ترجمات عبرية

معهد الامن القومي (INSS): العراق بين إيران والولايات المتحدة: السعي لتحقيق التوازن

معهد الامن القومي (INSS) 19-4-2023، اعداد يرون شنايدر ودنيس سترينوبتس:  العراق بين إيران والولايات المتحدة: السعي لتحقيق التوازن

رئيس الحكومة العراقية محمد السوداني، الذي يتولى منصبه منذ نحو أربعة أشهر عن المعسكر الشيعي المؤيد لإيران (“الإطار التنسيقي”)، يعمل على سياسة خارجية لا تنسجم مع الخط الحازم لقادة الميليشيات الشيعية المؤيدة لإيران تجاه الولايات المتحدة، وبخاصة تجاه دور القوات الأمريكية في العراق، التي تدعو الميليشيات إلى طردها بل ونفذت عمليات ضدها. بعد وقت قصير من تسلمه مهام منصبه، ثبت السوداني في رأس جدول أعمال حكومته مهمة مكافحة الفساد، ومشاكل الأمن (وفي مركزها القتال ضد خلايا داعش الإرهابية)، وإعادة بناء الشبكات المدنية المتعطلة في أرجاء العراق، مع التشديد على شبكتي الكهرباء والمياه. في المجال الخارجي، أوضح السوداني بأنه من أجل جعل العراق دولة مستقرة وتؤدي مهامها، لن تسمح لنفسها بأن تكون جزءاً من أحد المعسكرين الخصمين في المنطقة، أو تشكل ساحة صراع إقليمية أو تقطع العلاقات مع الولايات المتحدة.

عمل السوداني على تحقيق هذه الأهداف السياسية، داخلياً وخارجياً، فور تسلمه مهام منصبه. بداية، اتخذ خطوات للسيطرة على الأموال التي سلبت من الدولة عقب الفساد السلطوي، وإدارة إجراءات قضائية ضد المشاركين في الفساد في عهد الحكومة السابقة. أما في السياق السياسي – الأمني، فلم يتردد السوداني في أن يضمن دعم حكومته للوجود الأمريكي في أراضي الدولة، لغرض الحرب المشتركة ضد تنظيم داعش، فضلاً عن أن هذا الكفاح يتعارض وموقف الميليشيات المشاركة في ائتلاف السلطة. في المقابلات التي منحها لوسائل الإعلام المحلية والدولية، أطلق السوداني إشارات تهدئة للولايات المتحدة في أن وجود قواتها لا يزال ضروريًا لمكافحة الإرهاب. في زيارة وزير الخارجية فؤاد حسين إلى الولايات المتحدة، عمل على بلورة تفاهمات تسمح برفع العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة على بنوك عراقية بسبب تهريب الأموال إلى إيران وإلى دول أخرى. ويفترض بهذه التفاهمات أن تساعد العراق على التصدي للأزمة الاقتصادية المتفاقمة بسبب انخفاض قيمة الدينار العراقي ما دامت العقوبات الأمريكية تمس بتدفق الدولارات إلى العراق.

واضح أنه بعد أن التقى السوداني بكبار مسؤولي النظام الإيراني في طهران في بداية ولايته، أدرك بأن إدارة الدولة تتطلب منه المحافظة على استقرار العلاقات مع الولايات المتحدة، عقب المرسى الاقتصادي الذي للعملة الأمريكية في الاقتصاد العراقي. وعليه، فإنه يميز حكومته عن المواقف الصقرية لإيران والميليشيات المؤيدة لإيران بالنسبة للوجود الأمريكي في العراق، بل ويشجع الولايات المتحدة على إبقائها هناك لأهميتها لأمن العراق ومد اليد لدول غربية عديدة، وذلك لاجتذاب الاستثمارات الاقتصادية إلى الدولة.

في السياق الإيراني، يواصل السوداني سياسة أسلافه في المنصب. فإلى جانب رغبته في تمديد الوجود الأمريكي في الدولة، يواصل السوداني الحفاظ على علاقات طيبة مع القيادة الإيرانية لتبديد كل تخوف في طهران من هذه السياسة. وزار مؤخراً بغداد الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، الأدميرال علي سمحاني، ووقع اتفاقاً أمنياً بين الدولتين. على هذه الخلفية، ليس مفاجئاً أن سارع العراق للثناء على الاتفاق الذي تحقق مؤخراً بين إيران والسعودية، والذي كان العراق الوسيط المركزي للتوصل إليه حتى انتقل الصولجان إلى الصين. هذا الاتفاق يخدم مصلحة العراق العميقة في ألا يكون بنفسه ساحة صدام بين إيران والسعودية.

تصريحات السوداني وخطواته السياسية تجاه إيران، والولايات المتحدة، والعالم العربي، وتركيا، تدل على جهوده للتقليل من الآثار السلبية للخصومات والنزاعات الإقليمية على العراق. وتجد سياسة السوداني تعبيرها في حوار سياسي وأمني متواصل مع إيران ومع الولايات المتحدة، في توثيق العلاقات الاقتصادية مع دول الخليج العربية ومحاولات بلورة تفاهمات مع تركيا في موضوع توزيع مصادر المياه الطبيعية بين الدولتين وفي المسألة الكردية.

بالتوازي، فإن تركيزه على جهود استقرار العراق والسماح له بتنمية اقتصادية مدنية يستهدف نيله ثقة الجمهور وثقة القوى السياسية غير الموالية لإيران. ويشار إلى أن الجمهور العراقي لم يختر هذه الحكومة للحكم في الانتخابات الأخيرة، بل قبل بها كأهون الشرور مع تخلي المرشح المنافس، صاحب الفرص الأكبر لتشكيل الحكومة مقتدى الصدر. وبالتالي، واضح للسوداني بأنه إذا ما تفاقم الوضع الأمني والاقتصادي في العراق، فإن الحكومة برئاسته والتي شكلها المعسكر المؤيد لإيران ربما تفقد الثقة التي منحتها إياها الكتل البرلمانية. فالخصوم السياسيون الطبيعيون – وعلى رأسهم مقتدى الصدر –يرونها كلحظة مناسبة لمهاجمته، إن لم يكن في البرلمان ففي الشوارع. وهذا ليس سيناريو افتراضياً فقط، إذا ما أخذنا بالاعتبار الاحتجاج الذي نشب في العراق في 2019 على خلفية اجتماعية – اقتصادية والذي عبر عن مشاعر مناهضة لإيران حتى في أوساط الشباب الشيعي وترافق وتدهور في الوضع الاجتماعي الاقتصادي في السنوات التالية.

ومع ذلك، يبدو أن السوداني يعترف بقيود قوة الدولة العراقية في الوضع الحالي: دولة تعززت فيها الميليشيات المؤيدة لإيران في أراضيها برعاية التدخل الإيراني، بل إن الحكومة تعتمد الآن على دعمها الائتلافي. وعليه فإن السوداني يعمل على إرضائها بالامتيازات المؤسساتية، سواء بتعيين ممثليها في مناصب حكومية أم بشكل غير مسبوق في العراق، من خلال إقامة شركة حكومية تديرها الميليشيات الأكبر “الحشد الشعبي”. شركة “المهندس” (التي تحمل اسم عبد المهدي المهندس قائد الحشد الشعبي الذي صفته الولايات المتحدة إلى جانب قاسم سليماني) يفترض أن تدير مشاريع بنى تحتية إقليمية، تشكل مصدر دخل للميليشيات، مثل النموذج القائم في الحرس الثوري في النظام الإيراني. ومع أن الميليشيات من جهتها لا تعبر عن تأييدها للتفاهمات التي حققها السوداني مع الولايات المتحدة بل وبعضها يعلن عن أنها غير ملتزمة بسياسة الحكومة، ولكن من جهة أخرى طرأ في الأشهر الأخيرة انخفاض واضح في عدد الهجمات التي تشنها الميليشيات المؤيدة لإيران ضد القوات الأمريكية في الأراضي العراقية.

أما بالنسبة إلى نهج الإدارة الأمريكية تجاه المسألة العراقية، فيبدو أن لا جديد تحت الشمس. صحيح أن الإدارة تركز على مسائل متنوعة أخرى وعلى رأسها المعركة في أوكرانيا والتوتر المتزايد مع الصين، وهذه تدحر مسائل الشرق الأوسط بعامة والعراق بخاصة في سلم الأهلية، لكن لا تزال اللقاءات التي عقدت بين المسؤولين الأمريكيين والسوداني وزيارة وزير الدفاع لويد أوستن إلى العراق مؤخراً تشير إلى الأهمية التي تنظر فيها الإدارة بالحفاظ على استقرار العراق. يبدو أن الإدارة مستعدة لدعم حكومة السوداني رغم كونها مدعومة من الميليشيات الشيعية وأساساً كي تمنع طلباً عراقياً من القوات الأمريكية الانسحاب من الدولة تماماً. وذلك لأن الإدارة تولي أهمية كبيرة في تدشين أجسام الأمن العراقية بهدف منع عودة داعش إلى الساحة العراقية. لهذا الغرض، لا يزال موظفو الإدارة مستعدين لإبداء مرونة نسبية في ما يتعلق بالتسهيلات للحكومة العراقية التي تسمح لها بمواصلة إدارة علاقات اقتصادية مع إيران، بما في ذلك استيراد النفط والغاز منها.

ولا يزال التحدي الأهم أمام الحكومة العراقية هو وجود الميليشيات في الدولة. ويزداد هذا التحدي في ضوء تزايد الهجمات من جانب تلك الميليشيات المدعومة من إيران ضد مصالح وقواعد أمريكية في سوريا، انتقاماً لهجمات تتعرض لها هذه من جانب جهات مختلفة في المجال السوري. ويدل التأخر في رد الإدارة على الهجمات ضدها حتى مهاجمتها لمنشآت الميليشيات المؤيدة لإيران في دير الزور في آذار 2023 على التخوف من أن هذه الردود قد تفتح “صندوق مفاسد” ما يؤدي إلى تصعيد خطير في العراق سيصعب على القوات الأمريكية أن تعطي جواباً له ويضعضع النظام السياسي والأمني في الدولة.

أما إسرائيل، من جانبها، فترى في سياسة السوداني “وردة ذات أشواك”. فقدرة الولايات المتحدة على مواصلة العمل عسكرياً في العراق وممارسة نفوذها فيه، هي مصلحة إسرائيلية وسياسة حكومة السوداني تدفع بها قدماً. لكن ليس في ذلك ما يقلل من نشاط القوات المشاركة في المحور الشيعي، بما في ذلك الحرس الثوري الإيراني والميليشيات المؤيدة لإيران، والتي تتعزز برعاية الحكومة التي تعتمد على مشاركة هذه الميليشيات وحصولها على مرابح اقتصادية لم يسبق أن حازتها. فضلاً عن ذلك، فإن إجراءات حكومة السوداني حتى الآن لا تمنع حرية عمل الميليشيات وعمل إيران في منطقة الحدود بين العراق وسوريا – مثلما تشهد تقارير الصحافة الأجنبية، التي عزت لإسرائيل في الأشهر الأخيرة عمليات إحباط وتهريب السلاح، عبر معبر الحدود بين العراق وسوريا، في هجمات جوية.

https://www.inss.org.il/he/publication/iraq-usa-iran/

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى