ترجمات عبرية

معاريف: سوريا ولبنان هما مرآة للشرق الأوسط الجديد: أيديولوجيا اقل، مصالح اكثر 

معاريف 18/12/2025، يئير مرتون: سوريا ولبنان هما مرآة للشرق الأوسط الجديد: أيديولوجيا اقل، مصالح اكثر 

سوريا ولبنان هما اليوم ساحتان اساسيتان لفهم مستقبل الشرق الأوسط. كلتاهما دولتان مصابتان، مدمرتان اقتصاديا واجتماعيا مع سيادة جزئية فقط، وكلتاهما تشكلان لوحة لعب لقوى عظمى إقليمية ودولية. السؤال هو الى أي اتجاه تسيران: فوضى وانهيار مطلق ام مسيرة بطيئة من التطبيع المفروض.

في سوريا، نجت الدولة لكنها فقدت نفسها. وهي منقسمة الى مناطق نفوذ – روسي، إيراني، تركي، كردي وامريكي – فيما أن دمشق تسيطر عمليا على قسم من الأراضي فقط. الاقتصاد خرب، الجيش متهالك والسكان يعيشون في فقر مدقع. ايران حاولت جعل سوريا جبهة استراتيجية داخلية تجاه إسرائيل، لكنها تعرضت لاصابات قاسية في البنى التحتية، في القيادات وفي مسارات التهريب. إسرائيل، بثبات وبرباطة جأش قلصت الرؤيا الإيرانية دون الانجرار الى حرب شاملة. المحور الشيعي مصاب، لكنه ليس مصفيا.

تركيا، من جهتها، ترى في شمال سوريا منطقة فصل حيوية، أساسا حيال الاكراد، وتعمل انطلاقا من اعتباراتها الأمنية. الولايات المتحدة تحافظ على تواجد بالحد الأدنى في سوريا واساسا لاجل منع تعزز قوة داعش وعودة ايران. أوروبا تعبة تركز على اللاجئين الذين يشكلون تهديدا حقيقيا وفوريا على القارة ولا تسارع الى الاستثمار في اعمار سوريا دون إصلاحات عميقة. في المستقبل القريب ستبقى سوريا دولة ضعيفة تدار من الخارج. في المدى البعيد، وحده دمج تسوية إقليمية، انسحاب إيراني تدريجي وفتح بوابات اقتصادية، أساسا عبر دول عربية معتدلة، كفيل بان يخلق استقرارا جزئيا. اذا كانت سوريا فقدت السيادة في الحرب، فان لبنان فقدها من الداخل. حزب الله ليس “دولة داخل دولة” – هو الدولة. الساحة السياسية في لبنان مشلولة، الاقتصاد انهار والجمهور فقد الثقة بالقيادة. ايران ترى في لبنان ذخرا استراتيجيا لكن عبئا أيضا. حزب الله مردوع من إسرائيل، يفهم بان حربا شاملة من شأنها أن تؤدي الى خرابه المطلق. وإسرائيل تبث رسالة واضحة: كل تصعيد يؤدي الى ضربة قاضية للبنى التحتية للبنان وليس فقط للتنظيم.

تحاول الولايات المتحدة وأوروبا إبقاء لبنان فوق خط الانهيار، لكنهما ترفضان ضخ الأموال له دون إصلاحات. هي غير ممكنة طالما كان حزب الله يسيطر. السعودية، التي في الماضي كانت سيدا مركزيا، ابتعدت لكنها كفيلة بان تعود اذا ما شخصت ضعفا إيرانيا ونافذة فرص. في المستقبل القريب من المتوقع للبنان أن يواصل المراوحة في المكان: لا حرب، لا اعمار. فوضى مدارة. في المدى الابعد، تغيير حقيقي يحتمل فقط اذا نشأ ضغط إقليمي ودولي منسق يستقر فيه بديل لحزب الله.

سوريا ولبنان هما مرآة للشرق الأوسط الجديد: أيديولوجيا اقل، مصالح اكثر. دول قوية اقل، لاعبون خارجيون اكثر. الاستقرار، اذا ما جاء فانه لن يبدو كالسلام – بل كنظام جديد، بارد، محسوب وهش يتطلب اختبارات غير بسيطة. السؤال ليس اذا كانت ايران ستنسحب بل اذا كان العالم يعرف كيف يستغل اللحظة التي تتصدع فيها قوتها قبل أن تسيطر الفوضى من جديد.

 

مركز الناطور للدراسات والابحاثFacebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى