ترجمات عبرية

معاريف– بقلم زلمان شوفال – النبش في القدر

معاريف– بقلم زلمان  شوفال4/8/2020

بدلا من شرق أوسط جديد نتصدى اليوم لشرق اوسط جديد – قديم من الفوضى، الاضطرابات والمنافسة بين القوى العظمى. الان على الاقل بات معظم العالم يفهم بانالنزاع العربي الاسرائيلي ليس  العامل الاساس في عدم الاستقرار في المنطقة “.

“الشرق الاوسط الجديد لشمعون بيرس الراحل لفظ أنفاسه منذ زمن بعيد، وحل محله الشرق الاوسط الجديد – القديم من الفوضى، الاضطراب والمنافسة بين القوى العظمى. جزيرة منعزلة من الاستقرار في القدر الجغرافي – السياسي هذا هي اسرائيل (وهذه ايضا من شأنها أن تهتز اذا ما واصلت الفوضى على نمط ميدان باريس). كما أن التعريف “الشرق الاوسط” آخذ بالسقوط بينما يحل محله في هذه اللحظة اصطلاح “شرق البحر المتوسط”.

في الماضي في قسم كبير من وزارات الخارجية في العالم كانت نوع من المثالية المطلقة التي تقول ان  النزاع الاسرائيلي – الفلسطيني هو السبب الواحد والوحيد لانعدام الاستقرار في الشرق الاوسط ولكل مشاكل امريكا والغرب عموما في المنطقة. فالمستشار السياسي للرئيس  كارتر، زبيغنييف بججنسكي مثلا لم يترك اي فرصة كي يقول ان “الطريق الى بغداد (او الى اي مكان آخر في المجال) تمر في القدس” مع تلميح واضح بان القدس، اي اسرائيل، هي المذنبة في كل المشاكل. وعندما شرحت في محاضرة القيتها في الجامعة العسكرية في واشنطن قبل نحو 30 سنة بانه منذ الحرب ا لعالمية الثانية لم يكن لعشرات الحروب في منطقتنا اي صلة باسرائيل، قد أكون اقنعت جمهور المستمعين، ولكن مشكوك أن اكون حركت “خبراء” الشرق الاوسط المهنيين  عن شعارهم.

وذلك على الاقل الى ان صفعتهم احداث مثل الثورة الاسلامية في ايران، حرب الخليج الاولى، ارهاب القاعدة وداعش، الحرب الاهلية في سوريا “الربيع العربي” وما شابه. فضلا عن ذلك، كما كتب مؤخرا رجل العلوم السياسية الفرنسي جيل كابل في كتابه “الابتعاد عن الفوضى”: “بعد حرب يوم الغفران في 1973 كان الارهاب الاسلامي، الخصومة المتطرفة بين طهران والرياض، غزو الاتحاد السوفياتي في افغانستان والجهادية الدولية في اعقابه  – هذه وليس النزاع الاسرائيلي العربي هي التي عرفت ما حصل منذئذ في الشرق الاوسط”. لقد كان كابل متفائلا بالنسبة للتطورات في العالم  العربي البراغماتي. وبالفعل فان تقارب المصالح بين اسرائيل وبعض من هذه البلدان على خلفية التهديد المشترك من ايران يؤكد هذا التقدير، ولكن في شرق البحر المتوسط لا يوجد اي شيء ثابت والامور يمكنها أن تتغير بين ليلة وضحاها، ايجابا أو سلبا.

ولئن كانت الولايات المتحدة في الماضي القوى العظمى الاجنبية المؤثرة الاساسية في المنطقة، ففي عهد اوباما وترامب تآكلت مكانتها،  بينما تعاظمت مكانة روسيا بالتوازي، وفي نفس  الوقت اصبحت المنطقة ساحة لانتشار هيمنة اللاعبين المحليين، ايران وتركيا. الميول العدوانية والارهابية لايران تتواصل عمليا منذ الثورة الاسلامية في 1979، ولكنها ارتفعت درجة بعد الاتفاق النووي بينها وبين الولايات المتحدة، روسيا، الصين والاتحاد الاوروبي، وفي اعقاب قرار الرئيس اوباما الهجر التدريجي للشرق الاوسط (النية التي واصلها الرئيس ترامب ايضا) ولاحقا لتدخلها، الى جانب روسيا، في الحرب  الاهلية السورية في صالح الرئيس الاسد. صحيح أن الميول العدوانية لطهران اصطدمت باعمال مضادة بانواع مختلفة من جانب اسرائيل، بما في ذلك نصب حواجز في وجه اعمالها في سوريا، لكن هذه ليست نهاية المعركة، فما بالك ان تسمح سياسة تصالحة من جانب ادارة ديمقراطية في الولايات المتحدة، تلغي معظم الخطوات التي اتخذتها ادارة ترامب ضد طهران، بالعودة الى عادتها القديمة.

كما ان لقصة تركيا خلفية هيمنة تنغرس في الماضي العثماني وفي الايديولوجيا الاسلامية السُنية للرئيس اردوغان. واذا كان يمكن للخطوات الايرانية أن تؤدي في نهاية المطاف الى اشتعال مباشر، ليس بالتحكم من بعيد او من خلال مبعوثين مثل حزب الله والميليشيات الشيعية المختلفة التي تأتمر بإمرتها، فان المبادرات التركية التي تستهدف تثبيت مكانتها السياسية والاقتصادية، من شأنها أن تصبح بؤرة اشتعال في المنطقة كلها وتمس باوروبا ايضا. ان السعي التركي الى الهيمنة ينبع من اسباب جغرافية – سياسية وسياسية داخلية ترتبط بالمواجهة مع أقليتها الكردية واخوانها في سوريا (وفي العراق) أم المصالح المرتبطة بمقدرات الغاز الطبيعي والنفط في شرق البحر المتوسط وبهدف التخريب على مخططات اليونان، قبرص، اسرائيل ومصر في هذا السياق. ليبيا، بعد مقتل معمر القذافي، اصبحت سلسلة حروب الكل ضد الكل، حيث  الى جانب الجهات المحلية والمرتزقة المختلفين ارتبطت ايضا “نوع من الامم المتحدة الصغرى” من الدول الاجنبية: من جهة تركيا، التي هي كما يذكر عضو في الناتو، ومن جهة اخرى مصر، روسيا، اتحاد الامارات وفرنسا التي هي ايضا عضو في الناتو.  بالفعل، شرق  اوسط جديد؟

******

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى