ترجمات عبرية

معاريف– بقلم يوسي احيمئير – ثلاثة تحذيرات هاتفية

معاريف– بقلم  يوسي احيمئير – 2/8/2021

” ليس للمنظمات السرية قبل قيام الدولة ولا لاذرع امن الدولة ما يعتذرون عنه. قتالهم عادل واخلاقي. ينبغي فقط الاسف على ضحايا النوايا المبيتة البريطانية والعربية “.

  كنت طفلا ابن ثلاث سنوات، اسكن في حي ماكور باروخ المقدسي عندما هز انفجار شديد سماء القدس. لم يكن هذا بعيدا عن بيت سكننا، في قلب مركز الحكم الاجنبي البريطاني في بلاد اسرائيل. فندق “الملك داود”. مرت 75 سنة منذئذ، ويخيل ان صدى الانفجار لا يزال يسمع. صرخة الضحايا لم تصمت. وهي تعود لتسمع كل سنة، على افواه انسالهم. هؤلاء يوجهون اصبع اتهام نحو منفذي العملية – المنظمة العسكرية الوطنية “ايتسيل” بقيادة مناحم بيغن. بالفعل، كانت العملية محملة بالمصيبة. 91 ضحية اخرجوا من بين انقاض الجناح الجنوبي الذي انهار بكامله، انفجار العبوات الناسفة التي زرعت في اواني الحليب وادخلت الى قبو المبنى. بريطانيون، عرب ويهود دفعوا الثمن بحياتهم. معظمهم ابرياء. اوائل من اعربوا عن الالم من نتائج العملية كانوا المسؤولين عنها – قيادة الايتسيل. ليس لهذه النتيجة القاسية قصد المبادرون والمقاتلون من بين صفوف المنظمة السرية، التي قاتلت ببسالة لطرد البريطانيين ولاقامة الدولة اليهودية.

 هدف العملية كان بالطبع قيادة الحكم البريطاني، التي نزلت بافخر فنادق القدس ، مثلما في حينه الان ايضا. هذا وقع بعد الحرب العالمية الثانية، التي في اثنائها اوقفت الايتسيل النار، تعاونت مع البريطانيين، ضحت بقائدها دافيد رزئيل كي تهزم الطاغية النازي، الذي وصلت فروعه الى الشرق الاوسط. وكان الامل ان يخفف هذا التعاون وطأة القبضة الحديدية التي اتخذها البريطانيون تجاه الحاضرة اليهودية في ظل تفضيل السكان العرب. ليس هكذا كان. وعليه، حتى قبل أن تنتهي الحرب العالمية، عندما لاحت هزيمة الالمان، اعلنت الايتسيل الثورة. لم يكن هذا اعلان في الظلام. فقد وجد تعبيره في سلسلة عمليات كبيرة، اليمة، سرعت اتخاذ القرار في لندن بالخروج من بلاد اسرائيل والاعلان عن استقلال اسرائيل. 

منظمة الدفاع “الهاغناة” كانت في سر العملية المخطط لها، والتي جاءت في اعقاب “السبت الاسود” الذي صادر فيه البريطانيون وثائق حساسة في مكتب الوكالة اليهودية في القدس، اعتقلوا قادة الحاضرة، اقتحموا البلدات والكيبوتسات واجروا تفتيشات تعسفية. كان هذا تعبيرا واضحا عن القبضة الحديدية التي اتخذتها سلطات الانتداب تجاه الحاضرة اليهودية. وعن حق فسرت الخطوة كاشارة لانسحاب تام للبريطانيين من التزامهم باقامة وطن قومي للشعب اليهودي، مثلما اخذوه على عاتقهم في صك الانتداب الذي منحته عصبة الامم لهم قبل 99 سنة. وليس فقط قبضة حديدية بل  غرور واحتقار تجاه قادة الحاضرة، مثل الجيش الاسرائيلي اليوم، الايتسيل في حينه ايضا اتخذ ما يسمى باللغة الراهنة: اجراء “انقر السطح”.  بمعنى، تحذير للعدو قبل العملية.  في حالة “ملونيتشيك” في 1946 (الاسم السري الذي اعطاه للعملية رئيس قيادة الهاغناة موشيه سنيه، حين أمر قائد الايتسيل مناحم بيغن بتنفيذها)، اعطيت ثلاثة تحذيرات هاتفية مسبقة عما يوشك ان يحدث: بالهاتف المركزي في  الفندق، بالقنصلية الفرنسية المجاورة ولاسرة تحرير صحيفة “بلستاين   بوست”. بل ونفذ انفجار صغير ومضبوط على مقربة من المكان. البريطانيون اختاروا التجاهل، ان لم نقل الاستخفاف. الجيش الاسرائيلي اليوم يفعل هكذا قبل ردود فعل سلاح الجو على الصواريخ والمقذوفات الصاروخية من غزة التي تطلق الى اسرائيل في كل وقت يقرر فيها رؤساء الارهاب  ذلك. حماس هي الاخرى تتجاهل. 

النتيجة الفتاكة في فندق الملك داود شددت النقد على  الايتسيل، من الداخل ايضا. هناك من يعرضون العملية كارهاب بكل معنى الكلمة، في ظل التجاهل لحقيقة أن البريطانيين، وعلى رأسهم جون شو، سكرتير حكومة الانتداب، بتبجح عظيم، هم الذين اوقعوا على أنفسهم المصيبة الجسيمة. لو أنهم استجابوا للتحذيرات، لكان عدد المصابين طفيفا. الجيش الاسرائيلي يصنع جميلا للغزيين، يحذرهم مسبقا بالهدف الذي ستوقع عليه طائراتنا القذائف في ظل الاشارة لاخلائه الفوري من سكانه، وهكذا ينقذون ارواحهم. في الرأي العام العالمي، جزئيا، هذا لا يساعدنا. في هذه الايام  نشرت منظمة “هيومان رايتس ووتش” تقريرا اتهمت فيه الجيش الاسرائيلي على نحو مفاجيء بانه ارتكب جرائم حرب في حملة “حارس الاسوار” حين هاجم، بزعم كاتبي التقرير، ليس فقط اهدافا عسكرية. الكراهية تجاه اسرائيل في الساحة الدولية تفوق الاعتراف بانه تكاد لا تكون امكانية للفصل بين عناصر عسكرية ومدنية في القطاع المكتظ والمحشور. من لا يكترث حقا بحقوق الانسان وبحياة الانسان – اولئك هم حماس بالانفاق تحت غزة، والمنظمة التي تتخذ لها مركزا في اعالي البرج العاجي النيويوركي.

سواء في الكفاح في سبيل الحرية قبل قيام  الدولة ام في حروب الدفاع عن الدولة وامنها،   سقط ويسقط للاسف في الطرفين  ضحايا ابرياء. ليس الايتسيل في الماضي وليس الجيش الاسرائيلي اليوم هم المجرمون بل اولئك الذين ينكلون بحقوق الشعب اليهودي في وطنه، يقومون المرة تلو الاخرى بمحاولات عابثة للقضاء على اسرائيل. هؤلاء لا يخفون غايتهم. يوقعون المصائب على ابناء شعبهم ويستعينون برجال الدعاية اللاساميين الذين “يتفهمون” دوما الارهاب العربي وينددون بشدة بحقنا في الدفاع عن أنفسنا. ليس للمنظمات السرية قبل قيام الدولة ولا لاذرع امن الدولة ما يعتذرون عنه. قتالهم عادل واخلاقي. ينبغي فقط الاسف على ضحايا النوايا المبيتة البريطانية والعربية. 

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى