ترجمات عبرية

معاريف: تحتاج الصهيونية الدينية إلى الإصلاحات القضائية لطرد الفلسطينيين

معاريف 25-8-2023، بقلم يائير غولان: تحتاج الصهيونية الدينية إلى الإصلاحات القضائية لطرد الفلسطينيين

في العام 1995 دُعيت مع عقيلتي للقاء أصدقاء من الصهيونية الدينية عقد في بيت أحدهم في القدس. كان معظم الحاضرين من القدس ومن مستوطنات الضفة القديمة، وكانوا اكبر منا سنا بقليل، وأناساً ميسوريين وايديولوجيين. كنت في ذاك الوقت ضابط شعبة العمليات في “فرقة المناطق”، وبعد فترات عمل ناجحة جدا كقائد كتيبة في جبهتي نابلس والخليل. في واقع الأمر دافعت مع كثيرين آخرين عن هؤلاء الناس.

تحملت زوجتي عبء تربية الأولاد دون زوج في البيت، في عزلة كبيرة وفي قلق عميق. كانت الأيام أيام “أوسلو،” حيث وقعت العمليات بين الحين والآخر، وجرى نقل المسؤولية عن المدن الفلسطينية كما كان مقرراً، وفي ارجاء “يهودا” و”السامرة” بدأت تنتشر شبكات طرق وفرت عملياً على المستوطنين وعلى المارة العبور في المدن الفلسطينية.

توقعنا، زوجتي وأنا، نوعا ما من الامتنان أو على الأقل من الموقف الودي، لكن ما لاقيناه في ذاك المساء كان موقفاً متعاليا، وقحاً ومستهترا. وكان الحديث غير الصريح “انتم العلمانيين عربة فارغة، تعليمكم عليل، قيمكم عليلة، انتم لا تصلون لمستوى المستوطنين في يهودا والسامرة ومستوى الجمهور الصهيوني الديني”. سبق لي ان تعرفت على هذا النوع من الموقف أما عقيلتي فخرجت مصدومة.

ما بدا صدمة شخصية قبل 28 سنة، هو اليوم واقع سلطوي. حتى 1967 كانت الصهيونية الدينية “سائقا فرعيا” في المشروع الصهيوني – حركة صغيرة مع وعي طليعي، لكن بلا مشروع يناسب الحماسة الدينية – المسيحانية التي أفعمتها. جاءت حرب “الأيام الستة” فحررت طاقات هائلة وفرصة للتصدر. كانت هذه الطاقات قوية جدا، وكانت الفرصة مغرية جدا لدرجة أنها نسيت قوانين الدولة، جنودها، شرطتها، قيمها ومبادئها، وأصبح رجال ونساء، بدوا طبيعيين، عصبة مخلة بالقانون، تقدس الدولة وتستهتر بها في آن واحد.

من هذه الفرعية نمت تنظيمات سرية يهودية، وإرهابيون يهود، “فتيان تلال” و”مناطق” باتت دولة إسرائيل تعتبر فيها جهة معادية. سيكون من الخطأ الجسيم ترسيم هذه الظواهر كـ “اعشاب ضارة” او كنباتات برية نمت في بستان اخضر ومثمر. لم تخرج الصهيونية الدينية أبدا على رؤوس الاشهاد ضد عناصرها الأكثر عنفاً، ولم تتنكر لهم ابدا، اكتفت بين الحين والآخر بشجب هزيل او بتجاهل جارف وعمليا رأت في العنصر الراديكالي عاملا حيويا، وغمزة متفقاً عليها، وجزءا لا يتجزأ من مشروع ريادة الرؤيا الصهيونية الدينية.

ضم أم انفصال؟

طالما كانت القيادة السياسية للصهيونية الدينية معتدلة (نسبيا) في معظمها، كان يخيل أن هذه الفرعية يمكنها ان توجد الى الأبد. الحرس المتقدم الايماني سيفعل فعله، والحكومة العلمانية في أساسها ستتعاون طوعا او تحت ضغط لا هوادة فيه ومرغوب فيه بطرق لطيفة.

لكن من اللحظة التي انهارت فيها فكرة الاستيطان في القلوب في عهد فك الارتباط في 2005 انتقلت الصهيونية الدينية الى مرحلة السيطرة – لاحتلال مراكز القوة السياسية والمؤسساتية، على طريق فرض غير ديمقراطي لرؤيا مسيحانية على عموم مواطني إسرائيل.

نحن ملزمون بإن نفهم هذه الرؤيا. الرؤيا الصهيونية الدينية هي رؤيا حرب جوج وماجوج. حرب نستكمل فيها ما فوت في حينه في 1948 – طرد كامل لكل الفلسطينيين من نطاق “بلاد إسرائيل”. لا يوجد في هذه الرؤيا فهم لاضطرارات سياسية، إقليمية، امنية، واقتصادية. لا يوجد في هذه الرؤيا أي وعي سياسي، اجتماعي، او أخلاقي انساني أساسي. كل ما فيها هو فكر مسيحاني منقطع عن أواصر هذا العالم. رومانسية مثلما تعرف الرؤى الأسطورية كيف تكون.

هذا فكر عنصري، عنيف ومتشائم في جوهره، ينسجم تماما مع الرؤى الافنجيلية في ظل خلق شراكة غريبة يكون فيها العلماني هو حمار يسوع المسيح. لا حاجة لبحوث اكاديمية معقدة. يكفي قراءة “خطة الحسم” لبتسلئيل سموتريتش في 2017 او مراجعة قيمة “كهانية” في الـ “ويكيبيديا” كي نفهم من يقود اليوم دولة إسرائيل من أنفها.

تحتاج الصهيونية الدينية لانقلاب نظامي اكثر من أي جمهور آخر في البلاد. فاسدو درعي سيعرفون كيف يعيشون حتى بلا إصلاح. أناس “الليكود”، باستثناء نتنياهو، سيتدبرون امورهم بلا تغييرات تشريعية. وحتى الحريديون يعرفون انه حتى بلا قانون اعفاء من التجنيد لن يأتي احد بآلاف الحريديين الشبان صباح غد الى قسم التجنيد. اما الصهيونية الدينية، فتستوجب الانقلاب النظامي؛ إذ انه شرط لفرض ضم ملايين الفلسطينيين وطردهم على الأغلبية المعتدلة التي ترى في الضم مصيبة ستجلب تصفية لدولة إسرائيل.

توجد في الجمهور الصهيوني الديني أصوات ليبرالية، إنسانية ومعتدلة. توجد لهذه الأصوات وجوه وأسماء وبعضهم يسكن في المستوطنات. اذا اردنا منع صدام واسع يمزق شعب إسرائيل في البلاد وفي الشتات فان هذا الجمهور ملزم بان يسمع صوته بشكل واضح وقاطع وان ينتظم سياسيا على عجل.

تقف إسرائيل امام خيار حياتها – ضم او انفصال. اذا اخترنا الضم فان دولة إسرائيل ستندثر في واقع عنيف يجلب عليها خرابها من الداخل ومن الخارج. واذا اخترنا الانفصال عندها يكون هناك احتمال لإنقاذ المشروع الصهيوني، حتى لو كانت العملية مركبة، صعبة وطويلة.

تدخل إسرائيل في عصر القرارات الحاسمة في كل المواضيع التي لم تحل منذ قيامها أو منذ 1967. القرارات الحاسمة ليست حلولا وسطا. بانتظارنا أيام تحدٍ، ينبغي الامل في أن تؤدي زعامة جديدة وقوية، وذات وعي، شجاعة وذات صبر بالدولة ومواطنيها الى العصر التالي. لا تزال توجد لنا فرصة لبناء صهيونية إنسانية، يهودية ليبرالية وتسامح مدني. لكن كل التعابير الجميلة هذه ستحتاج عناداً وتصميماً غير عاديين.

 

*نائب رئيس اركان الجيش الاسرائيلي سابقاً، عضو حزب ميرتس حالياً.

 

 

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى