا (لا سيما في سياق تدخل الاتحاد في البلقان، مسألة الجواسيس، الشك في التدخل في الانتخابات وتزويد الغاز الروسي لاوروبا).
من بين كل هذه المسائل سيركز المقال على التوتر المتزايد بين شرق القارة (دول فيشغراد) وغربها ويسأل كيف يتم التعبير عن ذلك، هل هي حقا تضعضع استقرار الاتحاد الاوروبي وما هو تأثيرها على العلاقات مع اسرائيل.
خلفية
في العام 2004 تم ضم 13 دولة جديدة من شرق اوروبا الى الاتحاد، 11 منها كانت شيوعية سابقا. في نظرة الى الوراء يبدو أن فكرة اعادة البناء الاقتصادي لدول شرق اوروبا مع توسع الاتحاد نجحت بشكل جزئي حقا (لا سيما من ناحية اقتصادية). الاتحاد اعتبر التوسع شرقا أداة ستؤدي مع مرور الوقت الى تجذر قيم ديمقراطية – ليبرالية غربية في اوساط دول تحررت للتو من “نير النظام السوفييتي”. في قمة كوبنهاجن في 1993 بادر زعماء الاتحاد الى وضع قائمة معايير كشرط لانضمامهم: تأسيس مؤسسات نظام ديمقراطي ثابتة، سلطة قانون، احترام حقوق الانسان واحترام الاقليات وحمايتها، اقتصاد سوق واحد وما اشبه.
ولكن التوسع لن يؤدي بالضرورة الى مساواة كاملة بين الدول. حقيقة أن الامر كان يتعلق بدول سوفييتية سابقا والتي كان مستوى الثقة فيها بالنظام منخفض منذ البداية، أخرت دمجها في الاتحاد بعد ذلك. مسائل كثيرة ما زالت بدون اجابة، وعدم التناظر في العلاقات ازداد. في العقد الاخير واجهت مؤسسات الاتحاد تحديات اخرى ضعضعت استقرارها. الازمة الاقتصادية العالمية التي حلت ايضا باوروبا في 2008 والديون الكثيرة التي تراكمت من دول اعضاء اضعف من ناحية اقتصادية، أدت الى خلق برامج مساعدة ومنح قروض بمبالغ طائلة (اليونان فقط حصلت على مساعدة بلغت 7.5 مليار يورو)، ونشأ انقسام بين الدول التي أيدت برامج المساعدة وبين التي عارضتها. تحد آخر كان الازمة العسكرية على حدود اوكرانيا – روسيا. في 2014 صادقت اوكرانيا على صفقة تجارية مع الاتحاد الاوروبي على حساب علاقتها مع روسيا. وردا على ذلك ضمت روسيا شبه جزيرة القرم الى اراضيها ودعمت نضال انفصاليين في شرق اوكرانيا، الذي أدى الى موت اكثر من 8 آلاف شخص. اضافة الى هذه الازمة، في العام 2005 اضطر زعماء الاتحاد للانشغال في مسألة توزيع طالبي اللجوء الذين وصلوا الى شواطيء القارة، في اعقاب ازمة الهجرة غير المسبوقة بمقاساتها منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. هذه الازمة نهايتها هزت اكثر العلاقات بين الشرق والغرب في الاتحاد.
البُعد السياسي الداخلي
إن تعزز قوة احزاب يمين شعبوي كرد ضد وصول طالبي اللجوء، دوت اصداءه في كل اوروبا، ولا سيما في دول الشرق. في هنغاريا صعد في 2010 حزب اليمين المحافظ “فايديسز” برئاسة فيكتور اوربن. هذا الحزب حول هنغاريا من دولة حصلت على المديح كونها الديمقراطية الرائدة في شرق اوروبا، الى دولة ديمقراطية توجد في عملية تدهور خطيرة. حقيقة أن اوربن لم يواجه تقريبا بمعارضة قوية بما يكفي من اليسار أو بتدخل فعال قوي من جانب الاتحاد، مكنته من سن قوانين جديدة خلال فترة قصيرة أدت الى التصادم، سواء مع الدستور في هنغاريا أو مع دستور الاتحاد. أوربن ورجاله بدأوا بـ “هجوم تشريعي” الذي فيه وضعت قيود على المجتمع المدني ومنحت اموال تم الحصول عليها من الاتحاد لـ “حلفاء مخلصين”. اضافة الى تغييرات الدستور بدأ اوربن بمهاجمة بصورة متواصلة وسائل الاعلام واجهزة القضاء في الدولة، وتقريب اصدقاء ورجال اعمال من مواقع قوة ونفوذ. على مدى الثماني سنوات تم سن حوالي ألف قانون، التي في نهاية الامر ضعضعت أسس الديمقراطية الهنغارية.
تأييد مهم لاوربن كان وصول طالبي اللجوء من سوريا، العراق وافغانستان الى شواطيء اوروبا في 2015. كعملية وقائية شديدة قرر اوربن اقامة سور على طول الخط الحدودي بين هنغاريا وصربيا لمنع الدخول اليهما. هذا الامر ضعضع العلاقة بين هنغاريا والاتحاد وحولها الى “خط الجبهة الخفي” لـ “ازمة اللاجئين” في الاتحاد. في نفس السنة دخل الى هنغاريا اكثر من 50 ألف لاجيء عن طريق المسار البري في البلقان. طالبو اللجوء هؤلاء اعتبروا من قبل اوربن “سم” و”تهديد امني”، حتى أنه اعلن أن “2018 ستكون سنة معارك قاسية”. اشارات واضحة على ذلك يمكن ملاحظتها في التشريع الذي يعمل عليه اوربن في هذه الايام، والذي يمكن من فرض غرامات مالية على جهات مدنية تساعد المهاجرين.
كتمثيل للحملة المعادية للهجرة لاوربن كانت قضية جورج سورس، ملياردير امريكي من اصل يهودي هنغاري اتهم من قبل اوربن بأنه مول منظمات تؤيد طالبي اللجوء في هنغاريا، والتي حسب ادعائه تدمر هنغاريا من الداخل. حسب ادعاء سورس فان هنغاريا تشجع “اجواء مناوئة للاسلام وتستخدم لغة لاسامية تذكر بثلاثينيات القرن العشرين”.
توجهات مشابهة لهذه الموجودة في هنغاريا كان يمكن العثور عليها ايضا في بولندا. بولندا انضمت للاتحاد الاوروبي في 2004 (وللناتو في 1999)، وفي البداية اعتبرت ذات رؤية اوروبية واضحة. الكثيرون اعتقدوا أنه على بولندا الانضمام الى التجمع الاوروبي المتسع، لا سيما من خلال مصالح اقتصادية. الذريعة الاساسية للانضمام كانت أنه بعد سنوات من حكم شيوعي يجب على بولندا التوحد مع الغرب والابتعاد عن روسيا والسير نحو مستقبل ديمقراطي – غربي. ازاء ذلك، في بداية سنوات الالفين وفي ذروة عملية قبول بولندا دولة عضوة في الاتحاد حدث تحول في الخطاب السياسي الداخلي في الدولة. في اعقاب تحطم حزب اليسار الديمقراطي في الانتخابات بدأ الخطاب المؤيد لاوروبا بتغيير اتجاهه. تدريجيا بدأت احزاب مختلفة في بولندا في اسماع انتقادات ذات طابع يشكك باوروبا وقومي. عدم الايمان بالسوق الحرة والتمسك بمواقف كاثوليكية ما فوق محافظة هي جزء من الادعاءات التي طرحت في حينه. حزب القانون والعدل الذي صعد الى الحكم للمرة الاولى في العام 2005 حل محل حزب اليسار الديمقراطي وشكل تحالفا مع حزبين اكثر تطرفا. وهو يقود اليوم الحكومة البولندية. الى جانب اضعاف جهاز القضاء والاعلام في بولندا في السنوات الاخيرة فقد ركزت حكومة بولندا ايضا على تطبيق ايديولوجيا قومية – دينية. المؤسسة الكاثوليكية في بولندا بقيت قوية رغم عمليات العلمنة التي حلت بدول غرب القارة. في بولندا في المقابل يملك رجال الدين قوة كبيرة بشكل خاص في نضالهم ضد اعضاء الحزب الشيوعي وبجهودهم في منع تأثير الليبرالية الغربية على المجتمع البولندي. عدم الفصل بين الدين والدولة وجد تعبيره على سبيل المثال في محاولة الحكومة تمرير قانون يقيد القيام بالاجهاض في الدولة.
في سلوفاكيا والتشيك ايضا كان يمكن رؤية عمليات مشابهة. هذه الدول انفصلت الواحدة عن الاخرى في كانون الثاني 1993 وانضمت الى الاتحاد في 2004. ميلوش زمان، رئيس التشيك، معروف بمواقفه التي تشكك باوروبا وتؤيد روسيا وتدعم العلاقات مع الصين وتعارض بشدة دخول طالبي اللجوء المسلمين الى الدولة. ايضا رئيس حكومة سلوفاكيا روبرت فيكو معروف بخطابه المناويء للاسلام. وقال في الماضي إنه “ليس للاسلام مكان في سلوفاكيا”.
البُعد في العلاقات بين الدول
احدى المسائل الاساسية التي ادت الى زيادة التوتر بين دول شرق وغرب اوروبا هي موجة قوية من طالبي اللجوء من دول اسلامية وصلوا الى القارة في صيف 2015. ولكن زعماء الاتحاد بدأوا ينشغلون في مسألة سياسة الهجرة قبل ذلك بسنوات. في العام 2005 استكمل نظام القوانين المسمى “النظام الاوروبي العام للجوء” (سي.إي. ايه.اس) والذي استهدف ضمان أن كل الدول الاعضاء ستحافظ على حقوق طالبي اللجوء في الاتحاد. ولكن ازمة اللاجئين في السنوات الاخيرة ضربت بقوة مؤسسات الاتحاد، التي لم تنجح في تقديم اجابة سريعة لعدد كبير جدا من طالبي اللجوء الذين وصلوا خلال فترة زمنية قصيرة جدا.
موضوع الخلاف الاساسي بين الدول الاعضاء في مسألة المواجهة مع طالبي اللجوء كان نظام دبلن. هذا النظام قرر أنه على كل طالب لجوء وصل الى حدود الاتحاد الاوروبي أن يقدم طلب لجوء في الدولة الاولى التي وصل اليها (معظم طالبي اللجوء وصلوا الى (دول البوابة، الواقعة على شواطيء البحر البحر مثل ايطاليا واليونان). الفكرة في اساس النظام كانت منع وضع ينتقل فيه طالبو اللجوء من دول البوابة الى الدول التي فيها قوانين الهجرة اكثر تساهلا (لا سيما الدول الواقعة شمال غرب القارة مثل المانيا، فرنسا والدول الاسكندنافية). ولكن وصول اكثر من مليون طالب لجوء، بالتحديد الى دول البوابة في صيف 2015، كشف ضعف هذا النظام. عند دخولهم حدث ضغط شديد على مراكز الاستيعاب التي لم تتمكن من الصمود امام العبء ووصلوا الى وضع الانهيار. لهذا كان من الواضح أنه من اجل أن يتم ادارة حركة طالبي اللجوء في القارة بصورة افضل، مطلوب اصلاحات في النظام. في نظام دبلن المعدل تم ادخال معايير جديدة حددت طبيعة التقسيم الجديد بين الدول الاعضاء بهدف احداث توازن والتساوي في العبء. الاقتراح للتقسيم الجديد قاده رئيس المندوبية السامية الاوروبية جان كلود يونكر الذي اسماه “نظام ولاية حصص اللاجئين”.
ولكن على ضوء اختلافات رأي شديدة بين الدول في شرق الاتحاد وبين تلك الواقعة في غربه، فان هذا التقسيم لم يخرج الى حيز التنفيذ كما خطط له. هنغاريا وبولندا رفضتا بشدة استيعاب طالبي اللجوء. سلوفاكيا والتشيك قبلت كل واحدة منهما حوالي 12 لاجيء. الكلام البليغ لقادة دول شرق اوروبا ضد مشروع التقسيم تركز في الاساس حول “مخاوف امنية ووطنية” التي حسب ادعائهم نشأت على خلفية الارتفاع في العمليات الارهابية الاسلامية المتطرفة في اوروبا في السنوات الاخيرة. كذلك ادعوا بأن دخول “مهاجرين غير شرعيين” بدون رقابة سيغير بالضرورة الطابع الثقافي والديني للدولة – الخوف الذي ارادوا منعه بشدة.
إن عدم الرغبة من جانب دول شرق اوروبا بمساعدة الدول التي استوعبت طالبي لجوء كثيرين مثل المانيا (1.1 مليون شخص)، ادى الى خلق “ساحة حرب” في البرلمان الاوروبي. نتيجة لذلك تبلور خلال 2016 اتفاق مع تركيا بحسبه توافق على استرجاع طالبي لجوء الى اراضيها الذين سيتم طردهم من دول الاتحاد. ومقابل ذلك تحصل على 6 مليارات يورو ويتم تسريع المفاوضات لقبولها في الاتحاد الاوروبي. في العام 2017، بعد سنتين من النضال العنيد بين دول فيشغراد ودول شمال غرب اوروبا، رفضت محكمة العدل الاوروبية ادعاء سلوفاكيا وهنغاريا التي أيدتها بولندا بشأن عدم قانونية الاتفاقات. المحكمة قررت أنه يوجد للاتحاد الحق في اجبار الدول على أن تقبل على اراضيها طالبي لجوء بالحجم الذي يتناسب مع شروط التقسيم النسبي.
الردود على قرار المحكمة لم تتأخر. رئيس حكومة هنغاريا فيكتور اوربن هاجم بشدة ووصف القرار بـ “غير مسؤول”و “فظيع” و”يخالف مباديء وأسس الاتحاد الاوروبي”. حسب اقواله، قرار المحكمة يعرض للخطر مستقبل اوروبا كلها. ايضا رئيس حكومة سلوفاكيا عارض سياسة “البوابة المفتوحة” للمستشارة الالمانية انغيلا ميركل. في المقابل اعلنت المانيا أنها تتوقع من دول شرق اوروبا أن تسوي صفها مع دول الاتحاد. وزير الخارجية الالماني زيغمان غبرئيل قال “نحن نستطيع أن نتوقع من كل الشركاء الاوروبيين أن يفحصوا قرار المحكمة وتطبيق الاتفاق بدون تأخير”. الرئيس الفرنسي عمانويل ميكرون اظهر الاشمئزاز من موقف دول الشرق وأكد على تعزيز التضامن بين الدول الاعضاء ومنع الانقسام بينها.
في نهاية العملية طلب من هنغاريا استيعاب 1294 طالب لجوء، ومن سلوفاكيا 862 طالب لجوء. ولكن الخلاف الشديد ما زال بعيدا عن الحل الثابت وبعيد المدى. مسألة طالبي اللجوء فقط زادت التوتر والشعور بعدم اليقين بخصوص استقرار الاتحاد الاوروبي. هذا المنحى الذي كان موجود منذ سنوات قبل ذلك، فقط تعمق مع وصول جموع طالبي اللجوء. في السنتين الاخيرتين حدث انخفاض حاد على عدد طالبي اللجوء في الاتحاد. هذا الانخفاض قلل التوتر بين الدول الاعضاء، لكنه لم يتلاشى تماما. الخلاف الجوهري في الخط الايديولوجي وفي الرؤية السياسية –الاجتماعية بين الدول الشرقية والغربية سيستمر في تحدي طريقة اتخاذ القرارات في مؤسسات الاتحاد، وسيصعب عليها صياغة سياسة منظمة وموحدة في مسائل جوهرية تتعلق بمستقبله.
المعاني بالنسبة لاسرائيل
دول فيشغراد تعتبر اليوم دول صديقة بشكل خاص تجاه اسرائيل، بالاساس لأنها لا تربط علاقاتها الخارجية مع اسرائيل بعلاقاتها مع الفلسطينيين – وهو الخط الاكثر تمييزا لدول غرب اوروبا في الاتحاد. كان يمكن الشعور بدفء العلاقات منذ الزيارة الرسمية لرئيس الحكومة نتنياهو في بودابست في تموز 2017 عندما التقى مع اربعة رؤساء دول الفيشغراد. كانت هذه زيارة ذات اهمية تاريخية – الزيارة الاولى لرئيس حكومة اسرائيلي الى هنغاريا بعد سقوط النظام الشيوعي. اهداف الزيارة كانت اقتصادية وكذلك سياسية – استراتيجية، والمواضيع التي تم بحثها دللت على خط ايجابي في علاقة اسرائيل تجاه دول الشرق، في نفس الوقت مع اظهار انتقاد شديد تجاه الدول الغربية. إن طموح اربع دول من دول فيشغراد خلق تعاون اوسع مع اسرائيل في مواضيع الامن والتكنولوجيا التي تتعلق بازمة الهجرة في اوروبا والدفاع عن الحدود والحرب ضد الارهاب والطاقة والصناعات العسكرية والسايبر والتحديث.
العلاقات بين دول فيشغراد واسرائيل توجد لها تداعيات تتعلق بعلاقات اسرائيل مع الاتحاد الاوروبي. في زيارته الى هنغاريا شن نتنياهو انتقاد شديد على سياسة الاتحاد الخارجية تجاه اسرائيل ولا سيما بالنسبة للمسألة الاسرائيلية الفلسطينية. نتنياهو قال “إن الاتحاد الاوروبي هو المنظمة الدولية الوحيدة التي ترفض العلاقات مع اسرائيل التي تعطيه التكنولوجيا، لاعتبارات سياسية. لا أحد يفعل ذلك”. نتنياهو وجه انتقاد صريح للدول التي تقع في وسط – غرب اوروبا والتي بدل دعم اسرائيل تقوم ضدها وتشترط علاقتها معها بتحقيق حل للنزاع الاسرائيلي الفلسطيني، هكذا حسب ادعاء نتنياهو. بناء على ذلك، حكومة اسرائيل ترى في دول فيشغراد ردا على السياسة الانتقادية الغربية تجاه اسرائيل. ولكن لتسخين العلاقة بين اسرائيل ودول فيشغراد توجد ايضا جوانب اشكالية تتعلق بعلاقة اسرائيل مع الجاليات اليهودية في اوروبا. في هنغاريا كان الجو العام حول زيارة نتنياهو معاديا جدا وتشوبه سمات لاسامية. في تلك الايام، كما اسلفنا، خرج اوربن بحملة شديدة غير متسامحة ضد جورج سورس، التي خلالها شعر اعضاء الجالية اليهودية بأنهم واقعين تحت تهديد، وتطلعوا الى حماية من جانب حكومة اسرائيل، لكن هذا الامر لم يحدث. هذا الحدث أدى الى ازمة ثقة شديدة بين الجالية اليهودية في هنغاريا وبين اسرائيل.
اضافة الى التغييرات في هنغاريا، حدث في بداية 2008 توتر بين اسرائيل وبولندا على خلفية “قانون الكارثة” البولندي، بمبادرة الحزب الحاكم “القانون والعدالة”. حسب القانون فان الشخص الذي ينسب للشعب البولندي أو بولندا المسؤولية أو المشاركة في جرائم النازية، والجرائم ضد الانسانية أو جرائم حرب، يتم تغريمه أو حبسه حتى ثلاث سنوات. هذا القانون اثار ضجة كبيرة في الساحة العامة في اسرائيل، وبذلت جهود في المجال الدبلوماسي بهدف خلق ضغط على حكومة بولندا لالغاء القانون أو على الاقل تعديله. في بداية آذار 2018 وصل الى القدس وفد من الدبلوماسيين والمؤرخين من قبل الحكومة البولندية الذي كان هدفه شرح القانون للعاملين في وزارة الخارجية.
الخلاصة
في السنوات القريبة القادمة سيوضع تحت الاختبار الحاسم استقرار مؤسسات الاتحاد الاوروبي، لا سيما طبيعة العلاقات بين الدول الاعضاء من الشرق ومن الغرب. التحديات الكثيرة، سواء من الداخل أو من الخارج، التي تهدد طوال الوقت كمال الاتحاد، تقتضي من الزعماء اعادة التفكير بخصوص الاهداف التي يتطلع نحوها ويسعى اليها، والقيم التي يرتكز اليها. موجات الهجرة الاخيرة الى اوروبا اثبتت أنه قد تضعضع الحلم لخلق هوية اوروبية موحدة لـ 800 مليون مواطن في ارجاء القارة، الذين لديهم هويات وروايات قومية مختلفة، تيارات يمينية شعبوية كانت مخفية خلال سنوات تعود الى المنصة وتسعى الى تقويض أسس الاتحاد ومشروع الاندماج. إن عدم التطرق الى هذه العمليات من قبل زعماء الاتحاد أدى في نهاية المطاف الى ظهور تصدعات عميقة بين رؤيتين اساسيتين. الاولى، الديمقراطية – الليبرالية والعالمية تسعى الى حرية الفرد، المساواة، فصل الدين عن الدولة، اخفاء الحدود بين الدول، تعميق العلاقات الثقافية والاقتصادية فيما بينها. الثانية المعاكسة لها بدرجة كبيرة، تؤيد العودة الى القومية وتعزيز الحدود والقيم الدينية – المحافظة. التوفيق بين هاتين الرؤيتين هو التحدي الاكبر الذي يواجهه زعماء الاتحاد.
التوتر بين دول الاتحاد يؤثر بدرجة غير قليلة على جودة العلاقات بين دولة اسرائيل والاتحاد الاوروبي. اقتراب اسرائيل من دول فيشغراد في الفترة الاخيرة معناه ايضا “موافقة بالصمت” مع الخط الاوروبي المتشكك واليميني الشعبوي الذي احيانا تنبعث منه رائحة لاسامية – الامر الذي يمكن تلقيه ببرود سواء من قبل دول غرب اوروبا أو من قبل الجاليات اليهودية. علينا أن نذكر في هذا السياق أن الاتحاد الاوروبي هو المصدر الاساسي لاستيراد بضائع لاسرائيل (41 في المئة) والهدف الثاني في العالم لتصدير البضائع الاسرائيلية بعد الولايات المتحدة (26 في المئة). اسرائيل تحسن صنعا اذا عرفت كيفية ادارة قناة مفتوحة ومحترمة امام مؤسسات الاتحاد. الحفاظ على علاقات متزنة، سواء مع الدول الاعضاء أو مع الجاليات اليهودية في اوروبا هي مصلحة استراتيجية أولى بالنسبة لاسرائيل.



