ترجمات عبرية

معهد السياسة والإستراتيجية: حكومة نتنياهو القادمة ستزيد التحديات الإستراتيجية أمام إسرائيل

معهد السياسة والإستراتيجية 15-12-2022م، بقلم: طاقم المعهد برئاسة اللواء احتياط عاموس جلعاد: حكومة نتنياهو القادمة ستزيد التحديات الإستراتيجية أمام إسرائيل

عشية تشكيل الحكومة الجديدة تقف إسرائيل أمام تحديات مهمة، وعلى رأسها التحدي الإيراني المتعاظم والتفجر السياسي والأمني في الساحة الفلسطينية. مقابل ذلك تتمتع إسرائيل اليوم بذخائر استراتيجية متنوعة. أولاً وقبل كل شيء، العلاقات الخاصة مع الولايات المتحدة والى جانبها العلاقات مع دول السلام والتطبيع، والقوة العسكرية والاقتصادية، وجهاز القضاء المستقل والقوي. هذه الذخائر تؤثر على صورة إسرائيل كقوة عظمى إقليمية وتسمح لها بالمرونة باستخدام القوة ومواصلة الاستثمار في بناء القوة، بشكل يحفظ تفوقها النوعي على اعدائها وخصومها في المجال. كل ذلك، الى جانب قدرات نوعية استثنائية لدى أجهزة الامن لإحباط عمليات «الإرهاب».

للسياسة المتوقعة للحكومة الجديدة، بما في ذلك النية لتغيير التبعية التنظيمية لمنسق الأعمال في «المناطق» – وبخاصة على مسؤوليته من خلال الإدارة المدنية على الواقع المدني في «يهودا» و»السامرة» – ستكون آثار استراتيجية واسعة. اولا وقبل كل شيء فهي تخلق احتمالاً متزايداً للاحتكاك مع السلطة الفلسطينية والمس بمنظومة العلاقات مع الإدارة الأميركية، الاتحاد الأوروبي، والدول العربية. وذلك في ضوء ما سيعد خطوة لتغيير الواقع على الارض، والدفع قدماً بمسيرة عملية لضم مناطق «يهودا» و»السامرة». مثل هذا التطور سيمس بشرعية دولة اسرائيل، وسيقضم من حرية العمل الاستراتيجي والأمني التي تتمتع بها (بما في ذلك التأييد في الموضوع الإيراني) وسيعرض إسرائيل لإجراءات قانونية ضدها.
الساحة الفلسطينية: انهيار أمني وتحدٍ سياسي – قانوني

تشكل الساحة الفلسطينية اليوم التحدي الاستراتيجي الأكثر شحناً والذي سيتعين على الحكومة الجديدة ان تعطي له جواباً بسبب التفجر الأمني (ولا سيما في شمال «السامرة»)، والذي يهدد بالانتقال الى مناطق أخرى في «يهودا» و»السامرة»، الى جانب التهديدات التي تنطوي عليها الأبعاد السياسية والقانونية.

إن إخراج منسق أعمال «المناطق» من التبعية المباشرة والكاملة لوزير الدفاع وإخضاع لواء عسكري عامل لوزير مجال مسؤوليته ليس أمنياً من شأنه أن يخلق مشاكل تنسيق صعبة مع باقي محافل الأمن وعلى رأسها الجيش الاسرائيلي، بل مع السلطة الفلسطينية. فضلاً عن ذلك فإن خطوات تتخذ صورة فرض القانون الاسرائيلي على المفاوضات، فما بالك الدفع قدما بخطوات لتفكيك الادارة المدنية، ستعزز الادعاءات بان هذه خطوة لضم غير قانوني، وان المستوطنات تشكل خرقاً للقانون الدولي.

يشخص أبو مازن الوقت الحالي كلحظة مناسبة وكفرصة للدفع قدما بمعركة سياسية وقانونية ضد اسرائيل. وقد وجد هذا التفكير تعبيره مؤخراً في توجهات من السلطة الفلسطينية الى الامم المتحدة لطلب فتوى محكمة العدل الدولية في لاهاي بالنسبة لـ «الاحتلال الاسرائيلي المتواصل»، وفي توجهات للمدعي العام في محكمة الجنايات الدولية للشروع في تحقيق ضد إسرائيل. في الأسبوع الماضي برز أبو مازن في مقابلة مع شبكة «العربية»، جاء فيها بأن من شأنه أن يفكر لاحقا بالعودة الى الكفاح المسلح.

على مدى السنين نجحت إسرائيل في صد الخطوات القانونية ضدها، ضمن أمور أخرى، بدعوى أن جهاز القضاء الإسرائيلي هو مستقل، ويعمل بموجب القانون الدولي، وينفذ التحقيقات بشكل ذي مصداقية وموضوعي. قرارات تمس بهذه الاستقلالية من شأنها أن تكون كالسهم المرتد فتعرض دولة إسرائيل، زعماءها، وجنودها للاتهامات والدعاوى على أعمالهم ضد الفلسطينيين في «يهودا» و»السامرة» وفي غزة.

خطوات إسرائيل تجاه الفلسطينيين من شأنها أن تصعد أكثر فأكثر تعابير اللاسامية (التي توجد على اي حال في ميل صعود) ضد يهود في أرجاء العالم وتشكل ذخيرة في ايدي منظمات نزع الشرعية للدفع قدما بخطوات ضد إسرائيل في المؤسسات الدولية ومع الشركات الدولية. وذلك في ظل الدفع قدما بالروايات التي تقول إن دولة إسرائيل هي دولة أبرتهايد وان إسرائيل ترتكب جرائم حرب.

تعاظم التهديد الإيراني

يتعاظم التهديد الإيراني على إسرائيل في كل الأبعاد، وبخاصة في كل ما يتعلق بتقدم المشروع النووي وتحسين القدرات الهجومية في مجال الصواريخ والمسيّرات، في ظل التعاون الاستراتيجي الناشئ مع روسيا في مجالات عسكرية وتكنولوجية. التقديرات الحالية، التي تدعي بان الفترة الزمنية اللازمة لايران لتطوير قدرات نووية عسكرية هي نحو سنتين، تبدو صحيحة أغلب الظن طالما لم تتخذ ايران قراراً بتطوير مثل هذه القدرات. قرار كهذا، اذا ما اتخذ، من شأنه أن يقلص بشكل كبير الفترة الزمنية، في السيناريو المتشدد، الى اشهر قليلة.

فضلاً عن ذلك، فإن صرف الاهتمام العالمي نحو مسائل أكثر اشتعالاً وعلى رأسها الحرب في أوكرانيا، وأزمة الطاقة والتضخم المالي المتزايد الى جانب المساعدة الإيرانية في المجهود الحربي الروسي والقمع الوحشي للاضطرابات في الداخل، تخلق واقعاً تكون فيه إمكانية الوصول الى اتفاق نووي جديد متدنية للغاية. في ضوء ذلك، وبدون خلق تهديد ذي مصداقية وملموس، فإن إيران هي التي تمسك بالأوراق في أيديها بالنسبة لوتيرة تقدم المشروع النووي.

الساحة العالمية: المنافسة المتزايدة بين القوى العظمى

بعد نحو عشرة اشهر من نشوب الحرب في اوكرانيا، ونهايتها لا تزال لا تبدو في الأفق، رغم المؤشرات الأولية على استعداد الولايات المتحدة وروسيا لفحص الإمكانية لاستئناف المفاوضات، من الواضح حالياً ان الطرفين يستغلان اشهر الشتاء لتحسين المواقع والانتظام العملياتي استعداداً لتصعيد محتمل للقتال في الربيع، في ظل استمرار الجهود لاستنزاف وضرب الطرف الآخر. من جهة يعظم استمرار القتال التخوف من سوء تقدير وخطوات متطرفة من جانب روسيا، ضمن أمور أخرى، في ضوء تلميحات بوتين بإمكانية استخدام السلاح النووي. من جهة أخرى فان هذه المخاوف كفيلة بالذات بان تزيد الرغبة في الغرب للبحث عن مخرج دبلوماسي للازمة.

إن زيارة الرئيس الصيني شي الى السعودية وسلسلة الاتفاقات الاقتصادية التي وقعت في أثنائها تعكس ارتفاع درجة في العلاقات الثنائية بين الدولتين. وقد ابرز السعوديون الزيارة والاستقبال الحار للرئيس شي (بخلاف الاستقبال البارد الذي استقبل به الرئيس بايدن قبل نحو نصف سنة) في ما بدا محاولة لتحذير الإدارة الأميركية من أن للرياض بديلاً استراتيجياً مساوي القيمة. كل هذه تشكل تعبيراً عن منظومة العلاقات الأميركية المركبة مع دول الخليج والتغييرات التي طرأت في السياسة الخارجية السعودية في السنوات الأخيرة، مثلما وجدت تعبيرها في الرفض الثابت من جانب الرياض للاستجابة للطلبات الأميركية المساعدة في تخفيض أسعار النفط.

توصيات

تبدأ الحكومة المرتقبة ولايتها من نقطة بدء متدنية في ضوء المخاوف الكثيرة في العالم وفي المنطقة بالنسبة للسياسة التي ستتخذها في جملة واسعة من المسائل (الفلسطينيين، الأقليات، جهاز القضاء، وغيرها). وسيتعين على الحكومة أن تبدي حساسية وحذراً من اتخاذ خطوات من شأنها أن تقضم من قدرة إسرائيل السياسية ومن وسائلها لصد خطوات ضدها في الساحة الدولية (ولا سيما في الأمم المتحدة وفي المحكمة في لاهاي)، لقضم التعاون الأمني والاقتصادي (ولا سيما مع الاتحاد الأوروبي والدول السنية)، وتقليص حرية العمل في المجال وتقييد القدرة على طرح جواب شامل على التهديد المتزايد من جانب إيران.

في السياق الفلسطيني، رغم مواقف الحكومة الوافدة الأيديولوجية الواضحة، نوصي بأن يبدي قادتها تفهما لحساسية وهشاشة الواقع الحالي في «يهودا» و»السامرة» والذي من شأنه أن يتطور بسرعة الى تهديد استراتيجي حاد من ناحية إسرائيل. في المرحلة الأولى على الأقل نوصي الحكومة بالامتناع عن تنفيذ خطوات ثورية ولا سيما تلك التي تضعضع مكانة السلطة وتغير وجه الواقع في «يهودا» و»السامرة».

في هذا السياق نوصي على نحو خاص بالامتناع عن «عقاب» اقتصادي للسلطة من شأنه أن يؤدي الى انضمام جماهيري واسع لموجة التصعيد الجارية منذ نحو نصف سنة. كما أن على الحكومة أن تحذر من الدفع بخطوات تتعلق بالحرم تؤثر سلبا على العلاقات مع الدول العربية (وبخاصة الأردن)، وعلى العلاقات المشحونة أصلا بين الدولة وبين الجمهور العربي في إسرائيل.

ليس للتحالف الاستراتيجي مع الولايات المتحدة بديل، والقدرة على بلورة جواب شامل للتحدي المتزايد من جانب ايران تعتمد بشكل مطلق على التعاون بين الدولتين. سيتعين على الحكومة ان تعمل بكل سبيل للحفاظ على العلاقات الخاصة وعلاقات الثقة مع الإدارة (ضمن أمور أخرى على خلفية رواسب الماضي بين رئيس الوزراء المرشح وبين الإدارة الديمقراطية) ويهود الولايات المتحدة وذلك كي تضمن دعم الإدارة في صد إجراءات ضد إسرائيل في المؤسسات الدولية وفي الساحة القانونية.

في ضوء المواجهة المتصاعدة بين الولايات المتحدة والصين وروسيا، نقترح على الحكومة الجديدة أن تبدي حذراً زائداً في التعاون مع الصين، ولا سيما في السياقات التكنولوجية والبنى التحتية الوطنية وتصعيد الرقابة على المحاولات الصينية لشراء شركات إسرائيلية.

حيال روسيا نوصي الحكومة بأن تواصل الوقوف الى جانب أوكرانيا وتحويل المساعدة لها وفقاً للخطوط الحمراء من جانب روسيا في كل ما يتعلق بتوفير منظومات الدفاع الجوي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى