ترجمات عبرية

معاريف: حرب أوكرانيا ستتدحرج إلى عتبات إسرائيل

معاريف 2022-10-29، بقلم: ليئور أكرمان، حرب أوكرانيا وإسرائيل

مرت، هذا الأسبوع، ثمانية أشهر على الحرب الروسية ضد أوكرانيا. ما خطط له الروس كضربة سريعة لاحتلال العاصمة كييف، إضافة إلى مناطق استراتيجية والأقاليم الانعزالية في شرق الدولة، فشل وتحول إلى حرب استنزاف. في هذه الأثناء، تتصاعد الحرب، التي جبت حتى الآن عشرات آلاف القتلى، وعشرات آلاف الجرحى، وملايين اللاجئين، وثمنا اقتصاديا هائلا ليس ممكنا بعد تقديره. ولم نتطرق بعد للآثار العالمية مثل أزمة الطاقة المتفاقمة، وأزمة المحاصيل والغذاء، والتأثير على البورصات والعملات في العالم، وغيرها.

 

يخيل أننا قللنا من تقدير العلاقة بين ما يجري في الحرب وبين المصالح الأمنية لدولة إسرائيل، والشكل الذي تقف فيه الحرب عمليا بمفاهيم عديدة هنا تماما على عتبة إسرائيل وترتبط ارتباطا وثيقا بأمنها.

من ناحية الروس، تشكل الحرب في أوكرانيا خطوة استراتيجية غايتها ليس فقط أن تضم إليها مناطق تعد من ناحيتها جزءا من الأم روسيا. هدف مركزي آخر هو إعادة تموضع روسيا كامبراطورية واستعادة المجد الذي أضاعته مع سقوط الاتحاد السوفياتي. في هذا السياق، تشكل روسيا في أثناء القتال تحالفات استراتيجية مع ايران، الصين، روسيا البيضاء، ودول أخرى، بنية العودة لتشكل محور قوة عالميا جديدا يقف في وجه الغرب من جهة، وفي وجه الشرق الأوسط من جهة أخرى.

وفي إطار ذلك، عزز الروس التعاون مع ايران. يوجد التعاون بين الدولتين منذ سنوات عديدة لكنه مؤخرا يحقق ارتفاع درجة، وهو ذو أثرين مباشرين على إسرائيل.

الأول هو منظومة الصواريخ “ارض ـ ارض” الإيرانية، مثلما هي أيضا منظومة المسيرات الانتحارية. هذه يقوم الإيرانيون بتزويدها للروس بكميات كبيرة، تجتاز تطويرات تكنولوجية وتشارك في أعمال حربية عملياتية على أراضي أوكرانيا. عمليا، يدور الحديث عن حجم كبير من الخبراء والعسكريين الإيرانيين الذين يتواجدون في روسيا وفي المناطق المحتلة في أوكرانيا ويشغلون منظومات الصواريخ والطائرات الانتحارية.

فضلا عن الضرر الهائل الذي لحق بالبنى التحتية المدنية الأوكرانية، تشكل هذه المعركة حقل تجارب واسعا للإيرانيين. حقل يسمح لهم بأن يختبروا القدرات العملياتية للأسلحة التي بحوزتهم، ويجروا تطويرات لها في إطار القتال. هذه الصواريخ والطائرات مخطط لها أن توجه في المستقبل تجاه إسرائيل. نجاعة منظومات الدفاع القائمة في إسرائيل ضد هذه الأسلحة لم تختبر بعد في واقع حربي، وتعد هذه مسألة أمنية – استراتيجية على الحكم في إسرائيل أن يكرس لها كامل الاهتمام.

الثاني هو الحلف الآخذ بالتعزز بين روسيا وإيران، بينما تضعف السيطرة الأميركية في الشرق الأوسط، بل ثمة تآكل شبه تام على مدى السنين. تسيطر روسيا منذ الآن على سورية، وتسمح للإيرانيين، مع غض النظر، بتصعيد أعمالهم داخل سورية وبناء قواعد عمل وسلاح. من جهة أخرى، ينبغي الاعتراف بأن الروس يسمحون مع غض نظر مشابه جدا لإسرائيل أيضا أن تعمل على ارض سورية وتهاجم القواعد التي تحاول ايران بناءها وخطوط توريد الأسلحة لـ”حزب الله” في لبنان.

في إطار هذا الحلف، كما أسلفنا، تتيح روسيا لإيران حقل التجارب الأفضل للسلاح الذي طورته في شكل قتال عملياتي على ارض أوكرانيا. يمكن الافتراض بيقين كبير جدا ان الثمن لقاء الصواريخ والأسلحة للروس ستجبيه ايران من روسيا من خلال سلسلة طويلة من الامتيازات. سواء من خلال الحصول على طائرات قتالية حديثة أم إعطاء تكنولوجيات ومواد لتحقيق استراتيجية النووي الإيرانية. في مثل هذا الوضع، عمليا، ستتعزز ايران من ناحية عسكرية في ظل تفاهم التهديد الأمني المباشر على إسرائيل بفضل تسلحها بالتكنولوجيات، وبالوسائل القتالية المتطورة، وبطائرات حديثة اكثر.

الجانب الإضافي لهذا الحلف هو التنحية شبه التامة للاتفاق النووي الذي تحاول الولايات المتحدة وأوروبا توقيعه مع الإيرانيين. فالحلف المتوثق ينحي جانبا العقوبات التي يزعم أنها ستفرض على ايران عند خرق الاتفاق، وعمليا، لا يعود أهمية لتوقيعها أو عدم توقيعها على الاتفاق، إذ انه في كل حال، فتحت للإيرانيين إمكانية تسلح وتقدم تكنولوجي لتعاظم قوة نووية في القناة الروسية، مع ودون اتفاق أو عقوبات من الغرب. لهذا الموضوع معنى حرج مباشر على الأمن القومي لدولة إسرائيل.

من زاوية نظر روسية، يعد هذا حالة من الكسب المتبادل WIN – WIN والتي يعزز كل طرف فيها مكانته في الشرق الأوسط، سواء في سورية أم في ايران، فإنها تسيطر على أراض في أوكرانيا وتخلق قواعد قوة في أوروبا؛ وبالتوازي تبقي على قناة مفتوحة مع إسرائيل في ظل إعطاء إمكانية لسلاح الجو للعمل على ارض سورية.

التعاون مع الصين يعطي الروس التعزيز الاقتصادي الذي يحتاجونه حيال العقوبات التي تفرضها عليهم الغرب، ومنذ الآن نشر ان الانكماش الاقتصادي لروسيا، الذي كان متوقعا أن يكون نحو 10 في المئة، سيتقلص هذه السنة حسب توقع “الايكونومست” إلى 6.2 في المئة، وفي السنة القادمة إلى 4.1 في المئة فقط.

ساحة سائبة

وفي إسرائيل، مثلما هو دوما، لا توجد حكومة، ولا توجد سياسة ولا توجد أي استراتيجية تجاه التهديدات المتعاظمة. الفرضية السائدة في أوساط رجال الأمن والمحللين هي أن لإسرائيل قدرات جيدة للدفاع عن نفسها في وجه تهديد الصواريخ الإيرانية وتهديد المسيرات الانتحارية. ولكن هذه القدرة كما اسلفنا لم تختبر في ميدان المعركة. لما كانت منظومات الدفاع الإسرائيلية لن تورد إلى أوكرانيا اغلب الظن، فينبغي الافتراض ان قدرتها أيضا لن تختبر في المستقبل على أساس عملياتي.

بغياب استراتيجية إسرائيلية واضحة، تبقى الساحة السياسية الأمنية في الموضوع سائبة تماما. كل زعيم أو منتخب من الجمهور الإسرائيلي يتحدث بصوت مختلف. البعض يؤيد التعاون مع روسيا، والبعض يتبنى مساعدة الأوكرانيين والبعض، كالمعتاد، يؤيد الجلوس على الجدار وانتظار اليوم التالي. لكن في الوقت الذي لا تتخذ فيه إسرائيل أي سياسة أو استراتيجية وطنية في الموضوع، تواصل روسيا وإيران التقدم بوتيرة سريعة لتحقيق أهدافهما السياسية والأمنية.

واضح بالتالي أن على إسرائيل أن تبلور وان تعرض استراتيجية واضحة وبعيدة المدى للتصدي للتهديد الإيراني، مع التشديد على تعزز الحلف مع الروس. وفي إطار ذلك على إسرائيل أن تتخذ قرارات حول مدى المساعدة (إذا كان) التي ستعطى للأوكرانيين من حيث منظومات الدفاع؛ وتعزيز وبناء قدرات الإحباط المباشرة للبرنامج النووي الإيراني؛ واستراتيجية العمل الإسرائيلية تجاه “حزب الله” في لبنان، إذ من هناك يحدق، اليوم، التهديد الأكثر مغزى للصواريخ نحو إسرائيل.

من غير المستبعد أن يكون على إسرائيل أن تفكر بنقل مساعدة دفاعية إلى أوكرانيا، ولكنها مساعدة لا تكشف قدرات وتكنولوجيات سرية. في مثل هذا الوضع، تنقل إسرائيل إلى الأوكرانيين منظومات متدنية من ناحية تكنولوجية ومنظومات لا تعتبر من ناحية الروس أسلحة هجومية تستخدم ضدهم لكنها من جهة أخرى ستساعد بشكل كبير الأوكرانيين وعلاقات إسرائيل مع أوكرانيا.

بالتوازي، يتعين على إسرائيل أن تبقي قناة أمنية وسياسية مفتوحة مع الروس لغرض استمرار حرية العمل في القتال ضد الإيرانيين على ارض سورية، وبالطبع مواصلة القتال الاستخباري العملياتي حيال ايران في القنوات الأكثر سرية.

من المهم للقيادة في إسرائيل، كائنة من كانت، أن تفهم أن لحرب روسية في أوكرانيا يوجد اليوم التالي الذي ستصل فيه المعركة إلى عتبتنا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى