الضفة

معهد الامن القومي – التصعيد في الضفة الغربية اشارة الى الحاجة لتغيير استراتيجية وسياسة اسرائيل

نظرة عليا – مقال – 18/12/2018

بقلم: كوبي ميخائيل واودي ديكل

شهد الاسبوع الماضي موجة ارهاب في الضفة الغربية وفي شرقي القدس، دمجت انماط العمل المعروفة من الماضي: عمليات اطلاق نار من سيارة، تسلل الى مستوطنة، طعن ودهس. ورفعت سلسلة العمليات عدد الاسرائيليين الذين قتلوا في السنة الاخيرة في العمليات الى 13. عمليات اطلاق النار على المحاور، ولا سيما من سيارة مارة، كانت الاكثر نجاعة بمعنى الحاق الاصابات وسمحت أيضا باحتمالات بقاء عالية نسبيا للخلية المنفذة. عمليتا اطلاق النار، هما الاخطر في هذه الموجة، منسوبتان لشبكة من حماس في منطقة رام الله.

لقد عكست هذه العمليات سلم اولويات حماس في الوقت الحالي: تنفيذ عمليات في الضفة الغربية والحفاظ على الهدوء في القطاع. لقد صرح يحيى سنوار زعيم حماس في قطاع غزة، في اعقاب بلورة التفاهمات لوقف النار في القطاع في تشرين الثاني، فان هذه لا تنطبق على الضفة وأكدت العمليات هذه السياسة، مثلما هو أيضا التحسن في خبرة وجسارة رجال حماس. فنجاح حماس في تنفيذ عمليات في منطقة رام الله – المركز والرمز السلطوي للسلطة الفلسطينية، بنية الدفع نحو عملية لقوات الجيش الاسرائيلي بمحاذاة مراكز السلطة، استهدف اهانة السلطة الفلسطينية وضعضعة مكانتها – وهو هدف هام بالنسبة لحماس في اطار الجهود للسيطرة على الضفة الغربية. وبالفعل، تضمن الرد الاسرائيلي العسكري اغلاقا على منطقة رام الله واتخاذ أنماط عمل هجومية تضمنت توغلا لمراكز مدن فلسطينية ولا سيما رام الله، في ظل تصعيد الاحتكاك مع السكان الفلسطينيين.

تضع الاحداث في الاختبار، لاول مرة منذ تشرين الاول 2015 (اندلاع “انتفاضة السكاكين”)، المفهوم الاستراتيجي الاسرائيلي في إدارة النزاع في جبهتين منفصلتين في الساحة الفلسطينية: قطاع غزة والضفة الغربية. تبقي الاحداث وما فيها من امكانيات تصعيد كامنة ظلا حقيقيا على نجاعة “تقديس” الهدوء الامني دون فعل سياسي، والاعتماد على “الوضع الراهن” الوهمي، الذي تحت رعايته يتم التوسع الاستيطاني، تهيئة الظروف القانونية لضم مناطق في الضفة وسد الخيار للتقدم في تسوية الدولتين. وفي نفس الوقت يتسارع ضعف المنظومة السلطوية للسلطة الفلسطينية حتى خطر التفكك. والفرضية بشأن تثبيت الفصل والعزل بين الكيانين الفلسطينيين، في غزة وفي الضفة، الى جانب تقدير القدرة لشل نفوذ حماس على الضفة الغربية لا تصمد هي الاخرى اختبار احداث الاسبوع الاخير.

ان الفكرة الاستراتيجية التي توجه سياسة اسرائيل تعتقد بانه يمكن تحقيق هدوء في الضفة الغربية من خلال تحسين نسيج حياة السكان الفلسطينيين وتسهيل الحركة في المنطقة. وعزز الاستقرار النسبي هناك على مدى الزمن هذه الفرضية. اما في قطاع غزة، بالمقابل، وأساسا عقب جولة المواجهة الاخيرة بين اسرائيل وحماس، فسجل تآكل في الردع الاسرائيلي، بعد أن اعتبرت اسرائيل كمن تستسلم لابتزاز حماس وتتفضل من أجل الحصول على هدوء امني بالسماح بالتسهيلات على المستوى الانساني وبتوفير احتياجات الحياة في القطاع، ضمن امور اخرى من خلال المال القطري. ولكن، بخلاف سياسة العزل بين الضفة والقطاع التي تتخذها اسرائيل، لا يمكن الغاء الصلات بينهما. فالتسهيلات التي اتخذت تجاه القطاع عبرت عمليا  عن تسليم بحكم حماس في المنطقة في ظل اجراء مفاوضات معها (حتى وان كانت غير مباشرة). وذلك، الى جانب استمرار الطريق السياسي المسدود مع السلطة الفلسطينية، والذي يضعفها ويشل مكانتها وشرعيتها الجماهيرية، التي تواجه على اي حال انتقاد جماهيري واسع.

من  المهم التعاطي مع سياقات ثلاثة اخرى للاحداث: الاول هو الصراع بين السلطة الفلسطينية – وفي اساسها حركة فتح – وبين حماس على قيادة المعسكر الفلسطيني. فرئيس السلطة، محمود عباس، يفرض عقوبات اقتصادية على القطاع وعلى حكم حماس في المنطقة، بينما تمنح حماس بدورها المصالحة الفلسطينية الداخلية عقب عدم استعدادها للتنازل عن بنيتها التحتية العسكرية واحتكارها للقوة في القطاع، والى جانب ذلك تحاول ضعضعة سيطرة السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية من خلال التصعيد في الوضع الامني؛ والثاني هو دور وتأثير ايران وتركيا على التطورات في الساحة الفلسطينية؛ والثالث هو الحاجة الى تفكير شامل حول معاني المواجهة الموازية في الجبهات الثلاثة – قطاع غزة، الضفة الغربية و جنوب لبنان.

لقد وقعت احداث الاسبوع الاخير على خلفية جهد احباطي متواصل يقوم به جهاز  المخابرات والجيش الاسرائيلي. وعلى حد قول رئيس المخابرات، ففي العام 2018 احبطت نحو 480 عملية ارهابية، بما فيها شبكات عسكرية لحماس. ويشهد الجهد الاحباطي وحجم الاحباطات على امكانية تصعيد قائمة كل الوقت، وعلى دافعية عالية لمنفذي الارهاب ولا سيما حماس. ويترجم الجمود في المسيرة السياسية الى جانب اليأس العميق للسكان الفلسطينيين في مناطق السلطة وخيبة الامل من القيادة السياسية وادائها، الى تطرف في المزاج العام. وقد وجدت هذه المشاعر تعبيرها في سلسلة استطلاعات اجريت في الاونة الاخيرة في اوساط الجمهور الفلسطيني في الضفة (هكذا مثلا، وفقا لاستطلاع اجراه معه واشنطن، فان 57 في المئة من سكان الضفة الغربية اعربوا عن تأييدهم لاعطاء امكانية لحماس لاستئناف نشاطها العسكري هناك؛ التأييد لاستئناف الكفاح المسلح ضد اسرائيل قدر بـ 25 في المئة، مقابل 25 في المئة فقط لتأييد استئناف المسيرة السياسية؛ واعرب 63 في المئة من سكان الضفة عن تحفظهم من التعاون الامني مع اسرائيل). واشارت النتائج الى ارتفاع في تأييد فكرة الدولة الواحدة، على حساب  التآكل في تأييد حل الدولتين.

في المفترق الحالي، فان اسرائيل ملزمة بان تتناول سلسلة اسئلة هي في قلب مفهومها الاستراتيجي: السؤال الاول هو هل يمكن الابقاء على العزل بين الضفة الغربية وقطاع غزة؟ فاحداث الاشهر الاخيرة تثبت بانه لا يمكن تحريك مسيرة دولية واسعة وهامة لاعادة بناء قطاع غزة دون مشاركة السلطة الفلسطينية. ليس هذا وحسب، بل انه لا يمكن بلورة تفاهمات مع حماس دون حساب آثار مجرد التجربة ونتائجها على مكانة السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية. سؤال الاسئلة في هذا السياق هو هل ستسلم اسرائيل بتآكل الردع حيال حماس بينما “تتمتع” المنظمة بثمار الهدوء في القطاع وبالمقابل تبادر الى عمليات ارهابية في الضفة الغربية. من هنا ينبع ايضا رفع الرأس وتعزيز الدافعية للعمليات لدى محافل ارهابية اخرى؛ السؤال الثاني ذو صلة بالهدف الاستراتيجي الاسرائيلي في الساحة الفلسطينية. فهل يجب مواصلة تقديس الوضع الراهن، وبالتواصل مع ذلك – من هو الشريك المرغوب فيه لاسرائيل – السلطة الفلسطينية أم حماس، واذا لم يكن مفر من التعاطي معهما الاثنين، فكيف يكون من الصواب عمل ذلك. في التفاهمات مع حماس، التي تحققت في تشرين الثاني، اشارت اسرائيل الى أنها تفضل “اغلاق الامور” مع الجهة التي تستخدم القوة ضدها؛ السؤال الثالث يرتبط بقوة  العلاقة بين الساحة الفلسطينية والساحة الشمالية. وحسب تعريف حكومة اسرائيل، فان الساحة الشمالية هي الساحة الاساسية من ناحية جهاز الامن، اما الساحة الفلسطينية فهي ثانوية (وبالتالي فان اسرائيل تفرض على نفسها قيودا في استخدام القوة في هذه الساحة). اما ايران وحزب الله من جهتهما فيشجعان عناصر الامن في الساحة الفلسطينية لتصعيد الاحداث ضد اسرائيل، على اساس التقدير بان هز الاستقرار في هذه الساحة سيجعل من الصعب على اسرائيل العمل في الساحة الشمالية. وعليه، فان ايران تساهم في تعزيز شبكات حماس العسكرية بالمال وبالمعرفة وتساعد صالح العاروري، زعيم حماس الذي يقود خلايا حماس في الضفة الغربية من تركيا ومن لبنان.

وأخيرا، فان موجة الارهاب تتغذى وتتأثر ايضا من البنية التحتية النفسية للجمهور الفلسطيني، والتي تتشكل من خلال التحريض المنهاجي المتواصل. ففتح والسلطة الفلسطينية في الضفة الغربية يعرضون الارهابيين كأبطال (“شهداء”)، يقاتلون من أجل الشعب الفلسطيني. وقد دعت حركة فتح الفلسطينيين الى تصعيد المواجهات في ارجاء الضفة احتجاجا على موت ثلاثة فلسطينيين قاموا بالعمليات، ولمنع اسرائيل من الحصول على اي معلومات من كاميرات المتابعة وعدم نشر معلومات في الشبكات الاجتماعية. ومع ذلك، اعربت السلطة الفلسطينية عن معارضتها للعنف ولكن ايضا لـ “ارهاب المستوطنين”، وادعت بانه يجب وقف التحريض. من المهم ان تجري اسرائيل حوارا مع السلطة الفلسطينية على السبل لتقليص التحريض والا تكتفي بالرسائل الاعلامية والسياسية “لعرض الوجه الحقيقي للسلطة الفلسطينية”.

التوصيات لاسرائيل

ان الاجوبة على الاسئلة التي عرضت كفيلة بان تشير الى الحاجة لتغيير نمط التفكير القائم الذي يحتمل ان يكون قد استنفد، وتبني نمط تفكير جديد يكون فيه ما يقدم جوابا مناسبا لمصالح اسرائيل الاستراتيجية، وليس فقط للمصالح الفورية في كل لحظة يتجدد فيه التصعيد.

على خلفية التطورات التي سجلت في السنة الاخيرة، لا يمكن لاسرائيل بعد اليوم أن تستند الى مفهوم “الوضع الراهن”، الذي لم يعد ثابتا عمليا، والى التفكير بانه من خلال تحسين شروط المعيشة للسكان الفلسطينيين في الضفة الغربية وفتح المعابر لدخول البضائع والمنتجات الاساسية الى قطاع غزة، ستتمكن من الحفاظ على الهدوء الامني وكسب الوقت كي تتهرب من اتخاذ القرارات اللازمة في القضية الفلسطينية، دون تحديد اهداف سياسية واضحة وفي ظل الامتناع عن المفاوضات. فالفراغ السياسي يسمح ايضا لرؤساء الاستيطان اليهودي في الضفة الغربية للضغط على الحكومة لتنفيذ خطوات، تعتبر مسرعة للضم، تمس بنسيج الحياة المعقول للسكان الفلسطينيين في المنطقة وفي جودة التنسيق مع اجهزة امن  السلطة الفلسطينية.

فمساهمة الاجهزة في الاستقرار النسبي على مدى الزمن ليس مشكوكا فيها بل وثبتت كناجعة للغاية في الايام الاخيرة حين قمعت مظاهرات التأييد العنيفة لحماس والتي جرت في مدن الضفة.

في الرؤية الاستراتيجية، ليس صحيحا التمسك بسياسة الرد وتفضيلها على المبادرة لتصميم واقع اكثر استقرارا لاسرائيل. من المهم ان نفهم بانه حتى في غياب اعلان اسرائيلي رسمي عن تفضيل حل الدولة الواحدة وحتى في غياب خطوات حقيقية لضم مناطق في الضفة الغربية فان الواقع المتحقق هو واقع الدولة الواحدة. ومن أجل وقف الانزلاق الى هذا الواقع فاننا نقترح “خريطة طريق استراتيجية” تعتمد على اربعة اضلاع: الحفاظ على حرية العمل الامني في كل المنطقة، ولكن في ظل التقليص الهام لامكانية الاحتكاك مع السكان الفلسطينيين؛ استمرار التعاون الامني مع اجهزة الامن الفلسطينية والمساعدة في تحسين قدرة حكم السلطة الفلسطينية. عرض افق سياسي – الاستعداد للدخول في مفاوضات مع السلطة على تسويات انتقالية، المعالجة في البداية لمسائل قابلة للحل والتطبيق الفوري للاتفاقات؛ المساعدة من جانب اسرائيل للمساعي الدولية والاقليمية لاعادة بناء قطاع غزة، بشرط أن تتم من خلال السلطة الفلسطينية مع استئناف سيطرتها في المنطقة. ان المصلحة الاستراتيجية لاسرائيل هي سلطة فلسطينية مستقرة تؤدي دورها وتكون عنوانا مسؤولا، وسيكون الخطأ من جانب اسرائيل السماح لحماس بتنفيذ الارهاب في الضفة وفي نفس الوقت ان  تتمتع بالهدوء وبامكانية التعاظم في القطاع.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى