ترجمات عبرية

معاريف: في نقاش عاصف مع أربعة من قادة شعبة الاستخبارات الإسرائيلية حول إيران

معاريف 2023-04-12، بقلم: تل ليف رام: في نقاش عاصف مع أربعة من قادة شعبة الاستخبارات الإسرائيلية حول إيران

أجرينا المقابلة مع أربعة من رؤساء دوائر فرع إيران في شعبة الاستخبارات العسكرية (أمان)، نقيب واحد وثلاثة ضباط برتبة رائد، في مبنى متواضع في دائرة البحوث، على مسافة مئات الأمتار من تظاهرة لمؤيدي الإصلاح القضائي في ساحة متحف تل أبيب. منهم اثنان ضابطان، واثنتان ضابطتان. ثلاثه منهم خريجو البرنامج الاعتباري في “أمان”، ضابط آخر عاد إلى الخدمة بعد حياة مهنية مبهرة في المجال الاقتصادي.

كلما طال الحديث تعاظمت أصوات المتظاهرين في الخارج، وكان من الصعب الإفلات من التفكير في أنه بالضبط مثلما نجلس ونحلل آثار احتجاج الحجاب في إيران في بداية السنة الحالية، تماما بالتوازي يجلس الآن ضباط استخبارات في إيران في محاولة لفهم معاني الأزمة السياسية – الاجتماعية في إسرائيل.

الحديث، الذي ننشره هنا، يعبر عن صورة عميقة لما يجري في إيران ويستند أيضا إلى حديث مع ضابط كبير آخر. يمكن التقدير بأنه ضمن القيود الأمنية فإن ما يقوله الضباط هو أساس مهم لتقدير الوضع الاستخباري الذي يتلقاه رئيس “أمان” أيضا، وقيادة هيئة الأركان، ورئيس الوزراء، ووزير الدفاع.

الخروج من الاتفاق النووي خطأ استراتيجي

يعنى فرع إيران في دائرة البحوث في شعبة الاستخبارات اليوم بالربط بين ساحتين مركزيتين: الإيرانية والسورية. العام 2015 يُعد نقطة التغيير والانعطافة التي غابت فيها الدينامية بشكل جوهري، مع التوقيع على الاتفاق النووي، الذي خرج إلى حيز التنفيذ في عهد إدارة أوباما.

نقطة الانعطافة التالية جاءت في أيار 2018، في عهد إدارة دونالد ترامب، التي قررت بضغط إسرائيلي شديد قاده رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، خروجاً من طرف واحد من الاتفاق وتشديد العقوبات على طهران.

قرار الخروج أحادي الجانب من الاتفاق يراه الكثيرون من كبار رجالات جهاز الأمن في السنوات الأخيرة خطأ استراتيجيا: من جهة في التقدير بأن خروجا أميركيا من الاتفاق سيؤدي بالذات إلى نتيجة معاكسة وإلى تقدم دراماتيكي لإيران في السباق نحو القنبلة، ومن جهة أخرى بغياب جاهزية لعمل عسكري. في السنتين الأخيرتين فقط، بتأخير كبير، نالت الاستعدادات للعمل العسكري زخما مهما.

“أدى الاتفاق النووي في تلك السنين إلى تقليص المهام المتعلقة بإيران”، يشرح ضابط كبير في “أمان”. “بالمقابل، أصبحت إيران ضالعة أكثر في حضورها في المنطقة. وكان السبب المركزي الحلف المشترك مع ‘حزب الله’ وصراع الرئيس الأسد في سورية ضد ‘الدولة الإسلامية’ ومحافل معارضة أخرى، تحالف انضم إليه الروس أيضا.

“من ناحية الإيرانيين كانت هذه فرصة لتعزيز نفوذهم وبناء منظومة قوات استعدادا لحرب مستقبلية مع إسرائيل. إيران هي اليوم التحدي الأكبر لإسرائيل، سواء بسبب النووي أو بسبب نقاط الاحتكاك الكثيرة معها.

الفترة الأمنية المتوترة في الساحة الشمالية دليل ممتاز على ذلك: فالمسيرة الإيرانية التي أسقطتها إسرائيل بعد أن تسللت من سورية إلى هضبة الجولان وإسقاطها في حدث وقع قبل عشية الفصح وقبل ذلك التقارير عن موت ضابط من الحرس الثوري، كان مستشاراً لـ “حزب الله”، في مجالات عسكرية مختلفة بما فيها دقة الصواريخ، في هجوم يعزى لسلاحنا الجوي. كل هذا في سلسلة هجمات ضد إيران و”حزب الله” في سورية منسوبة لإسرائيل، رداً على العملية قرب مجدو.

تجسد سلسلة الأحداث هذه جيدا مستوى التصعيد والتوتر المتزايد مع إيران. من ناحية إسرائيل فإن التحدي يتعاظم فقط ويصبح أكثر تعقيدا ومتعدد الأبعاد. ففضلا عن موضوع النووي فإن التهديدات على طول الحدود والروابط المتوثقة بين إيران، “حزب الله”، “حماس”، ومحافل “إرهابية” أخرى في الساحة الفلسطينية تشغل بال رؤساء جهاز الأمن ليل نهار.

من هنا أيضا تنبع الأهمية والمركزية لفرع إيران في شعبة الاستخبارية العسكرية، سواء بسبب آثاره ومضاعفاته على ساحات معادية أخرى أو بسبب بناء العلاقات مع دول إسلامية معتدلة. ففرع إيران يحاول أن يفهم ويبحث بعمق في ما يجري لدى العدو. وهو يعنى بالبرنامج النووي في إيران ولكن أيضا بالأزمة الاقتصادية، وبالاحتجاج وبالدعوات للثورة.

يحلل الفرع الوضع والمعاني من زاوية تكتيكية واستراتيجية، ويقول مسؤولون كبار في الجيش منذ الآن بالفم المليء الجملة عظيمة المعنى الآتية: “نستعد اليوم بشكل أكبر لهجوم محتمل في إيران ونجري الكثير جداً من الاستعدادات العسكرية الهجومية والدفاعية في السياق الإيراني.

500 قتيل، وأكثر من 19 ألف معتقل

ليس فقط الجوانب العسكرية هي التي توجد على بؤرة استهداف إسرائيل بالنسبة لإيران. “إذا بحثنا في الاقتصاد الإيراني يمكننا أن نبني أساسا لضربة مالية كهذه أو تلك”، يروي الضباط أثناء الحديث. مرة كل نصف سنة تجري شعبة الاستخبارات تقديرا مرحليا، يعنى بجملة واسعة من المواضيع. “لا يمكن قطع موضوع النووي الإيراني عن الاحتجاج الداخلي في الدولة”، يشرح أحد الضباط. “توجد محافل ضيقة جدا من الأشخاص الذين يتخذون القرارات في إيران، وهم يفعلون ذلك في كثير من المواضيع. عندما يحتاج متخذ القرار الإيراني أن يحسم في موضوع معين عليه أن يفكر أيضا في الكثير من المواضيع الأخرى غير المرتبطة بالضرورة الواحد بالآخر”.

وحسب موقف فرع إيران، الذي يعرض على القيادة السياسية أيضا، هناك خمسة عناصر تؤثر على اتخاذ القرارات في القيادة في الحرس الثوري. الأول، هو الوضع الداخلي في الدولة والاستقرار السلطوي، بمرآة الهدوء الجماهيري – الاجتماعي.

انتبهوا إلى المعطى الآتي: حسب تقدير دائرة البحوث في شعبة الاستخبارات فإن نحو 80 في المئة من الجمهور الإيراني لا يؤيدون نظام آيات الله. العنصر الثاني العام في اتخاذ القرار الإيراني هو الوضع الاقتصادي، والثالث هو الرغبة في خلق هدوء داخلي وخارجي في وجه تهديدات عسكرية، والرابع هو القوة الصناعية لإيران. العنصر الخامس والأخير في سلم الأولويات هو السياسة الخارجية. إيران غير معنية في أن تكون في مكانة مشابهة لمكانة كوريا الشمالية. فهي تريد أن تكون جزءا من دول العالم وذات تأثير، بالضبط مثلما تؤثر على الدول المجاورة لها، كالعراق وأذربيجان.

عندما نراجع نصف السنة الأخيرة في إيران، فإن الميل في “أمان” مختلط جدا: من جهة هناك أمور وقعت ومست جدا بالاقتصاد وبالوضع الداخلي في الدولة. لكن مع ذلك بمفاهيم عديدة أخرى تعززت قوة إيران، ما يقلق جدا جهاز الأمن الإسرائيلي.

“تعززت علاقات إيران مع دول مهمة، وبرنامجها النووي يوجد في النقطة الأكثر تقدما. وهي تنجح في أن تستخدم هذا في الساحة الدبلوماسية أيضا”، تشرح محافل أمنية كبيرة بقلق. في إيران، كما تشرح محافل الأمن، يفهمون جيدا أن ليس للولايات المتحدة رغبة في أن تخرج في هذه اللحظة إلى هجوم ضدها، ما يمنحها ريح إسناد مهمة.

دون أن يلقى الموضوع جوابا في الحديث مع الضباط، في فرع إيران، الحذرين جدا من الدوس على ألغام سياسية وحزبية، يخيل أن الأزمة الداخلية في إسرائيل ومؤشرات بدء أزمة مهمة مع الأميركيين تلعب في خدمة الإيرانيين، الكفيلين بأن يجربوا استخدام هذا في الفترة القريبة القادمة.

الرائد “ع” هو رئيس قسم الاقتصاد والداخلية في فرع إيران. يتابع القسم برئاسته عن كثب الوضع الداخلي في الجمهورية الإسلامية، مع التشديد على الوضع الاقتصادي وآثاره. فالاحتجاجات الواسعة في إيران احتلت نصيبا كبيراً من عمل هذا القسم.

“بدأ الاحتجاج مع موت مهاسا أميني، إيرانية كردية ابنة 22 اعتقلتها شرطة العفة وتوفيت في المستشفى. الاحتجاج الذي نشب بعد موتها هو أكبر الاحتجاجات التي كانت في الجمهورية الإسلامية”. وبالنسبة للضابط عبّر الأمر عن نفسه في مدة الاحتجاج وتنوع الناس المشاركين فيه وفي توزيعه الجغرافي.

وعلى حد قوله فإن النقد ضد خامينئي كان حادا جدا والاحتجاج أيضا كان عنيفا جدا. وحسب تقدير “أمان”، في ذروته وصل إلى نحو 45 ألف شخص في كل نقطة زمنية، وكلف أكثر من 500 قتيل و 19 ألف معتقل.

ويضيف الرائد “ع”: رأينا تنكيلا كبيرا برجال الدين. يعبر هذا الاحتجاج عن ميول عميقة بين الجمهور الإيراني للابتعاد عن أجهزة النظام وانخفاض دراماتيكي في الثقة به”.

وتقول الضابطة إن دينامية العلاقات الخاصة والمعقدة بين إيران وإسرائيل ثابتة وشبه مرتبة. “على كل هجوم ضد إيران ترد بتقدم كبير في البرنامج النووي، تشرح الرائدة “أ”. “تقترب إيران جدا من المستوى الأعلى لتخصيب اليورانيوم إلى 90 في المئة، حيث يمكنها بعده أن تبدأ بتطوير السلاح. والوصول إلى هذا المستوى هو رافعة ضغط هائلة لديها على العالم. ستستخدم النووي للردع، ولهذا فطهران تحرص على أن تعلن عن كل تقدم في البرنامج النووي مهما كان صغيراً”.

إبقاء العراقيين قريباً منهم

تركز الرائد “د” على الساحات الأبعد عن حدودنا لكنها تهم الإيرانيين. وهذه دول نسميها نحن “دول الدائرة الثالثة”، والتي لا تتقاسم معنا حدودا ولكن لإيران تجاهها مصالح أو تواجد عسكري؛ أمور من شأنها أن تؤثر على إسرائيل. العراق هو مثال جيد على ذلك.

بطبيعة الحال تهتم إسرائيل أكثر بما يجري في سورية. ويولي ضباط الاستخبارات أهمية كبيرة للأعمال العسكرية المنسوبة لإسرائيل في سورية، لكنهم يشددون على أن “التواجد الإيراني في سورية وإن كان لا يزال إلا أنه محدود. عددهم يقل ونفوذهم يقل أيضا. التموضع في سورية ليس مصلحة مركزية للإيرانيين. أما الساحة العراقية فتقلقهم وتشغل بالهم أكثر بكثير.

وتشرح الرائدة “د” فتقول إن “إيران معنية بإبقاء العراق قريبا قدر الإمكان. الإيرانيون ينجحون في الساحة الدبلوماسية مع العراق، حيث توجد لهم حكومة مؤيدة لهم، والهدف في طهران هو تخليد الوضع كما هو. لا يزال لإيران عشرات الفروع في العراق والتي تضم آلاف الأشخاص.

ويدور الحديث عن قوة تدعمها إيران بفاعلية منذ عدة سنوات وتستثمر فيها مئات ملايين الدورات في السنة.

من ناحية استخبارية، فإن الخطر الفوري من جهة العراق هو مئات المسيرات المسلحة المرابطة هناك والتي قد تطلق إلى إسرائيل في حالة المواجهة، وإذا لم يكن هذا بكاف، فالواقع السياسي معقد جدا، ويقيد حرية العمل العسكري لإسرائيل، أساسا بسبب الأميركيين الذين هم أيضا يعملون بشكل حذر جدا في الساحة العراقية.

الفكرة المتصدرة: عمليات جباية ثمن

النقب “ي” مسؤول عن الإخطارات في فرع إيران. ويقول إن “قسمنا يعنى بسياسة استخدام القوة لدى إيران، كيف يرون ويفهمون في إيران إسرائيل، وكذا في الأعمال على حدودها والتفجيرات الغريبة المنسوبة لإسرائيل”. ويضيف: “في إيران يفهمون أن إسرائيل هي لاعب مهم يقفون أمامه. صحيح أنه ليس تهديدا بمستوى الولايات المتحدة لكنه لا يزال تهديدا كبيرا”.

لهذا التهديد، يضيف النقيب “ي”، ليس لإيران حل في هذه اللحظة. المفهوم الإيراني هو أنه سيأتي يوم وتختفي إسرائيل عن الخارطة. باستثناء أنهم حتى ذلك الحين يتعين عليهم أن يتصدوا لهذا التهديد.

ويوضح فيقول إن “إيران تدرس التصدي لإسرائيل كصورة مرآة. سيجرب الإيرانيون تنفيذ كل ما إسرائيل مستعدة لتفعله. في نظرهم إسرائيل تمارس عمليات خاصة في إيران، وهم يريدون أن يفعلوا الأمر نفسه”.

ويقول الضابط إن الفارق الوحيد هو أن إيران فشلت بثبات في محاولاتها تنفيذ عمليات “إرهاب” ضد إسرائيليين في دول مختلفة في العالم. “لكنها تتحسن في هذا رويدا رويدا، بالتكنولوجيا وبالاستخبارات أيضا.

ويضيف النقيب “ي” إن “عمليات جباية الثمن هي الفكرة المركزية التي تركز عليها إيران في هذه اللحظة. يحتمل أن تكون إيران تنظر إلى إسرائيل وتشخص فرصة لاستخدام تحدياتنا الداخلية ضدنا”.

وحسب تقديرات أجهزة الأمن فإن إمكانية أن تدخل إيران في معركة مع إسرائيل في حالة مواجهة مع “حزب الله” قائمة. بالمقابل، فإن إمكانية أن يدخل “حزب الله” في تصعيد دراماتيكي بين إيران وإسرائيل إلى دائرة القتال معقولة أكثر بكثير.

في إيران، يقول الضباط في ختام الحديث، يتعاطون بجدية كبيرة مع إمكانية أن تهاجمهم إسرائيل، وليس فقط في سياق البرنامج النووي.

في واقع يبدو فيه الاتفاق النووي المتجدد بعيداً، فإن احتمال أن يتزايد التوتر العملي بين إسرائيل وإيران هو الإمكانية المتصدرة، كما يمكن أن يشخصها في الفترة الأخيرة أيضا. ومع ذلك، على الأقل بين السطور يمكن أن نستنتج بأن الطرفين غير معنيين بالحرب وبتصعيد دراماتيكي في هذا الوقت.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى