ترجمات عبرية

معاريف– بقلم زلمان شوفال – تذكروا متأخرين

معاريف– بقلم  زلمان شوفال – 22/12/2020

لعموم مواطني فرنسا ممن يريدون أن يعيشوا حياتهم وفقا لتقاليدهم ينتظرهم اليوم صراع عنيد، ولكن سياسة ماكرون الجديدة هي الخطوة الاولى لاعطاء النفس لهذا التطلع. فرنسا توجد اليوم في حرب وجود ضد عدو داخلي. فهل ستتمكن منه؟ “.

إستيقظت فرنسا متأخرة، وليس واضحا اذا ما كانت متأخرة اكثر مما ينبغي. فبعد نحو شهرين من قطع رأس المعلم  الفرنسي صموئيل بيتي. بعد خمس سنوات من الهجمة الاجرامية على أسرة تحرير المجلة الهزلية “شارلي إيبدو”، وبعد عشرات وربما مئات عمليات الارهاب الاسلامية في أرجاء فرنسا – والكثير منها ضد اليهود – قرر الرئيس عمانويل ماكرون وحكومته القيام بالواجب الاول على كل حكومة – اي الحفاظ على أمن مواطنيها – سواء من خلال استخدام نشط للشرطة أم من خلال التشريع.

القانون الذي يوجد الان في مراحل التشريع في البرلمان وانكان يسمى باللغة النقية “القانون لتعزيز مبادىء الجمهورية”، ولكن هدفه الواضح هو مكافحة ما وصفه الرئيس ماكرون كـ “الانعزالية” الاسلامية، اي الظاهرة المتزايدة لدى الاقلية الاسلامية التي تتصرف كدولة داخل دولة وتكفر بالقواعد والمبادىء التي توجه الجمهورية الفرنسية. ولا تكفر فقط بالقواعد بل وتحاول ايضا اخضاعها بطرق عنيفة. ان حجم الاقلية الاسلامية في فرنسا يقدر بين 5.7 في المئة وضعف هذه النسبة، وهذه الميول الانفصالية تتغذى هذه الايام ايضا من الميل المنتشر في الغرب (وكذا في اسرائيل) الى “سياسة الهويات” التي تستند الى الميل الليبرالي لمراعاة خصوصية كل كيان قومي، اثني أو جماعة ثقافية على حساب المصلحة العامة والوطنية الشاملة. وبالمناسبة، اذا لم يعدل قانون المساواة، الذي يبحث الان بتسرع في الكنيست، من شأنه أن يشق الطريق الى الانفصالية في دولة اسرائيل.

مثل الغرب بعمومه، فان المجتمع والزعامة الفرنسيين لم يتمكنا من أن يفهما في الوقت المناسب الطبيعة الحقيقية للانعزالية الاسلامية، وهكذا نشأ مربض واسع لانتشارها في ارجاء الدولة. يشدد المشرعون الفرنسيون بان لا نية لهم للمس بحرية الدين، بل لمنع تحويل الدين الى منصة سياسية وتآمرية. ومثلما كتب بنيامين حداد، المسؤول عن اوروبا في معهد البحث الواشنطني “المجلس الاطلسي”: “اجرى ماكرون تمييزا واضحا بين الاغلبية الاسلامية… والاقلية الاسلامية التي هي ذات اهداف سياسية متطرفة”.  ولكن السؤال  اليوم هو هل بالفعل توجد في فرنسا حدود بهذا الوضوح بين الجهتين، ولا سيما ان الحديث عن الشبان الذين يتأثرون بالخطط الاسلامية المتطرفة في المساجد، ونتيجة لذلك انضم الالاف منهم الى صفوف داعش. سيحاول القانون معالجة ظواهر  الانفصالية والانعزالية من الاساس، سواء بالنسبة لـ “التعليم من البيت” والذي  تكون تعابيره العملية  هو التعليم على أيدي دعاة اسلاميين، وكذا بهدف الغاء مؤسسات المساعدة، المزعومة، التي هدفها قطع تعلق المسلمين بمؤسسات الدولة. يشدد القانون على أن المحظورات والقيود آنفة الذكر  ستفرض بالقوة.

وكما تعاقب أمريكا على خطيئة العبودية، تعاقب فرنسا اليوم على خطيئة الاستعمار. فالقرار المصطنع في حينه والذي يزعم بان الجزائر هي جزء من فرنسا، وهو الوهم الذي ديغول وحده بحكمته وجسارته وضع حدا له، ادى الى توطين عشرات الاف الجزائريين (وبقدر ما من سكان المغرب وتونس ايضا) دون صعوبة في فرنسا نفسها وتجذروا الى الوضع الاشكالي القائم اليوم. الكثيرون من المهاجرين، ولا سيما ابناؤهم  واحفادهم، انخرطوا بالفعل بشكل كامل ومثمر في المجتمع الفرنسي، في  اقتصاده وفي ثقافته.  ولكن ليس  هؤلاء  هم الذين  يقررون النبرة بل من يفضلون تخليد وجودهم المنفصل.

منذ الثورة في 1789  تعيش فرنسا في تناقض داخلي يقترب احيانا من الخداع الذاتي. والشعار الذي يعلو كل مبنى حكومي، “الحرية، المساواة، الاخوة” هو نوع من الشعارات مثل “يا عمال العالم اتحدوا” التي لا يوجد الكثير مما يقف خلفها.  قد يكون من الصعب ايجاد شعب آخر تناسبه كلمة “الاخوة” اقل من الفرنسيين. وبالنسبة للمساواة، فانه مثلما في كل مجتمع يوجد متساوون  اكثر  ومتساوون  اقل.

الثورة الفرنسية، التي وضعت حدا لطغيان واحد خلقت طغيانا من نوع آخر، بما في ذلك تجاه اليهود الذين سعوا لان يواصلوا حياتهم كيهود، لكن كجزء من المجتمع الفرنسي، بخلاف الميول الانعزالية للمسلمين اليوم. والخداع الذي في شعار المساواة بالنسبة لليهود تبين بكامل حدته لثيودور هرتسل في إبان محاكمة درايفوس واتسع الى حجوم وحشية في الحرب العالمية الثانية عندما بعثت حكومة فيشي التي أيدها معظم الشعب الفرنسي باليهود مواليد ومواطني فرنسا لمعسكرات الموت النازية.

ليهود فرنسا يوجد اليوم بديل، الهجرة الى اسرائيل، ولكن لعموم مواطني فرنسا ممن يريدون أن يعيشوا حياتهم وفقا لتقاليدهم ينتظرهم اليوم صراع عنيد، ولكن سياسة ماكرون الجديدة هي الخطوة الاولى لاعطاء النفس لهذا التطلع. فرنسا توجد  اليوم في حرب وجود ضد عدو داخلي. فهل ستتمكن منه؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى