معاريف – تل ليف رام- في الطريق الى طهران نتوقف في بيروت؟

معاريف – بقلم تل ليف رام- 3/12/2021
” صحيح أن ايران نووية هي وضع لا يطاق محظور السماح له باي طريقة كانت، ولكن صحيح حتى الان فان العودة الى الاتفاق النووي هي ايضا مصلحة اسرائيلية واضحة “.
في القيادة السياسية¬ – الامنية لم يكن ممكنا لنا ان نلاحظ هذا الاسبوع حتى ولا ذرة تفاؤل بالنسبة لاستئناف محادثات النووي في فيينا. في هذا الموضوع الفجوة بين اسرائيل والولايات المتحدة كبيرة جدا، وتبدو في هذه المرحلة غير قابلة للجسر. في القدس يفهمون بانه حتى لو استغرق هذا نصف سنة او سنة ففي نهاية المطاف ستعود القوى العظمى وايران الى اطار اتفاق يشبه بالخطوط العامة الاتفاق السابق في 2015.
مرت سنتان ونصف منذ انسحاب الولايات المتحدة بقيادة الرئيس السابق دونالد ترامب من الاتفاق النووي، والامريكيون يقولون اليوم لاسرائيل بالشكل الاكثر وضوحا ان النتائج تتحدث من تلقاء ذاتها وان القرار بالانسحاب، بالتشجيع المتحمس من اسرائيل كان خطأ استراتيجيا جسيما. فايران لم تنهار وفي السنوات الاخيرة خصبت اليورانيوم، طورت قدرات واجهزة طرد مركزي متطورة وبالاساس راكمت العلم والثقة بالنفس بقدرات ذاتية لعلمائها لمواصلة التقدم في البرنامج النووي.
ترامب، حتى قبل أن فاز بالرئاسة ودخل البيت الابيض، اعلن بانه يعارض الاتفاق وسينسحب منه، ولكن رغم ذلك في الادارة الامريكية الحالية يرون في اسرائيل وفي رئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو مصدرا أثر جدا على الخط للانسحاب من الاتفاق ولعرض جبهة صقرية. عمليا، هذا الفيل الذي يوجد في الغرفة، في كل حديث في المستويات المختلفة بين اسرائيل والولايات المتحدة. العلاقات طيبة، المحادثات موضوعية، والامريكيون كالمعتاد مجاملون، ولكن بينما غيرت المنظومات في الولايات المتحدة وفي اسرائيل أنظمة الحركة تماما، في هذا الموضوع لا يوجد تغيير كبير، واذا كان يوجد فرق فهو يرتبط اكثر بالسلوك العلني الاكثر اعتدالا مع الامريكيين، ولكن من حيث الجوهر لا يوجد تغيير حقيقي.
في اسرائيل يأسفون اليوم على أنه بعد انسحاب الامريكيين من الاتفاق كان ينبغي العودة للاستثمار في خيار عسكري مصداق، ولكن هذا بات مثابة حليب مسكوب. فبتعليمات من القيادة السياسية ورئيس الاركان يسرع الجيش وسلاح الجو الاسرائيلي الاستعدادات لمثل هذه الامكانية ايضا، وبالتأكيد ليس كخيار اول تعمل به اسرائيل وحدها حيال ايران بل كقدرة ينبغي أن تكون بالترسانة بشكل عملي وكذا كرافعة لغرض ردع ايران.
فضلا عن ذلك، فان فحص القدرة اللازمة سيكون ايضا تجاه تقدير مدى الضرر الذي يمكن لمثل هذا الهجوم ان يلحقه. فبخلاف هجمات اخرى نفذتها اسرائيل على المفاعلين في العراق وفي سوريا، فان هجوما محتملا في ايران لا يعد كذي قدرة على ان يوقف بشكل تام البرنامج النووي بل ان يؤخره فقط.
كما ان للساحة الدولية وللاستعداد بالتوازي لحرب اقليمية مع التشديد على حزب الله الذي تعاظم جدا في قدراته العملياتية في السنوات الاخيرة، وزن كبير في المباحثات التي تجرى منذ اليوم. تفكير مستقبلي عن هجوم في ايران، في حالة الوصول الى قدرة عملياتية مصداقة سترفع الى السطح ايضا مسألة اذا كان يتعين على اسرائيل كخطوة اولية لامكانية كهذه ان تعمل على اضعاف دراماتيكي لحزب الله – الذراع العسكري الاكثر فاعلية لايات الله ضد اسرائيل. بمعنى أنه هل ينبغي لبطاقة الدخول للهجوم في ايران ان تمر قبل ذلك عبر بيروت.
هذه هي أسئلة ثقيلة الوزن تقود حتى اسرائيل الى الاستنتاج بان الطريق الدبلوماسي افضل من استخدام القوة العسكرية. يمكن التقدير بان احتمال أن تهاجم اسرائيل في المستقبل ايران وحدها يبقى متدنيا، وان كان المواطن العادي الذي يسمع التصريحات المتفاقمة للمسؤولين عندنا تجاه ايران كفيل بان يفكر في معركة تقترب – وهذا ايضا جزء من نقل الرسائل الاسرائيلية لشركائها وايران.
في جهاز الامن يعتقدون بانه يوجد فقط شيء واحد هو اسوأ من العودة الى اطار الاتفاق النووي السيء – الا وهو التوقيع عليه بعد زمن طويل. فالمحافل المهنية تقدر بان الايرانيين سيجرون الارجل قدر ما يستطيعون كي يستغلوا فترة المراوحة لغرض الزحف البطيء نحو التقدم في البرنامج النووي ولا سيما في كل ما يتعلق بتخصيب اليورانيوم.
في اسرائيل يعتقدون انه رغم الوهن الذي يبديه العالم تجاه الخروقات الايرانية الفظة في السنتين الاخيرتين وفي السنة الاخيرة بخاصة، في الحكم الايراني يفهمون بان خطوة شاذة اضافية وتخصيب مادة مشعة الى مستوى 90 في المئة ستجعلهم يواجهون موقفا وخطوات اكثر حزما بكثير من جانب الدول الغربية. من ناحية فنية حققت ايران منذ اليوم قدرة ولكن خطوة كهذه ستعد عملا دراماتيكيا للغاية وليس مؤكدا ان يكون الايرانيون معنيون بذلك في هذه اللحظة.
نقطة بدء سيئة
في اسرائيل قلقون ليس فقط من تخصيب اليورانيوم ومن قفزة الدرجة في كل ما يتعلق بادخال اجهزة طرد مركزي حديثة بل ايضا من مراكمة العلم والثقة الذاتية لدى الحكم في ايران في المنظومة التكنولوجية وفي العلماء الذين يقفون خلف البرنامج النووي. فترة المراوحة، كما يعتقدون في اسرائيل، من شأنها أن تستمر نحو سنة، وفي محادثات مغلقة، على المستويات المختلفة، الرسالة التي تطلقها اسرائيل للامريكيين هي أن التوقيع على اتفاق – حتى وان كان مشابها للقديم – لن يتحقق اذا لم تعرض الولايات المتحدة والدول الاوروبية خطا متصلبا بل وشددت العقوبات ضد ايران – والتي على حد فهم اسرائيل هي التي تملي الوتيرة في هذه اللحظة. اما رفع العقوبات التدريجي وقبول الشروط الايرانية المسبقة فستؤدي برأي اسرائيل الى نتيجة معاكسة.
بترجمة حرة وبلغة اكثر فظاظة بقليل، تقول اسرائيل عمليا ان الامريكيين البيض لا يفهمون الواقع المتشكل في الشرق الاوسط، ولا يعرفون كيف يتحدثوا الى الفارسيين بالفارسية. ولكن هل في اسرائيل يفهمون الفارسية؟ منوط من تسأل. ضباط كبار في شعبة الاستخبارات ممن انشغلوا في الموضوع الايراني عشية التوقيع على الاتفاق في فيينا في تموز 2015، يقولون لـ “معاريف” ان بالذات في اسرائيل فشلوا في السنوات الاخيرة في التقديرات لاثار خروج الامريكيين من الاتفاق النووي. وعليه فينبغي عليهم في اسرائيل أن يبدو بعض التواضع عندما يزايدون على الادارة الديمقراطية الامريكية مشتكين من الاخطاء الخطيرة التي ترتكبها الان حيال ايران، اذا أخذنا بالحسبان ان اسرائيل ايضا ارتكبت اخطاء استراتيجية.
قبل التوقيع على الاتفاق في 2015 وبعده ايضا، في الجيش وفي “امان” (شعبة الاستخبارات) رأوا ايضا نصف الكأس الملأى، الفضائل التي يجلبها والقدرة على حرف المقدرات الى تحديات امنية اخرى. بل ان جهاز الامن شدد حتى خروج الامريكيين من الاتفاق على أن ايران تلتزم بتفاصيل الاتفاق ولا تخرقه. اما في السنوات الثلاثة الاخيرة فطرأ تغيير وجهاز الامن سار على الخط مع الموقف الذي قاده رئيس الوزراء السابق نتنياهو ضد الاتفاق النووي.
في اختبار النتيجة، بعد سنتين ونصف من الخروج من الاتفاق، وان كان الوضع الاقتصادي في ايران اصعب والاحتجاج الاخير ايضا يشير الى مصاعب وتحديات جسيمة على الحكم هناك، ولكن الى جانب ذلك فان التقدير السائد هو أن الحكم هناك مستقر. واخطر من ذلك، فان نقطة البدء للمفاوضات هذا الاسبوع مع ايران اسوأ بكثير مما كانت عليه في 2015. كما اسلفنا، فهذه ليست فقط الكميات غير المسبوقة من المادة المشعة في مستوى التخصيب العالي وتركيب اجهزة طرد مركزي حديثة. هذا ظاهرا يمكن التراجع عنه في اطار الاتفاق. اما العلم المتراكم والثقة بالقدرات فلم يعد ممكنا اخذهما من الايرانيين، حتى ولا بواسطة هجوم عسكري.
في اسرائيل يتأثرون ويقلقون من القدرة التكنولوجية المستقلة المبهرة التي حققها العلماء في ايران. من جهة اخرى هام ايضا القول ان ايران هي ربما دولة حافة نووية في كل ما يتعلق بتخصيب اليورانيوم، ولكن في كل ما يتعلق بعناصر هامة بقدر لا يقل لتعريف المفهوم المتملص مثل دولة حافة سلاح نووي، فان ايران، مع كل الحذر الذي ينبغي اتخاذه، لا تزال ليست هناك.
في العام 2003 هجرت ايران برنامج السلاح لديها، الذي يعني القدرة التكنولوجية والعملياتية لاخذ المادة المشعة في المستويات العالية وتصميمها في رأس متفجر يمكن تركيبه على صواريخ بعيدة المدى. تقويم الوضع في الاستخبارات الاسرائيلية هو ان العلم بقي والايرانيين واصلوا ادارة مجموعات عمل صغيرة في اطار من السرية – ولكن ايران بحاجة لسنتين من لحظة القرار للاندفاع نحو قنبلة نووية وحتى تحقيق مثل هذه القدرة. طريقة العمل الايرانية مختلفة عن دول مثل العراق وسوريا ودول اخرى طورت سلاحا نوويا. فبناء قدرة تخصيب اليورانيوم الايرانية باهداف عسكرية لم يتم بالتوازي مع التقدم في مجموعة السلاح. في تخصيب اليورانيوم لمستويات عالية، بالمقابل، تستخدمه ايران كجزء من لعبة القمار التي تديرها مع الغرب، في فحص قدراتها لشد مستوى ضبط النفس (العالي جدا) لدى الامريكيين.
نصف الكأس الملأى
الحساسية الاسرائيلية تجاه الولايات المتحدة في مثل هذه الفترة كبيرة ومعقدة. فقد تبنى رئيس الوزراء نفتالي بينيت مؤخرا خطا أكثر حزما تجاه الامريكيين، لكن وزير الدفاع بالمقابل يعتقد انه ينبغي أن نكون اكثر حذرا. في المداولات التي جرت مؤخرا برئاسة بني غانتس وصف ايران كهدف استراتيجي اعلى لاسرائيل. وعليه ففي مواضيع اخرى حساسة من ناحية الامريكيين، مثل السلوك مع الفلسطينيين، ينبغي اتخاذ الحذر لاجل عدم خلق مزيد من الاحتكاكات. فالمواجهة مع الامريكيين لن تخدم اسرائيل باي طريقة كانت بل احيانا يمكنها أن تخدم ظاهرا مصالح فلسطينية داخلية ولكن في نهاية المطاف يجب أن نتذكر بان الولايات المتحدة هي التي تمنح اسرائيل المساعدة الامنية وليس العكس.
وأخيرا من المهم ايضا القول ان الصورة بعيدة عن أن تكون ملونة بالاسود فقط. فليست السحب القاتمة فقط هي التي تغطي سماء البحر المتوسط. فمكانة اسرائيل في المنطقة قوية ومستقرة، أزمة الكورونا وانهيار الدول حولنا تؤكد فقط حصانة اسرائيل. للتحالفات الاقليمية ولاتفاقات ابراهيم يوجد وزن استراتيجي عظيم، حتى لمواجهة محتملة مع ايران. اضافة الى ذلك محظور ان ننسى بان المعركة التي تديرها اسرائيل ضد العدوان الايراني والتموضع الايراني في المنطقة تعطي نجاحات كثيرة. وحرية عمل اسرائيل في هذا الموضوع ستبقى محفوظة، والتفهم الامريكي ودول اخرى لخطورة التهديد الايراني على الاستقرار الامني في المنطقة يمكنه فقط ان يرتفع.
صحيح ان في اسرائيل قلقون من عدم رد الولايات المتحدة على اعمال عدوانية ينفذها الايرانيون من خلال الميليشيات، ضد قوات امريكية ايضا، ولكن في جهاز الامن يتذكرون جدا بانه حتى تصفية قاسم سليماني طرحت ادعاءات مشابهة. احيانا يكون هذا امتياز القوة العظمى حيث أنه حين تقرر العمل فانها تعمل بقوة.
نظرة الى نصف الكأس الملأى الى جانب الميول المقلقة في كل ما يتعلق بالبرنامج النووي الايراني والتوقيع المستقبلي لاتفاق يعرف عندنا كاتفاق سيء، تظهر فضائل ايضا: تراجع ايران في كل ما يتعلق بكميات اليورانيوم ومستوى التخصيب، تفكيك اجهزة الطرد المركزي المتطورة واعادة آلية الرقابة من الوكالة الدولية للطاقة الذرية والتي لا توجد عمليا اليوم.
ان سحب قدرات من هذا النوع من ايران لعملية عسكرية اسرائيلية لا يوجد اليوم في ترسانة الادوات، وفي كل الاحوال، الخيار السياسي الدبلوماسي هو الافضل لاسرائيل في هذا الوقت في صورة الوضع الحالية. هذا بعيد عن ان يكون وضع كامل الاوصاف، ولا سيما في ضوء تقدم ايران في السنة الاخيرة، ولكن في الوقت الحالي، الى جانب قيود الاتفاق المستقبلي اذا ما وعندما يوقع، سيكون لاسرائيل زمن اكبر بكثير لان تستعد بجذرية لخيار عسكري وليس اقل اهمية من ذلك – لتحسين الجاهزية للمواجهة مع حزب الله. من ناحية استخبارية سيكون الموساد وامان مطالبين بتركيز الجهود في كل ما يتعلق بجمع المواد عن خروقات ايران للاتفاق اذا ما كانت كهذه. ايران، كدولة تهدد استقرار المنطقة وتتطلع للوصول الى سلاح نووي، ليست مشكلة خاصة لاسرائيل. الى جانب الجدال المشروع في المواقف بين القدس وواشنطن، محظور ان تميز اسرائيل نفسها عن حلفائها. صحيح أن ايران نووية هي وضع لا يطاق محظور السماح له باي طريقة كانت، ولكن صحيح حتى الان فان العودة الى الاتفاق النووي هي ايضا مصلحة اسرائيلية واضحة.



