معاريف: حان الوقت للسؤال اذا كان التقارب السعودي الأمريكي على حساب إسرائيل؟
معاريف 5/12/2025، جاكي خوجي: حان الوقت للسؤال اذا كان التقارب السعودي الأمريكي على حساب إسرائيل؟
في الصحف السعودية نشرت هذا الأسبوع قائمة الاتفاقات ومذكرات التفاهم التي وقعت بين السعودية والولايات المتحدة في اثناء زيارة محمد بن سلمان الى واشنطن قبل ثلاثة أسابيع. لا يزال اختراق الطريق غير واضح من الاتفاقات. فقد أمل الأمير وولي العهد في أن يعود الى الديار مع اتفاق تاريخي لاكتساب علم نووي. حصل على نصف ذلك وربما اكثر. ولا يزال، هذه سلسلة اتفاقات ومذكرات تفاهم رفعت جدا مستوى مكانة السعودية في واشنطن. مكانة حظيت دوما بمكان شرف.
في اثناء هذه الزيارة أعلنت الولايات المتحدة عن السعودية كحليف مركزي ليس عضوا في الناتو. تمنح هذه المكانة السعوديين أولوية لدى الأمريكيين في كل ما يتعلق بمشتريات السلاح والمنظومات المتطورة وكذا في الدفاع عنها في وجه مخاطر عسكرية.
في مذكرة تفاهم أخرى قرر الطرفان شراكة طويلة السنين في مجال تطوير النووي لأغراض مدنية. شراكة طويلة السنين، لكن ليس اتفاقات موقعة ومصوغة جيدا. هذا لم يعلن بعد، على الأقل حسب المنشورات الرسمية. كما تقرر ان تتلقىا شركات أمريكية أولوية في بناء برنامج الطاقة النووية للسعودية.
سيتلقى السعوديون في السنوات القريبة القادمة طائرات اف – 35 أمريكية، لكنها لن تأتي وحدها بل ستكون جزءاً من رزمة دفاعية أوسع. معها سيتلقون 300 دبابة أمريكية وكذا منظومات دفاع جوي من نوع فاد وباتريوت.
كما وقعت في الزيارة اتفاقات للتعاون المالي. فوزير الخزينة الامريكية ونظراؤه في السعودية سيعمقون الاتصال في كل ما يتعلق بالسوق المالية. سيزيلون حواجز الأنظمة الإدارية ويدفعون قدما بمشاريع مشتركة للتكنولوجيات المالية. كما وقعت مذكرة تعاون في موضوع الذكاء الاصطناعي. فقد منح الامريكيون السعوديين قدرة وصول الى منظومات تكنولوجية متطورة في هذا المجال والى وسائل دفاع توجد لديهم.
يحتمل أن تكون بنود كثيرة اتفق عليها بين الطرفين لم تنشر لانها تتعلق بالعلاقات الاقتصادية بينهما. كما يفهم من القائمة، كما اسلفنا بان الطرفين يحتاجان الى محادثات إضافية كي يتفقا على شراكة وثيقة في موضوع النووي. كما ان السلام مع إسرائيل لم يولد في اللقاءات بين دونالد ترامب وابن سلمان. ولا يزال، العلاقات بين واشنطن والرياض توثقت جدا. فقد نجح ترامب في تقريب السعودية الى جيب وقلب الأمريكيين، ولعله لهذا أبعدها قليلا عن الحضن المقلق للصين. وبالمقابل ادخل الى الخزينة الامريكية مئات مليارات الدولارات، التي من السابق لاوانه تقدير قيمتها الحقيقية.
كما من السابق لاوانه أيضا القول كم جاء هذا التقارب على حسابنا. لا شك ان الرئيس الأمريكي هو صديق إسرائيل، لكن كلما مرت السنين يتبين انه الى جانب الشعب المقيم في صهيون، لترامب يوجد أصدقاء آخرون. في ولايتيه في البيت الأبيض سلح الرئيس الأمريكي امارات الخليج بأفضل السلاح الأمريكي ومنحها امتيازات وقدرة وصول الى منظومات مالية وتكنولوجية تتمناها معظم دول العالم لنفسها.
في هذه الأيام توجه وسائل الدفاع الهامة هذه نحو ايران أساسا، لكن يجب أن نراها كجزء من صورة المستقبل. فالعقود لتنمية النووي، اذا ما وقعت، يسرب مفعولها لعشرات السنين. الطائرات القتالية ستكون قيد الاستخدام أيضا بعد عقد او عقدين. الحكم الحالي في ايران قد لا يكون هناك، لكن من يدري ماذا ستكون عليه موازين القوى بين إسرائيل وجيرانها العرب بعد عقد أو عقدين أو ثلاثة. ومن يضمن ان تبقى أمريكا صديقتنا الأفضل الى الابد.
دوافع حماس
إذن أعادت حماس والجهاد الإسلامي كل المخطوفين الاحياء ومعظم الضحايا، والان يمكن، لأول مرة منذ 7 أكتوبر، البدء بالحديث عن اليوم التالي.
اذا عاد المؤرخون أو باحثو الاعلام الى هاتين السنتين، فانهم سيجدون سلسلة من الفرضيات التي اطلقت الى الفضاء بثقة عظيمة، لكنها تحطمت الواحدة تلو الأخرى. فمثلا، قالوا ان حماس ستبقي في ايديها بضعة مخطوفين ليوم عاصف. قالوا ان متان تسنغاوكر ونمرود كوهن سيكونان الأخيرين اللذين سيتحررا لان اهاليهما هم الأكثر صخبا بين الجميع وإبقاء ابنيهما هناك يخدم حماس ويساعد في احراج الحكومة. قالوا ان الضغط العسكري وحده سيحرر المخطوفين وها هو تحت ضغط شديد رفضت قيادة حماس تحريرهم المرة تلو الأخرى، وفي ثلاثة اتفاقات مختلفة عاد مخطوفون الى الديار.
عشية الحرب في العراق، والتي اطيح فيها بصدام حسين في 2003، نشرت في الصحف جملة من الانباء التي تزعم انها من غرف قصره. ضمن أمور أخرى قالوا انه هيأ اشباها له كي يضلل مغتالين او أعداء. قالوا أيضا انه مريض بامراض مختلفة وانه لن يستسلم ابدا بل سيقاتل حتى الرصاصة الأخيرة. وكانت بالطبع النظرية الكاملة التي بنتها إدارة بوش عن السلاح الكيماوي والبيولوجي الذي يخفيه صدام وبسببه يمكن الخروج ضده الى حرب. في نظرة الى الوراء تبين أنه لا يوجد سلاح كهذا كما لم يكن اشباه له، وصدام وصل الى محاكمته سليما معافى كالثور بعد أن القي القبض عليه في مغارة تحت أرضية ودون ان يمتشق حتى شفرة كي يقاتل الجنود الأمريكيين الذين امسكوا به.
مصادر هذه الانباء كانت دوما المطلعين، او محافل أمن أو موظفين في البيت الأبيض، وقد نشرت في الصحف الغربية. الاستنتاج مثلما في حينه اليوم أيضا: الحرب هي حديقة مزدهرة لناشري الترهات، الاستنتاجات المغلوطة او الفرضيات المغامرة. من يذكر هذا في الزمن الحقيقي لن يفاجأ في نهايته
لماذا رفض صدام القتال حتى الرصاصة الأخيرة، الرب وحده يعرف. لعله اعتقد ان من الأفضل له ان يواجه محاكمة استعراضية يسمع فيها حججه امام العالم كله من أن يموت بعيدا جدا عن الأضواء. يحتمل أن يكون أراد ان يمتشق مسدسه ولم يتمكن. ولعله القي القبض عليه وهو غافيا او مشوشا، وفهم متأخرا بان مصيره حسم.
بالمقابل، لماذا اعادت حماس المخطوفين الاحياء والاموات – هذا اسهل علينا أن نعرفه. على مدى سنتين قالوا انهم سيعيدون المخطوفين فقط اذا ما توقفت الحرب، وها هي توقفت. الوعد قطعوه للوسطاء، الذين بدورهم نقلوه الى إسرائيل. وعدهم يوازن كلمة الشرف. كل خرق له معناه مس بالوسطاء، وهؤلاء هم اصدقاؤهم اليوم.
اكثر من كل هذه التفسيرات، حماس تريد ان تتقدم بسرعة الى المرحلة التالية. فصل المخطوفين ابقوه وراءهم من لحظة الإعلان عن وقف النار. في المرحلة التالية تنتظرهم خطة اعمار كبرى وضعها الامريكيون. في هذه الخطة يوجد أيضا لهم مكان في غزة الجديدة. صحيح أن ليس كحكام لكن صحيح حتى الان، على الورق، حماس ستكون عاملا لا بأس به في الحياة العامة والسياسية، وذلك فقط اذا ما كفت عن ان تكون قوة قتالية.
إسرائيل تضغط كي تنزع سلاح حماس. كما أن الأمريكيين يعلنون بان هذا هو هدفهم. من يتابع الوسطاء الاخرين وبخاصة تركيا وقطر، سيجد انهم يتحدثون في هذا الشأن اقل بكثير. في صفوف حماس تبقى قرابة 9 الاف مسلح. ومع أنهم تلقوا ضربة قاضية ومن ناحية عسكرية اعيدوا عشرين سنة الى الوراء، يبدو لهم أن مهمة نزع سلاحهم لن تكون بسيطة على الاخرين. هم يعولون على فشلها، وفي هذه الاثناء يتصرفون كالاولاد الصالحين.



