ترجمات عبرية

معاريف – مقال – 2/3/2012 بين “أوسيراك” وبوشهر



بقلم: عوفر شيلح

     بالذات شارون، الصقر الواضح، عبر بصوت عال ما يتجرأ اسرائيليون قليلون على النبس به: حقيقة أن اسرائيل تعتبر في العالم تحوز مثل هذا السلاح، تضمن عمليا ان سيأتي اليوم ويكون فيه لعدونا المرير قنبلة خاصة به.

       منذ 1974 يحرص كل رئيس شعبة استخبارات عسكرية وافد الى منصبه على أن يروي بانه في اطار اعداده للمنصب قرأ تقرير لجنة اغرانات. هكذا هو الحال مع اسطورة الفشل: الويل لشخص يتجرأ على أن يقول انه لم يبحث في الفشل الاسطوري الاعظم وكأن دروسه حقا قابلة للتطبيق في أوضاع اليوم – باستثناء الدرس الذي يحظر على المرء أن يكون قاسي القلب ومقتنع بعدالة موقفه.

          مشوق أن نرى كيف في اطار العملية الطويلة للاعداد لامكانية قرار بهجوم في ايران تعلم بنيامين نتنياهو تفاصيل حملة “اوبيرا” التي هاجمت فيها اسرائيل مفاعل أوسيراك في العراق. هذا الاسبوع، في اطار الذكرى العشرين لوفاة مناحيم بيغن قال نتنياهو ان الحالة الايرانية تختلف تماما عن الهجوم اياه وواضح أن هكذا هو الامر. ولكن مع ذلك، مشوق أن نعرف اذا كان رئيس الوزراء طلب محاضر المداولات التي اجراها بيغن في حينه، اذا كان وضع نفسه للحظة مكان بيغن وسأل نفسه اذا كان سيهاجم.

في اسرائيل لا يجري التحقيق في النجاحات، والهجوم على المفاعل العراقي يعتبر نجاحا باهرا. لم يسبق أبدا أن حققوا عندنا في منطق واثار خطوة عسكرية انتهت بنجاح تكتيكي كامل، بمعنى ضرب الهدف دون خسائر لقواتنا. بالتأكيد ليس خطوة صورها بيغن كانقاذ بحجوم منع كارثة، مفهوم ترسخ بين الناس دون أن يكلف احد ما عناء فحصه بعمق. كل من يتحداه يعتبر “مؤرخ جديد”، خارج عن الصفوف، يفكر بطريقة مختلفة أو اسوأ من هذا – ليس فرحا بانتصارنا حقا.

* * *

          في السنوات الاخيرة كان غير قليل من المؤرخين من هذا القبيل، من خارج اسرائيل بالطبع. الباحث في الشؤون النووية آفنر كوهين اقتبس في مقال في العام الماضي عن باحثة نرويجية، مولفريد بروت هجمار، كرست سنوات عديدة لفحص تاريخ المشروع النووي لصدام. وكان استنتاجها لا لبس فيه. أوسيراك ليس فقط ينقصه العديد من مزايا المفاعل القادر على انتاج قنبلة نووية بل ان القصف الاسرائيلي وجه صدام الى مسار آخر يشبه جدا المسار الذي تتخذه ايران اليوم، وقربه من القنبلة اكثر بكثير مما كان يقترب اليه في مسار المفاعل. هذا بالطبع سبيل واحد لرؤية الامور في موضوع الضباب فيه كثيف على نحو خاص: يجدر بالذكر ان الساحة الاسرائيلية كانت مقتنعة، حتى بعد حرب الخليج الاولى بان صدام عاد ليتقدم في المسار النووي، ورغم نفيها فقد فوجئت ايضا من انه لم يوجد في العراق وسائل اسلحة الدمار الشامل بعد الاجتياح الامريكي في 2003.

          في قراءة متكررة لكتاب شلومو نكديمون، “تموز في اللهيب”، الذي كتب بالتعاون الاقصى من الجانب الاسرائيلي، يتضح كم هو الوضع مشابه ومختلف. حقيقة أن نائب رئيس الوزراء يغئال يدين، رئيس الموساد اسحق حوفي، رئيس شعبة الاستخبارات يهوشع سغي وشعبة التخطيط في الجيش الاسرائيلي نتكا شاروني عارضوا، بعضهم لمجرد الهجوم وبعضهم على التوقيت، معروفة. ما يذكر أقل هو أن اعضاء “منتدى رؤساء الاركان”، قادة الجيش السابقين الذين درجوا على اللقاء مع رئيس الاركان رفائيل ايتان بين الحين والاخر اعربوا عن معارضة شديدة لمجرد التفكير بهجوم على المفاعل، الذي طرحه رفول عرضا في احد اللقاءات. اكثرهم حدة كان اسحق رابين.

          والمؤيدون ايضا لم تنقصهم المخاوف: بيغن نفسه طرح تخوفا على مستقبل اتفاق السلام مع مصر، الذي كان في حينه حديث العهد. فبالمقابل، رئيس الاركان رفائيل ايتان قال لنكديمون انه تخوف من أنه اذا كان للعراقيين سلاح نووي، “فسنفقد القدس”. ولكن حيال كل هذا، فان التعليلات ثقيلة الوزن مع وضد، الان ام بعد ذلك، وقف خطاب الكارثة لرئيس الوزراء. “صدام لن يتردد في استخدام اسلحة الدمار الشامل الموجهة ضدنا”، قال بيغن في جلسة الحكومة. “نحن ملزمن بالانطلاق من هذه الفرضية. استخدام مثل هذا السلاح ضد التجمعات السكانية المدنية عندنا سيؤدي الى سفك دماء لم يشهد له مثيل منذ الايام اياها، في الاربعينيات. اذا كان سلاح نووي لدى العراق، فسيحصل واحد من اثنين: اما نضطر الى الخضوع لمطالبهم، او نخاطر بالابادة الجماعية. فظاعة كهذه.

          في نقاش لاحق اضاف بيغن: “اذا نجحنا في تأجيل الانتاج النووي في العراق بثلاث سنوات، نكون أنقذنا هذا الجيل”.

          هذا سؤال مشوق، الوعي التاريخي لرئيس الوزراء. فهل من يصل الى طاولة المداولات وهو مقتنع بان السنة هي 1939، والعدو هو ألمانيا النازية – وهي تحصل على سلاح نووي – على حد الجملة الشهيرة لبنيامين نتنياهو عن ايران – يرى الواقع كما هو ام يسقط السابقة التاريخية الافظع على وضعية لا تشبهها على الاطلاق؟ واضح أن ايران تستجيب لتعريف العدو المتزمت والايديولوجي لاسرائيل اكثر من صدام. ولكن بعد سنة من حملة اوبيرا استخدم بيغن ذات اللغة لتبرير حرب لبنان الاولى التي يوجد عليها خلاف أكبر بكثير مما على قصف المفاعل في العراق. فهل كان محقا في واحدة وأخطا في الثانية، وكيف سنعرف متى تكون هذه النظرة الى العالم مناسبة ومتى تكون محملة بالمصائب؟

* * *

          حملة القصف نفسها لم تشبه في شيء الحملة ذات أي حملة ناجعة في ايران. فكما هو معروف، المشروع الايراني مبعثر، مدفون ومحصن. المسافة الجوية اليه أكبر بكثير. ثمة من يشكك بقدرة الوسائل التي بحوزة اسرائيل في الحق ضرر حقيقي فيه؛ ينبغي الافتراض بان خبراء البحث في عمليات سلاح الجو سيقدمون في هذا الشأن جوابا صادقا ومهنيا، بدونه يكون كل نقاش عديم المعنى.

          ثمانية طيارين هاجموا أوسيراك، مع بضع طائرات اف 15 كغطاء. لم تحتاج الى الشحن الجوي بالوقود، القدرة على ابقاء الحملة طي الكتمان كانت شبه كاملة. هذه الظروف لا يمكنها أن توجد في حملة بحجم تلك المطلوبة في ايران. عنصر واحد غاب عن النقاش في حينه كان الرد بالنار من اعداء قريبين، حزب الله وحماس. في حالة هجوم في ايران، التوقع هو لرد فوري على الجبهة الداخلية الاسرائيلية، التي تحتاج هي ايضا الى استعداد هام مسبق.

          السلام مع مصر نجا من الهجوم على صدام، رغم مخاوف بيغن. كما أنه نجا من حرب لبنان الاولى حيث حصل اجتياح اسرائيلي لاراضي دولة عربية وجرت مواجهة مع دولة عربية اخرى. ولكن في القاهرة كان في حينه انور السادات، الذي حقق اتفاق السلام، وبعد سنة من ذلك خليفته حسني مبارك. مصر اليوم، بسيطرة سياسية من الاخوان المسلمين، هي قصة اخرى تماما.

          وكان ايضا شيء آخر: بينما تأجل تنفيذ الهجوم لاسباب مختلفة، زار اسرائيل وزير الخارجية الامريكية الكسندر هيه. نكديمون لا يفصل ما قاله لبيغن، ولكن الانطباع الذي تبقى في القدس كان واضحا: ادارة ريغن قد توجه لنا ضربة صغيرة على قفى اليد ولكنها لن تأسف حقا اذا ما هاجمنا في العراق. هذا ليس الخطاب الذي ينطلق اليوم من واشنطن.

          كالمعتاد، التصريح الاكثر اثارة للاهتمام محفوظ لارئيل شارون. شارون، الذي خلف عيزر وايزمن كوزير للدفاع (وايزمن عارض بشدة الهجوم، حتى حين علم به بعد أن اعتزل السياسة)، كان من المؤيدين الكبار للحملة. ولكن في جلسة الحكومة في تشرين الاول 1980 قال أمرا مشوقا: اتفق مع اولئك الذين يقولون انه لن يكون ممكنا الى الابد منع تطوير سلاح نووي في الدول العربية”.

          الهجوم في العراق يعتبر تحققا بعيد الاثر لما نال (بعدما حصل) لقب “عقيدة بيغن”: القول ان اسرائيل ستسير حتى النهاية في محاولاتها لمنع الدول التي تعتبر في نظرها معادية من أن تحصل على سلاح نووي. وبالذات شارون، الصقر الواضح، عبر بصوت عال ما يتجرأ اسرائيليون قليلون على النبس به: حقيقة أن اسرائيل تعتبر في العالم تحوز مثل هذا السلاح، تضمن عمليا ان سيأتي اليوم ويكون فيه لعدونا المرير قنبلة خاصة به.

          ليس صدفة، ربما، شارون، كرئيس وزراء قاد خط التفكير الذي بموجبه مساعي احباط النووي الايراني يجب أن تكون سياسية، فهم على ما يبدو بانه الى أن نوجه نظرة مباشرة الى الصورة الكبيرة لمكاننا هنا، فقد قيد لنا أن ندفع اثمانا متنامية لقاء ما يعد في أفضل الاحوال تأجيلا مؤقتا وثلاث سنوات (تقدير متفائل حسب كل تحليل مهني لهجوم في ايران) لا تنقذ أي جيل. ولكن عمليا، هذا ما نحن نفعله، من عهد “تموز” وحتى اليوم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى