معاريف: نتنياهو ما بين ضمّ الضفة أم العلاقة مع واشنطن في مواجهة إيران؟
معاريف 2022-11-26، بقلم: ألون بن دافيد: نتنياهو ما بين ضمّ الضفة أم العلاقة مع واشنطن في مواجهة إيران؟
كانت الساعة قبل الثامنة صباحاً حين كان رئيس الوزراء في مكتبه غارقاً في مكالمة جماعية عاصفة مع وزير الدفاع ووزير المالية. ملأ صراخ الاثنين فضاء الغرفة، واستصعب رئيس الوزراء النبس بكلمة. في الليل أقيمت خمس بؤر استيطانية أخرى في “يهودا” و”السامرة” يتصدرها وزير المالية وأعضاء حزبه. أجرى الوزير نفسه هذه المرة أيضاً المكالمة من رأس تلة مكشوفة في أطراف جنين نالت اسم “معاليه زلفا”. كادت أصوات الغناء والرقص حوله تفوق صوته حين قال بانفعال: “ها، إنها البلدة الخمسون التي أقمناها. في غضون نصف سنة نجحنا في تغيير خارطة بلاد إسرائيل”. بسبب الضجيج الذي أحاطه لم يكن ممكناً سماع وزير الدفاع الذي صرخ بمرارة أنه منذ ثلاثة أشهر لا يجيبون على مكالماته في البنتاغون.
لكن رئيس الوزراء سمع جيداً شكوى وزير الدفاع: “سيدي، أطلب أن تقر لي إخلاء المستوطنين بشكل فوري. فالأميركيون يعرقلون منذ خمسة أشهر إرساليات الأسلحة الدقيقة لما التي اشتريناها، ومخزوناتنا باتت أقل بكثير دون الخط الأحمر”. دفن رئيس الوزراء وجهه بيديه. فقد كان يعرف كيف ستنتهي المكالمة. وعندها فتح الباب.
في فتحة الباب وقف السكرتير العسكري بوجه ينذر بالشر. “يتعين علي أن أنهي. نواصل بعد ذلك”، قال رئيس الوزراء فيما كان يعرف أن أياً من الصقرين لا يسمعه، وقطع الاتصال. “ماذا حصل؟”، سأل السكرتير العسكري. “رئيس الأركان، ورئيس الموساد، ورئيس أمان يتواجدون هنا”، قال السكرتير العسكري، “هم مضطرون ليتحدثوا معك على عجل”. دون انتظار إشارة منه، دخل الأشخاص الثلاثة إلى الغرفة بوجوه تمتلئ قلقاً وجلسوا. “سيدي”، بدأ رئيس “الموساد”، “في الأيام الأخيرة تجمعت في شعبة الاستخبارات “أمان” أنباء من عدة مصادر بأن إيران استأنفت عمل مجموعة السلاح لديها. وهذه الليلة نقل لنا مصدرنا هذه الصور التي تؤكد النبأ بما لا يرتقي إليه الشك”، قال، ووضع كومة من الصور على الطاولة. مد رئيس الوزراء يديه إلى كومة الصور، ولكن حتى قبل أن يتمكن من النظر فيها ضج صوت رئيس الأركان: “سيدي، بدأت إيران تبني قنبلتها النووية”.
تجمدت يد رئيس الوزراء الممدودة في الهواء. منذ 25 سنة وهو يعد نفسه لهذه اللحظة، ليضفي على نفسه عباءة المخلص. على مدى ربع قرن حذر من على كل منصة ممكنة “إيران، إيران، إيران!”، والآن حانت لحظه أن يزيل التهديد الوجودي عن شعبه، وأن يسجل في تاريخ إسرائيل زعيماً بقامة توراتية.
صمت وانتظر إلى أن يعلوه إحساس السمو، ولكن بدلاً منه شعر ببرودة شديدة تمتد في عروقه وتجمدها. ولتهدئة هذا إحساس الجاف في الفم أخذ رشفة من كأس القهوة أمامه الذي برد وقال: “بالطبع سنجمع كل المحافل المناسبة للبحث في هذا التطور، لكن قولوا لي: ما وضعنا؟ هل نحن جاهزون؟”.
تبادل الثلاثة بينهم نظرات حرج، وبعد ثوان من الصمت قحّ رئيس الأركان وبدأ يقول: “انت تعرف، يا سيدي، أنه منذ بدأ زخم الاستيطان في يهودا والسامرة ألغى الأميركيون مناوراتنا المشتركة للهجوم، وعلقوا إرساليات الذخيرة الدقيقة وطائرات شحن الوقود، بل غيروا الأرقام السرية للتشخيص الصديق التي أعطوها لطائراتنا في حالة اضطرارها الطيران فوق الخليج الفارسي”. وتأزر الصوت الواثق لرئيس الأركان بالشجاعة أيضاً من رئيس “الموساد”، وواصل حديثه: منذ زيارة وزير الأمن الداخلي إلى الحرم حين أعلن أنه بعد زمن غير بعيد ستختفي المساجد من هناك، قطع السعوديون والأردنيون الاتصال بنا. لا يوجد أي احتمال أن نتلقى منهم حتى موافقة صامتة للطيران في مجالهم الجوي”.
“والمشكلة الأساس، واصل رئيس شعبة الاستخبارات “أمان” الحديث، “هي أن البرنامج النووي الإيراني بات عميقاً في مجال الحصانة. لا توجد لنا قدرة حقيقية لمنعهم من تخصيب اليورانيوم أو المعلومات النووية التي جمعوها. وحتى لو نجحنا في أن نؤخرهم، فسيكون هذا على مدى أشهر قليلة فقط. لا شيء مما قيل كان جديداً على مسمع رئيس الوزراء وشعر كيف تطبق عليه حيطان الغرفة.
شد البراغي
السيناريو بالطبع خيالي، لكنه يقوم على أسس حقيقية ولا ينعدم احتمال التحقق. فالطريق المسدود التي وصلت إليه المفاوضات على الاتفاق النووي، إلى جانبها الاضطرابات الداخلية في إيران، قد تؤدي بالإيرانيين للخروج إلى مغامرة استفزازية. قد يكون هذا تخصيب اليورانيوم إلى مستوى 90 في المئة، مثلما حذر، هذا الأسبوع رئيس شعبة الاستخبارات أو ربما أيضاً استئناف عمل مجموعة السلاح، الجسم المسؤول عن بناء القنبلة.
هذا الأسبوع بالذات استكملت إسرائيل خطوة لتوثيق التعاون مع الأميركيين ضد إيران وفروعها. استهدفت زيارة رئيس الأركان إلى الولايات المتحدة شد البراغي قبيل مناورة مشتركة لسلاح الجو مع الأميركيين. الخطوة التي ولدت في إطار العلاقات مع قيادة المنطقة الوسطى الأميركية رفعت إلى المصادقات، وتلقت مباركة البيت الأبيض للمضي قدماً.
لكن بالتوازي استقبلت في إسرائيل عشرات التوجهات القلقة (بعضها هستيرية)، جاءت من الولايات المتحدة، ومن الشركاء في المنطقة، ومن دول في المنطقة لم تصبح بعد شريكة علنية، على السياسة المتوقعة للحكومة الجديدة في “يهودا” و”السامرة” وفي الحرم. وكانت الأسئلة بصيغة مشابهة: هل حكومة اليمين المتطرفة تعتزم ضم “يهودا” و”السامرة”؟ هل ستقيم عشرات المستوطنات الأخرى؟ هل سيتغير الوضع الراهن في الحرم؟ كما اهتم الأميركيون بمعرفة هل يعتزم رئيس الوزراء الجديد/القديم مرة أخرى أن يستخدم الكونغرس كي يتجاوز البيت الأبيض.
صحيح أن بنيامين نتنياهو يرث وضعاً أمنياً مهزوزاً في الضفة الغربية وفي القدس، لكن ثمة استقراراً في غزة وفي حدود الشمال وهناك البنية التحتية الجيدة للتعاون مع الولايات المتحدة ودول المنطقة حيال إيران. نتنياهو، الذي كانت إيران على مدى السنين تدور في عقله قد يكتشف أن السهم المرتد لـ”المناطق في يده. فالسياسة التي سيتخذها هو وشركاؤه الائتلافيون في “المناطق” وفي القدس ستؤثر على قدرته على العمل في باقي الساحات.
منذ دفع الولايات المتحدة للانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران، جمع الإيرانيون معلومات وقدرات تجعل برنامجهم النووي شبه محصن من هجوم عسكري. وفي الوقت ذاته لم يكرس نتنياهو مقدرات لتطوير الخيار العسكري الإسرائيلي وأضاع سنوات باهظة الثمن.
والآن، بينما توجد إسرائيل في ذروة بناء الخيار العسكري المتجدد، بات واضحاً أن ضربة فقط لمنشآت إيران النووية لن تجدي نفعاً – إسرائيل ملزمة بالقدرة على إدارة معركة متواصلة مع إيران، قدرة تهدد بقاء النظام الإيراني. لا توجد لإسرائيل قدرة مستقلة لإدارة معركة كهذه، إلا بإسناد أميركي.
العنوان (غير الناجح جداً) الذي صدر قبل أكثر من عقد – “يتسهار مقابل بوشهر” قد يلقى حياة متجددة في السنة القادمة. فتركيبة الحكومة الجديدة ستجبر نتنياهو على أن يختار بين تطلعات الشركاء لضم “المناطق”، وللخروج إلى “سور واق 2” وفرض سيادة كاملة في الحرم وبين وعوده: توسيع اتفاقات إبراهيم ونزع التهديد النووي من إيران.
توجد “المناطق” منذ الآن على شفا الغليان، والسلطة الفلسطينية على شفا الانهيار. السياسة التي سيستخدمها في قيادة المنطقة الوسطى (فكمز) ستؤثر على مجال مناورته حيال إيران. وإذا ما صغنا الأمر بشكل أدق فإن خياره سيكون بين فكمز ونتنز.