ترجمات عبرية

معاريف– بقلم زلمان شوفال – تاريخ زائف

معاريف– بقلم زلمان  شوفال – 5/5/2020

أجندة محافل مناهضة لإسرائيل في اليسار الأمريكي تدعي بان كفاح اليهود للاستقلال هو مؤامرة استعمارية لجني الأرباح على ظهر  العرب. أما حقيقة أن احد المباديء الأكثر أساسية للمشروع الصهيوني هو “العمل العبري” فلا تمنعهم من نشر الكذب “.

“أنباء زائفة” هو  الزيف الان. “تاريخ زائف” هو زيف الامس.  لقد وصف نابليون  التاريخ بانه “جملة من الاكاذيب المتفق عليها”. النازيون في المانيا والبلاشفة في روسيا السوفياتية كانوا خبراء في هندسة التاريخ خدمة لاهدافهم السياسية – والفنانون من هذه الناحية هم أيضا الزعماء الفلسطينيون، الذين الى جانب جهودهم لاثبات الوجود التاريخي المزعوم لشعب فلسطيني يحاولون التشكيك بالصلة التاريخية للشعب اليهودي ببلاد اسرائيل وبالقدس خاصة.

ولكن من قدم هذه الايام النموذج الاكثر صخبا “للتاريخ الزائف” هي “النيويورك تايمز” التي بادرت الى مشروع تاريخي واسع في موضوع العبودية في امريكا. وورد في المقدمة: “لا يوجد اي جانب (حول امريكا) لا يتعلق بعهد العبودية، وحان أخيرا الوقت لطرح القصة الحقيقية” –  ولكن هذه، أي القصة الحقيقية، هي بالضبط ما لم يحصل، إذ أن قسما من الادعاءات الاساسية في هذا البحث بعيدة جدا عن الحقيقة. على رأس المشروع الذي يسمى 1619 (السنة التي وصل فيها العبيد الافارقة الاوائل الى شواطيء فيرجينيا) وضعت صحافية ونشيطة اجتماعية أفرو-أمريكية تسمى نيكول هينه – جونس، قررت على ما يبدو مسبقا أن تكيف الاستنتاجات مع ارائها.

فقولها الاساس هو أن السبب الاساس لحرب الاستقلال الامريكية ضد حكم الاستعمار البريطاني في الاعوام 1775 – 1783 كان تصميم المستوطنين الامريكيين على الاحتفاظ بمؤسسة العبودية التي على اساسها كان يقوم ازدهارهم الاقتصادي، وذلك لانهم خافوا من أن الميول ضد العبودية في الرأي العام وفي البرلمان البريطاني سيؤدي الى الغاء العبودية، مصدر رزقهم، في امريكا ايضا. بتعبير آخر، لم يكن التطلع الى الحرية والديمقراطية، ولم تكن الضرائب التي فرضتها بريطانيا عليهم، ولم تكن الافكار الليبرالية التي تلقاها قادة الكفاح من أجل الاستقلال من المفكرين الاوروبيين – بل فقط حساب الجيب. بل انها تصور الرئيس ابراهام لينكولن الذي كان تحرير العبيد بالتأكيد هدفه المركزي في الحرب الاهلية الامريكية للشمال ضد الجنوب، كعنصري متخفٍ. هينه – جونس لا تتناول حقيقة ان في بعض من الولايات الشمالية مثل فيرموند وبنسلفانيا بدأت العبودية على اي حال تتقلص وان بعض الجنرالات البريطانيين عملوا بالذات على تحرير العبيد – فهي تعود وتقول بالقطع ان “كل تميز امريكا، قوتها الاقتصادية والصناعية، وحتى طريقة الانتخابات لديها هي ثمار العبودية – بمعنى انها نتيجة استعباد الامريكيين السود – وبالنسبة لها فان مجرد “الحلم الامريكي” هي كابوس.

مؤرخون امريكيون كثيرون وشهيرون، بمن فيهم أفرو-أمريكيون، وان كانوا لم يقبلوا الصورة الشوهاء والمغرضة للبحث، الا ان “النيويورك تايمز” فضلت الا تتعاطى مع النقد تقريبا، ولا حتى نقد البروفيسورة ليسلي هارس من جامعة “نورث ويسترن”، الخبيرة المقدرة لتاريخ السود في امريكا وهي نفسها أفرو-أمريكية – وان كانت في البداية استأجرتها كي تفحص المادة قبل نشرها. ان “النيويورك تايمز” لم تعد منذ زمن بعيد المصدر الموثوق الذي كان ذات مرة، ولكن الضرر المحتمل لهذا البحث المشوه هو أن ثمار ال   بحث بدأت تتسلل الى برامج التعليم في أرجاء الولايات المتحدة ومن شأنها أن تجعل التاريخ الزائف تعليما للتاريخ على نحو عادي. لا يوجد بالطبع انتقاد مبرر لتشويهات مشروع 1619 للتقليل من الاشمئزاز من مجرد ان مؤسسة العبودية في امريكا هي وصمة لا تمحى على إرثها أو من وحشية الكثيرين من مالكي العبيد ولا حتى من ازدواجية بعض من الاباء المؤسسين للولايات المتحدة الذين كانوا بأنفسهم مالكين للعبيد.

يتجاهل مشروع هينه – جونس تماما وعلى ما  يبدو ليس صدفة، الدور المركزي الذي أداه العرب في تجارة العبيد، في القبض عليهم وفي اقتيادهم الى الموانيء التي انطلقت منها سفن العبيد الى أمريكا. ومن الصعب التحرر من الانطباع مثلما قيل في  احدى المدونات السياسية الامريكية، بان “مشروع 1619 جاء لتحقيق اهداف سياسية لليسار”.

لن يكون مستغربا اذا ما تبين أيضا بان هناك تقاربا ايديولوجيا وسياسيا بين قادة المشروع آنف الذكر والمجموعة اليسارية المناهضة لاسرائيل وبعضها لاسامي ومؤيد لـ BDS في الكونغرس الأمريكي. وكذا سياسيون سود من التيار المركزي الأمريكي، مثل كونداليزا رايس، وزيرة الخارجية في إدارة جورج بوش الابن. بوش والرئيس أوباما، سبق أن شبهوا في الماضي بين وضع الفلسطينيين ووضع السود في حينه في أمريكا، ولكن أجندة الجهات المناهضة لإسرائيل في اليسار الأمريكي تدعي بان كل المشروع الصهيوني ليس سوى مؤامرة استعمارية من اليهود بدعم من القوى العظمى لجني الأرباح الاقتصادية على ظهر السكان العرب. بالضبط مثل الكفاح الأمريكي للحرية وللاستقلال، هكذا أيضا الكفاح اليهودي للحرية والاستقلال ليس الا غطاء مزعوما لاستغلال استعماري للعمل العربي الرخيص. ان حقيقة أن احد المباديء الأكثر أساسية للمشروع الصهيوني كان “العمل العبري” لا تمنع بالطبع الجهات آنفة الذكر من مواصلة نشر “تاريخهم الزائف” المناهض لإسرائيل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى