#ترجمات عبريةشؤون إسرائيلية

معهد الامن القومي الاسرائيلي: إسرائيل في 2023: هزات جيوسياسية خارجية تلتقي مع التحدّيات الداخلية

معهد الامن القومي الاسرائيلي 24-1-2023، بقلم: البروفيسور مناويل تريختنبرغ: إسرائيل في 2023: هزات جيوسياسية خارجية تلتقي مع التحدّيات الداخلية

تميزت سنة 2022 بتسريع العمليات في الفضاء العالمي والإقليمي والإسرائيلي – الفلسطيني والداخلي الإسرائيلي، التي تتحدى أمن إسرائيل القومي، وتتحدى نظريات وتوجهات سياسية قائمة وتقتضي بناء على ذلك إعادة تقدير للواقع الآخذ في التشكل وبلورة سياسية وفقاً لذلك. جزء من هذه العمليات وصل خلال العام 2022 إلى انعطافة واضحة في الوقت الذي تواصل فيه التحديات الأخرى التطور بالتدريج، الأمر الذي يصعب على إعادة التفكير بخصوص النظريات الاستراتيجية السائدة رغم الأخطار التي تنطوي على استمرار الوضع القائم.

تبرز ثلاث عمليات من بين العمليات التي وصلت في السنة الماضية إلى انعطافة، والتي لم تعد تسمح بالتمسك بالنماذج القائمة:

1- ازدياد حدة المنافسة بين الصين والولايات المتحدة، التي بدأت في فترة ولاية الرئيس باراك أوباما وتحولت في العام 2022 إلى مواجهة واضحة ومتعددة الأبعاد بين دولتين عظميين، والتي أصبحت المشكل الرئيسي للساحة الجيوسياسية العالمية.

2- الخطوات العنيفة التي اتخذتها روسيا تجاه أوكرانيا منذ ضمها لشبه جزيرة القرم في 2014، وتطورت في السنوات التالية ووصلت في 2022 إلى حرب شاملة على أراضي أوكرانيا، والتي تهز السلم الأوروبي الذي ساد في القارة منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية.

3- سعي إيران المستمر من أجل التوصل إلى الذرة حوّلها في 2022 إلى دولة عتبة نووية بالفعل، وذلك في ظل غياب إطار مقيد لاتفاق (ج.سي.بي.أو.إي، تحول إلى “شخص يمشي وهو ميت”)، وإزاء عدم استعداد الولايات المتحدة لوضع تهديد رادع موثوق أمامها.

هذه العمليات يتشابك بعضها ببعض، وتثير عدداً من الافتراضات الأساسية التي تقوم عليها سياسة إسرائيل الخارجية والأمنية. المنافسة بين الولايات المتحدة والصين وغزو روسيا لأوكرانيا تدفع إسرائيل إلى اختيار جانب، خلافاً لسياستها حتى الآن، حيث أقامت إسرائيل علاقات متشعبة في السنوات الأخيرة، سواء مع الصين أو مع روسيا، والتي ساعدتها اقتصادياً وسياسياً. الضغط المتزايد على إسرائيل للتمحور في هذا السياق يضع أمامها معضلات ثقيلة الوزن وتغيير السياسة الذي يمكن أن يقلص فضاء مناورتها السياسية – الأمنية بشكل كبير. إضافة إلى ذلك، تركز الولايات المتحدة على المواجهة مع الصين وروسيا، وهي لذلك مستعدة أقل بكثير مما كانت في السابق لتدخلها في الشرق الأوسط أو اتخاذ مبادرات بخصوص المنطقة.

بخصوص إيران، فإن تحولها فعلياً إلى دولة حافة نووية (حتى لو كان بدون إعلان رسمي) واستمرار جهودها للتمركز في أرجاء المنطقة، هو بلا شك التهديد الحقيقي الأكبر على إسرائيل، التي تفتقد الآن لأي خيارات مواجهة مرضية. إلى جانب ذلك، يخلق التعاون بين إيران وروسيا في حربها في أوكرانيا تحدياً كبيراً آخر، سواء بمعنى إمكانية التسلح بوسائل قتالية متطورة أو من ناحية الدعم السياسي – الاقتصادي الذي يمكن لروسيا أن تقدمه لها.

إلى جانب الأخطار الواضحة، ثمة جانب إيجابي، وهو الوضوح: الشك الذي يرافق التدرج والرغبة في تصديق أن ما كان هو ما سيكون، وكمية اليورانيوم المخصب بمستوى 60 في المئة التي تكفي لإنتاج أكثر من قنبلة نووية واحدة، وأيضاً الغزو البري الروسي حتى ضواحي كييف، لا تترك أي شك، سواء بخصوص النوايا أو بخصوص التداعيات المصيرية لهذه الخطوات.

في المقابل، تحدث في إسرائيل نفسها وفي محيطها عمليات خطيرة لا تقل عن ذلك، التي حتى ولو تم تسريعها في السنة الماضية لكنها لم تصل إلى انعطافة حادة. وهذه تضع تحدياً مزدوجاً ومضاعفاً، حيث يصعب إحداث تغيير مفاهيمي وسياسي ما لم تتم رؤية مقابل جوهري في الواقع وعلى مستوى التهديدات الناجمة عنه. هذه الخطوات تحدث في ثلاثة سياقات رئيسية:

الساحة الفلسطينية:

واصلت السلطة الفلسطينية الضعف وفقدان سيطرتها على الأرض، خاصة في “السامرة”، في الوقت الذي تقترب فيه معركة نهاية الرئيس محمود عباس كرئيس للسلطة الفلسطينية دون أن يظهر له وريث متفق عليه وبدون أن يتم إعداد آلية لنقل السلطة بشكل مرتب. الفراغ الحكومي في مناطق السلطة، إلى جانب غياب أفق سياسي، دفعت موجة عمليات متفرقة وتنظيمات محلية مثل “عرين الأسود”، التي حثت إسرائيل على اتخاذ نشاطات متزايدة هناك وزادت الإمكانية الكامنة لاندلاع مواجهات واسعة. وبموازاة مشروع الاستيطان في “يهودا والسامرة”، يتسع الانزلاق الفعلي إلى واقع “دولة واحدة”، الذي يهدد باستبعاد خيارات مستقبلية لاتفاق، ويتحدى دولة إسرائيل بصفتها يهودية وديمقراطية. الأخطار التي تكتنف هذه العمليات قد تتعاظم إزاء تشكيل حكومة جديدة في إسرائيل، التي تؤيد تعميق التمسك بكل أجزاء أرض إسرائيل، وحتى الضم. كل ذلك يصعّب على إسرائيل في الساحة الدولية، لا سيما في مواجهتها للتهديد الإيراني.

الساحة الداخلية:

ازداد التوترات بين القطاعات والمعسكرات المختلفة في إسرائيل في السنة الماضية، ويرافقها تقاطب وتطرف على الصعيد السياسي. الائتلاف الذي تشكل عقب انتخابات الكنيست الـ 25 يطرح أجندة يمينية واضحة، يراها جزء كبير من الجمهور متطرفة بل ومهددة لروح دولة إسرائيل بصفتها يهودية وديمقراطية. هذا في حين أن المجتمع الإسرائيلي ممزق ومقسم أكثر من أي وقت مضى، بعد انتهاء أربع سنوات على عدم الاستقرار السياسي والتحريض ونزع الشرعية المتبادلة. كل ذلك يطرح علامات استفهام مقلقة بخصوص قدرة الحفاظ على أسس النظام الديمقراطي، واستقلالية منظومة القضاء وإنفاذ القانون، والتوازنات على صعيد الدين والدولة وحقوق الفرد. علامات الاستفهام هذه تشكل تهديداً للأمن القومي الإسرائيلي، سواء عقب إمكانية كامنة لاندلاعات عنيفة على شاكلة “حارس الأسوار”، وبسبب المس بشعور التضامن والتماهي مع الجماعة، وهي أمور حيوية لاستمرار تحمل عبء مواجهة التحديات ثقيلة الوزن من الخارج.

العلاقات مع الولايات المتحدة والجاليات اليهودية في أمريكا

العلاقات الخاصة مع الولايات المتحدة التي هي ذخر كبير للأمن القومي في إسرائيل، يتم تحديها على يد تحديات سياسية – اجتماعية أمريكية داخلية، وعلى يد ابتعاد الجاليات اليهودية هناك عن إسرائيل، رداً على ما يحدث في إسرائيل نفسها.إن تعزز التيار التقدمي في الحزب الديمقراطي الأمريكي من جهة، والتحدي في اليمين تجاه النخب التي ينتمي إليها جزء كبير من يهود شرق الولايات المتحدة من جهة أخرى، ضعضع قواعد الدعم لإسرائيل وكذلك مكانة الجاليات اليهودية. الاهتمام المتضائل للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، إلى جانب تشكيل حكومة يمينية واضحة في إسرائيل، في الوقت الذي تمسك فيه الإدارة الأمريكية بأجندة ليبرالية، إنما تزيد خطوات الابتعاد. هذه العمليات تهدد بقضم الدعم التقليدي الأمريكي لإسرائيل في كل المجالات – السياسية والأمنية والاقتصادية – وهكذا المس بالمكانة الدولية والإقليمية لإسرائيل، بقوتها الاقتصادية وقدرتها على مواجهة التهديدات الرئيسية عليها، وعلى رأسها إيران.

التحديات التي تنبع من الخطوات في الساحة الفلسطينية وداخل إسرائيل وفي العلاقات مع الولايات المتحدة، جميعها متضافرة معاً: ما يحدث في “يهودا والسامرة” [الضفة الغربية] ينعكس على الداخل ويزيد التوتر والتطرف السياسي في إسرائيل، والذي يمنع أي نقاش موضوعي وواقعي حول القضية الفلسطينية، وبذلك يغلقون دائرة مفرغة تغذي نفسها. وما يحدث في “يهودا والسامرة” وداخل دولة إسرائيل يؤثر بشكل سيئ سواء على اليهود في أمريكا أو على الإدارة الأمريكية، في الوقت الذي يزيد فيه ابتعاد هؤلاء عن إسرائيل الاستقطاب الداخلي.

ولكن ليس مثلما في حالة المواجهة بين الولايات المتحدة والصين أو تحول إيران إلى دولة حافة نووية، فالخطوات المرتبطة بالساحة الفلسطينية وبالساحة الداخلية الإسرائيلية وبالعلاقات مع الولايات المتحدة لم تصل بعد إلى نقطة حاسمة أو إلى درجة أزمة حقيقية. التدرجية التي تميزها تسمح بمجال نفي وتعزز عدم الاستعداد لمواجهة الأخطار الشديدة المرتبطة بها. “ليس كما تصرخ”، سيقول هؤلاء الذين ينفون الاستنتاجات المنطقية التي تظهر من استمرار هذه الخطوات، وهم بهذا يبررون أفضليات السياسة القائمة (مثل “إدارة النزاع” في السياق الفلسطيني) وغياب مبادرة تهدف إلى وقف توجهات سلبية. في المقابل، لا شك أن “اتفاقات إبراهيم” بين إسرائيل وبعض الدول في الشرق الأوسط خلقت واقعاً إقليمياً جديداً، تبتعد إسرائيل في إطاره عن صورة “فيلا في الغابة” وترتسم بالتدريج كنوع من الدولة العظمى الإقليمية التي يمكنها الاندماج في الفضاء في سياقات كثيرة، مثل الأمن، والاقتصاد، والإبداع، والمياه، والطاقة ومكافحة تغير المناخ. إلى جانب الفائدة الواضحة التي تكتنف تعميق العلاقات مع الدول التي وقعت على هذه الاتفاقات، فإن عملية التطبيع تخفي في طياتها إمكانات كامنة واضحة، سواء بسبب توسعها، بحيث تضم دولاً أخرى، أو كرافعة لتحسين العلاقات مع الأردن ومصر. مع ذلك، من الواضح أن تجسيد الإمكانية الكامنة سيكون مرتبطاً بشكل كبير بسلوك إسرائيل أمام الساحة الفلسطينية وبجودة علاقاتها مع الولايات المتحدة.

في العام 2023 تقف دولة إسرائيل أمام تجمع مقلق، بل مقلق جداً، لتوجهات خارجية وداخلية متحدية، جزء منها خطير جداً، مثل تغيرات جيوسياسية حادة تضيق مجال مناورتها؛ وصعود درجة في تهديد إيران؛ وتدهور متعدد الأبعاد في “يهودا والسامرة”؛ واستقطاب سياسي داخلي في النسيج الديمقراطي يدمر التكافل الاجتماعي؛ وفجوة كبيرة في العلاقات مع الولايات المتحدة والجاليات اليهودية هناك.

لا شك أن التهديد الإيراني هو الأهم والأخطر من بين كل هذه التهديدات، حيث لا يوجد لإسرائيل أمامه أي رد مرضٍ، ولو في المدى القصير على الأقل، وقدرة تأثيرها على الخطوات الإقليمية والعالمية التي تؤثر على تحدي إيران، محدودة جداً. كل توجه تحاول إسرائيل الدفع المضي به أمام إيران – سواء بناء خيار هجومي مع تشكيل تهديد حقيقي من أجل تحقيقه، أو لعب دور فاعل ومؤثر في الخطوات الدولية، مثل إعادة فرض العقوبات عن طريق الدول الأوروبية، أو دعم محاولة العودة إلى اتفاق ما مع إيران – سيكون بحاجة إلى دعم قوي من قبل الولايات المتحدة وتعاون واسع معها. في أوضاع متطرفة، ستعرف إسرائيل دائماً كيفية العمل وحدها، لكن يجب بذل كل جهد ممكن لعدم الوصول إلى هذه الأوضاع لأسباب معروفة.

من هنا، على إسرائيل أن تعمل بشكل حثيث على محاربة التوجهات السلبية التي تقضم العلاقات مع الولايات المتحدة، ولتعزيز الحوار الوثيق، الموضوعي والحصيف، مع الإدارة الأمريكية والكونغرس. وعليها أيضاً تعميق وتوسيع العلاقات والتفاهمات مع الجاليات اليهودية في أمريكا، التي هي ركيزة داعمة ومصدر مهم للتأثير على سياسة الولايات المتحدة. بكلمات أخرى، قدرة مواجهة إسرائيل للتهديد الإيراني ترتبط بدرجة كبيرة، وحتى حاسمة، بتأمين الدعم من الولايات المتحدة. لذا، يجب تعزيز العلاقة والثقة المتبادلة معها. ويجب أن يكون التأثير على العلاقات مع الولايات المتحدة ورقة عباد الشمس الأساسية لسياسة إسرائيل الخارجية والأمنية، وبناء عليها يجب فحص أي عملية يتم اقتراحها وأي مبادرة.

في السياق الداخلي الإسرائيلي وفيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، مشكوك فيه إذا كانت الحكومة الجديدة في إسرائيل سترغب أو تكون قادرة على العمل من أجل تخفيف التوجهات السلبية التي تحدث، وبالأحرى، مشكوك فيه إذا كانت ستحرك عمليات معاكسة. بدون التنكر للجوانب السياسية التي ترافق كل تصريح أو توصية لسياسة في هذه السياقات، فإن من دور والتزام معهد بحوث الأمن القومي أن يشير إلى تداعيات السياسة التي تلوح في الأفق، سواء بخصوص ما قد يحدث على الأرض على المدى القصير (أي اندلاع أعمال عنف في “يهودا والسامرة”، وزيادة حدة الاستقطاب والغليان الداخلي) أو بخصوص المس بالعلاقات مع الولايات المتحدة، وبالتالي بخصوص القدرة على مواجهة إيران.

بخصوص المدى الأبعد فإن طمس الحدود بين إسرائيل و”يهودا والسامرة” من الناحية الديمغرافية والاقتصادية والبنى التحتية، وحتى القانونية، تشكل خطراً حقيقياً على كون إسرائيل دولة يهودية وديمقراطية، وبالتالي على كل المشروع الصهيوني. والقضم في أسس الديمقراطية الإسرائيلية في مجمل مكوناتها يشكل تهديداً خطيراً لا يقل عن ذلك. سنحتفل في هذه السنة بمرور 75 عاماً على إقامة دولة إسرائيل، وإلى جانب الانفعال من إنجازاتها الكبيرة في مجالات كثيرة جداً، علينا أن نحلل التحديات الكبيرة على الأمن القومي في إسرائيل، والفرص أيضاً. إحدى الصعوبات الخاصة التي وقفت أمامنا في هذه المرة هي علامات استفهام تتعلق بالسياسة التي ستتبعها حكومة إسرائيل في السياقات ذات العلاقة (ما وراء الجانب التصريحي). وبناء على ذلك، من الصعب أن نوصي باتجاهات سياسية مرغوبة ما بقيت علامات الاستفهام هذه على حالها.

رغم ذلك، فإن الدرسين الأساسيين اللذين يظهران في تحليل معظم القضايا التي نوقشت في التقدير الاستراتيجي لإسرائيل 2023، هما:

· أهمية الحفاظ على العلاقات مع الولايات المتحدة وتعزيزها كأساس منظم شامل في تشكيل السياسة الخارجية والأمنية لإسرائيل، خاصة أمام التحدي الإيراني.

· ضرورة فهم واستيعاب التداعيات الخطيرة لاستمرار وزيادة حدة التوجهات القائمة في السياق الفلسطيني وفي السياق الإسرائيلي الداخلي. من هنا تأتي الحاجة الملحة إلى تغيير الاتجاه. عرفت إسرائيل كيفية النهوض وكيف تقوم بذلك عند وصولها إلى مفترقات طرق حاسمة في السابق. نأمل هذه المرة بأن تقوم بذلك أيضاً.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى