#ترجمات عبرية

معهد الامن القومي الاسرائيلي – بقلم  يونتان تسويف وكوبي ميخائيل – انتخابات فلسطينية – رهان ، فرصة أم ربما مناورة سياسية

نظرة عليا – بقلم  يونتان تسويف وكوبي ميخائيل – 3/2/2021

” الى اين يسعى رئيس السلطة محمود عباس بقراره اجراء الانتخابات. فهل هذه مناورة لاعادة القضية الفلسطينية الى الصدارة ام لحمل الاطراف على استئناف المفاوضات معه بشروط افضل “.

نشر رئيس السلطة الفلسطينية في 16 كانون الثاني 2021 مرسوما رئاسيا يأمر باجراء انتخابات للمؤسسات الوطنية الفلسطينية الثلاثة – الرئاسة، المجلس التشريعي والمجلس الوطني الفلسطيني. ويقضي المرسوم بان تجرى الانتخابات بشكل تدريجي ابتداء من ايار 2021 حتى آب 2021. وكان المرسوم السابق لاجراء الانتخابات نشر في 2009، والغي بمرور أقل من 120 يوم في اعقاب الانقسام بين فتح وحماس. هذه المرة يدور الحديث عن محاولة اولى لاجراء انتخابات للمجلس الوطني الفلسطيني الذي منذ تأسيسه عين معظم اعضائه ولم ينتخبوا.

نشر المرسوم بينما تعيش الساحة الفلسطينية أزمة داخلية وخارجية حادة، بعد سنوات من ادارة ترامب التي دحرت القضية الفلسطينية الى الزاوية، على خلفية وباء الكورونا، وقيادة فتح وحماس على حد سواء تتعرض لانتقاد جماهيري لاذع. عباس، الذي اوقف على سبيل الاحتجاج التنسيق الامني مع اسرائيل في عهد ترامب سارع لاستئنافه ما أن علم بانتصار جو بايدن في الانتخابات للرئاسة الامريكية وتسبب بذلك بوقف مساعي المصالحة بين كل الفصائل الفلسطينية. اما تخلي حماس عن مطلب اجراء الانتخابات في موعد واحد لكل المؤسسات الثلاثة، والذي طرح في محادثات المصالحة كشرط لاجراء الانتخابات، فقد ازال العائق امام اجرائها. 

يخلق نشر المرسوم آلية في الساحة السياسية والجماهيري الفلسطينية. فالانتخابات تعد خطوة تشهد  ظاهرا على احتمال اعلى مما في الماضي بمصالحة فلسطينية داخلية. فقد أعلنت منظمات وجماعات معينة عن نيتها التنافس، واخرى، ومنها الجهاد الاسلامي، بخلاف المقاطعة التي فرضوها حتى الان على الانتخابات، تتردد. يسعى الكثيرون لان يروا في القيادة شخصيات جديدة، شابه، لا تتماثل مع المؤسسة القائمة، وحتى في فتح يبدو واضحا الترقب لسحب ترشيح عباس. ولكن مشكوك أن تكون هذه الآمال قابلة للتحقق. في الملعب سيتنافس مرة اخرى اللاعبان الكبيران، فتح وحماس، اللذان يتناكفان فيما بينهما منذ سنين دون حسم. تحدٍ هام على نحو خاص يقف امام فتح، المنقسمة على خلفية خصومة شخصية الى معسكرين. ومن شأن الانقسام ان يؤدي الى انتصار حماس، مثلما في الانتخابات التي جرت في 2006، ولكن مشكوك ان تكون حماس التي يشكل طريق المقاومة المسلحة الذي تتبناه هدفا لانتقاد صاخب منذ المواجهة العسكرية مع اسرائيل في 2014، معنية حقا بالانتصار. وذلك عقب الشرعية الدولية المحدودة لها، والتي افرغت انتصارها السابق من مضمونه. في هذه المرحلة تسعى المنظمة لان تنخرط في قيادة السلطة الفلسطينية وفي المؤسسات الوطنية، بما فيما م.ت.ف، وهكذا تبني لنفسها شرعية من الداخل وفي الساحة الدولية. يمكن لنشر مرسوم الانتخابات ان يعتبر في الوقت الحالي انجازا مشتركا لجبريل الرجوب، مسؤول فتح، وصالح العاروري، مسؤول حماس اللذين عملا على تحقيق المصالحة بين المنظمتين مع العلم انها ليست مثابة ضمانة لاجرائها بسبب عدة عوائق: 

  • مشاركة شرقي القدس في الانتخابات كما يشير المرسوم الرئاسي، مشروطة بموافقة اسرائيل. ومع أنه يمكن التغلب على عدم موافقة اسرائيل  من  خلال  التصويت الالكتروني أو الخروج أو التصويت في خارج نطاق شرقي المدينة، ولكن المعنى سيكون مصاعب وصول وانخفاض في عدد المقترعين.
  • تخوف فصائل المعارضة من صدق نوايا فتح وحماس وامكانية أن تتنافس الحركتان في قائمة مشتركة او توافقان على توزيع المقاعد بينهما. ولا ينفي المتحدثون بلسان الحركتين امكانية كهذه بل ويطرحانها كمسألة شرعية للبحث في محادثات الاعداد التي يفترض أن تجرى في القاهرة.
  • اغتراب شديد من جانب الجمهور الغفير، ولا سيما في اوساط الشباب والذي يرى في الانتخابات كآلية لضمان مكانة القيادتين الفاشلتين، اللتين فقدتا الحيوية والشرعية. وعلى هذه الخلفية تسمع دعوات لاقامة أطر سياسية جديدة. 
  • غضب جماهيري عقب الضائقة الاقتصادية الواسعة بسبب قرار عباس عدم تلقي اموال الضرائب من اسرائيل. والغضب واضح ايضا في اوساط العديد من الموظفين في قطاع غزة، القريبين من طاولة السلطة، ممن تقلصت رواتبهم في السنوات الاخيرة. كل هذا من شأنه أن يؤثر على مدى ثقتهم بهذه الانتخابات بل ومحاسبتهم في يوم الانتخابات اذا ما شاركوا فيها. ويعد عضو اللجنة المركزية لفتح احمد حلس، رجل غزة، باسم عباس لاعادة الوضع كما كان قبل التقليصات. 
  • نية محمد دحلان للتنافس وبخاصة امكانية أن يرتبط بمروان البرغوثي الشعبي وكذا انتقاد  ابن  اخت ياسر  عرفات ناصر القدوة الذي اقترب من دحلان لاجراء الانتخابات قبل المصالحة، يزيدان التخوف في اوساط عباس ومقربيه. ويقترح ممثلو دحلان، للبروتوكول فقط لعلمهم أنهم لن يستجابوا، ان يتنافسوا في قائمة فتح مشتركة ويحذرون من انقسام يؤدي الى اقدام الحركة لمكانتها التاريخية. 

من أجل ضمان رد على كل تطور محتمل، اتخذ عباس قبل بضعة ايام من نشر مرسوم الانتخابات، خطوتين بعيدتي الاثر. الاولى هي الاصلاح الذي اجراه في جهاز القضاء وفي اطارها اعلن عن اقامة محكمة ادارية مستقلة اخضعها له مباشرة. الامر الذي يسمح له ظاهرا بان يتخذ جملة واسعة من الاعمال بما فيها حل البرلمان، تأجيل الانتخابات بل وحتى الغاءها، وكذا فرض قيودا على موظفي الدولة المعنيين بان ينتخبوا. الخطوة الثانية هي تغيير القانون الذي يقول ان هذه ليست انتخابات للسلطة الفلسطينية بل لدولة فلسطين. اي للرئيس وللمجلس التشريعي لدولة فلسطين كما الغى الاشتراط الذي تقرر في قانون 2007 بعد انتصار حماس في 2006 والذي بموجبه كل مرشح للانتخابات عليه أن يقبل بالالتزامات التي اتخذتها م.ت.ف على عاتقها. الخطوة الاولى تثير غضبا شديدا من جانب رجال قانون واصحاب رأي فلسطينيين بسبب المس بالمحاكم والصلاحيات الكثيرة التي اخذها عباس لنفسه، والثانية، التي معناها العملي انتهاء مفعول اتفاقات اوسلو واعطاء خيار لطرح ترشيحات للمنظمات التي لا تعترف بـ م.ت.ف، تعارض سياستها وترفض وجود اسرائيل، لم تبعث على ردود فعل حقيقية. 

وبالتالي يثور السؤال حول نوايا عباس. ما الذي يحركه، في سنه العالية، ان يجري عشية الانتخابات اصلاحا على هذا القدر من الاهمية في جهاز القضاء وتغيير قانون الانتخابات بشكل يكون من شأنه ان يورطه مع ادارة بايدن، فيما أن القرار لاجراء الانتخابات يستهدف عمليا ارضائها؟ لماذا ضاقت عليه السبل ليجري انتخابات بعد تأجيلات لكل محاولات المصالحة الفصائلية في السنوان الاخيرة؟ افلا يخشى آثار الانشقاق والانقسام في صفوف فتح نفسها؟

يكمن الجواب في شكل سلوكه في الفترة الاخيرة، كملك كلي القدرة. على المستوى السياسي نفذ ظاهرا خطوتين متضاربتين. من جهة استأنف التنسيق الامني مع اسرائيل واعرب عن استعداد علني للعودة الى مفاوضات سياسية في اطار دولي دون استبعاد الولايات المتحدة كوسيط حصري (مثلما في فترة الرئيس ترامب)، ومن جهة اخرى استأنف عملية المصالحة مع حماس، لدرجة الاعلان عن انتخابات. غير أن مسيرة سياسية مع اسرائيل لن تستأنف دون ازالة المطالب الثلاثة التي طرحتها الرباعية على حماس كشرط لمشاركتها في المفاوضات (الاعتراف باسرائيل، هجر الارهاب واحترام الاتفاقات التي وقعتها م.ت.ف). حماس لا تزال ترفض هذه الشروط وليس واضحا كيف سينجح عباس في تجنيد شرعية دولية لحكومة مشتركة مع حماس، وان يضمن التعاون مع اسرائيل واستئناف المسيرة السياسية. 

في ضوء هذه المصاعب والعوائق، فهل يمكن الافتراض بان المرسوم لاجراء الانتخابات هو عملية مناورة سياسية؟ هل يحتمل أن يكون عباس وقيادة فتح يقدران بانهما سيتمكنان من اقناع ادارة بايدن واوروبا، بينما يستندان الى عدائهم المشترك تجاه ادارة ترامب، لمنح شرعية لادماج حماس في الحكم؟ أم ربما هذه محاولة لصد  الضغط الداخلي والخارجي لاجراء انتخابات ديمقراطية، والايضاح للامريكيين والاوروبيين بان انتخابات حرة تستوجب مشاركة حماس. بل ويحتمل ان تكون هذه محاولة للتقرب من الولايات المتحدة واوروبا لخلق ضغط على اسرائيل للموافقة على استئناف المسيرة السياسية في شروط مريحة اكثر للفلسطينيين – امكانية مفضلة بالنسبة للخطر الكامن في مشاركة حماس في الانتخابات. 

يحاول عباس المناورة بين هذه القيود ومن غير المستبعد ان يكون اختار نشر مرسوم الانتخابات كي يحرك مسيرة، لن تؤدي بالضرورة الى اجرائها. بعد أن تنازلت حماس عن مطلب اجراء الانتخابات لكل المؤسسات في موعد واحد لم يتبقَ لعباس غير نشر مرسوم الانتخابات – وذلك بعد أن حول الى يديه معظم الصلاحيات التي تعطيه السيطرة في الساحة الفلسطينية قبل، بين وبعد معارك الانتخابات. يبدو أنه يقدر بان الخطوات التي اتخذها وفشل خطة ترامب الذي يعود في الساحة الفلسطينية بقدر كبير الى فضله، ستسمح له بان يعيد بناء منظومة العلاقات مع الولايات المتحدة وربما حتى الى تحقيق خطوات سياسية تكون متطابقة مع استراتيجية بايدن وان يضمن ايضا مكانة فتح والعمل المنتظم للاجهزة التي بنيت في 15 سنة حكمه. صحيح ان احدا لم ينسب لعباس مزايا المغامر مقارنة بسلفه ياسر عرفات ولكن يبدو ان في آخر ايامه يشعر واثقا بما يكفي كي يتخذ قرارات في ظروف من انعدام اليقين رغم المخاطر التي تنطوي على ذلك. يحتمل أيضا أنه يلاحظ بعض التنازل في موقف حماس في التشديد الاكبر منذ عرض خطة ترامب على اهتمامها بالانخراط في الساحة السياسية الفلسطينية، تسعى للمصالحة الفصائلية بل وتمتنع عن المهاجمة الفظة والعلنية لاستئناف التنسيق مع اسرائيل. 

على اي حال، اذا كان عباس يفضل بالفعل الامتناع عن الانتخابات، رغم نشر المرسوم بشأنها، فان تفضيله ينسجم مع تفضيل اسرائيل بعدم اجرائها. إذ أن  من شأنها أن تنتهي بفشل عباس نفسه وبفشل فتح. فرغم مصاعب حماس فانها توجد في موقف انطلاق  افضل من فتح. والمس باستقرار السلطة الفلسطينية وتهديد بقائها ونزول عباس عن المنصة كل هذا لا يخدم المصلحة الامنية الاسرائيلية. ومع ذلك فان على  اسرائيل أن تمتنع عن ان تظهر كمن تمس باجراءات ديمقراطية في  الساحة الفلسطينية. وبالتوازي عليها ان تبرز، في القنوات الامنية وكذا في قنوات التنسيق مع الادارة الامريكية، ومع فرنسا والمانيا، اللتين تتمتعان بتأثير ما على عباس، وكذا مع الدول العربية ذات الصلة، مع التشديد على مصر والاردن، نوايا عباس – الى اين يسعى لان يقود الساحة الفلسطينية. هل بالفعل انتهى عصر اوسلو في نظره أم ربما هذه محاولة لاعادة المسألة  الفلسطينية الى جدول الاعمال الدولي أم المصلحتين معا. مهما يكن من أمر خير تفعل اسرائيل اذا ما رسمت افقا جديدا وباعثا على الامل فيه ما يعزز مكانة السلطة الفلسطينية من خلال استئناف المسيرة السياسية، بتنسيق وثيق مع الادارة الامريكية وشركائها الاقليميين  والعمل على تحسين الاقتصاد في  الساحة الفلسطينية من خلال ضمه الى الاطار الاقتصادي لاتفاقات ابراهيم، وفي نفس الوقت عليها أن تحرص على فرض القانون والنظام في مناطق الضفة الغربية لتقليص التوتر بين سكان المنطقة الاسرائيليين والفلسطينيين. 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى