ترجمات عبرية

معاريف: في هذه الحالة تفضل إسرائيل والأردن الحل السلمي

معاريف28-4-2023م، بقلم جاكي خوجي: في هذه الحالة تفضل إسرائيل والأردن الحل السلمي

حتى كتابة هذه السطور، لا يزال النائب الأردني عماد العدوان معتقلاً في إسرائيل. يتوقع الأردن من إسرائيل إطلاق سراحه قريباً وإنهاء القضية قبل أن تتضخم. حسب القانون ومعيار العدالة، ينبغي للعدوان أن يقضي سنوات طويلة في السجن الإسرائيلي، لكن الدولتين ستكسبان أكثر إذا ما تخلتا عن العقاب الخطير. هذه حالة خاصة واضح فيها للطرفين أن الاعتبار السياسي أفضل من استنفاد القانون.

الأحد من هذا الأسبوع، اجتاز العدوان جسر اللنبي في سيارته وألقي عليه القبض مع إرسالية كبيرة جداً من السلاح والذخيرة إلى الضفة. كان في الإرسالية نحو مئتي مسدس جديد و20 بندقية من طراز ام 16 قصيرة السبطانة. اكتشفت سلاسل ذهب أيضاً في الحقائب التي أخفيت في سيارته، الذي يساوي مالاً كثيراً، وهو معد للبيع سيتم الحصول مقابله على أموال نقدية كثيرة. استغل العدوان حصانته المكتسبة كمنتخب من الجمهور، التي تعفيه من التفتيش في معابر الحدود. معقول أنه لم يعمل وحده، بل كان رسولاً لآخرين. في الماضي، أعرب عن تأييد علني لحماس وأثنى على ذراعها العسكري. ربما عمل كي يكسب مالاً كثيراً، لكنه لن يكون مفاجئاً إذا ما تبين أن عاملاً وطنياً يختبئ خلف العملية؛ كالذراع العسكري لحماس، أو أحد ما في المعسكر الإيراني. تأييد عماد العدوان للفلسطينيين ليس سرياً، بل موقف علني. في التصريحات التي أطلقها في فترة السنتين والنصف الأخيرة منذ توليه عضوية البرلمان، عبر عن تأييده للفصائل المسلحة وكفاحها ضد إسرائيل.

تبين في اعتقاله أن تنظيماً مسلحاً يعمل من تحت أنف النظام الهاشمي ونجح في تجنيد برلماني إلى صفوفه. وليس أي نائب، بل ابن قبيلة بدوية مهمة. يكفي إلقاء نظرة إلى خريطة القبائل في المملكة كي نفهم عما يدور الحديث. تمتد قبيلة العدوان على أراض في عمق الأردن ولا سيما في منطقة الشونة الجنوبية ومدينة السلط ومحيطها. هذه مناطق قريبة من أراضي إسرائيل وبخاصة من معابر الحدود. وبفضل هذا القرب، ومساهمة أبنائها في التراث القتالي في عصر الحروب، التصق بهم لقب “قبيلة القدس”.

نشر رؤساء القبيلة هذا الأسبوع رسالة وجهت مباشرة إلى عبد الله الثاني. وادعوا بأن ابنهم عماد لم يرتكب في إسرائيل جريمة قتل بدم بارد، بخلاف الحارس الإسرائيلي الذي قتل مواطنين أردنيين. الحارس إياه أطلق سراحه، قالوا للملك، وعليه فمتوقع من الإسرائيليين إطلاق سراح المعتقل. وأعربوا في رسالتهم عن تأييدهم لعملية التهريب. كلنا نفتخر بابننا وبأفعاله، كما كتبوا، “لا تفصل بين بيوت أبناء قبيلتنا وأراضينا المحتلة غير أمتار معدودة. عيوننا وقلوبنا ترنو إليها كل يوم”.

هذا القرب الجغرافي لم يطرح صدفة. هكذا سعى أبناء القبيلة لتذكير الملك (وإسرائيل) بأنهم هم – هم حراس الحدود. إذا أرادوا، فسيمنحون صاحب السيادة السكينة والاستقرار. إن شاءوا سيجعلون أرضهم منطقة ساخنة. هذا تهديد قيل بكياسة. وقد وصفوا المهرب المعتقل بـ “الوطني الشجاع”، وموقفه من الفلسطينيين بـ “الجريء”. وأثنوا قائلين: “من هو قريب من النائب عماد العدوان يعرف جيداً الروح الوطنية والقومية التي يتمتع بها”.

حساب قديم

استيقظت في الأردن هذا الأسبوع حملة جماهيرية عاصفة، فيها مطلب من الملك لبذل كل ما في وسعه كي يطلق سراحه. وإعادته إلى بلاده بالفعل سيمنح القصر إنجازاً عظيماً ويعزز قوته لدى الجمهور وقبيلة العدوان. بوسعها أن تقلص التوتر السائد بين إسرائيل والأردن على خلفية أحداث الحرم، وترمم الثقة المتضررة بين بنيامين نتنياهو وعبد الله الثاني. وبوسعها منح الأردنيين التحقيق معه حتى النهاية والوصول إلى مرسليه بنجاعة أكبر – وهي ستمحو، من ناحية الأردنيين، الحساب الذي نشأ صيف 2017. في حينه، استقبل نتنياهو الحارس بشرف المنتصرين، بعد أن أطلق الملك سراحه دون تحقيق ودون محاكمة. وكان ذاك الحدث تسبب به بحرج عظيم للقصر وبنقد شديد من طرف الجمهور.

إن إعادة العدوان إلى عناية الأردنيين ستجسد لمرسليه ومساعديهم بأن الدولتين تعاونتا ضدهم. أما إصرار إسرائيل على إبقائه بحوزتها وإن كان سيحقق العدالة، فإنه سيخدم معارضي إسرائيل الكثيرين في المملكة. وسواء عمل بدافع مالي أو قومي، فإن هذا الإصرار سيجعله بطل الأمة وسيوقظ محور المقاومة للتجند من أجله. بوسعه أن يعظم الضغينة السائدة بين الدولتين ويمنح معارضي إسرائيل مبرراً لمهاجمة الملك دون توقف. وفوق كل ذلك، قد يخرق انضباط أبناء قبيلة العدوان على طول الحدود، ويضع الإسرائيليين الذين يزورون الأردن في خطر.

العدوان ليس نائباً عادياً، بل واحد من أكثرهم صخباً. هو ابن 35 الأصغر من بين الـ 130 نائباً. محامٍ في تعليمه، متخصص في القانون الدولي. تنافس وانتخب كمستقل، لكنه بعد وقت قصير من دخوله البرلمان، انضم بشكل واضح إلى صفوف المعارضة. لم يتوقف عن مهاجمة الحكومة على سياستها العقيمة تجاه الجمهور، بخاصة في كل ما يتعلق بالخدمات المدنية: الصحة، والعمل، والتعليم. في لحظة لا تنسى، في آب 2021، سد طريق رئيس الوزراء بشر الخصاونة، حين جاء هذا إلى بوابات البرلمان، احتجاجاً على ارتفاع أسعار الوقود. جلس على كرسي رئيس الوزراء الأردني ورفض النهوض، “لن نسمح لك باتخاذ قرارات ظالمة للشعب الأردني”، قال ورفض النهوض من مكانه.

ومن بين صراخ متفاجئ وجهه للخصاونة، قال عماد العدوان هذه الكلمات: “الشعب هو مصدر الصلاحيات، وهنا مجلس الشعب”. بمعنى أنه أراد القول للجالسين في هذه القاعة إن الحق في الكلمة الأخيرة محفوظ، إذ إننا انتخبنا فيما أنك لم تنتخب. إذا لم يكن الخصاونة منتخباً من الشعب، فصلاحياته موضع شك، وإن كان الشعب هو مصدر الصلاحيات، فما هو مكان القصر ورسله؟ باختصار، يقف نائب تحت قبة البرلمان ويشكك بصوته وصورته في أساسات النظام القائم. وجاء التهريب عبر جسر اللنبي وعلم القيادة الأردنية عما يجري الحديث عنه. عماد العدوان ليس منتخباً عادياً. بالنسبة لهم، هو شخصية تآمرية. لو أن أحداً مثله في مصر أو في سوريا مثلاً، لاختفى منذ زمن بعيد في ظروف غامضة، وفي عودته، إذا ما عاد، يقضي على نفسه بالصمت.

منذ اعتقاله، بدأت محافل الأمن التحقيق، كل في مجاله. سارعت إسرائيل لفحص عنوان الإرسالية الكبيرة (يمكن التخمين بأنه وجد الجواب)، وسعى الأردن لمعرفة من يقف خلف المؤامرة التي نسجت تحت أنفهم. التحقيق الهادئ، في الظل، الذي اتبعته العاصمتان في القضية يدل على التفاهم المتبادل السائد بين الطرفين.

لقد تفجرت هذه القضية في توقيت شائق على نحو خاص. في السنة الأخيرة، تضغط قيادة حماس على القصر للسماح لها بالعودة إلى عمان بعد أن طردت منها قبل 24 سنة بين ليلة وضحاها. عودة حماس إلى الأردن هذه الأيام هي خطر أمني مباشر على إسرائيل، فهي ستمنحهم حرية الوصل إلى الفلسطينيين في الضفة الغربية وشرقي القدس ممن يخرجون ويدخلون عبر جسر اللبني. وهكذا بوسعهم العودة بالتدريج إلى موقف النفوذ على هؤلاء السكان تحت أنف النظام الأردني والسلطة الفلسطينية. الأردنيون، الذين يبحثون عن أسباب وجيهة لرفض طلب حماس العودة إلى بلادهم كفيلون بإيجاد مشجب يتعلقون به في هذه القضية.

في عودة عماد العدوان إلى الأردن سيحصل على استقبال حار، لكن وضعه سيكون مختلفاً تماماً في غرف التحقيق. لقد كشف اعتقاله بأن المشرع والقانوني الشاب لا يعارض النظام فقط ويؤيد سفك الدماء، بل هو أيضاً مهرب سلاح من النوع الأدنى.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى