ترجمات عبرية

معاريف– بقلم طال ليف رام- بين الساحات

معاريف– بقلم طال ليف رام- 17/1/2020

المسألة الايرانية ارتفعت مرة اخرى الى العناوين ودحرت عن التقرير الاستخباري السنوي امكانيات التفجر للمشكلة الغزية والصراعات الداخلية في الضفة “.

بين التقديرات عن أن ايران يمكنها أن تبني قنبلة نووية في غضون نحو سنتين، وتأثير تصفية قاسم سليماني، على تثبيت وجود المحور الشيعي وحزب الله في الشرق الاوسط، دحرت الساحة الفلسطينية الى هوامش التقرير عن تقدير الوضع السنوي لدى شعبة الاستخبارات العسكرية “أمان”. غير أن اطلاق أربعة صواريخ هذا الاسبوع نحو اسرائيل، بعد ثلاثة اسابيع من الهدوء، يذكرنا جميعا بان المشكلة الغزية بعيدة عن الانتهاء وأنه الى جانب مساعي التسوية، فان اطلاق النار من القطاع من غير المتوقع أن يتوقف، مما يبقي احتمالات التصعيد في مستوى عال.

تشبه شعبة الاستخبارات الوضع في القطاع بشقة تسكنها امرأة عجوز ومحافظة مع ابني أخيها. في مرحلة معينة يسيطر ابنا الاخ على الشقة ويتصرفان فيها كما يروق لهما الى أن يفهمان بانه مع الملكية على الشقة تأتي المسؤولية. إذ توجد فواتير يجب أن تدفع ويجب الاهتمام بصيانة الشقة ايضا. الاخ الاكبر يحاول لجم أخيه الاصغر، ولكنه يخشى من أنه كلما مر  الوقت يصبح مشابها لعمته العجوز، وهذا ما لا يمكنه أن يسمح به لنفسه حقا.

في هذا المثال العمة العجوز هي السلطة الفلسطينية، الاخ الاكبر هو حماس والاصغر هو الجهاد الاسلامي. حماس معنية بالتسوية، ولكن مقابلها لن تخاطر في أن يشتبه بها كمتعاونة مع اسرائيل. ومثلما لم توقف بهاء ابو العطا عن اطلاق النار على اسرائيل، رغم أنه مس بمصالحها ايضا، ليس في نية قيادة حماس أن توقف دائرة الاشخاص المقربين من نشيط الارهاب من الجهاد الاسلامي، ممن يواصلون تنفيذ قسم كبير  من نار  الصواريخ.

وحسب تقدير شعبة الاستخبارات، تتمسك حماس بفكرة التسوية، ولكنها ستواصل تعريف نفسها كمنظمة مقاومة. معقول الافتراض انها  في الاشهر القريبة القادمة ستتراجع بضع خطوات الى الوراء، حتى بثمن تصعيد غير كبير. في اسرائيل يعتقدون بان حماس ستلجم الجهاد الاسلامي بشكل جزئي فقط، بحيث  أنه يمكن الافتراض بان تتواصل نار الصواريخ من القطاع في الاشهر القادمة. في نهاية المطاف سيكون من الصعب جدا في مثل هذا الواقع الوصول الى استقرار أمني.

في اختيار اسرائيل السير في مسار التسوية يوجد منطق عظيم. فعلى خلفية عودة البرنامج النووي الى جدول الاعمال، وبين التهديدات التي تأتي من الشمال وبين تلك من الجنوب، فان سلم الاولويات واضح. فالخطوات الاقتصادية التي اتخذت في السنة الاخيرة تجاه القطاع تشير الى ميل تحسن، ومن الصواب مواصلة تعميقها. ولا يزال، منذ الحملة الاخيرة في القطاع والتي بادر فيها الجيش الاسرائيلي الى خطوة بدء مفاجئة وتحكم بوتيرة الاحداث، يبدو أن الجيش يعود الى نمط العمل اياه، وبموجبه فان الطرف الذي يطلق الصواريخ ليس فقط لا يصاب بأذى بل ويأخذ كل الصندوق. الجهاد اليوم يقود الخط حيال اسرائيل وعلى الطريق يطالب بثمن من حماس، التي يوجد له معها ايضا حساب طويل.  تستهدف غارات سلاح الجو اهداف حماس فقط. وهي تتسبب بضرر  اقتصادي كبير للمنظمة، التي فقدت وسائل قتال وانتاج مميزة ويصعب  عليها تعويضها. ورغم ذلك فان طريقة العمل لا تؤدي الى التغيير المطلوب ولا تدفع حماس لان تستخدم كل قوتها ضد من يطلق الصواريخ. فالنهج غير المباشر التي تتخذه اسرائيل، في المطالبة بالمسؤولية السلطوية من حماس يؤدي الى نتائج جزئية فقط.

بعد حملة “الحزام الاسود” في تشرين الثاني، والتي في اثنائها صفي ابو العطا، ادعت اسرائيل بان الردع تجاه حماس ازداد، وان الجهاد الاسلامي يوجد في ازمة عميقة وأنه ازيل عائق كبير في  الطريق الى تسوية محتملة معنية حماس بها. وادعى مسؤولون في القيادة السياسية والعسكرية بان الوضع وفر لاسرائيل ايضا فرصة لخلق  معادلة رد جديدة في القطاع: من جهة  تصعيد الجهود والجاهزية لخطوات مدنية واقتصادية هامة ومن جهة اخرى ضرب من يطلق الصواريخ نحو اسرائيل وليس فقط اهداف بنى تحتية لحماس.

ان تنفيذ مثل هذه الخطوات بالتوازي يتطلب ادارة مخاطر  وتوجيه حساس من القيادة السياسية والعسكرية لاجل عدم الوصول الى تصعيد في الجنوب يؤدي الى حرب، وبالتأكيد حين لا يكون لها غاية سياسية واضحة. ولكن  الى جانب ذلك فان اسرائيل مطالبة بان تتأكد الا تكرر ذات الاخطاء التي ارتكبت في الماضي، وضمن امور اخرى في الفجوة التي بين الاقوال والافعال في الميدان.

العاب التاج

كما أن تقدير شعبة الاستخبارات لما يجري في يهودا والسامرة بقي في ظل العناوين الكبرى عن ايران. ففي الخلاصة السنوية سجل انخفاض في حجم الارهاب من الضفة، ولكن العمليات عادت لتكون اكثر تعقيدا وذكاء. رغم الهدوء النسبي لا تزال هناك اخطارات لان الاستقرار الامني سيتلقى ضربة ذات مغزى في اليوم الذي لا يكون فيه ابو مازن يجلس  على كرسي الرئاسة.

في وضع من القطيعة التامة بين رام الله والقدس ومعركة سياسية دولية تخوضها السلطة ضد اسرائيل، بقي موقف ابو مازن مستقرا، وعمليا يتواصل التنسيق الامني رغم المصاعب وضعف مكانة السلطة في الشارع الفلسطيني، مثلما يجد الامر تعبيره في استطلاعات مختلفة.

مع أن ابو مازن علم الجميع بانه من السابق لاوانه تأبينه، ولكن في الجيش الاسرائيلي يرون منذ الان كيف يمكن لصراعات الخلافة ان تؤثر على الوضع الامني في الميدان. بين المرشحين المحتملين بان يتنافسوا على قيادة السلطة الفلسطينية، يمكن أن نجد من لا ينشغل فقط بتثبيت مكانتهم السياسية بل ويزودون مؤيديهم بالوسائل القتالية والذخيرة. وفي جهاز الامن يقدرون بان بين الخاسرين سيكون من لا يقبلوا بالقضاء ولا يترددوا  في استخدام السلاح كجزء من الصراع على الحكم.

ان العنف الذي سيتصاعد في الشارع الفلسطيني سيكون موجها أيضا تجاه اسرائيل. في الفترات التي تصاعد فيها الارهاب من يهودا والسامرة، كان عدد المواطنين ورجال قوات الامن الذين اصيبوا وقتلوا كبيرا وفاق عدد المصابين في كل الساحات الاخرى التي يتصدى لها الجيش الاسرائيلي.

مع كل نواقص ابو مازن، في جهاز الامن لا يزال يعتبر ورقة هامة، تمنع التدهور الامني. ولكن ساعة الرمل آخذة في النفاد، كما يفهم من التقدير الاستخباري. وهذا الاخطار الاستراتيجي موجود في اسرائيل منذ سنين، ولكنه لم يترجم الى خطة عمل. على المستوى العسكري  كان يفترض أن يكون استعداد مناسب، ويفترض ان تنفذ تدريبات للقوات المناسبة، وفي المستوى السياسي كان يفترض بقادة الدولة أن يقرروا كيف سيتصرفوا اذا ما وعندما. ولكن بلا حوار مع السلطة الفلسطينية، وكأنهم في اسرائيل يتجاهلون الواقع المقرب تماما. في ظل عدم وجود حل سياسي منظور للعيان، من المهم اكثر للطرفين الا يعملا شيئا وان ينتظرا تغير وضع الامور. في هذه اللحظة حسب التقديرات، من غير المتوقع أن يتغير الى الايجاب.

لم تكن مسألة العلاقات بين اسرائيل والسلطة الفلسطينية والمفاوضات السياسية جزءا من الخطاب حول الانتخابات الاخيرة ومن غير المتوقع ايضا أن ترافق حملة الانتخابات القادمة. هذا ليس موضوعا ذا منفعة سياسية وذلك اساسا للحزبن الكبيرين. وفي السنوات الاخيرة تجذر الفهم بانه بدون حل سياسي يمكن ادارة النزاع، ولكن تقدير شعبة الاستخبارات يطرح امكانية اخرى هي أنه في السنوات القادمة سيكون النزاع هو الذي يديرنا وليس العكس.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى