معاريف: لاسامية سياسية

معاريف – زلمان شوفال – 2/9/2025 لاسامية سياسية
اللاسامية هي جزء من واقع حياتنا منذ رفضنا قبول الدين المسيحي وبعد ذلك الإسلام. وربما حتى قبل ذلك. الصهيونية لم تحل مشكلة اللاسامية مثلما أمل هرتسل، لكنها ضمنت بوجود الشعب اليهودي في وطنه التاريخي وفي العالم. في اعقاب المحرقة والفي سنة من الاضطهاد، معظم العالم رأى في إقامة دولة إسرائيل وفي انتصارها على اعدائها دليلا قاطعا على انتصار روح الانسان على الشر.
لكن مع مرور السنين تحولت إسرائيل والشعب اليهودي كله بطريقة اورويلية واضحة من منتصري الاستعمار الى رمزه – وفي نفس الوقت الى موضوع مركزي في السياسة الدولية والداخلية. المقاطعات على إسرائيل في بضع دول غربية هي جزء من هذا، والاتهامات الكاذبة بالابادة الجماعية أو بالتجويع المقصود تستخدم بتشجيع الموجة الدعائية ضد إسرائيل واليهود بعامة. اللاسامية تلعب في هذا دورا مركزيا، ضمن أمور أخرى، كنتيجة لوجود متزايد للمسلمين في دور أوروبا.
اللاسامية ليست ظاهرة جديدة حتى في الولايات المتحدة، لكن بعد المحرقة والحرب العالمية الثانية، أصبحت ظاهرا مقبولة على الأقل. ليس بعد اليوم. حسب معطيات، سواء من مصادر يهودية أو من معاهد بحوث عامة، يوجد في السنوات الأخيرة، حتى قبل الحرب في غزة، ارتفاع كبير في معدلات اللاسامية في أجزاء مختلفة من المجتمع الأمريكي. يحتمل ان يكون النجاح البارز لليهود بالذات في مجالات العمل الاقتصادي، الثقافي والعلمي، هو الذي أدى الى الحسد لهم، ساهم في ذلك، سواء في اليمين أو في اليسار.
مع ذلك، دولة إسرائيل وانجازاتها، بما في ذلك في ميدان المعركة، شكلت سندا هاما ومصدر فخر ليهود الولايات المتحدة، وانعكس الامر أيضا في التاييد العام لإسرائيل لدى الجمهور الأمريكي. وعلى أي حال، فان الموقف من إسرائيل اخذ في التغير كجزء لا يتجزأ من الشرخ الاجتماعي والاقتصادي في الولايات المتحدة حين تطور حيال القيم التقليدية ميل لسياسة الهويات، ميل وجد ارضا خصبة في اللاسامية التقليدية لليسار المتطرف، فيما تعرض إسرائيل كجهة استعمارية ومكافحتها للعدوان العربي تشبه بقمع السود في الولايات المتحدة.يهود الولايات المتحدة يعرضون كمذنبين مركزيين في كل الخطايا والتشويهات في المجتمع الأمريكي. وبحقيقة ان اليهود بالذات وقفوا على رأس الكفاح في سبيل مساواة حقوق السود يفضلون تجاهلها.
هذا الشرخ في المجتمع الأمريكي أدى الى انتصار ترامب في الانتخابات، فيما تصنف إسرائيل من قبل اليسار والاعلام كداعمة لمعسكره. ثمة من يدعون، وبخاصة في إسرائيل، بان هذه الحقيقة تنبع من طبيعة الحكومة الإسرائيلية الحالية – رغم ان هذا الادعاء مريح لمن ليسوا من مؤيديها، الحقيقة هي ان مجرد وجود دولة إسرائيل يغيظ اليسار التقدمي.
ان مصير ومستقبل إسرائيل ويهود الولايات المتحدة متداخلان الواحد بالاخر، ولا ينبغي في هذا الشأن ان نتجاهل التحولات في السياسة والمجتمع الأمريكي. من الحزب الديمقراطي الليبرالي والمتسامح، البشوش لليهود، الذي كان على مدى أجيال البيت الطبيعي لمعظم يهود الولايات المتحدة، لم يبق أساسا الا الاسم. اذا ما فاز في الانتخابات التالية مرشحوه، وهذا يمكن ان يحصل بعد اقل من سنتين في الانتخابات للكونغرس، فستكون لذلك تداعيات بعيدة الأثر على سياسة الخارجية والامن الامريكية أيضا، بما في ذلك علاقاتها مع إسرائيل. في هذا السياق تتكاثر علامات التحذير: رغم التاييد العام لإسرائيل في أوساط الجمهور الأمريكي، في أوساط مؤيدي الحزب الديمقراطي، انخفض التاييد بنسب كبيرة، وفي المقابل، يتضح ارتفاع لتاييد الفلسطينيين. الصدمة من مذبحة 7 أكتوبر اخلت مكانها لردود الفعل السلبية، الحقيقية أو المزعومة، على الحرب في غزة، وحتى السياسيين اليهود ينجرون وراءها.
بخاصة مقلق الميل المتزايد لمنع السلاح ووسائل القتال عن إسرائيل، الذي يحول الصيغة التقليدية “يجب السماح لإسرائيل بالدفاع عن نفسها” الى صيغة عليلة. الصراع الداخلي في هذا الشأن لم يحسم بعد والاعلان بشان الغاء المساعدات الأمنية تاجل حاليا، لكنه لم يشطب من جدول الاعمال. كما ان مشروع القرار في قيادة الحزب الديمقراطي في صالح الاعتراف بدولة فلسطينية تاجل حاليا، لكن مثلما قال احد أعضاء مجلس النواب من كاليفورنيا: “العلاقة مع إسرائيل ستكون الموضوع المقرر في الحزب الديمقراطي في انتخابات المنتصف ومع حلول 2028”.