ترجمات عبرية

معاريف – بقلم زلمان شوفال – من الشمال سيصفى الشر

معاريف – بقلم  زلمان شوفال  – 26/5/2020

تحقيق الاهداف الامنية الحيوية لاسرائيل، في ظل التوازن العملي بين المصالح الاستراتيجية العملية المشتركة مع روسيا وبين المصالح الاستراتيجية الدائمة مع الولايات المتحدة هو الانجاز الذي سيدرسه طلاب التاريخ والسياسة في المستقبل “.

قال وزير الدفاع المنصرف نفتالي بينيت ان الايرانيين يبدأون بالانسحاب من سوريا. وكانت اقواله متسرعة بعض الشيء بل ولعلها زائدة من ناحية دبلوماسية، ولكنها ليست مغلوطة تماما، إذ مثلما أكد هذا الاسبوع رئيس الاركان السابق غادي آيزنكوت في مقابلة صحفية، فان اعمال الجيش الاسرائيلي منعت بالفعل النية الايرانية للتموضع في سوريا ولفتح جبهة ضد اسرائيل من هناك. ففتح جبهة ضد اسرائيل في الحدود الشمالية تتطابق واستراتيجية طهران لتقريب الحرب باكبر مسافة ممكنة من اراضي اسرائيل، كجزء من خطة اوسع للجنرال قاسم سليماني، الذي صفاه الامريكيون  في بداية هذه السنة واحاطة دولة اسرائيل بخاتم خنق يؤدي الى خرابها. وقرأت الحكومة برئاسة نتنياهو على نحو صحيح النوايا الايرانية وقبل نحو ثلاث سنوات، بتعاون كامل مع القيادة العسكرية، اتخذت “قرارا كبيرا” على حد قول رئيس الاركان السابق، للعمل هجوميا ضد المبادرات الايرانية. وتتواصل هذه الاعمال اليوم ايضا، وحسب “الايكونومست” البريطانية فان “الغارات الاسرائيلية الجوية … تجعل من الصعب  على ايران تثبيت مكانتها في سوريا”.

وعلى اي حال، اذا كانت الحرب هي “استمرار للسياسة بوسائل اخرى” مثلما كتب الجنرال الالماني كلاوزفيتس في حينه، فانها لا يمكنها أن تكون منقطعة عن الجوانب السياسية التي تنطوي على ادارتها، وفي الحالة موضع البحث، فان مصالح روسيا وايران في سوريا (الولايات المتحدة منذ ادارة اوباما، ولكن ايضا في ادارة ترامب، اصبحت لاعبة ثانوية نسبيا).

في البداية كانت روسيا وايران حلفتين شبه كاملتين في سوريا ولا سيما حين كان يخيل أن الحرب الاهلية هناك ستضع حدا لحكم الرئيس الاسد، الذي رغبت الدولتان في بقائه، وتخوفتا من ان تعيد هزيمته النفوذ الامريكي الى سوريا، ولا سيما في المجال الاقتصادي. وتوزعت موسكو وطهران بينهما الادوار: ايران وفرت القوى البشرية – حزب الله ومنظمات شيعية مختلفة – مما رجح الكفة في المعارك، وروسيا بسطت المظلة الجوية التي ضمنت لقوات الاسد وحلفائها التفوق. اما الان، كما كتب في تحقيق سياسي حديث نشر هذه الايام، ” فثمة اسباب وجيهة للتوقع بان تكون الاهداف المختلفة لموسكو وطهران، الفوارق الاستراتيجية والمصلحية بينهما، ستؤدي الى دنيامية جغرافية سياسية جديدة”. وحسب هذا التحليل وتحليلات من مصادر اخرى، ترى موسكو في الرئيس السوري جزءا من مهمة شاملة لضمان مكانها كقوة عظمى عالمية، واحد الشروط لذلك هو التواجد والنفوذ السياسي في الشرق الاوسط على كل الجهات العاملة فيه – بما فيها ايران، ولكن اسرائيل ايضا (والسعودية ومصر) التي العلاقاتمعها وأمنها تعد في نظرها عناصر هامة لتحقيق مراميها العامة في الشرق الاوسط. وذلك بينما طهران، كما اسلفنا، ترى في سوريا قاعدة عسكرية متقدمة ضد اسرائيل.

منذ كانون الثاني، تحدث نائب وزير الخارجية الروسي سيرجيه ريفكوف فقال انه “لا يوجد حقا حلف بين روسيا وايران على المستوى السوري”. فاضافة الى المسائل السياسية والعسكرية، توجد بالطبع ايضا مصالح اقتصادية متضاربة، بينما تسعى سواء موسكو او طهران لان تضمن لنفسها النصيب الاكبر في اعادة الاعمار الاقتصادي لسوريا بعد الحرب الاهلية. موضوع آخر ينطوي على احتمال المواجهة هو أن موسكو بدأت بالتشكيك في فضائل استمرار حكم الرئيس الاسد بينما ترى فيه طهران حليفا مريحا من ناحية انتمائه العلوي ايضا، لتثبيت مكانتها في المنطقة. لا يدور الحديث عن شرخ أو قطيعة مطلقة، فلا تزال هناك مصالح مشتركة.

تتمثل الحكمة السياسية ليس فقط بالمبادرة الى خطوات دبلوماسية بل وايضا في استغلال اوضاع اصلها في اعتبارات ومصالح الجهات المختلفة. الانجاز السياسي والامني الاساس لنتنياهو في هذه الفترة كان في فهم الجوانب المختلفة للواقع الجغرافي السياسي في  الشرق الاوسط، وفي استنفاد الخطوات  السياسية والامنية الصحيحة النابعة عن ذلك – خطوات سمحت بـ “الاجراءات الكبرى” التي تحدث عنها رئيس الاركان السابق، واثارت ضمن امور اخرى حفيظة من كان حتى وقت أخير مضى رئيس لجنة الامن القومي والعلاقات الخارجية في البرلمان الايراني، الذي على حد قوله “يبدو أنه يوجد تنسيق بين اسرائيل ووحدات الدفاع الجوي الروسية في سوريا”. لا يمكننا أن نعارض أو نؤكد ادعاءاته، ولكن يمكن بالتأكيد القول ان تحقيق الاهداف الامنية الحيوية لاسرائيل، في ظل التوازن العملي بين المصالح الاستراتيجية العملية المشتركة مع روسيا وبين المصالح الاستراتيجية الدائمة مع الولايات المتحدة هو الانجاز الذي سيدرسه طلاب التاريخ والسياسة في المستقبل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى